مر الأسبوع الأول من الموسم الرمضاني هذا العام بمنافسه غير شرسة على غير المعتاد. تعطّلت أعمال ومنعت أخرى، أحيانًا بسبب تداعيات فيروس كورونا وأخرى لدواعي أخلاقية أو أمنية. وحاربت بعض الأعمال بأصحابها للاستمرار والعرض مهما كان الثمن.
إذ أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام -على سبيل المثال- قرارات صارمة. تجاه اثنين من المسلسلات المصرية التي أثارت جدلاً واسعاً، وهما “دنيا تانية” و”شغل في العالي”. بعد أن كان قد أقر مجموعة من الضوابط والمعايير بخصوص المحتوى الدرامي والإعلاني. الذي يُعرض على القنوات الفضائية المصرية خلال شهر رمضان. من بينها الإلزام بإظهار الصورة الإيجابية للمرأة، والبعد عن الأعمال التي تُشوه صورتها عمداً. أو التي تحمل الإثارة الجنسية سواء قولاً أو تجسيداً. فأصبح الموسم الرمضاني أكثر المواسم عرضة للتذبذب بعض عقود كان موسم العرض الرئيسي.
بالتوازي مع ذلك التذبذب المتورط فيه الجميع، راهنت “مصر 360” على متابعة عدد من المسلسلات. التي توسمت فيها ثمة تصور وقضية مجتمعية، ناقشتها بعض الأعمال في إطارات مختلفة. سواء درامي، أو كوميدي، أو غيره. كان من بينها مسلسل الفنان أكرم حسني الجديد “مكتوب عليا”.
يحكي المسلسل قصته في إطار تشويقي كوميدي. يخرج فيها أكرم حسني بشخصية جلال: شاب من طبقة متوسطة، يعيش حياة صعبة، من أجل إيجاد الأموال، والحصول على معيشة مستقرة. وربما بذلك يمثل قطاع واسع يمكن الرهان عليه في ظل وضع اقتصادي مأزوم كالتي تعيشه مصر.
دون مقدمات درامية تناسب عمل خفيف كـ “مكتوب عليا”، يفاجأ البطل بظهور علامات أو كلمات على ذراعه متنبئة بالمستقبل. طلاسم وألغاز يمكن فكها والتنبؤ بالقادم خلال الساعات المقبلة، عن طريق مادة مسحورة متنشرة على يديه. حتى يأتي يوم ويجد على ذراعه كلمة الموت، ليعلم أنه سوف يموت. فيحاول بكل الطرق أن يمنع ذلك الحدث في إطار من التشويق والإثارة.
في حواره لـ”مصر 360″ بخصوص “مكتوب عليا”. كانت الكلمات الأولى التي قالها أكرم حسني أنه وافق على سيناريو المسلسل فور عرضه عليه، لأنه يمسه كما يمس أغلب البشر إذ يناقش فكرة الرضا، كيف يمكن للإنسان أن يقنع بما في يده ولا يتطلع دائمًا إلى ما يمكنه الحصول عليه.
ثمة تساؤل خفي وراء التهريج المستمر الذي يقدم عليه جلال يتمثل في ما يمكن أن يجعله سعيدًا، هل يمكن أن يعيش بسعادة دون أموال؟ تستمر المواقف التي تضعه في كل مرة أمام رغباته البعيدة وإمكاناته لتحقيق ذلك.
ما الذي يحدث لو خبّرت بالمستقبل؟ سؤال مرعب اختارت الأديان الإجابة عليه منذ زمن؛ فاختارت رعب الإنسان الأزلي من معرفة مصيرة وأفضلية العيش مع مجهولية هذا المصير.
لم أندهش كثيرًا عندما سألته عن كيفية تحضيره للشخصية عندما أخبرني أنه قرر أن يشاهد عددا من الحلقات التي قدمها الدكتور مصطفى محمود عن الفكرة، يٌشاع كثيرًا عنه تلك الجدية في التعامل مع تلك الكوميديا التي يقدمها.
ما الذي يجعل “مكتوب عليا” مسلسل جيد؟ عدد من التفاصيل الصغيرة: أولها كان بُعده عن الأدلجة الواقع فيها عدد من المسلسلات التي تعرض في الموسم ذاته، لم يتعرض المسلسل لأي من الأبعاد السياسية الخانقة لغيره. يقدم الفكرة ببساطة دون فجاجة كتابية أو بصرية يحسد عليها السيناريست إيهاب بليبل وورشته. كما يُشكر عليها مخرج العمل خالد الحلفاوي ابن الفنان نبيل الحلفاوي والفنانة فردوس عبد الحميد الذي يؤخذ عليه في الوقت ذاته عدد من الاختيارات الخاطئة مثل محمود السيسي الذي لم يقدم أي إضافة تذكر باستثناء مجيئة على اعتبار شهرته ك”تيك توكر” يمكن زيادة المشاهدات.
المسلسل على الخط الدرامي الذي يمتثل إليه أكرم حسني منذ عدة أعمال باعتباره يفصل بين الحلقات على اعتباره اسكتشات خفيفة منفصلة عن بعضها يمكنك استكمالها حتى إذا فاتك بعض الحلقات، غير مضغوط كوجبة درامية دسمة يعني تفويت حلقة منها ضياع عدد من التفاصيل.
هذا العمل إلى جانب عملين أو ثلاثة على الأكثر موجه للجمهور العام دون أي اعتماد على ألفاظ أو مشاهد خارجة يمكنها سحب بعض المتابعون إليه بالإجبار.
يمكن الوقوف على النقطة الأكثر قوة وتطور في أعماله تحديدًا في المسلسل وهي كتابة الأغاني التي تتوافق تمامًا وتعبر عن العمل تمامًا مثلما تلمس آذان الجمهور وتعجبه، نقطة قوة أخرى تقدم أكرم حسني كفنان يمتلك العديد من المقومات للوقوف بقدم ثابته للحصول على أدوار أكثر تركيبًا واختلافًا.
قديمًا ظل الكاتب الكبير كامل الشناوي يتغزل كثيرًا في ذائقة عبد الحليم حافظ الموسيقية ليس في غناءه فقط، بالشكل الذي كان يثير السخرية عليه أحيانًا من كثرة إشاراته، أعتقد أن تفصيلة ذائقة أكرم حسني الموسيقية أيضًا يمكن الثناء عليها بالقدر ذاته؛ على مدار عدد من الأعمال يمكن ملاحظة عدد من الكلمات التي تعلق بها الجمهور جميعها من كلمات الممثل خفيف الظل الذي يجسد بطولة شاب مدرس موسيقى.
مكتوب عليا مسلسل هاديء، خفيف، يمكن مشاهدته في يوم رمضاني ثقيل دون ملل، يحمل فكرة أصيلة تخص الرضا البشري الذي نتناساه في زحمة الدنيا من خلال شاب تطحنه الحياة ويسخر منه والده وتدلله أمه بينما لا يعرف الفتي ماذا يريد فعلًا.
هذه الخفة المحتملة لا يمكن أن تخرج دون وعي مسبق بكيفية صناعة عمل متجاوز للأزمات التي تحاصره وصناعه من خلال تمثيل أسرة مصرية بسيطة تشبه أسرنا، قد ينتج عنها كوميديا موقف يتوحد معها مشاهد قد يخطيء عينه ويعتقد أنه يشاهد أسرته على الشاشة.
في كل مرة يمكننا أن نؤكد على عبقرية إسماعيل فرغلي لن نتردد، لأن الدنيا دائمًا دنيا حظوظ سيصبح ذلك عزاءنا الوحيد في جلوس ندرة مشاهدة هذا العبقري وتقديم محدودي الموهبة والإضحاك، ربما في أحد المرات يسمعنا أحد ويفرد إليه مساحات أوسع كما يفرد لمواهب عدة تخفت في الظلام على حساب محاسيب الباشوات ثقيلي الظل والموهبة.
موافقة أكرم حسني على عمل المسلسل بعد قراءة أول سطر كان رهان جيد وذكي ربما يُنسي الناس مسلسل الأخير سيء الذكر وينبهه أن يمكنه الاعتماد على نفسه دون الحاجة لسندات يعتقد أنها تخدمه بينما لا تفعل ذلك.