أقرت محكمة النقض في حيثيات حكمها برفض طعن الممثل محمد رمضان ضد الحكم الصادر بتغريمه 6 ملايين جنيه لصالح الطيار الراحل أشرف أبو اليسر مبدأ قضائيا جديدا. يقضي بتعويض المتضرر من نشر صورته أو استغلالها دون إذنه.
وفسرت المحكمة ذلك بأن إذن الشخص بتصويره لا يشمل إذنا ضمنيا بنشر الصورة أو استغلالها. ولا بد من الحصول على إذن آخر صريح بالنشر. وطالبت المحاكم بإعمال هذا المبدأ فيما تنظره من قضايا مماثلة.
وأضحت المحكمة أنه حال ثبوت نشر صور نتج عنه أضرار مادية أو أدبية فإن من التقط الصورة يُلزم بتعويض الجابر لهذه الأضرار. وذلك على النحو الذي تُقدره المحكمة لتوافر عناصر المسؤولية التقصيرية الموجبة للتعويض. أخذا بما جرى عليه نص المادة 163 من القانون المدني من أن “كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”.
وقد اتسعت مؤخرا دائرة التعدي على الحياة الخاصة. وذلك بنشر صور أو معلومات لأفراد بهدف التشهير والابتزاز وإذلال الضحية والتقليل من شأنه أو شرفه وكرامته علانيةً أمام المجتمع. وذلك باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها.
قضايا مماثلة
تعد حادثة الطالبة “بسنت” التي اضطرت لإنهاء حياتها بالانتحار بسبب ابتزاز شباب لها بنشر صورها الخاصة. ما تسبب في تشويه سمعتها أبرز هذه القضايا.
أيضا نشر فيديو معلمة المنصورة وهي ترقص في إحدى الرحلات الترفيهية دون إذنها. وواقعة “سيدة البلكونة” في التجمع الخامس. بالإضافة إلى تصوير مرضى مستشفى العباسية للصحة النفسية في أوضاع غير لائقة. ما اعتبر انتهاكا صريحاً لآدميتهم. فضلا عن مئات الحالات الأخرى.
والتساؤل هنا: “هل ينجح قرار النقض في وقف هذه الظواهر السلبية التي تتعدى على الحياة الخاصة للأفراد؟”.
عصام شيحة -رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمحامي المتخصص في قضايا النقض- اعتبر أن قرار المحكمة يرسي مبدأ لكل من تضرر بنشر صوره دون إذنه. بأن يكون له الحق بالرجوع إلى المحكمة ورفع دعوى تعويض عن الأضرار الأدبية والمادية التي أصابته من نشر هذه الصور.
ويرى أن هذا المبدأ القضائي سيسهم بشكل كبير في الحد من جرائم نشر الصور دون إذن أصحابها. بالإضافة للعقوبات الجنائية في القانون المصري إذا كانت الصور التي تم نشرها يترتب عليها جرائم جنائية.
وقال لـ”مصر 360″ إن لكل لشخص حرمة لحياته الخاصة يحميها القانون. والكشف عنها دون إذنه اعتداء غير مشروع على هذه الحقوق. إذ يتحقق به ركن الخطأ الموجب للمسؤولية القانونية. وحال إثبات هذه الأضرار يستوي في ذلك أن يكون ضررًا ماديًا أصاب الفرد أو أدبيا.
وقال عمر هريدي -وكيل نقابة المحامين وعضو مجلس الشعب سابقا- إن قرار محكمة النقض سيجعل الجميع يعيد حساباته قبل التعدي والاستسهال خوفا من مقاضاته. فيما قال نبيه الوحش -المحامي بالنقض- إن نص المحكمة غير ملزم للقضاة للعمل به في القضايا المماثلة. فهو غير ملزم قانونيا. لذلك لا بد من ترجمته إلى قانون رادع للحد من عمليات التصوير والتسجيل. التي تتم خلسة وتنتهك خصوصية الأفراد.
الشخصيات العامة
استند قرار محكمة النقض إلى المادة 178 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002. والتي تنص على أنه “لا يحق لمن قام بعمل صورة لآخر أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصلها أو نسخا منها دون إذنه أو إذن مَن في الصورة جميعا ما لم يتفق على خلافه”. ومع ذلك “يجوز نشر الصورة بمناسبة حوادث وقعت علنا أو إذا كانت الصورة تتعلق بأشخاص ذوي صفة رسمية أو عامة أو يتمتعون بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام. بشرط ألا يترتب على عرض الصورة أو تداولها مساس بشرف الشخص أو بسمعته أو اعتباره. ويجوز للشخص الذي تمثله الصورة أن يأذن بنشرها في الصحف وغيرها من وسائل النشر حتى لو لم يسمح بذلك المصوِّر ما لم يتفق على غير ذلك.
وأوضح “هريدي” أنه رغم وجاهة المبدأ لكن لا يمكن تطبيقه عموما. فهناك شخصيات عامة ومشاهير لا يمكن إدراجهم تحت هذا الحظر. حيث يعتبرون محل ثقة وتقدير من المواطنين ومنهم السياسيون والفنانون الذين توجه لهم انتقادات ويتم تداول صورهم لكن بشرط عدم التعرض لحياتهم الخاصة.
وأضاف أن الخلط عند العوام بين العمل العام والحياة الخاصة هو ما ينتج مثل هذه القضايا. لكن الدستور المصري في المادة 59 أكد أن “الحياة الآمنة حق لكل إنسان. وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها. ولكل مقيم على أرضها كما نصت المادة 90 من الدستور على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوة الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم”.
تغليظ العقوبة
وتنص المادة 25 و26 من قانون العقوبات رقم 175 لسنة 2018 على السجن 3 سنوات على الأقل و5 سنوات على الأكثر. وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه. لكل مَن اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري. أو انتهك حرمة الحياة الخاصة لشخص معين دون موافقته. سواء أكانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة.
وقال “هريدي” لـ”مصر 360″: “أحكام محكمة النقض مفسرة لنصوص ومبادئ قانونية. لكنها لا تخلق نصا تشريعيا جديدا. وتكون أحكامها تأكيد لما ينص عليه القانون. مفسرة لنصوص تشريعية قائمة. ولا تستطيع أن تقضي بما هو غير موجود في النص التشريعي”. فيما طالب المحامي نبيه الوحش بتغليظ العقوبة في القانون وتعديلها من جنحة إلى جناية أشغال شاقة مؤبدة للحد من السلوكيات المضرة بالغير. مشيرا إلى أن العقوبة في مثل هذه الجرائم تبدأ من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات كأقصى تقدير.
الدستور المصري
أفرد الدستور المصري لسنة 2014 نصوصًا عدة في الباب الثالث بشأن الحقوق والحريات والواجبات العامة. لذا نجد المادة 51 تقول إن الكرامة حق لكل إنسان. ولا يجوز المساس بها وتلتزم الدولة احترامها وحمايتها.
والمادة 54 تقضي بأن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تُمس. والمادة 57 تنص على أن للحياة الخاصة حرمة وهى مصونة لا تمس. وأخيرًا المادة 60 تنص على أن لجسد الإنسان حرمة والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون.