صناعة الألومنيوم واحدة من أهم روافد الاقتصاد القومي منذ منتصف السبعينيات. ولدت من قلب الصعيد واستطاعت أن تستوعب آلاف الأيدي العاملة بالجنوب المهمش. وذلك عبر توفير فرص عمل دائمة ومستقرة. كما استطاعت أن تحقق اسما عالميا لتصبح أكبر مصنع في الشرق الأوسط يتم تسويق إنتاجه في الأسواق المحلية والخارجية.

وبدأت شركة مصر للألومنيوم بنجع حمادي بمحافظة قنا بطاقته إنتاجية 120 ألف طن. وتطورت الإنتاجية لمستوى 180 ألف طن وصولا إلى الطاقة الإنتاجية الحالية والتي تبلغ 320 ألف طن. وذلك بعد زيادة خطوطها الإنتاجية في سنة 1997 إلى 6 خطوط وإعادة تأهيل وتطوير جميع خطوط الإنتاج إلى خلايا سابقة التحميض.

أنشئت “مصر للألومنيوم” عام 1969. وبدأ الإنتاج بها مع بدايات عام 1975. وتم اختيار مكانها الحالي ومساحتها البالغة 10 آلاف متر- لقربها من محولات كهرباء السد العالي. حيث تعد الكهرباء المكون الأساسي للصناعة بنسبة 40% لفصل جزيئات الألومنيوم عن الأكسجين.

تنتج الشركة أشكالا مختلفة من المسبوكات مثل (بلاطات-أسطوانات-قوالب سبائكية-قوالب 99.7 &99.8-تى بار- سلك 9 مم-سلك 9.5 مم). فضلا عن منتجات المدرفلات المختلفة من الشرائح واللفات والألواح. بالإضافة إلى منتجات البروفيلات. فيما تستحوذ الشركة على السوق المحلية في توريد المواد الخام ويعتمد عليها نحو 60 مصنعا محليا من المصانع العاملة في إنتاج الأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية ومعدات الكهرباء والصرف الصحي. كما تصدر 80% من إنتاجها للخارج.

شركة مصر للألومنيوم
شركة مصر للألومنيوم

تحويل لقطاع الأعمال

تم تحويل شركة مصر للألومنيوم إلى قطاع الأعمال. فهي تابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية باعتبارها أحد القطاعات الخاسرة. وذلك لمعالجة الخسائر المتتالية فقد سجلت خسائر في 2019 و2022 تقدر بـ1.6 مليار جنيه.

وبررت الشركة الخسائر بارتفاع تكلفة الطاقة الكهربائية ومستلزمات الإنتاج الأخرى. فضلا عن انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه وتوابع أزمة كورونا وهو ما أدى لتراجع الصادرات.

لكن مع معاودة ارتفاع الدولار أمام الجنيه عادت الشركة إلى النهوض محققة أرباحا 1 مليار و200 مليون جنيه حتي شهر مارس الماضي طبقا للمهندس ياسر الجالس رئيس اللجنة النقابية بالشركة بعد تغطية تكلفة الإنتاج والطاقة.

ومن المتوقع أن تزيد فرصة الأرباح خلال الفترة القادمة. خاصة أن تعاملات الشركة الخارجية جميعها بعقود طويلة الأجل بنظام “اللونج ترم والميد ترم”. لكن سياسة الاعتمادات المستندية التي فرضها البنك المركزي فى التعامل مع الشركات تهدد استمرار الشركة في العمل. حيث تعطلت توريد شحنات المواد الخام في المواني البحرية ورفض الموردون تسليم الشحنات حاليا لمندوبي الشركة قبل تسليم أثمانها بالدولار.

وتعتبر الاعتمادات المستندية تعهداً مالياً يصدر عن البنك بناءً على طلب المستورد لضمان دفع ثمن السلع للمورد. ويحتوي الاعتماد المستندي عادة على وصف تلخيصي للبضائع والوثائق المطلوبة للدفع وتاريخ الشحن والموعد النهائي لاستحقاق الدفع. لكن وفقا لمصادر داخلية بالشركة فإن “المركز المصري” لم يغطِّ المبالغ المطلوبة للشحنات بالدولار. ما أدى لرفض الموردين تسليمها وقد تهدد هذه العقبة الجديد الشركة بالدخول في أزمة إنتاج جديد والتراجع.

معركة مع وزارة الكهرباء

تدخل الشركة في معركة حامية الوطيس مع وزارة الكهرباء من أجل الاستمرار في الإنتاج بسبب ارتفاع معدل استهلاك الكهرباء البالغ ثلث إنتاج كهرباء السد العالي. وتصر وزارة الكهرباء على بيع الوحدة بسعر 111 قرشا للكيلووات. ويعد المعدل الأعلى عالميا في الشركات المناظرة. وهو ما يحقق لها خسائر رغم أرباحها الكبيرة.

العمل داخل مصر للألومنيوم
العمل داخل مصر للألومنيوم

بينما تؤكد الإدارة أن الشركة منتجة وتربح سنويا ما يزيد على 5 مليارات جنيه لكن أسعار الطاقة تستحوذ على 5 مليارات جنيه سنويا من صافي أرباحها. فكل قرش زيادة في أسعار الكهرباء يكبد الشركة 50 مليون جنيه زيادة في الميزانية. ما يعد ضغطا كبيرا عليها خاصة خلال الأزمة الماضية مع ارتفاع أسعار المواد الخام وتراجع البورصات العالمية.

ومنذ أن رفعت الحكومة أسعار الكهرباء بـ14.9% للمستهلكين فإن متوسط الزيادة في الأسعار للمشتركين الصناعيين على الجهد الفائق يبلغ 10%. وهو معدل عال جدا ويعد أعلى تعريفة كهرباء عالميا بين مثيلاتها ويؤثر في مسيرة ومستقبل الشركة.

وتحتاج مشروعات التوسع في مصر للألومنيوم لاستمرار العمل إلى ربط سعر الكهرباء بالأسعار العالمية وخفض أسعارها لإنجاز مشروعات التطوير والتوسعات وإنشاء الخط السابع. وقد تم رفض كل المقترحات لحل أزمة الطاقة. ومنها إنشاء شركات كهرباء بديلة عن السد العالي لخفض التكلفة وترشيد النفقات وتصميم وإنتاج بعض قطع الغيار بديلا للاستيراد والتي توفر ملايين الدولارات.

خطط التوسع

يقول المحاسب هشام عبد الرحمن -مدير القطاعات الخدمية بشركة مصر للألومنيوم: “الكلام عن خسائر الشركة وحدها دون اعتبار حجم إنتاجها واستثماراتها أمر عبثي. خاصة في ظل إصرار وزارة الكهرباء على رفع أسعارها ورفض أي حلول لتخفيض الأسعار التي تلتهم عائد الشركة كله تقريبا”.

وقال لـ”مصر 360″: كيف لشركة خاسرة أن تتوسع في إنشاء خطوط الإنتاج؟. حيث تقوم حاليا بإنشاء مصنع لجنوط السيارات عالية الكفاءة والصلابة لمواكبة التطور العالمي في هذا المجال وتهدف لتصديره للخارج. مشيرا إلى أن العالم كله يحتاج إلى إنتاج جنوط الإطارات من الألومنيوم لما له من شكل جمالي.

وأضاف أن حجم عائد الشركة جيد ماديا لأن الغالبية العظمى منه -البالغ 80% يباع بالدولار- لكن الكهرباء يتم تحديدها بالجنيه. لذلك حين يتم تحويل تكلفة الكهرباء بالدولار في ظل تراجع الدولار خلال الفترة الماضية فإن تكلفة الكهرباء ترتفع رغم ثبوت تسعيرها بالجنيه.

وتوقع أن تجني الشركة أرباحا جيدة هذا العام مع ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري مؤخرا. مبينا أن تسعى الشركة لإنشاء محطة طاقة شمسية لتوفير جزء من استهلاكها للكهرباء لتقليل تكلفة الإنتاج.

وكشف أن مهندسي الشركة استطاعوا تطوير البحوث بإنتاج باب الخلية. والذي كان يتم استيراده من الخارج. مما أهلها إلى الحصول على شهادة اعتماد “لويدز ريجستر” التي تسمح باستخدام منتجات الشركة في المنشآت البحرية المدنية والعسكرية في مصر والعالم. إضافة إلى شراكتهم مع الهيئة العربية للتصنيع والترسانة البحرية.

وقال إنه كان يتم استيراد القندرة بسعر 16 مليون جنيه. يتم تصنيعها حاليا في الشركة بسعر 2 مليون جنيه. كما تم تصنيع جهاز “البروجكتور” الذي كان يتكلف 32 ألف بسعر 2000 جنيه للواحد.

الأولى في الصادرات

تفوق صادرات مصر من الألومنيوم
تفوق صادرات مصر من الألومنيوم

وأوضح “هشام” أن “المصرية للألومنيوم” هي الأولى في الصادرات المصرية -حسب تقرير مجلس الوزراء. ويمتد إنتاجها إلى 27 دولة و60 مصنعا محليا تعتمد على منتجات الشركة من المواد الخام. وهناك خطة لتعظيم الإنتاج من 320 ألف طن إلى 570 ألف طن بعد فتح الخط السابع.

ولفت إلى أن للشركة وجودا قويا في أوروبا وأمريكا منذ أكثر من أربعين عاما. حيث يتم تصدير منتجات ذات جودة فائقة تنافس كبرى المصاهر العالمية. فضلا عن وجود ميزة تنافسية لها عن دول الخليج بأوروبا بسبب شهادة “اليورو” والتي تسمح بدخول المعدن دون جمارك.

وقال: نعتمد كل استيراد خامات الألومنيوم من السعودية وأستراليا -خامات الألومنيوم: (البوكسيد ـ الفحم ـ الفلوريدات). ويحتاج الألومنيوم إلى عملية التحليل الكهربي لفصل الأوكسجين عنه عبر التحليل الكهربائي.

سعر الألومنيوم

يخضع سعر الألومنيوم لبورصة لندن. وهو سعر عالمي يعلن على الشاشة لمدة 24 ساعة. وكذلك علاوات التشكيل يتم تحديدها طبقا لآليات العرض والطلب بالأسواق. ومع زيادة العمل في مشروعات البنية التحتية والمرافق و”حياة كريمة” زاد الطلب محليا على منتجات الشركة من السلك ومواسير الصرف والتوسع في خطوط الإنتاج.

وكانت شركة بيجتل الأمريكية قد أجرت دراسة لمشروع توسعات “الخط السابع” الخاص بإنتاج الجوانات منذ ثلاث سنوات. لكن نتيجة الدراسة أفادت بعدم القدرة على تنفيذ المشروع في ظل التسعير الحالي لأسعار الكهرباء التي تتحملها الشركة. وأكدت الدراسة أنه لا بد من خفض سعر الطاقة إلى 72 قرشا حتى تحقق أرباحا إنتاجية. فيما رفعت الوزارة تقريرا حول نتائج الدراسة لرئيس الحكومة وحتى الآن لم يتم الموافقة عليه.

وعن تكاليف أسعار مجاميع مصاهر الألومنيوم عالميا -حسب سعر الطاقة المحلية في 2012 و2022- فهي كالتالي:

في تركيا تبلغ سعر وحده الطاقة المستخدمة 1.1 سنت. والصين 7.407. أما في الأرجنتين فسعر وحدة الطاقة الكهربائية 5.541. وفي عمان 2.578 سنت. وفي الهند 7.311 سنت. لتبلغ المجاميع تكلفة الإنتاج وفقا للطاقة في المتوسط بالسعر العالمي 69.223. مقابل عائد 628.6. بينما يتم احتسابها للشركة بسعر 110 قروش بالعملة المحلية دون التقيد بأسعار البورصة التابعة لها صناعة الألومنيوم.

البدائل

المهندس ياسر الجالس -رئيس اللجنة النقابية بشركة مصر للألومنيوم- قال إن مشكلة الشركة الوحيدة هي الطاقة. والتي ترفع فاتورة وتكلفة الإنتاج. ملقيا باللوم على وزارة الكهرباء التي ترفض من وجهة نظره كل البدائل المقترحة لإنتاج الكهرباء متهما الوزارة بأنها تحتكر الأسعار بحجة أن ذلك سيدفعها لوضع سعرين في بيع الوحدة للمنتجين.

وقال لـ”مصر 360″ إن استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء بديلا عن كهرباء السد العالي سيتم نقلها عبر خطوط وزارة الكهرباء أيضا. وستحمل في النهاية نفس التكلفة لإصرار الشركة على عدم خفض سعر الطاقة للمصنع.

وذكر أن حجم استهلاك الشركة من الطاقة “مغري جدا”. حيث تنهال عليها العروض من الشركات الأجنبية لإنتاج الكهرباء بأسعار مخفضة. لكن الوزارة ترفض هذه العروض. وأكد أن جميع الدول المناظرة لنا في صناعات الألومنيوم تحصل على الكهرباء بنصف السعر. لذلك المنافس الأجنبي يستطيع أن يبع بالسوق المصرية لأن تكلفة الصناعة عليه أقل بينما لدينا أكثر ارتفاعا وتكلفة.

ضرورة إنتاج الكهرباء

وزارة الكهرباء
وزارة الكهرباء

وذكر أنهم تقدموا بمشروع حديث لوزير قطاع الأعمال لزيادة الإنتاج من 320 ألف طن إلى 570 ألف طن باستخدام طاقة أقل بدلا من استهلاك 14 ألف كيلوات يوميا. وتخفيضها إلى 12 ألف كيلووات عبر تكونولوجيا حديثة في الخط الجديد لإنتاج جوانات السيارات. حيث تقوم فكرته على استخراج 3 أطنان من الخلية بدلا من 1600 يوميا.

لائحة الموارد البشرية

وتعتزم وزارة قطاع الأعمال العام تطبيق لائحة الموارد البشرية بداية 2023. وهي عبارة عن إقرار لائحة موحدة للعاملين بالشركات التابعة. وتتعلق اللائحة التى ستكون ملزمة لجميع العاملين بالشركات التابعة لقطاع الأعمال العام بوضع ضوابط الأجور والعلاوات والمنح والمناسبات والحوافز والبدلات. لكن العاملين بالشركة أكدوا أن تطبيقها سيؤدي إلى حالة تزمر بين العمال خاصة في ظل تدني الرواتب بالمقارنة لطبيعة العمل الشاقة بالمصنع فاكبر مرتب لا يتجاوز 8000 جنية وفقا للعمال بعد مدة عمل 30 سنة.

وتخوف محمد عبد الكريم -أحد العاملين بالشركة- من تطبيق لائحة الموارد البشرية لأنها ستؤدي إلى “تخفيض العمالة والمرتبات”. مشيرا إلى أن الأوضاع داخل الشركة بدأت تستقر بين العاملين بعد صرف الأرباح بقيمة 12 شهرا مؤخرا والعودة لتحقيق مكاسب بعد فترة تراجع خلال أزمة كورونا. مؤكدا أن تطبيق اللائحة يعصف بأمن العمال والعاملين ويقلص دخلهم.

من جانبه انتقد رئيس اللجنة النقابية تطبيق لائحة الموارد البشرية: “حجم  أجور العاملين بالشركة -البالغ عددهم 5200 عامل وفني- لا تتجاوز 3 إلى 4% من تكلفة الإنتاج”. وقال إنها نسبة ضئيلة لحجم النشاط بالمقارنة بقيمة الأجور بمصانع مماثلة في دول أخرى. حيث تصل ميزانية الأجور إلى 13 و15% بجميع مصاهر العالم.

مطالب بالانضمام لوزارة الصناعة

وطالب “ياسر” بضم الشركة لوزارة الصناعة والاستثمار بدلا من قطاع الأعمال العام. وذلك للخروج من أزمة التصفية على مراحل التي تتعرض لها. حيث يتم معاملتهم -وفقا له- على أنهم أحد القطاعات الخاسرة. وهو أمر غير صحيح من وجهة نظره. فالشركة حققت مكاسب خلال هذا العام في ثلاثة أشهر تقدر بمليار 200 مليون جنيه. مشيرا إلى أنها حققت صافي أرباح العام الماضي 3 مليارات جنيه. فضلا عن تصديرها لـ27 دولة.

ودعا إلى احترام صناعة استراتجية يتوقف عليها 60 مصنعا آخر بجميع القطاعات الحيوية وملايين الأيدي العاملة. التي سيتم تشريدها حال بيع الشركة أو التصفية وهدم قلعة صناعية رابحة. وقال إنه تم رفع فاتورة الكهرباء من 3.5 مليار إلى 5.5 مليار جنيه تدخل في الموازنة الجديد لعام 2022 بــ1.6 مليا جنيه صافي. في حين يتم محاسبة الشركة بسعر 110 قروش للكيلووات لحجم استهلاكها البالغ 450 ميجا سنويا بقيمة 15.5 مليون ونصف المليون يوميا.

ووفقا لتصريحات هشام توفيق -وزير قطاع الأعمال العام- فإنه يجري حاليا دراسة تطوير الخلايا العاملة بالشركة. والتي تعمل منذ الثمانينيات بعدد 250 ألف خلية إلى 320 ألف خلية جديدة. وفور الانتهاء من الدراسة سيتم طرح مناقصة على شركات المقاولات لتنفيذ المشروع.

وكان من المتوقع أن يتم الانتهاء من الدراسة والإعلان عن البدء في عملية التطوير في شهر أكتوبر الماضي 2021 وفقا لتصريحات الوزير.