بينما كنت صغيرة كنت أجد المتعة في ركوب القطار من وإلى الصعيد. طفلة لا تعاني ولا ترى أي سلبيات فيما يتعلق بالسفر. تتشبث بالنافذة لترى المساحات الخضراء على طول الطريق. تشاهد الطيور الصديقة للفلاح. تستمتع ‘لى حكي المسافرين واشتباكهم في نقاشات مختلفة يتعارف فيها الركاب إلى بعضهم لقطع الوقت الطويل الذي يقضيه القطار في سفره الذي يستمر من 12 إلى 14 ساعة. وغالباً ما كان يتأخر عن هذه المواعيد. خاصة عند وقوع حوادث للقطارات. أو لسوء السكك الحديدية المتهالكة. والتي ظلت تعاني الإهمال لعقود.

في السنوات الأخيرة أدخلت هيئة السكة الحديدية تطويرات كبيرة على منظومتها. من شراء عربات جديدة وإصلاحات طرق وإشارات. كل هذا نستطيع أن نلحظة أثناء السفر. في المقابل أعلنت هيئة السكك الحديدية ارتفاع أسعار تذاكر القطارات الفاخرة مرتين خلال 4 سنوات. ففي 2018 تم زيادة أسعار التذاكر لقطارات (VIP) نحو 25%. والقطارات الإسباني والفرنساوي بنحو 40% بما يتناسب مع جودة الخدمات بها[1]. وفي يونيو 2021 أعلنت الهيئة عن زيادة أسعار الدرجة الأولى في قطارات الـVIP بنسبة 25%. والدرجة الثانية 40%. بينما زادت الدرجة الأولى في القطارات الإسباني والفرنساوي بنسبة 30% والدرجة الثانية بنسبة 83%. أما بالنسبة للقطارات المطورة والمميزة فقد زادت بنسبة 150%[2].

بالطبع لا نستطيع إنكار تأثر الجميع -رجال ونساء- من ارتفاع أسعار تذاكر السفر. التي ترمي بوطأتها وتبعاتها الاقتصادية على الطرفين. ولكنها بدرجات متفاوتة. فمثل هذه القرارات لا تصب في توجه الدولة من تمكين النساء. والتي أقرته من خلال المادة (11) من الدستور المصري. وتلتزم فيها الدولة تمكين المرأة العاملة والمعيلة. وحمايتها من كل أنواع العنف. حيث إن الزيادة في الأسعار تقلل فرصهن في التعليم والعمل -وفقاً لتفضيلات المجتمع السائدة عند مثل هذه الأزمات.

وفي الوقت الحالي يمثل السفر بالنسبة لي كإحدى الراكبات معاناة وتوترا. يبدأ من الذهاب إلى المحطة لحجز تذكرتي. حتى صباح يوم السفر إلى حين الوصول. وذلك لأسباب عدة. منها طرق الحجز وانتهاك الخصوصية أو التعرض للتحرش. أو بسبب سوء حالة الحمامات بشكل مستمر رغم التطويرات الكبيرة التي أدخلت على منظومة السكك الحديدية في مصر.

وهذه المعاناة تتعرض لها أغلب النساء إن لم يكن كلهن. خاصة إذا كن مسافرات من محافظات الصعيد بمفردهن. سواء بالقطار الفاخر أو بعربات النوم. على الرغم من اعتبار السفر بالقطار وسيلة آمنة للنساء والفتيات في مصر.

السوق السوداء لا تزال منتشرة. خاصة في المواسم والأعياد. رغم كل الإجراءات التي اتبعتها الهيئة لمنع ذلك. ما يضيف عبئا اقتصاديا على النساء. خاصة إذا اضطررن للسفر في ظل ظروف طارئة أو مأمورية عمل. إذ يتعرضن للاستغلال أضعاف ما يتعرض له الرجال حتى تستطيع أن تجد لها كرسيا ومواصلة السفر.

يلجأن إلى السفر بالأتوبيسات التي ليست مجهزة بالحمامات اللائقة. يلجأ معها السائق إلى التوقف مرتين أثناء السفر في استراحات “خاصة”. ولا تستطيع معه النساء والفتيات من دخول الحمامات الخاصة لعدم مناسبتها وتجهيزها بشكل لائق.

ورغم إتاحة الهيئة حجز “تذاكر” السفر في نفس اليوم. فهي جميعا تتم دون “كرسي”. وهو وضع يصعب على أي سيدة أو فتاة. فالوقوف يكون لمدة تزيد على 14 ساعة. بالإضافة لتعرضها لانتهاكات وتحرش مع عدم مراعاة اضطرارها إلى السفر.

وتلجأ أغلب النساء إلى الحجز في الدرجة الأولى رغم ارتفاع أسعارها. في إطار حفاظهن على خصوصيتهن. وعدم التعرض للتحرش الفج من قبل جارها في الكرسي. أو المضايقات التي تحدث منه. أو حتى لا يتعرضن للسرقات. وبالرغم من إعلان الهيئة المتكرر عن وجود مجموعات أمن لمثل هذه الحوادث فعليهن أن يلجأن للطرق الاعتيادية للدفاع عن أنفسهن إزاء إشكاليات التحرش. أما فيما يتعلق باستخدام حمامات العربات. فعلى الرغم من قيام الهيئة بشراء عربات جديدة فإن مستوى الخدمات بها سيئة ولا تتناسب مع زيادة أسعار التذاكر. وتظل معاناتهن حتى تنتهي ساعات السفر الطويلة.

أما بالنسبة للحجز في قطار النوم. فقد شهد زيادة في أسعار تذاكر السفر الخاصة بها عدة مراحل بدأت من 350 جنيها حتى وصلت إلى 550 جنيها في مارس 2022. لكن هناك قصة أخرى بعيدة عن ارتفاع أسعارها بما لا يتناسب مع الظروف الاقتصادية لأغلب النساء.  تبدأ من رفض مجتمع القطار -خاصة في محافظات الجنوب- قيام أي سيدة/فتاة بمفردها تنتمي لهذه المحافظات بالحجز. يرفض فتح غرفة جديدة -في حالة وجود حجوزات مسبقة- نزولا على رغبة المسافرة التي قد تعاني ظروف صحيةا أو كانت من السيدات كبار السن. ما يضطرها لاستخدام السرير الأرضي.

ويرفض الموظف بشباك الحجز القيام بذلك “بشكل أبوي”. حيث لا يمكنه السماح بفتح غرفة وتعريض فتاة للسفر بمفردها داخل عربة النوم. وعندها قد تضطر السيدة/ الفتاة لحجز الغرفة بمفردها. ما يضع عليها عبئا اقتصاديا جديدا في سبيل السفر بأمان وخصوصية.

كانت هناك نقاشات مطولة مع المسؤولين بالسكك الحديدية “بشكل ودي”. الذين أقروا في النهاية أنه لا يوجد أي “قرار رسمي” بذلك. ولكنه عرف متبع داخل مجتمع السكك الحديدية خاصة في محافظات الصعيد.

يأتي ذلك في مقابل السماح بفتح غرفة لأي “شاب أو رجل” في أي وقت منذ بداية فتح الحجز. نزولا على رغبته واختياره.

أما معاناة النساء في التنقل اليومي باستخدام القطارات المميزة أو العادية فحدث ولا حرج. فإما يلجأن للجلوس على الأرض خاصة مع وجود أطفالهن. وإما التكدس وسط الزحام وتعرضهن للانتهاكات النفسية والتحرش. والاستخدام السيئ للحمامات الملحقة بها نتيجة لهذا الازدحام في رحلتهن اليومية مع عدم توفر الخدمة المطلوبة لنظافتها المستمرة. بالإضافة لعدم تغطية فرامل الخطر أو الطوارئ. ما يجعلها عرضة لاستخدام أي شخص. وقد تسببت في الكثير من الحوادث كان آخرها قطاري الصعيد. إضافة إلى الباعة الجائلين (داخل محطات المحافظات). فهم منتشرون بكثرة. بجانب مضايقتهم للمسافرين وشجارهم المستمر معا لتعدي أحدهم على الآخرين في مناطق عملهم. ما يقلل راحة المسافرين.

وقد أعلنت هيئة السكك الحديدية زيادة أسعار تذاكر القطار في يونيو القادم. ما يضيف عبئا جديدا على تنقل السيدات. سواء في رحلتهن اليومية أو السفر بشكل عام.[3]

في كل الحالات تقرر النساء التقليل من الأكل والشرب في يوم السفر. كما يمتنعن عن حمل مأكولات أو مشروبات أثناء السفر. وذلك حتى لا تضطر إلى اللجوء لاستخدام هذه الحمامات السيئة وغير الآمنة.

 

 

 

[1] موقع الأهرام مقالة بتاريخ 30 يناير 2018 بعنوان ” تطبيق زيادة أسعار تذاكر القطارات الجمعة القادم”: https://gate.ahram.org.eg/News/1808940.aspx

[2] موقع المصري اليوم مقالة في 7 يونيو 2021 بعنوان ” بنسبة من 25% إلى 150%.. «السكة الحديد» تعلن ارتفاع أسعار تذاكر القطارات (تعرف عليها): https://akhbarak.net/articles/39874122-%D8%A8%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D9%86-25-%D8%A5%D9%84%D9%89-150-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86

[3] مصراوي مقالة بتاريخ 3 يناير 2022 بعنوان ” كامل الوزير: من المحتمل رفع أسعار تذاكر القطارات 30 يونيو المقبل بشرط”: https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2022/1/3/2152491/%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84-%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-30-%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D8%B7