تُعدّ حرية التعبير إحدى أهم حريات وحقوق الإنسان الأساسية في الحياة، وقد أكدتها جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية حول العالم، على الرغم من ذلك لا تعتبر حرية التعبير من الحريّات المُطلقة، وإنما تحددها مجموعة من القيود والمحددات. ويمكن تعريف حرية التعبير على أنها منح الإنسان الحرية في التعبير عن وجهة نظره، وإطلاق كل ما يجول في خاطره من أفكار بمختلف الوسائل الشفهية أو الكتابية، حيث إن بإمكانه الإفصاح عن أفكاره في قضية معينة سواءً كانت خاصة أو عامة بهدف تحقيق كل ما فيه خير لمصلحة الأفراد والجماعات. وبشكل عام يمكننا القول إن حرية التعبير هي قدرة الإنسان على أن يعلن عن الأفكار التي تجول في خاطره، وعن قناعاته المختلفة التي يعتقد أن فيها مصلحته ومصلحة غيره من الأفراد إزاء أمر معين، وتعتبر حرية التعبير حقا من الحقوق الأساسية للإنسان، وذلك باعتباره جزءا أساسيا من المجتمع ومكلفا ومسؤولا فيه، ومن المواد التي تنص على حق الإنسان في التعبير المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أن لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، والذي يتمثل في تلقي الأفكار والآراء واستقصائها وإذاعتها دون أدنى تدخل أو تقيد بالحدود الجغرافية، كما أكدت ذك المعنى اتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهي وثيقة ملزمة للدول الأطراف فيها، والتي من بينها مصر.

وقد أفرد الدستور المصري لحرية الرأي قيمة عالية، حيث جاء النص بشكل صريح في المادة 65 من الدستور المصري لسنة 2014 على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”. كما أكدت ذلك من قبل صدور الدستور المصري الأخير المحكمة الدستورية العليا في حكمها رقم 44 لسنة 7 قضائية دستورية، بأن قالت “وحيث إن حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم، إذ يقوم هذا النظام في جوهره على مبدأ أن “السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات”، وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه في المادة الثالثة منه، وقررت مضمونه الدساتير المصرية السابقة عليه بدءا بدستور سنة 1923، ولا شك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن تكون للشعب – ممثلا في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن تكون للشعب أيضا بأحزابه ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات وفضلا عن ذلك فإن حرية الرأي تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها وتعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء، وحق مخاطبة السلطات العامة، كما تعد حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة في الحياة السياسية مساهمة فعالة”.

وتبدو قيمة حرية الرأي والتعبير في قدرة الأفراد والمجتمعات على التعبير بحرية من أهم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المجتمع، فهذا الحق يحظى بدور محوري يميزه عن باقي الحقوق والحريات، بخلاف ارتباطه بالعديد من الحقوق والحريات الأخرى، وهو أنّه يساهم في تعزيز كافة الحقوق الإنسانية، فهو يعتبر بوابة التغيير المجتمعي وعلامة التطور الحضاري، لأنّ الرأي الواحد لا يصنع التنمية والإبداع، كما أنّ الخوف من إطلاق حرية التعبير والعمل على إسكات الأصوات المعبرة عن حاجاتها قد يشكّل ضغطا عكسيا ويأجج من التوتر والخوف، في حين أنّ حرية الرأي والتعبير حق يضمن لصاحبه أن يعبّر عن تجربته ويستمع أيضا لآراء وتجارب الآخرين بالمثل، وهذا من شأنه أن يزيد تعاطف وتكاتف المجتمع، أملا في اتخاذ قرارات حكيمة، تعود على الأفراد والمجتمعات بالنفع، كما أن حرية الرأي والتعبير جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان والتشريعات والقوانين الناظمة لشؤون الدولة، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، وذلك يجعل من انسجام هذه التشريعات وتوافقها أمرا لا بد منه، حتى يتم تطبيقها دون تناقض أو تعارض فيما بينها، لذلك نجد أن حرية التعبير لا تنتقص بأي حال، فكما أنّ هناك حق الرأي والتعبير لأي فئة من فئات المجتمع، فإنّ هناك قوانين أخرى تحفظ حقوق الأقليات وكل فئات المجتمع دون تمييز أو تناقض، وتحميهم من التحريض ضد بعضهم، فلا يمكن استخدام حق حرية الرأي والتعبير كأداة للتفرقة العنصرية وترويج العداء بين فئات المجتمع. لذلك تظل حرية الرأي والتعبير مقيدة بنطاقات تنظمها مع بقية الحقوق المضمونة لكل فئات المجتمع.

على السلطة الحكومية انطلاقا من هذه المكونات القانونية أن تضمن لنا حقوقنا في التعبير عن الرأي من خلال أطر قانونية تضمن ألا يتعرض أحد إلى مصادر رأيه بمجرد التعبير عنه، من خلال تعديلات قانونية لا تقلل من القيمة الحقوقية والدستورية الثابتة لذلك الحق، مثلا قانون المطبوعات وقانون مكافحة الإرهاب قانون العقوبات أو غيره من القوانين التي يجب أن تتوافق  بشكل عام مع كل ما جاء في المواثيق الدولية، ومع إطلاقة النص الدستور والإطار الحاكم الذي رسمته المحكمة الدستورية العليا، وأن تقوم بمراجعة شاملة لكافة التشريعات لتي تتقاطع بشكل أو بآخر مع حرية الراي والتعبير عن الآراء بشكل أو بآخر بما يضمن حسن ممارستها بشكل فعال، دون أن تثقلها بالقيود أو الاستثناءات التي تقيد من نطاق ممارستها أو تحد منها، وذلك لكون حرية الرأي والتعبير هي الحرية الأصل التي يرفد منه العديد من الحقوق والحريات الأخرى وجوده وتفعيله، مثل الحق في مخاطبة السلطات، أو ممارسة العمل العام، وتكوين الأحزاب والنقابات.

وفي القول المجمل فإن تسيير مركبة الحرية في إطار مرسوم يتماشى مع سياسة السلطة دون إتاحة الفرصة للرأي المغاير أو المعارض في القول والنقد والتعبير وانتقاد السياسات وتوجيه الحكومة في كيفية التصرف في أفعالها وسياساتها لا يعود بالنفع على المجتمع بأسره، وعلى على السلطة ذاتها.