في شهر أبريل/نيسان الجاري أصدر وزير الصحة في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نيتسان هوروفيتس، قرارا للمستشفيات يسمح بالتزود بمنتجات الخبز المُخمّر خلال عطلة عيد الفصح اليهودي. قرار بدا اعتياديا. لكن ما لم يعلمه هوروفيتس أن قراره هذا جعل حكومته، برئاسة نفتالي بينيت، تواجه خطر الانهيار والذهاب إلى انتخابات أخرى مبكرة قد تكون الخامسة خلال أقل من ثلاثة أعوام تقريبا.

في كيان تسيطر عليه التوجهات اليمينية المتطرفة، تلعب التعاليم الدينية اليهودية دورا سياسيا كبيرا. وقرار وزير الصحة “اليساري” عني تجاهل لوائح الطعام الحلال الصارمة (الكوشر) خلال عطلة عيد الفصح والتي تقضي بعدم تناول أي أطعمة مُخمّرة (من الخميرة)؛ ما أثار غضب النائبة المتشددة عيديت سيلمان لتعلن استقالتها من حزب “يمينا” في السادس من الشهر الجاري ليفقد بينيت أغلبيته البرلمانية البسيطة بعد 10 أشهر فقط من توليه المهمة. إذ أصبح في حوزته 60 مقعدا متساويا مع مقاعد المعارضة. في ظل ائلاتف كان هشًا بالأساس ويضم أحزابا متباينة من اليمين المتشدد واليسار بالإضافة إلى حزب عربي إسلامي.

قد يبدو هذا غريبًا بالنسبة للأجانب، لكن الإسرائيليين يعرفون أن الائتلافات المتذبذبة غالبًا ما سقطت في الخلافات المتعلقة بمراعاة الكوشر أو يوم السبت والتي دائما ما تحمل وزنا أثقل“، يقول زئيف شافتس أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيجن والمحرر المؤسس لمجلة “جيروزاليم ريبورت”.

ما وراء استقالة سيلمان

قالت سيلمان في بيان استقالتها المفاجئة: “جربت طريق الوحدة وعملت كثيرا من أجل هذا الائتلاف. للأسف لا يمكنني المشاركة في المساس بهوية إسرائيل اليهودية. سأنهي عضويتي في الائتلاف وسأحاول متابعة إقناع أصدقائي بالعودة وتشكيل حكومة يمينية. أعلم أنني لست الوحيدة التي يخالجها هذا الشعور”. كما عبّرت عن أملها في تشكيل حكومة يمينية “حتى خلال فترة الكنيست الحالية”، في دعوة لإسقاط ائتلاف بينيت قبل الانتخابات المقبلة المقرر عقدها في 2025.

وأثنى سياسيون يمينيون لم يتوقفوا عن مهاجمتها منذ انضمامها إلى الائتلاف، على خطوتها، وفي مقدمتهم زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو الذي يتزعم حزب الليكود اليميني.

وقال في تسجيل مصور مخاطبا النائبة: “عيديت إنك دليل على أن ما قادك إلى ذلك هو الاهتمام بهوية إسرائيل اليهودية والاهتمام بأرض إسرائيل، أرحب بك مجددا في أرض إسرائيل وفي المعسكر الوطني”. وأضاف “أدعو كل من تم انتخابه بأصوات المعسكر الوطني للالتحاق بعيديت والعودة (إلى قاعدتهم)، سيتم استقبالكم بأذرع مفتوحة وبفخر”.

وانضم إليه بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية -الذي كان شريكا سياسيا لبينيت قبل التحالف مع نتنياهو- مشيدا بسيلمان و”شجاعتها في الإقدام على الخطوة الصعبة”. وتوقع عدم قدرة الائتلاف الحالي على الاستمرار مع هذا التحول. قائلا عبر حسابه على تويتر: “هذه بداية نهاية الحكومة اليسارية غير الصهيونية لبينيت والحركة الإسلامية”.

ووفقًا للتقارير، لم تخبر سيلمان بينيت -رئيس حزب يمينا التي هي عضو فيه- بالخطوة مقدمًا، تاركةً رئيس الوزراء ليعلم من خلال التقارير الإعلامية أنه فقد أغلبية حكومته. واعتبر بينيت أن سيلمان تعرضت للتهديد من قبل أنصار نتنياهو وسموتريتش حتى “انفصلت” وغادرت الائتلاف.

وقال: “تعرضت عيديت للاضطهاد لشهور، وتعرضت لاعتداءات لفظية من مؤيدي بيبي وسموتريتش على المستوى الأكثر رعبا. وصفت لي التهديدات التي تعرضت لها وفي مكان عمل زوجها شموليك وأطفالها في بني عكيفا”. وشدد رئيس وزراء الاحتلال على أن “الشيء الرئيسي الذي نحتاج إلى التعامل معه في الوقت الحالي هو استقرار التحالف”.

وأضاف أن جميع قادة التحالف مهتمون باستمرار الحكومة الحالية، مُحذرًا من أن البديل للائتلاف الحالي هو المزيد من الانتخابات وربما جولات متعددة من الانتخابات “تعود إلى أيام عدم الاستقرار الخطير لدولة إسرائيل”.

لكن تقرير لموقع “أكسيوس” الأمريكي أوضح أن استقالة عيديت ترجع لمواجهتها في الأسابيع الأخيرة ضغوطًا من عائلتها وأصدقائها لترك التحالف، وزادت “الهجمات الإرهابية” التي وقعت الشهر الماضي والانتقادات المتزايدة من جانب لوبي المستوطنين من أن الحكومة لا تمنح تصاريح بناء في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، زادت من الضغط على سيلمان.

أما السبب الحقيقي والذي أدى إلى قرارها النهائي، بحسب الموقع، هو صفقة سياسية مزعومة توصلت إليها مع نتنياهو، الذي وعدها بتولي وزارة الصحة إذا شكل الليكود الحكومة المقبلة.

نفتالي بينيت وعيديت سيلمان

المسارات المحتملة

“السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الأعضاء الآخرون في حزب بينيت سيتبعون خطوة سيلمان”، يتساءل التقرير إذ تحدث اثنان آخران على الأقل -وزير الداخلية أييليت شاكيد وعضو الكنيست نير أورباخ- علنًا عن عدم ارتياحهما لبعض سياسات الحكومة. وإذا غادر أحدهما الائتلاف، فستحصل المعارضة على أغلبية 61 عضوا ويمكنها حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة.

لكن الكنيست في عطلة حتى 8 مايو/أيار، لذا لا يمكن إجراء تصويت حتى ذلك الحين. ويمكن للحكومة من الناحية النظرية البقاء على قيد الحياة بـ 60 مقعدًا فقط حتى مارس/آذار 2023، عندما يتعين الموافقة على ميزانية جديدة.

وفي الوقت نفسه سيكون شبه مستحيل على نتنياهو تشكيل حكومة في الكنيست الحالي لأنه ليس لديه 61 نائبًا لدعمه (بحشد التحالفات قد يصل لـ52 مقعدا)، مما يجعل الانتخابات الجديدة في الأشهر المقبلة مرجحة للغاية.

يعني إعلان سيلمان أن الحكومة لن تكون قادرة على تمرير تشريع إلا بدعم من نواب المعارضة. و”الطرف الوحيد الذي قد يمنحها أصواتًا لبعض التشريعات هو القائمة العربية المشتركة، لكن دعمها لن يؤدي إلا إلى تنفير أحزاب التحالف اليمينية” تشير صحيفة “تايمز أو إسرائيل”..

وتضم القائمة العربية المشتركة ستة أعضاء من النواب العرب. ودعا نواب من حزب “ميرتس” اليساري القائمة المشتركة للانضمام إلى الائتلاف من أجل عرقلة تشكيل محتمل لحكومة يمينية. لكن رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، رفض بشكل قاطع قائلا: “في ذلك الوقت، أوصينا بجانتس ولابيد من أجل الإطاحة بنتنياهو، ولن نكون شريان نجاة بينيت. هذه حكومة سيئة”.

وأكد عضو القائمة المشتركة عن حزب التجمع، سامي أبو شحادة، أن قائمته “لن توفر شبكة أمان لا لبينيت ولا لنتنياهو”. وأشار إلى أن التصور المفضل من ناحية القائمة المشتركة هو التوجه إلى انتخابات جديدة.

يوهانان بليسنر، رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، يعتقد أن هناك فرصة “صفرية” في أن تدعم القائمة المشتركة نتنياهو. وقال: “ما يمكننا التأكد منه هو أن التحالف والبلد يعودان إلى حالة الأزمة. لكن من غير الواضح كيف ستنتهي هذه الأزمة“.

ووفقا لـ”منتدى السياسة الإسرائيلية” فإن هناك طريقتان لهندسة استبدال الحكومة: الأول أن يصوت 61 أو أكثر من أعضاء الكنيست لحل الحكومة والذهاب إلى انتخابات جديدة. والآخر أن يصوت 61 عضوا أو أكثر من أعضاء الكنيست لاستبدال هذه الحكومة بحكومة جديدة.

“لا يعتبر أي من هذين السيناريوهين سهلاً للتصور دون أسابيع، وربما شهور، من الجدل نظرًا لوجود عقبات حقيقية في طريق كليهما”، يوضح كاتب التحليل مايكل كوبلو وهو مدير السياسات في المنتدى الذي أكد أن أغلب الأحزاب لا ترغب في الذهاب إلى انتخابات جديدة تهددها بفقدانها عدد من مقاعدها. ويضيف أنه من المحتمل أيضا -وإن كان احتمالا ضعيفا- أن ينجح بينيت في إقناع سيلمان بالعودة لحزبه مجددا.

ويلفت كوبلو إلى ما اعتبره خطوة ذكية من جانب وزير الخارجية يائير لابيد، والذي من المفترض أن يتولى رئاسة الوزراء بالتناوب بعد بينيت، وهي اتفاقه مع الأخير على تولي منصب رئيس الوزراء المؤقت في الفترة التي تسبق الانتخابات إذا أُسقطت الحكومة. ما يعني أنه إذا صوت 61 عضوًا في الكنيست للذهاب إلى الانتخابات على أمل تشكيل حكومة يمينية موحدة، فسيتعين عليهم شن حملتهم ومن ثم تشكيل ائتلاف جديد معًا أثناء تولي لابيد منصب رئيس الوزراء.

“إذا كان الوجود الاستقطابي لنتنياهو، كما حدث مرارًا وتكرارًا خلال عامين من الانتخابات الجارية، يعني أنه لا يمكن تشكيل حكومة وذهاب إسرائيل إلى الانتخابات مرة أخرى، يظل لابيد رئيسًا للوزراء حتى يتم استبداله فعليًا. لن يمنح هذا لابيد وحزبه ‘يش عتيد’ دفعة انتخابية فحسب، بل يعني أنه سيتعين على اليمين الإسرائيلي ابتلاع السياسات التي سيعارضونها بشدة أثناء وجود لابيد في السلطة. إنه يوفر سببًا آخر لأعضاء الكنيست الذين يريدون رؤية هذه الحكومة تسقط للتفكير مرتين قبل التصويت للذهاب إلى انتخابات جديدة“.

على الجانب الآخر يشير الباحث إلى صعوبة تشكيل نتنياهو أي تحالفات إذ لا يزال في خضم محاكمة فساد، ولم يُعد بناء أي من الجسور التي أحرقها مع أعضاء الليكود السابقين -مثل وزير العدل جدعون ساعر ووزير الإسكان زئيف إلكين-  ولا أحد يثق به على الإطلاق.

إذا أراد نتنياهو استبدال حكومة بينيت-لابيد دون انتخابات، فسيتعين عليه أخذ المقعد الخلفي والسماح لشخص آخر بأن يكون رئيسًا للوزراء.. وهنا يأتي دور وزير الحرب بيني جانتس، بحسب كوبلو.

جانتس كورقة محتملة

يقول “منتدى السياسة الإسرائيلية” إنه إذا اقترب نتنياهو من جانتس وعرض عليه الترشح لأول مرة كرئيس للوزراء إذا انضم إلى ائتلاف الليكود، وبالتالي تجنب انتخابات جديدة، فسيتعين على جانتس أن يقرر ما إذا كان على استعداد للثقة في نتنياهو مرة أخرى.

وسبق للطرفين أن اتفقا قبل عامين أن يتناوبا على منصب رئيس الوزراء؛ إذ يستمر نتنياهو في المنصب لمدة 18 شهرا، يكون خلالها جانتس نائبا له ووزيرا للحرب، ثم يصبح الأخير رئيسا للوزراء لمدة 18 شهرا أخرى. ولكن الاتفاق لم يصمد سوى 7 أشهر فقط بعد الفشل في إقرار الموازنة؛ ليشن رئيس حزب “أزرق- أبيض” هجوما حادا على نتنياهو مؤكدا أنه اخطأ حينما تحالف معه.

ويرى المنتدى أن جانتس الحلقة الضعيفة للائتلاف الحالي منذ اليوم الذي أدت فيه الحكومة اليمين، وكثيرون افترضوا أنه ينتظر وقته وسوف ينسحب بمجرد أن يكون ذلك مناسبًا سياسيًا. “ربما حان ذلك الوقت، على الرغم من أن نتنياهو لم يقدم لنفسه أي مصلحة في محاولته كسب جانتس مرة أخرى في ضوء كيفية انتهاء زواجهما السياسي الأول”.

واتفق تحليل لموقع “واي نت” العبري مع هذه الرؤية قائلا إن جانتس هو اللاعب السياسي الرئيسي الوحيد الذي عمل في الأشهر القليلة الماضية على خدمة أعضاء الكنيست المعارضين، وقد يجني أخيرًا ثمار اجتهاده.

رغم ذلك قد يكون السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن تستمر الحكومة الحالية لمدة عام، غير قادرة على تمرير أي شيء وبدون أي خيارات، ثم تسقط في مارس/آذار المقبل عندما يُطلب منها الموافقة على ميزانية جديدة ومع عدم قدرتها على القيام بذلك سيؤدي تلقائيًا إلى إجراء انتخابات.

“مهما يكن حل هذا الأمر فلن يتم ذلك في غضون أيام ولا يعني تلقائيا عودة نتنياهو. بل يعني أن مهلة التسعة أشهر التي بدا خلالها النظام السياسي الإسرائيلي مستقرًا نسبيًا قد انتهت، ونحن ندخل الفترة التالية مما تحول إلى فوضى مزمنة”، يقول كوبلو.

أما الخبير في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، فيرى أن “الزلزال الذي شهدته إسرائيل بفقدان حكومتها أغلبيتها البرلمانية  دليل على أن نظامها السياسي فقد منظومة التوازنات والكوابح التي تضمن استقراره، وهذا سيسلم الكيان الصهيوني إلى طور جديد من الضعف والهشاشة في وقت حرج”. مشيرا إلى أن احتمالية انهيار حكومة بينيت ستمثل “صفعة لنظم الحكم المرتبطة بشراكات مع الكيان الصهيوني“.