تبدو الأمور في اليمن بشكل كبير في طريقها للاستقرار. بعد إعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانز جروندبرج، في 1 أبريل/نيسان التوصل إلى هدنة لمدة شهرين بين الأطراف المتنازعة في البلاد منذ سبع سنوات. مع بداية شهر رمضان، دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في الساعة 7 مساءً بتوقيت اليمن في اليوم التالي. ورغم ما نشرته وسائل الإعلام المحلية والإقليمية من خروقات للهدنة واستمرار القتال، لا سيما حول مدينة مأرب المحاصرة. لكن يبدو أن وتيرة الحرب تتباطأ بشكل عام.

الهدنة بين المتمردين الحوثيين -الذين يطلق عليهم اسم أنصار الله- والحكومة المعترف بها دوليًا. وقعها الرئيس عبد ربه منصور هادي. وأيدها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات. حيث تشمل تجميد ضربات التحالف الجوية -وهو شرط أساسي للحوثيين لوقف القتال- بعدها، في 7 أبريل/نيسان. سلّم هادي صلاحياته إلى مجلس رئاسي، سيكون مسؤولاً عن إنفاذ شروط الهدنة من جانب الحكومة.

يبذل مسؤولو الأمم المتحدة قصارى جهدهم للتأكيد على أن الهدنة ليست مثل وقف إطلاق النار. الهدنة هي اتفاق غير رسمي لوقف القتال. وهي خطوة أقل من وقف رسمي لإطلاق النار. لن يوقف هذا الأخير الأعمال العدائية فحسب، بل سيشمل أيضًا آليات مراقبة وخفض للتصعيد متفق عليها.

وفق خبير مجموعة الأزمات Crisis Group، بيتر ساليزبيري. تحدد الهدنة المعلنة حديثًا بعض الإجراءات الهامة لبناء الثقة. حيث ستخفف الحكومة اليمنية وقوات التحالف الحظر المفروض على دخول 18 شحنة وقود إلى ميناء الحديدة. الواقع على البحر الأحمر، وكذلك السماح برحلات جوية تجارية من وإلى العاصمة صنعاء -التي يسيطر عليها الحوثي- أسبوعيا من وجهتين: القاهرة وعما.  وذلك لأول مرة منذ عام 2016. كما التزمت الأطراف. لإعادة فتح المحادثات حول الوصول البري إلى مدينة تعز الواقعة في وسط اليمن. والتي حاصرها الحوثيون منذ عام 2016، وأجزاء أخرى من البلاد.

اقرأ أيضا: فرص التسوية في اليمن بين “الهدنة” و”حوار الرياض”: هل الحل النهائي ممكن؟

هل كانت الهدنة متوقعة؟

وفق ساليزبيري، كان هناك الكثير من الأسباب للتشاؤم من أن جهود التفاوض التي تقودها الأمم المتحدة ستنجح. كانت الخطوط العريضة للاتفاق هي: وقف القتال، والسماح بدخول سفن الوقود إلى الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء. في صميم جهود وساطة الأمم المتحدة منذ أوائل عام 2020. وسعى المبعوث الدولي مارتن جريفيث -سلف جروندبرج– إلى التوسط في وقف إطلاق النار حول هذه العناصر لمنع اندلاع معركة. لمأرب في كل من 2020 و2021. حتى الآن، تناوبت الحكومة والحوثيون على عرقلة مثل هذا الاتفاق.

استقرت الأطراف اللاعبة في اليمن على مثل هذه المجموعة المحدودة من الشروط. فطالما سعى الحوثيون إلى رفع جميع القيود المفروضة على التجارة التي تدخل ميناء الحديدة. وفتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية من جميع أنحاء العالم. لكن، شحنات الوقود الثمانية عشر ورحلتين أسبوعيتين، مكاسب لا زالت بعيدة كل البعد عن هذا الهدف.

علاوة على ذلك، سعى كل من الحوثيين والحكومة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من شأنه أن يخدم جانبهم بشكل أساسي. مثلًا، أرادت الحكومة أن ينسحب الحوثيون من مواقعهم حول مأرب. آخر معقل للحكومة في الشمال، والتي وتقع أكبر منشآت استخراج النفط والغاز في البلاد في ضواحيها. من جانبهم، سعى الحوثيون -الذين يصورون الحرب على أنها معركة لقواتهم القومية ضد العدوان السعودي- إلى قصر وقف إطلاق النار على الهجمات عبر الحدود.

ماذا يُفيد تشكيل المجلس الرئاسي؟

في 7 أبريل/نيسان، أعلن عبد ربه منصور هادي، الرئيس اليمني المؤقت -الذي امتد حكمه لعقد من الزمان- إقالة نائبه علي محسن الأحمر. والتنازل عن صلاحياته التنفيذية لمجلس رئاسي. مع ترحيب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان -في اليوم نفسه- برئيس المجلس الجديد وأعضاءه الثمانية، بدا أنه قد تم اختيارهم من قبل المندوبين في محادثات بالرياض عقدها مجلس التعاون الخليجي.

لكن -رسمياً- كان هادي هو الذي عين المجلس عن طريق إعلان رئاسي “لا رجوع فيه”. يرأس المجلس رشاد العليمي وزير الداخلية اليمني السابق. ويجمع بشكل غير مسبوق قادة بارزين من الفصائل العسكرية والسياسية المناهضة للحوثيين. التي تسيطر على الأراضي والقوات على الأرض. وهي مقسمة بالتساوي بين الشماليين والجنوبيين.

يلفت خبير مجموعة الأزمات إلى وجود شائعات حول مثل هذا الإصلاح الشامل. فبحلول منتصف عام 2021، ظهر إجماع واسع في الكتلة المناهضة للحوثي على أن الوضع السياسي الراهن غير مستدام. يقول: تم الاعتراف على نطاق واسع بأن هادي يمارس القليل من السيطرة -أو حتى النفوذ- على معظم التجمعات الرئيسية المناهضة للحوثيين الممثلة الآن في المجلس. لقد قدم القليل من القيادة وكانت القوات المناهضة للحوثيين تعاني من الخلافات بين الفصائل.

كجزء من مرسوم تشكيل المجلس، عين هادي أيضًا لجنة اقتصادية جديدة. أعقب ذلك بساعات إعلان السعودية والإمارات عن مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار لـ “تحقيق الاستقرار في الاقتصاد اليمني المتهالك”. ليس واضحا السبب الذي أقنع هادي بالتنحي، بعد سنوات عديدة من المناورة من جانبه لتجنب التنازل عن السلطة. لكن، يبدو أن السعوديين -مضيفيه على مدى السنوات السبع الماضية- أجبروه على القيام بذلك.

الانتصار في الحرب أم دعوة للسلام؟

في سبتمبر / أيلول 2021، حقق الحوثيون اختراقات في وسط وشمال اليمن أتاحت لهم محاصرة مدينة مأرب بالكامل تقريبًا. فقط حال تدخل القوات المتحالفة مع الإمارات في محافظتي شبوة ومأرب دون انهيار دفاعات الحكومة. كانت هذه الهجمات، التي استمرت خلال الأشهر القليلة الماضية. هي المرة الأولى التي يفقد فيها الحوثيون أراضيهم منذ ما يقرب من أربع سنوات.

لكن، القوات التي تقودها الحكومة فشلت لاحقًا في الاستفادة من هذه المكاسب. ولا سيما إثبات عدم قدرتها على الاستيلاء على مدينة واحدة في شمال اليمن. وفق ساليزبيري، كانت إشارة اليمنيون إلى الصعوبات والضغوط الاقتصادية الأليمة للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة اسميًا. دليلُا على أن هادي ومحسن كانا أضعف من أن يستمرا في رئاسة الحكومة.

أثناء قراءة التعليقات المعدة خلال الحفل الختامي لاجتماع مجلس التعاون الخليجي، قال رئيس الوزراء اليمني معين سعيد عبدالملك -الذي احتفظ بمنصبه- إن المندوبين اتفقوا على عدم وجود حل عسكري للحرب. وتوصلوا بدلاً من ذلك إلى توافق في الآراء بشأن السعي لتحقيق السلام مع. الحوثيين.

يقول ساليزبيري: يشير العديد من الأشخاص المشاركين في محادثات الرياض إلى لغة في المرسوم الرئاسي. الذي يكلف المجلس بالتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار وحل سياسي شامل للصراع. هم ومسؤولون دول مجلس التعاون الخليجي يقولون إن المفاوضات ستكون أولوية. ستدرك الرياض أيضًا أن المجلس يتألف من فصائل متنافسة. وبالتالي، فمن المرجح أن يرغب في التحرك بسرعة قبل أن تنفجر التوترات الداخلية إلى السطح. لكن البعض في المعسكر المناهض للحوثيين يجادلون بالفعل بأن المجلس الرئاسي “يجب أن يعمل على توحيد الجهود العسكرية بدلاً من تقديم مبادرات سلام”.

اقرأ أيضا: أيُّ دور لمصر في الملف اليمني؟

لماذا حدث هذا الآن؟

الهدنة وتعيين المجلس هما نتيجة محتملة للتحولات في ديناميكيات الصراع على مدار عامي 2021 و2022. بحلول أواخر عام 2021، كان الحوثيون مقتنعين بأنهم كانوا على استعداد للتقدم في مسيرة إلى مأرب. وبالتالي اعتبروا أن الهدنة ضارة باحتمالات الاستيلاء عليها. من جانبهم، ساوت الحكومة وحلفاؤها شروط الحوثيين بوقف إطلاق النار بالاعتداء على سلطة الحكومة السيادية. كما لم ترغب الرياض في تقديم تنازلات للحوثيين دون عودة ذات مغزى. على الأرجح مطالبتهم بقطع الجماعة علاقاتها مع إيران.

لم يتحقق استيلاء الحوثيين الكامل على مأرب -الذي بدا ممكناً بالكامل قبل بضعة أشه -. وكان سقوطها في أيدي الحوثيين من شأنه أن يمنح الجماعة حق الوصول. ليس فقط إلى حقول النفط الرئيسية في اليمن، ولكن أيضًا إلى مساحات شاسعة من الصحراء على الحدود مع السعودية. بالفعل، يسيطر الحوثي على الأراضي المتاخمة للمملكة، وبشكل رئيسي معقلهم في المرتفعات الشمالية في صعدة. ولكن، إذا كانوا سيأخذون هذه الصحراء، فسيكون لديهم أرضية انطلاق جديدة واسعة لهجمات محتملة عبر الحدود.

كيف تغير الوضع؟

تغير الوضع في أوائل عام 2022. في يناير /كانون الثاني، حققت القوات المتحالفة مع الإمارات أول مكاسب عسكرية كبيرة ضد الحوثيين منذ ما يقرب من أربع سنوات. مما أدى إلى تعقيد جهود الحوثيين للاستيلاء على مدينة ومحافظة مأرب إلى حد كبير. ورد الحوثيون على خسائرهم بشن ضربات بطائرات مسيرة وصواريخ على الإمارات.

كانت هذه الهجمات -التي قتلت وجرحت عدة أشخاص- أول اعتراف من أبو ظبي علنًا بالهجمات الحوثية. وقد أعلن الحوثيون مرتين عن هجمات سابقة على مطار أبو ظبي ولم تعلق الإمارات عليها. منذ ذلك الحين، ضغطت الإمارات على الولايات المتحدة لإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. لكن أزالت إدارة بايدن هذا التصنيف، الذي كان سلفهدونالد ترامب قد وضعه قبل وقت قصير من ترك منصبه.

أيضا، زاد الحوثيون من وتيرة هجماتهم على السعودية. حيث استهدفوا مؤخرًا مستودعًا لتخزين النفط في جدة قبيل سباق الفورمولا 1 في المدينة. ردت الرياض بمزيد من الضربات الجوية على صنعاء وغيرها من المناطق المأهولة بالسكان، مما زاد من خطر وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. خلقت هذه الأحداث توازنًا عسكريًا واسعًا لأول مرة منذ عدة سنوات. لكن في غضون ذلك، تأثر الاقتصاد في كل من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة بشدة. من ارتفاع الأسعار في أسواق السلع العالمية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا. والعقوبات التي نتجت عن ذلك. أصبح نقص الوقود في مناطق الحوثيين أكثر حدة.