مع تصاعد موجة العقوبات الغربية ضد روسيا، بدأ رجال الأعمال الروس في البحث عن ملاذًا آمن لهم من تلك العقوبات. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، فرضت الولايات المتحدة وبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. عقوبات على المؤسسات المالية الروسية. إضافة لعدد من رجال الأعمال الروس التي اعتبرتهم الدول الغربية من “الدائرة القريبة” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

حتى أن الملاذات المصرفية المعروفة بالسرية مثل سويسرا وموناكو وجزر كايمان، تعاونت لتجميد حسابات رجال الأعمال الروس. لكن ليس الإمارات العربية وتحديدًا إمارة دبي التي أصبحت الملاذ الآمن للأثرياء الروس.

وطالت العقوبات الغربية نحو 50 من أثرياء روسيا المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأبرزهم إيجور سيتشين نائب رئيس الوزراء الروسي الأسبق. وأوليج ديريباسكا الذي يُوصف بأنه رجل الصناعة المفضل لدى بوتين. وأندري كوستين وهو شخصية بارزة في التجارة الروسية الدولية. وأليكسي ميلر الرئيس التنفيذي لشركة غاز بروم عملاق الطاقة الروسي. ونيكولاي توكاريف والذي كان يعمل بالمخابرات السوفيتية المعروفة بـKGB. قبل أن يكون أحد رجال الأعمال الكبار، ودميتري ليبيديف رئيس مجلس إدارة بنك روسيا، وتطول القائمة.

وتكشف بيانات صادرة عن مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة – مؤسسة غير بحية- أن هناك نحو 38 رجل أعمال روسي. يمتلكون نحو 76 عقارًا في دبي بشكل مباشر أو باسم أقرباء لهم. وذكروا أنه من المُحتمل وجود عقارات أخرى غير مُسجلة للروس.

رجال أعمال على لائحة العقوبات الغربية

ويُقدر المركز الذي يقع مقره بالعاصمة الأمريكية واشنطن، قيمة هذه العقارات بنحو 314 مليون دولار. لافتًا إلى أنه من بين رجال الأعمال الروس الموجودين في دبي، هناك ستة منهم على لائحة العقوبات الغربية.

وتضم هذه القائمة “ألكسندر بوروداي، عضو مجلس الدوما الذي شغل منصب رئيس وزراء إحدى المقاطعات الأوكرانية عام 2014. وبيخان أجاييف، عضو في مجلس الدوما، وتمتلك عائلته شركة بترول، وألكسي ألكسين عملاق التبغ البيلاروسي.

وأندريه سكوتش، العضو النافذ في مجلس الدوما الروسي. حيث كشفت السجلات البحرية عن رسو اليخت الخاص به في دبي. كما سجل موقع فلايت رادار المختص بتتبع حركة الطائرات، عن هبوط طائرة الملياردير الروسي أركادي روتنبرج في مطار دبي في شهر مارس/آذار الماضي.

كما أفاد موقع فلايت رادار أيضًا، عن إقلاع طائرة الملياردير الروسي رومان إبراموفيتش مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، إلى جهة قريبة من دبي.

 

عروض روسية لاستئجار شقق دبي

إلى ذلك، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن رجل أعمال عربي لم تذكر اسمه. أنه تلقى عرضًا من عائلة روسية لإيجار إحدى الشقق المفروشة في دبي يصل إلى نحو 15 ألف دولار شهريًا، وهو مبلغ كبير بالنسبة لشقة تتكون من ثلاث غرف. وقالت، إن هناك ما يُقدر بنحو 50 شخصًا روسيا يسعون لاستئجار شقق أخرى في دبي.

ويُقدر مجلس الأعمال الروسي، منظمة غير ربحية مقرها دبي، أن هناك نحو 3 آلاف شركة إماراتية مملوكة لروسيا. وأن هناك قرابة الـ100 ألف روسي يعيشون بالإمارة الخليجية الصغيرة.

في نفس السياق، بمراجعة ما تسمى بـ”المجلة” الإماراتية الروسية. التي تتخذ من دبي مقرًا لها، والتي تُقدم أجوبة على مجموعة من الأسئلة الشائعة عبر موقعها الإلكتروني. وتتضمن تلك الأسئلة التي يصل عددها إلى 24 سؤالاً، استفسارات عن الطعام الروسي في الإمارات والسماح بتناول الكحول. وحول وجود كنائس أرثوذكسية إلخ.

لكن السؤال الأكثر شيوعًا كان: “هل يمكن الحصول على الجنسية الإماراتية؟”. حيث شاهده قرابة 84 ألف من رواد المجلة الناطقة باللغة الروسية. وكان السؤال الثاني الأكثر مشاهدة: “هل يُسمّح للروسي الذي سافر للإمارات بالسفر إلى إسرائيل؟” وشاهده نحو 46 ألف من رواد موقع المجلة. التي تضاعف عدد روادها منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا وبلغ نحو 300 ألف مشاهدة أسبوعيًا.

لماذا دبي؟

تُفسر جودي فيتوري، إحدى المشاركين في إعداد دراسة حول التدفقات المالية في دبي عام 2020. أسباب تفضيل رجال الأعمال دبي عن أي ملاذ ضريبي آخر. قائلة: “ما يفصل إمارة دبي عن الملاذات الضريبية التقليدية مثل سويسرا أو جزر كايمان هي “السرية المذهلة” – حسب وصفها.

وتقول فيتوري في تصريحات نقلت عدة مواقع إلكترونية: “في دبي تستطيع إنشاء حسابات مصرفية بسهولة شديدة. فضلاً عن كونها واحدة من الأنظمة الاستبدادية الشديدة. لذا فهي تعد وجهة للتدفقات المالية غير المشروعة، وليست موقع عبور”.

كما وضعت شبكة العدالة الضريبية، منظمة غير ربحية مقرها لندن. دولة الإمارات في المرتبة العاشرة من حيث السرية المالية في أحدث تقييم لها عام 2020. وبذلك سجلت الإمارات درجة سرية أعلى من سويسرا والمملكة المتحدة وسنغافورة.

وتصف شبكة العدالة الضريبية، دبي على أنها مركز مالي له جانب مظلم، والذي يخضع لمزيد من التدقيق حاليًا. بعد وضع مجموعة العمل المالي المعروفة اختصارًا بـFATF، دولة الإمارات على القائمة الرمادية. بسبب تقاعس السلطات فيها عن الكشف عن التدفقات المالية غير المشروعة.

تحذيرات الدول السبعة الكبرى

وبحسب مجموعة العمل المالي، التي أنشأتها مجموعة الدول الـ7 الكبرى في باريس، بشأن تتبع الأموال ومكافحة غسيل الأموال. فإنها حذرت الإمارات قبل عامين من اتخاذها إجراءات ضدها بسبب التدفقات المالية غير المشروعة التي رصدتها المنظمة؛ لكن يبدو أن الوضع جديًا الآن في إطار حرب الغرب على روسيا.

إلى ذلك، قالت تينا بريليك، الزميلة البحثية بجامعة أكسفورد، والدراسة للتدفقات المالية غير المشروعة من روسيا. إنه في السنوات القليلة الماضية باتت دبي تحديدًا وجهة رئيسية للتدفقات المالية غير المشروعة، خاصة لمجموعة من الأثرياء الروس القريبين من بوتين.

كما أضافت مارسينا هانتر، المُحللة في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود. أن الإمارات ستُرفض عن إتباع آلية أكثر صرامة في التعامل مع التدفقات المالية. لأن اللوائح المُخففة التي تضعها تُساعدها في جذب الشركات الأجنبية.

وأوضحت عبر موقع المبادرة، أن تلك اللوائح السهلة تجلب أموالاً قذرة أيضًا، ولو أرادت الإمارات تغيير تلك النظرة المحيطة بها. فعليها إتباع مبادئ أكثر شفافية.

الإمارات مركز للتدفقات المالية غير المشروعة

إلى ذلك، يُرجع مركز كارنيجي الذي يتخذ من واشنطن مقر له، كون دبي وجهة جذابة للتدفقات غير المشروعة. وجود نحو 30 منطقة تجارة حرة لا تنطبق عليها أغلب القوانين الإماراتية المحلية، وأبرز تلك المناطق هي مركز دبي المالي العالمي.

ويُوضح المركز في دراسة أعدها حول المناطق الحرة بالإمارات. أن الدولة الخليجية الصغيرة تحتوي على 45 منطقة تجارة حرة. مشيرةً إلى أن المناطق الحرة تُمثل نحو 41% من إجمالي تجارة دبي الخارجية.

وتُشير إلى المناطق الحرة حققت نحو 118 مليار دولار من قيمة التجارة الخارجية لدولة الإمارات العربية عام 2017. لافتًا إلى أن منطقة جبل علي الحرة تُمثل نحو 32% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المتدفق للدولة الخليجية. فيما جاءت دبي في المركز الثاني بنسبة 24%.

ويُتابع مركز كارنيجي، أنه للحفاظ على قوة الاقتصاد الإماراتي، تتمتع هذه المناطق الحرة بنظام تنظيمي فريد من نوعه. يعمل على تيسير جميع أنواع التجارة والاستثمارات، مما يخلق بيئة خصبة لعدد لا يحصى للأنشطة غير القانونية. بما في ذلك تهريب الذهب وتهريب الأسلحة وغيرها.

في النهاية، يُشير المركز إلى أن الأمر اللافت للنظر هو أن كل منطقة تجارة حرة لها لوائحها التجارية المنظمة، وقوانين العمل والملكية. وكل منطقة تخضع لإشراف هيئة تنظيمية مستقلة؛ ويبدو أن سلطات الإمارة الخليجية لن تنخرط بسهولة في الآليات الدولية المكافحة لعملية غسيل الأموال. والحد من التدفقات المالية غير المشروعة.