منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وجدت حكومتا بريطانيا وفرنسا فيها فرصة مثالية للالتفاف على مشكلات داخلية. ونيل المزيد من الرضا الشعبي بالظهور كحامي حمى أوروبا، وفرض المزيد من العقوبات على موسكو. وفتح المجال واسعًا لدعم الرئيس الأوكراني فولديمير زلينسكي، لكن طول أمد الحرب أتى بنتائج عكسية.

في فرنسا، حدت الضغوط الدبلوماسية للحرب من التأثيرات التي كان يتمناها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 44 عامًا. في تعزيز حملته لإعادة انتخابه بعد تراجعه في استطلاعات الرأي. وأن يكون أول رئيس فرنسي يفوز بإعادة انتخابه خلال 20 عامًا. بعدما انخفضت حظوظه مؤخرًا بنقطتين إلى ثلاث نقاط باستطلاعات الرأي. مع تضييق الفجوة بينه وبين المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان.

مارين لوبان، المنافسة استغلت الأمور. وخفضت هي الأخرى من خطابها وصورتها وهي تحاول الإطاحة بالرئيس الوسطي ماكرون بالانتخابات المقبلة. التي ستجرى على جولتين يومي 10 و24 أبريل/نيسان، ولأكثر من عقد من الزمان، اشتهرت لوبان بموقفها الشرس المناهض للهجرة. حيث رأت نفسها حارسة على حواجز الحضارة الفرنسية، وهي الآن تعمل على شحذ القوة الشرائية للمستهلكين. وهي الشغل الشاغل للناخبين.

قالت لوبان، رئيس حزب التجمع الوطني، خلال عرض تلفزيوني يعرض أسئلة الناخبين: “من الواضح أنني أعتبر أن الهجرة وانعدام الأمن مشكلتان خطيرتان تحتاجان إلى إجابات عاجلة. ولكن ليس هناك ذلك فقط.. أنا قلقة بشأن تدبير لقمة العيش بقدر ما تقلق من نهاية فرنسا”. 

رغم أن ماكرون لا يزال المرشح المفضل، يُنظر إلى الأيام العشرة المقبلة من الحملة الانتخابية. على أنها محفوفة بالمخاطر وسط الغضب من تكلفة المعيشة وخيبة الأمل من مستوى نقاش الحملة والسياسة بشكل عام.

ماكرون بموقف صعب بعد تراجعه في استطلاعات الرأي

فاز ماكرون عام 2017 بوعود بتحسين بيئة الأعمال بتخفيضات ضريبية وتشجيع العمل بإدخال تغييرات على قوانين العمل والرعاية الاجتماعية. ولكن بعد موجة من الإجراءات في السنة الأولى من رئاسته، تباطأت حركة الإصلاح تلك بسبب حركة السترات الصفراء. وتوقفت بسبب جائحة كورونا.

يعد الرئيس الفرنسي في حملته الانتخابية بمواصلة خفض معدلات الضرائب لدفع النشاط الاقتصادي. وتخفيف العبء المالي على العمالة، وبالنسبة للشركات، كما يخطط لمزيد من التخفيضات في الرسوم المفروضة على الإنتاج. وخفض الرسوم على العاملين لحسابهم الخاص.

ارتفع معدل التضخم بفرنسا بنسبة أكبر من المتوقع ليصل لمستوى قياسي إلى 5.1% خلال مارس/آذار مقارنة بالعام الماضي. فيما تعد أعلى نسبة تضخم يتم تسجيلها منذ بدء تجميع البيانات عام 1997، وكان محللو وكالة بلومبرج للأنباء، قد توقعوا أن يبلغ معدل التضخم 4.9%.

قطاع من الطبقة الوسطى بفرنسا، يشكو كثيرا من ارتفاع الأسعار، ويؤكد أنه لا يشعر أن حياته تحسنت كثيرًا. فماكرون الذي كان مصرفيًا استثماريًا ووزير اقتصاد سابق، لا يقوم إلا بإصلاحات للأثرياء في عرفهم. مرددين بذلك أقوالا انتشرت في المجتمع الفرنسي مرتبطة بإلغاء ماكرون لضريبة الثروة في 2018.

لكن الرئيس الفرنسي يتعهد بإلغاء رسوم ترخيص التلفزيون ورفع سقف الميراث المعفى من الضرائب. وتكلف التخفيضات الدولة ما مجموعه 15 مليار يورو (16.5 مليار دولار) بمجرد تنفيذها بالكامل. ومن المقرر أن تصل التكلفة الإجمالية لبرنامج ماكرون الانتخابي إلى 50 مليار يورو سنويًا. بحلول نهاية فترة خمس سنوات عام 2027.

تراجع شعبية ماكرون

أشار استطلاع الرأي الذي أجراه معهد إيفوب لصالح صحيفة “لو جورنال دو ديمانش“. أن ماكرون حصل على 27% من نوايا التصويت بانخفاض بنحو 2.5 نقطة مقارنة بآخر استطلاع أجري منذ أسبوعين. بينما واصلت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان صعودها حيث حصلت على 22% من الأصوات. بزيادة قدرها 3.5 نقطة عن مارس/آذار الماضي.

وعادت مارين لوبان إلى مستواها قبل خمس سنوات وفق الاستطلاع. حيث حازت على نسبة 21.3% من الأصوات في الجولة الأولى. بينما لا يزال ماكرون يحتفظ بثلاث نقاط أكثر مما كان عليه في العام 2017 بواقع 24%. ولا يفصل بين المرشحين سوى خمس نقاط، مقابل 11 نقطة سابقا.. مع الأخذ في الاعتبار هوامش الخطأ، التي تبلغ حوالي 2.3 نقطة.

فيما تتسع الفجوة بين مارين لوبان التي تحتل المركز الثاني وبين مرشح حزب “فرنسا الأبية” أقصى اليسار جان لوك ميلنشون. الذي يحتل المركز الثالث على الرغم من التقدم الذي أحرزه مؤخرا وارتفاع نسبته بمقدار نقطتين ليصل إلى 15% من نوايا التصويت.

فتح التحقيقات في فضيحة حفلات جونسون

في بريطانيا، حاول رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون استغلال أزمة أوكرانيا. للالتفاف على مشكلة فضيحة “حفلات داونينج ستريت” قبل أن تتفجر الأمور مجدداً. بعد أن قررت الشرطة تغريم 20  شخصًا لخرقهم قرارات الإغلاق، في حفل تم تنظيمه بمقر مجلس الوزراء الذي يصدر قرارات الإغلاق.

وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية، يمكن وصف الخطوة التي اتخذتها شرطة العاصمة. على أنها تأكيد واضح لخرق القانون بقلب في داونينج ستريت. ورغم أن تهديد بعض نواب حزب المحافظين بإقالته في الأسابيع الأخيرة تضاءل وسط الأزمة في أوكرانيا. لكن تأكيد العقوبات الأولى أعاد إشعال الحديث عن تحدٍ محتمل.

وقال نواب حزب المحافظين الذين دعوا في السابق لإقالة جونسون إنهم سيوحدون الآن جهودهم لإقناع زملائهم بأن رئيس الوزراء كذب على البرلمان. وقال أحدهم: “إنه أول دليل على انتهاك القوانين رغم “النفي”، وإذا تم تغريم جونسون. فإن التهديد بإجراء تصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء قد يطفو على السطح.

تركت فضيحة الحفلة فترة ولاية جونسون غير مستقرة قبل أن تشن روسيا حربًا في أوكرانيا منذ أكثر من شهر. والتي أعطت السياسيين البريطانيين أولويات أكثر إلحاحًا. لكن الشرطة واصلت تحقيقاتها مع عشرات السياسيين والمسؤولين بشأن مزاعم بأن الحكومة انتهكت قيودها الوبائية. وأرسلت استبيانات لأكثر من 100  شخص، بمن فيهم رئيس الوزراء وأجروا مقابلات مع شهود. كجزء من التحقيق كما أجازت 20 غرامة.

صفعة على الوجه

زعيم حزب العمال قال: “إذا تلقت كاري جونسون زوجة رئيس الوزراء إشعارًا بغرامة ثابتة. فيجب بالطبع الإعلان عن ذلك.. ينصب تركيزي على رئيس الوزراء لأنه هو من يضع الثقافة. وهو الذي أشرف على هذه الجريمة في منزله ومكتبه. وهو الشخص الذي جاء إلى البرلمان وقال إنه تم الالتزام بجميع القواعد. وهو من الواضح أن الأمر ليس كذلك”.

أنجيلا راينر، نائبة زعيم حزب العمال المعارض. قالت إن ما كشف عنه الحزب الحاكم كان “صفعة على الوجه” للملايين الذين اتبعوا القيود الوطنية المتعلقة بفيروس كورونا. مضيفة أن المسؤولية تقع على عاتق رئيس الوزراء الذي قضى شهوراً في الكذب على الشعب البريطاني. ولهذا “السبب كان عليه أن يرحل”.