ربما لم تكن لتحدث كل هذه الضجة لو توصلت أسرة الباحث والخبير الاقتصادي أيمن هدهود إلى مكان احتجازه منذ البداية. وربما كانت ستهدأ مخاوف شقيقيه إذا تمكنوا من رؤيته مرة واحدة خلال الشهرين اللذين مرا على ليلة القبض عليه. ولم يعلن عن أسباب ضبطه إلا في بيان حديث لوزارة الداخلية نسب إلى أيمن “الإتيان بتصرفات غير مسؤولة ومحاولة اقتحام مسكن للغير”.

وقد لف الغموض هذه القضية وبدأ باختفاء هدهود وتوصل أسرته إلى احتجازه بمستشفى الأمراض النفسية في العباسية. ثم نفي المستشفى -بعد إقرار إدارته بوجود “أيمن”- أنه استقبله أصلًا. وكذا نفي أجهزة الأمن استمرار احتجازه لديها. وصولًا إلى إعلان نبأ الوفاة المفاجئ؛ كلها أمور أكسبت هذه القضية زخمًا وتساؤلات عدة حائرة بين روايات مختلفة.

من هو أيمن هدهود؟

أيمن هدهود (42 عامًا) تخرج في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية. كما حصل على ماجستير إدارة الأعمال. وأيضًا التحق ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في محاربة الفساد والرشوة. وحتى إعلان وفاته كان مراقبًا ماليًا في الجامعة الأمريكية.

كما انضم إلى حزب “الإصلاح والتنمية” الليبرالي، ليصبح واحدًا من مؤسسي الحزب. وقد قرر خوض انتخابات البرلمان في 2010 بدائرة الزيتون أمام زكريا عزمي، التي انتهت بخسارته. كما كان يكتب تحليلات اقتصادية حول الشأن المصري، وله موقف مخالف لسياسات الحكومة الاقتصادية.

وأيضًا عمل مستشارًا للسياسة الاقتصادية لمحمد أنور السادات رئيس الحزب والبرلماني السابق وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. والسادات نجل شقيق الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد عمل خلال العام الماضي وسيطًا بين الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر لمحاولة إطلاق سراح سجناء الرأي والمحتجزين احتياطيًا.

اقرأ أيضًا: 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة

عمر هدهود: دوخونا ومعرفناش نشوفه طول فترة احتجازه

لاختفاء أيمن هدود روايتين التقيتا في منطقة حدوث الواقعة واختلفتا في تبريرها. ففي الرواية الرسمية ذكرت وزارة الداخلية عبر حسابها الرسمي على “فيسبوك” أنه “بتاريخ 6 فبراير 2022 تبلغ من حارس أحد العقارات بمنطقة الزمالك بالقاهرة بتواجد المذكور داخل العقار ومحاولته كسر باب إحدى الشقق وإتيانه بتصرفات غير مسئولة. وقد تم إتخاذ الإجراءات القانونية في حينه. وإيداعه بأحد مستشفيات الأمراض النفسية بناءً على قرار النيابة العامة”.

أيمن هدهود
أيمن هدهود

أما في رواية شقيقه عمر، فقد تناول أيمن معه وجبة العشاء مساء 5 فبراير/شباط ورحل متجهًا إلى منزله. لكنه لم يظهر بعدها ولم تعرف الأسرة مكان تواجده سوى عقب 4 أيام. ذلك حينما زارهم أحد أفراد الأمن وأبلغهم بوجوده في جهاز الأمن الوطني”. قبل أن تعلم الأسرة بأنه أحيل إلى مستشفى الأمراض النفسية لبيان سلامة قواه العقلية. وأيضًا لم تتمكن من رؤيته.

يقول عمر لـ “مصر 360”: “دوخونا ومعرفناش نشوفه طول الفترة دي.. كنا عايزين من الأمن يكون صادق معانا.. لماذا تم إخفائه بهذه الطريقة رغم علمهم أنه مريض وظلوا يعدونا بخروجه؟ كانوا سابونا عالجناه بمعرفتنا.. لم نترك بابًا إلا وطرقناه للبحث عنه ولم نصل لنتيجة مع الأجهزة.. كانوا بيقولوا مجرد يومين ثلاثة للتحقيق وهيخرج حتى اكتشفنا أنه مودع بالمستشفى تحت الملاحظة لمدة 45 يومًا”.

شهادة وفاة أيمن هدهود
شهادة وفاة أيمن هدهود

تفاصيل غامضة في حكاية أيمن هدهود

تقول فاطمة سراج المحامية بمؤسسة حرية الرأي والتعبير والمتابعة للقضية، إن عملية إلقاء القبض على أيمن هدهود شابتها أخطاء إجرائية. إذ ألقي القبض عليه دون إذن نيابة. كما لم توجه إليه تهمًا واضحة. ذلك فضلًا عن تعمد إخفائه. ثم حكاية تحويله الغامضة إلى مستشفى الأمراض النفسية. فضلًا عن “عملية التضليل” التي تعرضت لها عائلته. إذ لم يتمكن أي من شقيقيه الاطمئنان عليه أو التواصل معه حتى إعلان وفاته بعد قرابة الشهرين. وهو ما دفع الأسرة إلى الشك في “وجود شبهة جنائية”. خاصة بعد اكتشاف أن تصريح الدفن دوّن فيه أن صاحب الجثمان مجهول تقررت لمواراته مدافن الصدقة. ذلك رغم أنه دخل مستشفى الأمراض النفسية بهويته المعروفة، كما أشارت الرواية الأمنية.

أيضًا، كشفت “سراج” أن أيمن توفي في 5 مارس الماضي وتم إيداعه مشرحة المستشفى طيلة هذه المدة الزمنية. ذلك حتى أبلغت الأسرة في مكالمة هاتفية من قسم ثاني مدينة نصر مساء السبت الماضي تؤكد وفاته وضرورة التوجه إلى المشرحة لاستلام الجثمان.

وتساءلت سراج: لماذا أقرت المستشفى في بادئ الأمر بوجوده لديها وأنه محتجز بالقسم الخاص بالمحبوسين على ذمم قضايا رافضة الإفصاح عن الجهة التي أرسلته؟ ثم لماذا أنكرت المستشفى بعد ذلك وجوده؟ حيث كانت أسرته تذهب بشكل دوري أسبوعيا للاطمئنان عليه ولم تخبرهم بوفاته.

ووفقا لسراج؛ فإن المستشفى رفض أثناء معاينة الجثمان إعطاء أسرته أي تفاصيل أو معلومات عن وفاته أو تاريخ إيداعه أو وفقًا لأي قضية أو بموجب أي أمر نيابة تم احتجازه. وقد رفضت الأسرة استلام الجثمان وطلبت تشريحه. وهو أمر استجابت له النيابة العامة بقرار التشريح لبيان سبب الوفاة.

لماذا لم تلجأ الأسرة للبلاغ الرسمي؟ سؤال جاوبت عليه المحامية فاطمة سراج بأن شقيقي أيمن كان لديهما أمل في خروجه بناءً علي بعض التطمينات والوعود الأمنية. لذلك لم يلجأ أي منهما إلى تقديم بلاغ رسمي خلال فترة احتجاز شقيقهما. مشيرة إلى عملية وساطة تتم بشكل ودي بين الأسرة والأجهزة الأمنية لإخراجه شريطة عدم إحداث بلبلة أمام الرأي العام.

اقرأ أيضًا: من أين نبدأ عام المجتمع المدني 2022.. ورقة سياسات جديدة من “دام”

أرشيفية
أرشيفية

عادل هدهود: الأمن السبب فيما وصلنا إليه

وقد أقر المهندس عادل هدهود بأن شقيقه سبق أن تعرض لأزمة نفسية. لكنه تجاوزها منذ فترة بعيدة، قبل أن تتجدد قبل عملية إلقاء القبض عليه بأيام قليلة. وقد أضاف -في حديثه لـ “مصر 360”: يبدو أن الأزمة النفسية تطورت بعد القبض عليه. لكن لا أعرف إلى أي حد وصل الأمر. لأننا لم نره ولا مرة منذ القبض عليه. ذلك رغم تأكيدات الداخلية أنه بالمستشفى وإنكار المستشفي وجوده حتى إعلان الوفاة.

وفيما نفى عادل وجود أي علامات تعذيب على جثمان شقيقه المتوفي عند معاينته، وذهب إلى أن سبب الوفاة غالبًا سيتضح أنه طبيعي، ألقى باللوم على أجهزة الأمن في تطور القضية بهذا الشكل، وتعرض سمعة أخيه للتشويه. ذلك لأنها لم تتخذ الإجراءات القانونية لعملية الاحتجاز. كما أصرت والمستشفى على التضليل بشأن مكان احتجاز شقيقه. “كان من الممكن معالجة الأمر وإدراكه لو تواصلنا معه أو تمكنا من رؤيته قبل الوفاة”، يقول المهندس عادل.

وينص الدستور المصري في المادة 54 على أنه يجب أن يبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه.

حسام بهجت: لماذا تم إخفائه وهو متهم في قضية عادية؟

وقد شكك حسام بهجت، المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في رواية الداخلية حول القبض على هدهود في واقعة اقتحام شقة بالزمالك. وقال إن سلمنا بصحة الواقعة يظل السؤال قائمًا: لماذا تم إخفائه وهو متهم في قضية عادية؛ اقتحام بغرض السرقة.

وأضاف بهجت -في تصريحات لـ”مصر 360″- أن اتهام أيمن هدهود بأنه يعاني اضطرابات نفسية لا يبرر هذه الوفاة الغامضة بعد القبض عليه بأيام. مستغربًا كون شخص لم يتجاوز الخمسين، لم يشتك مرضًا جسديًا، أن يوضع رهن الاحتجاز ثم تعلن وفاته بشكل مفاجئ كما حدث.

وقال إن هناك شبهة جنائية حول أسباب الوفاة حتى لو لم تقدم النيابة أي معلومات أو أدلة عن عملية القبض أو أسباب الوفاة. وإلا لماذا تم إخفاء خبر وفاته لمدة تزيد عن شهر.

وأشار بهجت إلى أنه رغم أن تصريحات الداخلية تذهب إلى أنه تم إثبات واقعة الاقتحام بمحاضر رسمية، وأن عملية القبض تمت وفقًا للقانون. ومن ثم فإن تحويله إلى المستشفي كان بقرار من النيابة. لكن حتى الآن، لم يتمكن محاموه أو أسرته من الاطلاع على هذه المحاضر والإجراءات المزعومة، على حد قوله. وهو يرى أنه لم تجر أي تحقيقات رسمية مع “المجني عليه” أو أسرته. ذلك باستثناء تحقيق واحد تم مع شقيقه عادل للاستدلال عن الوفاة. وبناءً عليه قررت النيابة تشريح الجثة.

أيضًا، ذهب جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إلى أن هناك عديد من المخالفات شابت عملية القبض واحتجاز أيمن هدهود. وأضاف أن بعض هذه المخالفات منسوب إلى النيابة وبعضها إلى الشرطة. ومنها أن النيابة لو كانت أصدرت قرارًا فعليًا بتحويله إلى مستشفى الصحة النفسية، فلماذا لم تسأله وفقًا للدستور بحقه في إبلاغ أسرته أو أحد محاميه. ذلك لحضور التحقيقات والاطلاع على أقواله.

جمال عيد: لماذا كان سيتم دفنه في مقابر الصدقة دون إخطار الأهل؟

أما الداخلية فقد استبقت النيابة، وأعلنت 3 روايات مختلفة حول الواقعة. وهو أمر يشير -وفق عيد- إلى نشر خبر كاذب وتضليل العدالة. وهو ما يدين الداخلية في رأيه. مضيفًا أن منع أسرة أيمن هدهود من تصويره داخل المشرحة يلقي ظلالًا من الشك حول حقيقة وفاته. متسائلًا: لماذا بقي المجني عليه في المستشفي متوفيًا لمدة شهر؟ ولماذا كان سيتم دفنه في مقابر الصدقة دون إخطار الأهل؟

ويرى عيد تضاربًا في روايات الداخلية حول الواقعة أثناء التحقيق فيها. مضيفًا أن الداخلية نسبت لهدهود 3 وقائع: محاولته كسر واقتحام شقة بمنطقة الزمالك بهدف السرقة – سرقة سيارة في مدينة السنبلاوين – سرقة سيارة بالقاهرة. وهي وقائع يرى عيد في نسبها إلى هدهود عدم معقولية. ويتساءل: إن كانت تلك التهم حقيقية لماذا لم يخطر محاموه لحضور التحقيقات؟ وما أسباب وفاته في المستشفي؟

وقد لام عيد على النيابة العامة عدم إصدار بيان لتوضيح ملابسات الواقعة، والسماح للداخلية باستباق التحقيقات ببيان. في حين أنها أحد أطراف القضية بمحاولة التعتيم وتضليل العدالة، على حد قوله.

وقال: ننتظر قرار التشريح وطالبنا النيابة أن تتم عملية التشريح في حضور أسرته وفي وجود ممثل محايد من نقابة الأطباء للشفافية ومعرفة الحقيقة. وأيضًا طالبنا بإجراء تحقيقات رسمية لأخذ أقوال أشقائه والإعلان عن ذلك بوضوح، للإجابة عن التساؤلات التي لم تجب عنها الداخلية.