لمواجهة التحديات المناخية والبيئية، صاغت دول الاتحاد الأوروبي ما يُعرف بـ “الصفقة الخضراء“. والتي تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030، والتحول إلى محايد مناخيًا بحلول عام 2050. تمت صياغة الصفقة الخضراء كاستراتيجية نمو. للمساعدة في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصادات الأوروبية، من خلال تقليل انبعاثات الكربون، وفصل النمو الاقتصادي عن استخدام الموارد.

في الوقت نفسه، تبقى أحد أهم أهداف الاستراتيجية هي تعزيز القيادة العالمية للاتحاد الأوروبي. من خلال إنشاء شراكات في البيئة والطاقة والمناخ مع شركائه وجيرانه. مثل هذا البرنامج يتطلب -بشكل أساسي- جهودًا متعددة الأطراف. أقرت بذلك بالفعل المفوضية الأوروبية، التي سلطت الضوء منذ البداية. على الحاجة إلى الاستفادة من نفوذ الاتحاد الأوروبي، وخبرته، وموارده المالية. في إطار “دبلوماسية الصفقة الخضراء” كطريقة لتعبئة الجيران والشركاء في هذا المسعى المشترك.

وفي حين يُنظر إلى الولايات المتحدة والصين على أنهما أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. يجب عدم إغفال دول شمال أفريقيا. لأنها -بحكم تواجدها جنوب أوروبا- مرشحة طبيعية لهذه الشراكة الدبلوماسية. انخرطت هذه الدول -على مستويات مختلفة- في التحول إلى الطاقة الخضراء. وتنفيذ الاستثمارات، ووضع السياسات في مجال الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة.

تعهدت المغرب ومصر وتونس بشكل واضح بإزالة الكربون من اقتصاداتها، بينما تأخرت الجزائر وليبيا كثيرًا عن الركب. تقدر التوقعات أن مصر ستكون من بين أفضل 20 دولة في جميع أنحاء العالم مع أكبر عدد سكان حضري متوقع بحلول عام 2050: 85.3 مليون مواطن. وفق UNDESA 2018. لكن، من خلال زيادة تعطيل سلاسل التوريد والإمدادات الغذائية للمنطقة -المتضررة بالفعل من جائحة كوفيد 19- تأتي زيادة حادة في أسعار النفط والغاز والسلع الأخرى.

اقرأ أيضا: من أجل فهم طريق مصر الطويل نحو إزالة الكربون

سياسة الجوار والاستراتيجية والبوصلة

يلفت أمين بنيس، الخبير الاستراتيجي بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI، إلى أن الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي والبوصلة الاستراتيجية التي تم تبنيها مؤخرًا. من المقرر أن تعمل كأداة لسياسة الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي. إلى تغير المناخ، والاعتماد على الوقود الأحفوري -بما في ذلك واردات الطاقة الروسية- والإمداد من مصادر الطاقة الجديدة كمصدر للتحديات وعدم الاستقرار.

بالتالي، إذا اتخذ الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه موقفًا جيوسياسيًا تجاه دول شمال أفريقيا المنخرطة في انتقال الطاقة الخضراء في المنطقة -بما في ذلك المغرب. الذي يتجه نحو الوصول إلى طاقته المستهدفة للكهرباء بنسبة 42% من الطاقات المتجددة. بحلول عام 2023- فإن ذلك يدعم تعزيز العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه هؤلاء الشركاء الاستراتيجيين.

وبينما انضمت إسبانيا إلى ألمانيا في خطوة استراتيجية لتأييد الاقتراح المغربي. بشأن وضع الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية. باعتباره “جديًا وموثوقًا وواقعيًا”. يمكن أن يترجم هذا إلى مزيد من الشراكات والاستثمارات والتعاون في انتقال الطاقة الخضراء. من ناحية أخرى، كلتاهما -إسبانيا وألمانيا- ستزيد وارداتهما من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

يأتي الغاز الأمريكي بدلاً من الجزائر -ثالث أكبر مورد للغاز إلى الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من النصف الأول من عام 2021- بينما تسعى إيطاليا لإمداد إضافي عبر خط الأنابيب عبر البحر الأبيض المتوسط ​​-الجزائر/ تونس/ إيطاليا- يأتي ذلك في سياق إغلاق خط أنابيب الغاز المغاربي/ الأوروبي -الجزائر، المغرب، إسبانيا- وصعوبات توريد كميات إضافية من الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر خط أنابيب ميد غاز -الجزائر/ إسبانيا.

يرى بنيس أن هذه العوامل “يمكن أن تقود الجزائر إلى مزيد من تجاهل التقدم في انتقال الطاقة الخضراء البطيء بالفعل”. مع الأخذ في الاعتبار أن التعاون مع الاتحاد الأوروبي على هذه الجبهة “محدود حتى الآن”. كذلك، يمكن لمصر أيضًا زيادة إمداداتها من الغاز إلى أوروبا، مع متابعة أجندة انتقال الطاقة الخضراء. والتي يمكن أن تعزز نفوذها في شرق البحر الأبيض المتوسط.

الاتجاهات الديموغرافية والتوسع الحضري في أفريقيا

في تقرير آخر، نشره سابقًا ISPI، ضمن سلسلة تقارير عن ضرورة هذا التحول لبلدان شمال أفريقيا يشير الباحث ألدو ليجا إلى أن شمال أفريقيا تعد منطقة متنوعة للغاية من منظور الطاقة. كما أن الطلب على الطاقة آخذ في الارتفاع في كل دولة. بالإضافة إلى استهلاك الوقود الأحفوري، حيث يمثل النفط ما بين 45% و85% من استهلاك الطاقة النهائي في جميع أنحاء المنطقة. ويظل ثاني أكسيد الكربون مرتبطًا بالاتجاهات الديموغرافية المتزايدة، والتوسع الحضري السريع، والنمو الاقتصادي.

وبينما تعتمد كلًا من تونس والمغرب بشكل كبير على واردات الطاقة، تعد الجزائر ومصر وليبيا مُصدِّرين صافين للنفط أو الغاز الطبيعي. يقول ليجا إن الدول الخمس لديها موارد طاقة مختلفة، ومصادر مختلفة لتوليد الكهرباء. وبالتالي، فإن المسار نحو التحول إلى الطاقة النظيفة له تأثير مختلف على كل من اقتصاداتها ومجتمعاتها. ذلك نظرًا لتكوين مزيج الطاقة الخاص بها، ودور قطاع الطاقة وواردات الطاقة.

وفي منطقة أثبتت فيها محاولات الإصلاح إلى الآن أنها “غير كافية، مع نتائج ملموسة محدودة”، يتم إعاقة تحولات الطاقة بسبب القدرات المؤسسية المحدودة والقوانين واللوائح الداعمة للكشف عن الاستثمارات الخاصة. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية الأخيرة، فإن الافتقار إلى آليات دعم موثوقة، وإجراءات ترخيص واضحة، إلى جانب بيئات العمل الضعيفة التي أعاقت إمكانات المنطقة، يلعب الاستقرار السياسي وأساسيات الاقتصادات المحلية دورًا في مسار التحول.

اقرأ أيضا: هل تتوجه ألمانيا نحو أفريقيا لحل أزمة الطاقة بسبب حرب أوكرانيا؟

تمويل أوروبا للتحول الأخضر في شمال أفريقيا

في يونيو/حزيران 2021، اعتمد الاتحاد الأوروبي اللائحة الجديدة “أداة أوروبا العالمية”. التي تهدف إلى تمويل التعاون الدولي، بما في ذلك جيرانهم في جنوب المتوسط. بميزانية أولية قدرها 79.46 مليار يورو للفترة 2021-2027. يُخصص 30٪ منها لدعم أهداف المناخ. وأصبحت منصة التمويل الرئيسية للاتحاد الأوروبي، لتعزيز التحول الأخضر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك شمال أفريقيا.

توفر اللائحة الجديدة التمويل من خلال المنح والمساعدة الفنية والأدوات المالية وضمانات الميزانية. بشكل أكثر تحديدًا، تهدف إلى تحفيز الاستثمارات كوسيلة للمساهمة في النمو المستدام والشامل. ومكافحة تغير المناخ، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، والنزوح القسري.

بالإضافة إلى ذلك، في فبراير/شباط 2021. اقترحت المفوضية الأوروبية شراكة متجددة وأجندة جديدة للبحر المتوسط. مع أجندة سياسات إقليمية محدثة، للتركيز على الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي المستدام على المدى الطويل، وخلق فرص العمل. كجزء من جدول الأعمال هذا، اقترحت المفوضية خطة اقتصادية واستثمارية لدول الجوار الجنوبية. تدرج سلسلة من الاستثمارات والمشاريع الرئيسية، التي يمكن تمويلها في إطار أداة أوروبا العالمية، لزيادة المساهمة في النمو المستدام والشامل. والتفكير الرائد في نشر أدوات تمويل مبتكرة، بما في ذلك “السندات الخضراء”.

يهدف هذا إلى تعزيز تحول الطاقة. من خلال الدفع نحو الاقتصاد الأخضر في مصر، ودعم المغرب في تحقيق أهدافه المتعلقة بالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وتسريع انتقال الطاقة في الجزائر. ومن ثم، فإن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه هم أكبر المانحين لمساعدات التنمية في العالم وأكبر المساهمين في تمويل المناخ.

مع ذلك، مع تخصيص 19.32 مليار يورو “فقط” لشمال أفريقيا بأكمله. تظل هذه الميزانية محدودة، من حيث تمويل تنفيذ المساهمات الوطنية المحددة لعام 2030 لبلدان شمال أفريقيا. تتراوح الاحتياجات النقدية لبعض هذه البلدان بين 40 مليار دولار للمغرب، و 73.04 مليار دولار لمصر، و 19.4 مليار دولار أمريكي لتونس.

الدفع نحو الاقتصاد الأخضر

المبادرة المشتركة الجديدة “البوابة العالمية” من المفوضية الأوروبية، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. تشبه استجابة مؤقتة لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية. ربما لا يبدو أنها حشدت أموالًا جديدة للاستثمارات الخضراء. ولكنها ستستفيد -بالأحرى- من تمويل أداة أوروبا العالمية وغيرها من المبادرات القائمة.

مع ذلك، فإن الإنشاء المخطط له لمنشأة ائتمان الصادرات الأوروبية -كجزء من الأداة العالمية- على الرغم من أنها تهدف إلى معالجة تشويه المنافسة. يمكن أن تكون أيضًا أداة مفيدة في التخفيف من مخاطر الأسواق الناشئة. وبالتالي، قد تجذب استثمارات إضافية في مجال الطاقة المتجددة في شمال أفريقيا.

أيضًا، يعد استخدام مشروعات الاتحاد الأوروبي ذات الاهتمام المشترك. مصدرًا آخر لتمويل البنية التحتية لتوصيل الطاقة الخضراء عبر البحر الأبيض المتوسط. ضمن هذا الإطار، يمكن للمشاريع المؤهلة التقدم بطلب للحصول على تمويل منح بموجب مرفق ربط أوروبا. حتى الآن، اجتذب الاهتمام فقط مشروع إلماد للربط الكهربائي بين تونس وصقلية بقدرة 600 ميجاوات.

يشير أمين بنيست إلى أن المبادرة الأخيرة لتعزيز تجارة الكهرباء المتجددة بين المغرب وسوق الطاقة الداخلية الأوروبية يجب أن تستحق اهتمامًا أكبر “لأنها تظهر أنها واعدة”. يقول: يمكن أن يؤدي ربط شبكة الكهرباء الأوكرانية بالشبكة الأوروبية. إلى توليد المزيد من الزخم لمشاريع الربط البيني عبر البحر الأبيض المتوسط. ​​كأداة استقرار للتخفيف من السياقات الهشة في الجوار الجنوبي، مثل محطات الطاقة المعيبة أو فصل الأحمال الكهربائية.

حتى الآن، من أبرز الإنجازات في مجال الطاقات المتجددة في شمال أفريقيا المستفيدة من التمويل الأوروبي: مزرعة الرياح المصرية بقدرة 240 ميجاوات غرب خليج السويس، وأول محطة كهروضوئية متصلة بشبكة الكهرباء الوطنية في كوم أمبو في أسوان.  وأيضًا مشاريع الطاقة الشمسية المغربية، مع اكتمال 580 ميجاوات من مجمع نور ورزازات. ومبادرة نور ميدلت المستمرة بقدرة 1600 ميجاوات.

اقرأ أيضا: رغم “حديث العقوبات”.. أمريكا ترفع استيرادها من نفط روسيا 43%.. وتخفض التنقيب المحلي

تطوير الهيدروجين الأخضر في شمال أفريقيا للمساعدة في إزالة الكربون من أوروبا

يمثل هدف الاتحاد الأوروبي، المتمثل في الحياد المناخي بحلول عام 2050، تحديًا. خاصة وأن العديد من الدول الأعضاء ستكافح لإنتاج الطاقة المتجددة اللازمة لتحقيق مثل هذا الهدف. على هذا النحو، قد يحتاجون إلى الاعتماد على الشركاء والحلفاء.

في يوليو/تموز 2020، تبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية جديدة لتكامل نظام الطاقة. واستراتيجية جديدة للهيدروجين لتعزيز استخدام الهيدروجين الأخضر في الدول الأعضاء فيه. تركز هذه السياسة على الهيدروجين كبديل محتمل خالٍ من الكربون للوقود الأحفوري. حيث يتم إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي، إلى جانب الطاقة المتجددة. ودفع واردات الهيدروجين الأخضر من شمال أفريقيا لمسافات طويلة باستخدام أنابيب الغاز.

ويمكن أن يؤدي الترويج للهيدروجين الأخضر إلى تطوير صناعات الهيدروجين الخضراء المحلية والإقليمية. بالإضافة إلى إنشاء منتجات صناعية جديدة، مثل الأسمدة الخضراء والأسمنت والصلب. التي تمثل ثلاثة مخرجات مهمة لاقتصاديات شمال أفريقيا. ستتطلب مثل هذه المشاريع شراكات بين دول أوروبا وشمال أفريقيا المنخرطة في استراتيجيات الهيدروجين، مع رواد مثل المغرب، الذي وضع استراتيجية ومجموعة لتعزيز ظهور صناعة الهيدروجين. مثل التعاون بين المغرب وألمانيا بشأن الهيدروجين الأخضر، والذي استؤنف بعد عام من الضغط على العلاقات. بينما وقعت مصر عدة شراكات مع شركتي سيمنز وسكاتيك لتكليف مشروعات تجريبية.