في تطور هو الأول من نوعه منذ عام 2016 انتهت الجهود الدولية التي قادها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى التوصل إلى هدنة لمدة شهرين. وهي هدنة قابلة للتمديد. وذلك لمنح فرصة التقاط الأنفاس في الحرب التي أودت بحياة قرابة 400 ألف شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وفيما رحبت السعودية وإيران والقوى الإقليمية والدولية بالوصول إلى الهدنة بين الأطراف المتصارعة. أثار مراقبون تساؤلات حول مدى قدرة تلك الهدنة على الصمود وإمكانية البناء عليها للتوصل إلى حل نهائي للأزمة اليمنية.

تفاصيل اتفاق الهدنة في اليمن

ويتضمن الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في السابعة من مساء السبت الماضي وقف العمليات العسكرية الهجومية. ومنها الهجمات عبر الحدود، ويسمح أيضا بدخول واردات الوقود إلى المناطق التي تسيطر عليها جماعة “أنصار الله” المتحالفة مع إيران. بالإضافة إلى بعض الرحلات الجوية التجارية من العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

كما تتضمن بنود اتفاق الهدنة تيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى مواني الحديدة. والسماح برحلتين جويتين من وإلى مطار صنعاء أسبوعيا. وذلك في الوقت الذي يسيطر فيه التحالف العسكري الذي تقوده السعودية على البحار والمجال الجوي في اليمن.

ويصاحب التوصل للاتفاق آمال متعلقة بإمكانية التوصل لحل ينهي معاناة الشعب اليمني. وهو ما دفع “غروندبرج” لممارسة “ضغط من أجل وقف دائم لإطلاق النار”. في لحظة ربما يرى البعض أنها قريبة. وسط مطالبة الحوثيين برفع التحالف حصاره أولا. بينما يسعى التحالف إلى إبرام اتفاق يتزامن مع ذلك.

الأزمة اليمنية
الأزمة اليمنية

التمهيد للاتفاق الاستثنائي

سبق الإعلان عن الاتفاق -الذي يوصف بأنه استثنائي- مجموعة تطورات مهدت له. كان أبرزها إعلان التحالف العسكري لدعم الحكومة اليمنية الذي تقوده السعودية أنه سيوقف العمليات العسكرية في اليمن خلال شهر رمضان.

قبل ذلك وبالتزامن مع نقاشات المبعوث الأممي من أجل التوصل لهدنة. انطلقت في العاصمة السعودية مشاورات (يمنية – يمنية) لإنهاء الصراع وللدفع بالحل السلمي. وإيجاد أرضية قوية لانطلاق المسار السياسي بين كافة المكونات اليمنية برعاية مجلس التعاون الخليجي. وهي المشاورات التي رفض الحوثيون المشاركة بها في مقابل طرحهم عرض مفاجئ لهدنة مؤقتة وتبادل أسرى.

ومن بين الممهدات التي مثلت قوة دفع للمشاورات التي انتهت بالتوصل للهدنة ما خلفته الحرب الروسية الأوكرانية من تداعيات سلبية على سوق الطاقة العالمية. ووصول سعر برميل النفط لأرقام قياسية. في وقت تجتهد فيه أوروبا في البحث عن مصادر بديلة للنفط الروسي. الذي تعتمد عليه بصورة كبيرة تمهيدا للاستغناء عنه وعينها في ذلك على النفط السعودي الذي ربما يكون بديلا.

وقد عززت الحرب الروسية الأوكرانية من قيمة إمدادات الطاقة السعودية وهو العنصر الأهم الذي أدركته الأطراف ذات الصلة بالأزمة اليمنية.

تصعيد حوثي في اليمن

في الخامس والعشرين من مارس الماضي صعدت جماعة “أنصار الله” هجماتها تجاه المملكة باستهداف منشآت شركة أرامكو في جدة ومنشآت حيوية في العاصمة الرياض بدفعة صواريخ مجنحة وطائرات مسير.ة وهو ما أثار تساؤلات بشأن توقيت هذه الهجمات والتي بدا لاحقا أنها كانت تمهيدا لشيء آخر.

في المقابل  أكدت السعودية الغاضبة من انتهاج واشنطن سياسة المتفرج تجاه الهجمات التي تتعرض لها. في وقت تطالبها فيه بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار. أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات النفط للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية.

وهو ما عبر عنه مسؤول في وزارة الخارجية السعودية بقوله إن الهجمات التي تتعرض لها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما من قبل الحوثيين تترتب عليها آثار وخيمة على قطاعات الإنتاج والمعالجة والتكرير. وسوف يفضي ذلك إلى التأثير على قدرة المملكة الإنتاجية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها.

ربما تكون مشاعر الغضب والإحباط في أوساط العديد من الحلفاء الإقليميين الرئيسيين تجاه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على المستودع النفطي السعودي الكبير. قد دفعت الإدارة الأمريكية لممارسة نوع من الضغوط للتمهيد لاتفاق الهدنة والذي سرعان ما ظهرت نتائجه سريعا على أسعار النفط التي تراجعت في بداية التعاملات الآسيوية بعد أن رحب الحوثيون المتحالفون مع إيران بالاتفاق.

الاستفادة السعودية

وبقدر ما كانت ضراوة وقسوة الهجمات الحوثية الأخيرة التي طالت المنشآت النفطية فإن السعودية استطاعت توظيفها بشكل جيد. مستغلة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لممارسة الضغط على القوى الدولية الكبرى لفرض حل للأزمة اليمنية يضمن لها الهروب من المستنقع اليمني.

الرسائل السعودية في هذا الإطار سعت لتأكيد أن حل للأزمة اليمينة مفتاحه الأساسي إقناع الحوثيين ومن خلفهم الإيرانيين بأن استمرار الأزمة والعمليات الإرهابية ستكون له عواقب وخيمة. ليس على أمن المنطقة فقط. بل سيطال العالم أجمع. إذ إن استمرار تهديد “أمن الطاقة” من الممكن أن يرفع أسعار النفط والغاز لمستويات تاريخية. خاصة مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ما يعني أن تصفير الأزمات في الخليج هو أولوية ليس لدوله فقط. بل حاجـة إقليمية وعالمية ملحة. ويجب العمل عليها بجد وصرامة. وهو ما يضع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف اليمني أمام مسؤولياتها.

المشاورات اليمنية في الرياض
المشاورات اليمنية في الرياض

فرص صمود الهدنة في اليمن

كافة التجارب السابقة التي مرت بها الأزمة اليمنية تؤكد أن فرص صمود تلك الهدنة ربما تكون ليست بالكبيرة. خاصة أن قرار الأطراف اليمنية ليس في أيديهم وإنما في أيدي رعاتهم الإقليميين سواء كان إيران بالنسبة للحوثيين أو السعودية والإمارات بالنسبة للأطراف المناهضة لجماعة الحوثي. ما يعني أن إمكانية نجاح الهدنة أو مدها أو حتى البناء عليها لمواصلة جهود التوصل لحل للأزمة خاضع في النهاية لمدى تلاقي ذلك مع مصالح الأطراف الخارجية المتحكمة في المشهد. ومدى توظيف الورقة اليمنية لممارسة ضغوط في ملفات أخرى بالإقليم.

وهنا يمكن القول إن نجاح الهدنة يحتاج إلى تفاهمات والتزامات سياسية غير متاحة في الوقت الراهن. إلا أنه رغم ذلك يمكن الاستفادة من هذه الهدنة لتحقيق اختراقات طفيفة يمكن الاستفادة منها لاحقا. وذلك عبر تمديد سقفها الزمني وتوسيع نقاط الاتفاق بما يضع قاعدة تؤسس للتسوية السياسية.

تبدل أهداف حوار الرياض بعد غياب الحوثي

رغم رفض الحوثيين تلبية الدعوة الخليجية للمشاركة في الحوار اليمني –اليمني الذي تستضيفه الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي. مشترطين رفع الحصار الذي يفرضه التحالف العسكري الداعم للشرعية بشكل كامل. إلا أن ذلك الحوار الجاري حاليا والذي تبدلت أهدافه من التوصل لحل شامل للأزمة اليمنية بعد غياب ممثلي الحوثي إلى وضع حدٍ للتباينات بين المكونات المحلية المناهضة للحوثيين وإمكانية إصلاح مسار الشرعية وتوحيد قرارها للخروج برؤية مشتركة. تعجّل من إنهاء الأزمة التي يعانيها البلد منذ قرابة 8 سنوات. عبر محاولة بناء جبهة أكثر صلابة تمثل ضغوطا أكبر على الحوثيين وحليفهم الإيراني بشكل يعزز نتائج العمليات العسكرية على الأرض وحسم الصراع أو يفرض مزيدا من الضغوط التي تقود لإجبارهم في النهاية على الذهاب إلى طاولة مفاوضات سياسية.

اللقاءات النادرة بين الفرقاء اليمنيين في الرياض عززت الآمال والطموحات في إمكانية تقارب بين المكونات السياسية وترميم منظومة الشرعية اليمنية وإصلاح أي اختلالات بما يحقق التوازن للخروج بصف موحد ورؤية مشتركة للقوى المناوئة للحوثيين.

وشهدت الرياض لقاءات لافتة بين قيادات سياسية في المعسكر المناهض للحوثيين. ظلت متباعدة ومتنافرة على مدى السنوات الماضية كلقاء رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي برئيس الائتلاف الوطني الجنوبي أحمد العيسى. ولقاء آخر جمع قائد المقاومة الوطنية العميد طارق محمد عبدالله صالح بالقيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) حميد الأحمر.

ما يعزز فرص نجاح حوار الرياض بعد تبدل أهدافه هو المقاربات التي تشهدها المنطقة. ويأتي في مقدمتها تحسن العلاقات بين الإمارات وتركيا وكذا بين السعودية وتركيا. في الوقت الذي تعد فيه أنقرة الداعم الأبرز لقوى الإسلام السياسي. وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الممثلة في الحالة اليمنية بحزب الإصلاح والذي يقيم عدد من قياداته في إسطنبول.