جاء إغلاق مدينة شنغهاي الصينية لمواجهة انتشار فيروس كورونا ليضيف المزيد من الأزمات على الاقتصاد العالمي. فالمدينة هي عاصمة البلاد الاقتصادية بفضل موقعها الجغرافي الذي جعل منها مرفأ تجاريًا مهمًا. كما تعتبر واحدة من أعمدة الصناعة ومقر الإنتاج الأساسي لشركات محلية وعالمية، وأكبر ميناء لشحن الحاويات في العالم.

بدأت شنغهاي، التي يقطنها 26 مليون نسمة إغلاقًا على مرحلتين. إذ صدرت أوامر العمل من المنزل لجميع العمال. بالإضافة إلى تعليق النقل العام. وأيضًا فرض اختبار إجباري لكورونا على جميع العمال بها.

رجح بروس بانج، رئيس قسم الأبحاث الكلية والاستراتيجية في “نهضة الصين”، أن يؤدي الإغلاق والاختبار الإلزامي -من منطقة إلى أخرى بالمدينة الأكبر في الصين- إلى تعطيل النشاط التجاري للمدينة. خاصة مع تشديد بكين سياسية “صفر كورونا”، وفرض سياسات هي الأكثر صرامة في العالم.

شركات متعددة الجنسيات علقت أعمالها

وقد علقت عدة شركات متعددة الجنسيات أعمالها في شنغهاي. وفي مقدمتها شركة “تسلا” عملاق السيارات الكهربائية الأمريكية التي قررت وقف مصنعها بالمنطقة التي تغطيها المرحلة الأولى من الإغلاق. ذلك إلى جانب شركات تأثرت مثل “تويوتا” و”فولكس فاجن” و”فوكسكون”. ذلك وسط مخاوف من أن تتسبب عمليات الإغلاق في تعطل سلاسل التوريد المهمة.

تختلف التكهنات حول تأثير الإغلاق الصيني لشنغهاي على الاقتصاد العالمي. فالأمر مرهون بكيفية التطبيق على أرض الواقع، ومجموعة شنغهاي الدولية للموانئ، التي تدير موانئ المدينة، قالت إنه بخلاف الطقس القاسي، حافظت وحدات الإنتاج على عملياتها على مدار 24 ساعة. بينما قالت هيئة النقل البلدية إن مطارين في شنغهاي أحدهما يركز على السفر الدولي، وثلاث محطات قطار ما زالت تعمل بشكل طبيعي.

رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانج، خفض هدف النمو الاقتصادي إلى 5.5% هذا العام. وهو ما اعتبره بعض المحللين طموحًا. نظرًا للركود في سوق العقارات، وضعف الاستهلاك وتفشي فيروس كورونا. وأيضًا لتخفيف تأثير عمليات الإغلاق الجديدة المرتبطة بفيروس كورونا.

وحال فشلت الصين في احتواء انتشار كورونا، ستعرقل القيود الإضافية على الحركة بداية الاقتصاد الواعدة للعام الجاري. وهو ما يضعف بدوره ركيزة أساسية لنمو العالم. وباعتبار الدولة المصنع الفعلي للعالم، فإن أي اضطرابات في الصادرات قد تقود إلى نقص، يمكن أن تؤدي أيضًا إلى ارتفاع التضخم على المستوى العالمي. ذلك بالتزامن مع بدء البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة.

شنغهاي.. مدينة أشباح دون سكان

ستيفن ماكدونيل، مراسل بي بي سي، يقول إن الوضع في شنغهاي كأنه مشهد من فيلم خيال علمي بعد نهاية العالم. فالشوارع خالية بشكل مخيف، رغم أن المدينة يقطنها 25 مليون شخص.

على الجانب الآخر، تشعر بعض الشركات الأجنبية بالتشكك في النوايا الصينية. وتقول إن الإغلاق لا يستهدف كورونا بقدر ما يستهدف الشركات الأمريكية والأوروبية متعددة الجنسيات التي تتعرض لضغوط في الداخل لفك الارتباط بالصين.

يخنق إغلاق شنغهاي سلاسل التوريد المتجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا. ما يثبت أن الصين هي “الدولة التي لا غنى عنها”. أو بمعنى آخر فرض قيود العرض لأن كل شيء مصنوع في الصين. بما في ذلك بعض أشباه الموصلات الأساسية المستخدمة في تصنيع السيارات، ما يضر بالاقتصاد الأمريكي.

إغلاق شنغهاي قد يكون أسوأ اقتصاديًا من عمليات الإغلاق الأولية

يحذر مديرو الخدمات اللوجستية العملاء حاليًا من أن الإغلاق الأخير على مرحلتين في شنغهاي قد يكون أسوأ من عمليات الإغلاق الأولية لكورونا بمدينة ووهان. ومن بينهم جون مونرو الذي يقول: “ربما تكون عمليات الإغلاق هذه أكثر شدة من الحجر الصحي الأولي في عام 2020 عندما تم اكتشاف كورنا لأول مرة”.

يضيف مونرو أن الصينين يتحدثون عن أن الموانئ مفتوحة. وهذا صحيح، لكن عمال الموانئ والمصانع وسائقي الشاحنات محبوسون في منازلهم. وهو أمر يحد من قدرة المصانع على إيصال الحاويات إلى الموانئ. يقول مونرو: “قد يكون من المستحيل تقريبًا نقل الحاويات إلى يانغشان ووايغاوتشياو”.

سيتم إغلاق المكاتب وجميع الأعمال التجارية التي لا تعتبر ضرورية وسيتم تعليق وسائل النقل العام. ما يؤدي إلى نقص كبير في القوى العاملة وتوافر الشاحنات. بينما حذرت شركة سيكو للوجستيات العملاء خلال عطلة نهاية الأسبوع من المزيد من عمليات الإغلاق.

قال بريان بورك، كبير مسؤولي النمو في “سيكو”، إن الإغلاق سيكون له تأثير كبير على المستوردين لجميع وسائط النقل. كما أن حركة الحاويات بين شنغهاي والمناطق الصناعية المجاورة في مقاطعة جيانغسو كلها مقيدة.

بحسب بيانات أصدرتها شركة مجموعة شانغهاي الدولية المحدودة، تخطي حجم إنتاج الحاويات في ميناء شانغهاي 47 مليون حاوية معيارية مكافئة لعشرين قدمًا، خلال العام الماضي 2021، ليعتلي الميناء الصدارة العالمية للعام الـ12 على التوالي، على الرغم من تأثيرات كوفيد-19 على صناعة الشحن.

قالت المجموعة إن الميناء تعامل العام الماضي مع 32 مليون حاوية معيارية للتجارة الخارجية. فضلًا عن 6.3 مليون حاوية معنية في التجارة الداخلية. كما تجاوز حجم النقل بالعبور الدولي للحاويات في الميناء 6 ملايين حاوية للمرة الأولى. ذلك بزيادة سنوية نسبتها 13.4 بالمئة على أساس سنوي.

حالات التفشي الأخيرة الأصعب منذ ظهور كورونا

وكالة شينخوا الرسمية قالت إن شانغهاي أنهت العملية الأساسية لجمع العينات من سكانها من أجل إجراء اختبارات الحمض النووي، الإثنين. على أن يتم إجراء مزيد من العمل والاختبارات، والفحوصات المتعددة، ونقل الحالات الإيجابية. وكذا تحليل وتقييم وضع المرض بطريقة منظمة. وأيضًا إصدار تدابير متابعة السيطرة بناء على اللوائح الوطنية ذات الصلة ونتائج الفحص الجماعي.

وتم اكتشاف 438 حالة إصابة مؤكدة مع ما يقرب من 8000 حالة بدون أعراض. ورغم صغر حجمها وفقا للمعايير الدولية. إلا أن أعداد الحالات اليومية هي الأكبر في الصين منذ اكتشاف الفيروس لأول مرة في مدينة ووهان في أواخر العام 2019.

ووصف تشانج ون هونج، كبير خبراء الأمراض المعدية الصيني، حالات التفشي الأخيرة بأنها “أصعب فترة خلال العامين الماضيين من مكافحة كورونا، وأنها لا تزال في “المرحلة الأولى من الارتفاع المطرد”. وأضاف أنه رغم ضرورة حفاظ الصين على استراتيجيتها “صفر كوفيد” للسيطرة على تفشي المرض في الوقت الحالي، “لا يعني ذلك بالضرورة ماصل تطبيق استراتيجية الإغلاق والفحص الشامل.

تؤثر سياسة إغلاق المدن التي أنتهجتها الصين لمواجهة تفشي كورونا على اقتصادها. فالتقارير الرسمية تشير لتراجع النشاط في قطاعي التصنيع والخدمات بشكل متزامن للمرة الأولى منذ ذروة تفشي فيروس كورونا في البلاد عام 2020.

المكتب الوطني للإحصاء، يقول إن مؤشر مديري المشتريات الصناعي الرسمي انخفض إلى 49.5 نقطة من 50.2 نقطة في فبراير. بينما تراجع مؤشر مديري المشتريات غير التصنيعي إلى 48.4 نقطة من 51.6 نقطة الشهر الماضي.

وأرجع كبير الإحصائيين في المكتب الوطني الصيني للإحصاء، تشاو تشينج، السبب وراء التباطؤ الأخير، إلى تفشي فيروس كورونا في العديد من المدن الصينية، والذي اقترن بزيادة كبيرة في عدم الاستقرار الجيوسياسي العالمي، وتأثر إنتاج وتشغيل الشركات الصينية.