حين نعيش تجربة لا ننتبه للعلامات، ولا نري نقائص الآخرين، نُصبح مدججين بعشرات الآمال في النهايات السعيدة، والطموحات التي لا تنتهي، وننسى أن الحياة مثل إناء لن يحمل إلا ما تضعه فيه، فلماذا ننتظر أن نشرب عصيرًا بينما وضعنا ماءًا مالحًا؟

نسمع أنفسنا ومن حولنا في لحظات اللوم، كل منا يلوم نفسه أنه لم ير ما كان واضحًا، عيب أو مشكلة قادمة، أزمة تظهر في الأفق وتفاصيل كثيرة تمر دون أن يلحظها المرء، فاتته أمور كانت واضحة لا يمكن أن تمر، هناك مقولة “المعاصرة تحجب” تلك التي يُفسرها احساسنا عندما نندهش أن كاتب كبير أو فنان مشهور كان يعيش في نفس الزمن الذي كان يعيش فيه فلان أو فلانة، فلم نعرف شيء جمعهما، وصرنا نتعامل أن كل منهما كان يعيش زمن غير الاخر، مثل هذا الحجب، يحدث حين نكون طرفًا في التجربة.

مقعد للفرجة

هل جربت أن تُشاهد موضوع أو مشكلة تحدث بين طرفين، مُدهش أن ترى الحكاية من بعيد، تُشاهد الآخرين يُقدمون على ردود الفعل التي تخيلت أنهم سيفعلونها، ورأيتها فيهم، تبتسم وتشعر بفخر وتطبق عينك على دمع عليه أن يبقي بروحك ذلك أن الخذلان كنت تراه وأنت مشفوع بأمل أن تخيب ظنونك.

ملايين يشاهدون مباريات كرة القدم، يتحولون لمدربين ونقاد وحُكام، وربما كان كثير منهم محقين في أرائهم، فهم يرون المشهد باتساع، المباريات لا تختلف عن حياتنا وتجاربنا، لكننا فقط منشغلين داخل حكاياتنا.

حين تقف أعلي جبل المقطم بالقاهرة في كثير من الأوقات لن تكون سعيد الحظ برؤية القاهرة ذات الألف مئذنة، لأن التلوث تماسك فصنع ضبابًا في الرؤية، وكأنه إيفيكت Effect وضعه المصور علي عدسته ليضلل الوقت والمشاهد، هذا التلوث لم يحترم نوعه كونه ملتصقًا بالهواء، لكنه صار بصريًا، وانتقل ليعتم الروح.

في أي تجربة/ علاقة/ مشكلة نتغافل متعمدين ونحن نرى ردود الفعل من الآخر، فنكذب على أنفسنا أن الآخر لن يفعل ما هو عكس صالحنا، نقول ذلك معتمدين على أي أفكار، أو مواقف تؤكد مزاعمنا.

غالبيتنا توقع الخيبة وقرأ الخيانة فى عيون الآخرين، ولكنه التي لم يُصدق حدسه، وتجرعت ألم الخذلان مرات عديدة، فمن مِنّا لم تفتت روحه وقلبه عشرات المرات ورغم ذلك مستمر فقط لأن الحياة لن تتوقف عند فعل الخيانة، ولن تهدأ بعد خذلان أحدهم للآخر.

الناس مختلفون، صوابع ايدك مش شبه بعض، لسه فيه ناس كويسة تلك الجمل التي نرددها لأنفسنا عبر كل خسارة، ولا نتعلم.

لم يجرب أحدنا أن يبتعد قليلًا ويجلس فقط من أجل الفرجة، يروض حواسه وانفعالاته ويلتزم بالمشاهدة، أزمتنا دومًا التقمص حد المعايشة، فالبعض يبكي لمشهد مؤثر في فيلم أو مسلسل، ويعتريه الحزن والاكتئاب لموقف في الشارع، الحياد فعل بعيد عن الالتزام به.

النساء لا يُشاهدن سوى المسلسلات

تستغرق كثير من النساء في مشاهدة كل شيء وأي شيء غير أحوالها وما تعيشه، فقط هي تعطي نفسها تماما للتجربة، ولكن عزيزتي المرأة هل تعرفين لماذا ننكسر؟

إننا الفانون نعتقد في أبدية العلاقات، هل تذكرين جملة أحبك للأبد؟ والحب الخالد، ومعًا للأبد، وحتى آخر العمر، كل عبارات تعني ثمة خلودًا رغم أننا أنفسنا لسنا خالدين، نحن نتغير ونستكثر على الآخرين تغيرهم.

نتبدل، نحب أشياء لم نكن نحبها، ونحايد أمور كنا نكرهها وربما نحبها، تتغير رؤيتنا وطريقة ملابسنا، وحتى مظهرنا وشكلنا، لكن كيف يجرؤ الآخرون على التغيير، وهم الثوابت هم الخالدون فى المساحات التي قولبناهم بداخلها.

نحن المشوهون بفعل التمني وحُسن الظن، نُجمد لحظات ونرغب أن تكون هي المرجعية، نستغرق في الحدث، ولا نقف لنُشاهد من مسافة، ففي الارتباط كل امرأة تريد رجلًا يدللها 24 ساعة 7 أيام فى الأسبوع، وحين تتحدث إليها أنه إنسان يخضع لتغييرات، حتى تغيرات الطقس تؤثر علينا سلبًا وإيجابًا، لكنها لن تقبل تلك الكلمات، ليست المرأة فقط، أيضًا الرجل لكننا في كثير من الأوقات نسمع الصوت الأعلى والأكثر تكرارًا.

المشاهدة ضمان لتقليل الألم

عند الانخراط في التجربة لا نعترف بهزيمة، ولا نرى أخطاءنا، نستمر ولا نفيق إلا عقب ملوحة التخلي والخسارة.

في أي موضوع نكون كأننا في وسط البحر لا نري الشاطئ جيدًا، ولا نري الأعماق ولا نري شيئًا، نستمتع بدهشة الموج، نضحك من لطماته، ولا نفيق حتى فى لحظات الغرق، نحتاج أن نبتعد قليلًا لنري، فالغريق لا يراه إلا من كان على الشاطئ.

التلوث لا يعلق بالهواء فقط لكنه أيضًا مثبت بأرواحنا، نحن الضعفاء أمام قول (لا) المنهزمين أمام الانسحاب، نحن المكذبين لما نري والمكللين بالمحبة.

هي حالة مستعصية نتوقع الانكسار ونُكذّب أنفسنا، نري الخسارات وننتظر أمل الفرح رغم أن كل شيء لا يُشير إلى ذلك.

نحتاج إلى تحطيم التوقعات المشبعة بالمحبة، المتفائلة نحتاج أن نري الحقائق كما هي، لا تحبوا حتى العمى، ولا تكرهوا بذات القدر، فالقرب المبالغ فيه يعمي القلب، وحسن الظن يهزم العقل، وعندما نخسر أدواتنا ننكسر، في كل شيء احتفظ لنفسك بمقعد للمشاهدة لتكن استراحة قبل معاودة الخسارة، لتكن المشاهدة نقطة اتكاء يمكن لنا من خلالها أن نُعيد ترتيب الأوراق وتبديل الوضع فربما تحول الخاسر إلى رابح.