في خضم تدفق اللاجئين الأوكرانيين على أوروبا على وقع الحرب الروسية، تسعى حكومة بريطانيا في الوقت ذاته للتخلص من الهجرة غير الشرعية الوافدة إلى “القنال الإنجليزي عبر إعادة إرسالها لواحدة من دولتين أفريقيتين بموجب صفقة سرية تتضمن منحها ملايين الجنيهات الإسترلينية.
كان بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني ينوي إعلان الخطة أخيرًا. لكن حكومته أبلغته بأن الخطط ليست جاهزة تمامًا. محذرة في الوقت ذاته من زيادة عدد المهاجرين الذين يعبرون القنال. والذين بلغ عددهم نحو 28526 شخصًا ولا يزال العدد في تزايد مستمر.
تنتظر الحكومة البريطانية تعديل مشروع قانون الجنسية والحدود الصادر عن وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل. والذي سيمكن طالبي اللجوء من التعامل معهم في الخارج (نقلهم) قبل الانتهاء من شروط الصفقة مع الدولة الأفريقية. وذلك بعد أن صوت مجلس اللوردات ضد مشروع القانون الرئيسي.
رواندا.. الدولة “إس” في المشروع البريطاني
وتؤكد وسائل الإعلام الإنجليزية أن رواندا هي الدولة المعنية بالاتفاق. والتي من المقرر نقل الحكومة لطالبي اللجوء إليها للتعامل معهم رغم أن مشروع القانون الحكومي لا يزال يشير إليها بـ”الدولة إس” خلال الاجتماعات دون تسمية خوفا من التسريب.
كانت لحكومة بوريس جونسون محاولات مماثلة لنقل المهاجرين للخارج. وتحديدًا غانا وألبانيا. لكن تلك الخطط باءت بالفشل.
ويواجه جونسون أيضًا معارضة في مجلس اللوردات غير المنتخب ومقاومة في مجلس العموم. من بينها تقديم النائب من حزب المحافظين ديفيد ديفيس تعديلاً لإلغاء الإجراءات.
وطلب النواب بإجراء تغييرات كبيرة تضمنت إزالة بند تجريم الوصول عن عمد إلى المملكة المتحدة دون إذن. وضمان أن أي انتقال إلى طلبات اللجوء الخارجية يخضع لموافقة مجلسي البرلمان جنبًا إلى جنب مع توزيع التكلفة. مع تأييد إجراءات الحماية ضد الملاحقة القضائية للأشخاص الذين أجروا عمليات إنقاذ في البحر من خلال توفير “عذر معقول”.
وانتقد أسقف دورهام القس بول باتلر بشدة خطوة نقل طالبي اللجوء إلى الخارج إلى مراكز المعالجة الخارجية على غرار التي تستخدمها أستراليا. وقال: “عندما يصل الناس إلى شواطئنا بحثًا عن الحماية نتحمل مسؤولية معاملتهم كما نرغب في أن نُعامل إذا اضطررنا بالفعل إلى الفرار حفاظًا على حياتنا”.
وأضاف: “إذا نقلناهم إلى بلدان أخرى لمعالجة طلبات لجوئهم فإنني أخشى أن يغض الطرف عن معاملتهم. اللا إنسانية لهذا الجزء من مشروع القانون هي شاغلي الأساسي. ومع ذلك هناك مخاوف عملية ومالية كبيرة”.
بريطانيا وردع اللاجئين
لكن يبدو أن الحكومة البريطانية مصممة على إرسال اللاجئين غير الشرعيين إلى رواندا. على اعتبار أن يؤدي التعامل مع مطالبات المهاجرين في الخارج إلى ردعهم عن القيام برحلة محفوفة بالمخاطر في زوارق متهالكة. خاصة أن الدولة الأفريقية عانت بشكل لا يُنسى من الحرب الأهلية والإبادة الجماعية في التسعينيات.
ونفى اللورد ريتشارد هارينجتون وزير شؤون اللاجئين البريطاني الذي تم تعيينه حديثًا علمه بخطة جونسون. مضيفًا أنه يواجه صعوبة كافية في نقل اللاجئين من أوكرانيا إلى المملكة المتحدة ولا توجد إمكانية لإرسالهم إلى رواندا.
ولم تنف وزارة الداخلية البريطانية التقارير. إذ قال مصدر مطلع داخلها إن “الكثير من الدول لا تزال قيد الدراسة أيضًا”. مضيفًا أن الدولة المقصودة ستكون على الأرجح في أوروبا أو أفريقيا. وتابع أن رؤساء قوارب النجاة زادوا أعداد طاقمها بنسبة 50٪ مع تفاقم أزمة المهاجرين في القناة الإنجليزية.
تقول الحكومة البريطانية إنها عاجزة فعليًا عن طرد طالبي اللجوء من بريطانيا. فيما وضعهم في الفنادق والثكنات العسكرية يكبد تكلفة باهظة لدافعي الضرائب كما تتعرض وزيرة الداخلية بريتي باتيل لضغط هائل لخفض عدد المعابر التي ازدهرت أثناء وباء كورونا. وتعهدت وزيرة الداخلية بأن التشريع التاريخي سوف “يصلح نظام اللجوء المعطل لدى لندن”.
بريطانيا تعيد استخدام الورقة الإسرائيلية
اختيار واحدة من دولتين أفريقيتين يعيد إلى الأذهان مخططا لترحيل المهاجرين تعلق بإسرائيل ورواندا أيضًا. فالأخيرة سبق لها المشاركة في استقبال المرحلين الأفارقة من إسرائيل. ما يثير مخاوف جدية بشأن ما إذا كانت لديها الموارد أو حتى الاستعداد لاستضافتها حتى بتمويل من المملكة المتحدة.
من بين نحو 4000 شخص تم ترحيلهم من قبل إسرائيل إلى رواندا وأوغندا بموجب خطة “المغادرة الطوعية” بين عامي 2014 و2017. يُعتقد أن جميعهم تقريبًا غادروا البلاد على الفور تقريبًا. مع محاولة العديد منهم مجددًا العودة إلى أوروبا عن طريق تهريب البشر الطرق.
بالإضافة إلى ذلك بحثت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية عام 2018 عن مُرحلين وصادفت واحدًا. وتبين أنه معدم ويعيش في شوارع العاصمة الرواندية كيجالي، بينما قالت منظمة العفو الدولية إن عدد اللاجئين في إسرائيل أقل بكثير من رواندا. والأولى دولة أكثر ثراءً كما فرضت مسؤوليتها على الدول التي ليس لديها سوى جزء بسيط من الثروة والموارد وهي حجة تنطبق أيضًا على المملكة المتحدة.
ورغم أن وسائل الإعلام الدولية تحدثت عن تخلي إسرائيل عن خطة ترحيل 42 ألف مهاجر أفريقي من أصول إريترية كانوا يعيشون حاليا في إسرائيل التي ترفض اعتبارهم لاجئين. كما ترفض منحهم حق اللجوء. فإن تقريرا سريا يفيد بأن الآلاف منهم تم ترحيلهم سريا إلى أفريقيا.
وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها بشأن الافتقار إلى الشفافية حول الترتيبات السرية.
وقال مساعد المفوض السامي لشؤون الحماية فولكر تورك عام 2017: “منذ بداية هذا البرنامج تم نقل نحو 4000 إريتري وسوداني في إطار برنامج المغادرة الطوعي للحكومة إلى بلدين أفريقيين. ورد ذكرهما في تقارير إعلامية باسم رواندا وأوغندا”.
وبسبب السرية التي تحيط بهذه السياسة والافتقار إلى الشفافية فيما يتعلق بتنفيذها. فقد كان من الصعب جدًا على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تتابع وتراقب بشكل منهجي حالة الأشخاص الذين تم نقلهم إلى هذه البلدان الأفريقية.
لاجئون لا يسمح لهم بالعمل في رواندا
وأجرى تقرير صادر عن المبادرة الدولية لحقوق اللاجئين قبل عامين مقابلات مع عدد من الأفراد الذين قالوا إنهم رُحلوا من إسرائيل إلى رواندا. وأشارت الشهادات التي جمعتها إلى “أن الغالبية -إن لم يكن كلها- يتم تهريبها خارج البلاد عن طريق البر إلى كمبالا في أوغندا في غضون أيام من الوصول إلى العاصمة الرواندية.
وقال بعض الذين قابلتهم المبادرة إنهم حصلوا على تأشيرة عطلة فقط عند وصولهم إلى رواندا. فيما تم إرسالهم إلى فندق حيث تم تشجيعهم على السفر إلى أوغندا بشكل غير قانوني.
ومن بين القلائل الذين تم ترحيلهم من إسرائيل طواعية والذين اختاروا البقاء هناك رجل إريتري يبلغ من العمر 28 عامًا يُدعى جويتوم. تحدث إلى صحيفة هاآرتس في كيجالي في عام 2018. لم يُسمح له بالعمل وكان يعيش في الشوارع.
رواندا هي أكثر بلدان أفريقيا كثافة سكانية. إذ تبلغ 416 نسمة لكل كيلومتر مربع. وتبلغ معدلات الفقر بها أعلى مستوى لها في المناطق الريفية. حيث يعيش 71.2% من سكان البلد (2015). وتبلغ نسبة الأشخاص الفقراء في المناطق الريفية 49% مقابل 22% في المناطق الحضرية.
وفي 1994 قُتل نحو 800 ألف من عرقية التوتسي على أيدي مليشيات الهوتو المدعومة من الحكومة الرواندية. واُتهمت فرنسا بالفشل في منع الإبادة الجماعية ودعم نظام الهوتو. حتى بعد أن بدأت المجازر وأقر الرئيس الفرنسي ماكرون أخيرًا بـ”المسؤولية الجسيمة” لباريس عن تلك الفترة.