من أساسيات العلم التجريبي أنه عند إجراء أي مقارنة بين موضوعين، يجب حذف العوامل المشتركة.
يمكن تطبيق ذلك عمليا على مثال من الواقع الآني، من خلال ملاحظة النقاشات حول المسلسل الرمضاني الهام “فاتن أمل حربي” (إبراهيم عيسى، بمشاركة من خالد كساب وعاليا عبد الرؤوف / إخراج ماندو العدل) من بطولة نيللي كريم وشريف سلامة.
فمن المقولات الشائعة في النقاشات حول المسلسل، المقولة التالية: “النساء لسن جميعا ملائكة والرجال ليسوا جميعا شياطين، فهناك أيضا نساء يتلاعبن بالقانون ويدمّرن الرجال، وهناك رجال طيبون مظلومون يتم “مرمطتهم” في المحاكم على أيدي الزوجة أو أهلها أو محاميها”.
تلك المقولة السابقة، تبدو صحيحة ومنطقية، ومبنية على وقائع حقيقية يمكن ملاحظتها، أو ملاحظة بعضها على الأقل في حياتنا، فكما أن هناك تلك المطلقة التي تعاني من أجل الحفاظ على أطفالها أو إطعامهن أو تعليمهن، هناك أيضا ذلك الرجل المطلق الذي يلاحقه محامي الزوجة بالدواعي القضائية حول “تبديد القائمة” وسداد أنواع النفقة المختلفة مع عدم تمكنه من رؤية أطفاله على الإطلاق أو رؤيتهم في ظروف مادية ومعنوية مناسبة.
لكن المغالطة هنا، تتمثل في استخدام “العوامل المشتركة” بين الطرفين، أي حق الطرفين في اللجوء للقانون وتوكيل المحامين “الشطار” من حيث المبدأ، وطبيعة الطرفين النفسية وأسلوبهما في الانتقام، من أجل الإيحاء بتساوي الموقف بين طرفين لا يساوي القانون ولا المجتمع بين وضعيهما من حيث الأصل، إذ تعاني الزوجة / المرأة من قلة حقوق الولاية على أبنائها مقارنة بالأب، سواء فيما يخص الحقوق المالية وصولا إلى مجرد إجراءات روتينية كالتقديم في المدارس أو حتى الإقامة معهم في مسكن فندقي (على النحو الذي عرضه المسلسل في مشهد مؤلم)، وكأن الأم مجرد مربية أو “دادة” للأطفال وليست صاحبة حق ودور أصيل في وجودهم في الحياة، وذلك في مقابل الهيمنة القانونية للأب بخصوص الأطفال، وينسحب ذلك على كل ما يتفرع منه، كاحتفاظ الأب بثروته كاملة في حالة الانفصال حتى لو كان قد كوّنها خلال فترة الزواج، بينما يُصرف للمرأة بعض المبالغ تحت مسمى النفقة لفترة محدودة ومتعلقة أيضا – في أغلب الأحوال- بحضانة الأطفال، وكأنها – مرة أخرى – مجرد خادمة لهم وليست أمًّا، وكأنها كانت ضيفة في مؤسسة الزواج وليست شريكة أصلية. وكأن على حياتها أن تتوقف حتى بعد علاقة زوجية انتهت بينما يحق للرجل الجمع بين زوجتين أو أكثر، سواء خلال علاقة الزواج الإشكالية نفسها أو بعد انتهائها.
إن عدم توازن الموقفين القانوني والاجتماعي للرجل والمرأة سواء خلال الزواج أو بعد الانفصال، هو المهم لأنه هو ما يبقى بعد “استبعاد العوامل المشتركة” كما ينص العلم التجريبي، أي ما يخص شخصية الزوجين وقدرة كل منها على استخدام القانون، في ساحة المعركة قد يكون أحد المقاتلين أكثر مهارة من الآخر لكن العبرة بنوع السلاح الذي يحمله كل منهما، يصعب على السيف أن ينتصر على البندقية مهما بلغت مهارة الفارس.
إننا نرى تلك المغالطة كثيرا في حياتنا اليومية ربما من دون أن نتعرف عليها، فكم من مرة سمعت – على سبيل المثال- مواطنا قبطيا يشكو من تمييز تعرض له، فينبري له مواطن مسلم ليقول إن الجميع يعاني من الظلم في هذا البلد أو أن “الإرهاب لا دين له”، وكم من مرة اشتكت امرأة من العنف أو الاضطهاد فأجابها أحدهم بأننا جميعا نعاني بشكل أو بآخر، أو قال لها “ليس جميع الرجال كذلك”. وهي إجابات من نوع “الإشارة إلى الرنجة الحمراء”، التي لا غرض منها سوى التشتيت، ولا هدف لها إلا إلى الوصول إلى نتيجة زائفة.