بدأت تحذيرات المؤسسات الدولية من تداعيات الاقتراض في جائحة كورونا وعجز الدول عن سداد القروض تصل إلى أرض الواقع. فبعد الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان أصبحت سريلانكا ضحية جديدة للديون ومستقبلها مرهون أيضًا على قرض من صندوق النقد.
خلال الوباء أقبلت الحكومات على القروض الطارئة قصيرة الأجل باهظة الثمن. وحان الآن وقت السداد. ويجد الكثيرون أنفسهم في وضع أسوأ بكثير من ذي قبل. فقبل الوباء كان المحتجون ينزلون إلى الشوارع للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وعدم المساواة وفرض التباعد الاجتماعي.
ومع ارتفاع مدفوعات الديون الخارجية بنسبة 45% خلال العامين الماضيين أصبح أكثر من نصف البلدان منخفضة الدخل رسميًا في ضائقة ديون أو معرضة لخطر كبير. ويوجد احتمال حقيقي بأن الأزمة قد تنتقل قريباً إلى حالة من افتقاد الأمن السياسي. وصار ملحا لقادة العالم مساعدة البلدان على إعادة هيكلة ديونها كجزء من إعادة تمويل أوسع لمستقبلها الاقتصادي.
وتشهد سريلانكا حاليا أسوأ أزمة مالية في تاريخها نظرًا لزيادة ديونها الخارجية التي تبلغ 25 مليار دولار. منها ما يزيد على 7 مليارات دولار مستحقة هذا العام وحده. في وقت تراجعت فيه احتياطياتها من النقد الأجنبي.
أصبحت الدولة الآسيوية مهددة بالإفلاس بعدما وصل بها الحال للاقتراض لشراء المواد الغذائية. ونزل المتظاهرون إلى الشوارع في موجات احتجاجية لم تهدأ. بينما اضطر البنك المركزي لرفع سعر الفائدة على الإقراض الدائم إلى 14.5% من 7.5%.
البحث عن حكومة أزمة
دعا رئيس سريلانكا كافة الأحزاب السياسية في البرلمان للقبول بمناصب وزارية والانضمام لجهود البحث عن حلول للأزمة. لكن حتى الآن لم يتم تشكيل حكومة وسط جدل حول منصب وزير المالية الذي سبق لوزير العدل السابق علي صبري القبول به ثم التراجع عنه مجددًا.
وأعلنت الحكومة السريلانكية الطوارئ في 1 أبريل الجاري وأتبعته بحظر تجول في 2 أبريل. وأغلقت شبكات التواصل الاجتماعي 15 ساعة تقريبًا في 3 أبريل. وذلك لتهدئة الشارع الذي لم يهدأ مع تفاقم الوضع خلال الأسبوعين الماضيين وسط نقص مفاجئ في كل أساسيات الحياة.
انهيار مالي عنيف في سيرلانكا وتوقف الخدمات
آثار الانهيار المالي في سريلانكا لم تترك ركنًا. فهناك انقطاع للتيار الكهربائي يؤدي إلى تعتيم المنازل وواجهات المحلات لمدة تصل إلى ثماني ساعات يوميًا\. فضلا عن إجبار السكان على الطهي على الخشب المكسور بينما تتشكل طوابير طويلة بطول أميال خارج محطات البنزين.
كما تم إلغاء الامتحانات المدرسية والصحف لأن الحكومة والمؤسسات الإعلامية لا تستطيع تحمل تكلفة الورق لطباعتها. وأعلن الأطباء عن أزمة طبية حيث تخلو الصيدليات والمستشفيات من الأدوية الحيوية. وصدرت تحذيرات من أن المجاعة قد تكون وشيكة بالنسبة لسكان البلاد البالغ عددهم 22 مليون نسمة. وذلك مع تضاؤل الإمدادات الغذائية. فيما تقف الشرطة عند تقاطعات الطرق بسبب إطفاء إشارات المرور.
نيبال.. اقتراض وأزمات على طريق سريلانكا
نيبال هي الأخرى تواجه أزمة اقتصادية حادة. فاحتياطيات النقد الأجنبي للبلاد تتعرض لضغوط منذ شهور. رغم تأكيد وزير المالية جاناردان شارما أن البلاد ستحقق نموًا بنسبة 7 في المائة. وهو ما قال الاقتصاديون إنه مستحيل.
استمر الاقتصاد في الضعف الخارجي وفقدان احتياطيات العملات الأجنبية قبل أن تبدأ شركة نيبال للنفط في الخسائر. وأخيرًا بدأ السياسيون في الإدلاء بتصريحات مفادها أن نيبال تسير على طريق سريلانكا.
أنفقت نيبال تريليون روبية في ستة أشهر فقط لشراء سلع. بسبب الطلب المتزايد على السلع الأجنبية حيث تعافت البلاد من التأثير المدمر لكورونا. بينما تظهر الإحصاءات الحكومية أن ارتفاع أسعار السلع هو أحد الأسباب الرئيسية وراء تضخم قيمة الواردات.
ويشير ارتفاع مستوى الواردات إلى طلب محلي قوي واقتصاد متنام. لكن يجب أن تكون الواردات من السلع الإنتاجية مثل الآلات والمعدات. لأنها ستحسن إنتاجية الاقتصاد على المدى الطويل. لكن هذا لم يحدث بالنسبة لنيبال.
انخفض إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي للدولة بنسبة 16.2 في المائة إلى 1.17 تريليون روبية في منتصف فبراير 2022 من 1.39 تريليون روبية في منتصف يوليو 2021. وظل ميزان مدفوعات الدولة عند عجز قدره 247.03 مليار روبية في الأشهر السبعة الأولى من السنة المالية الحالية مقابل فائض قدره 97.36 مليار روبية في نفس الفترة من العام السابق. كما سجل الحساب الجاري عجزا قدره 413.86 مليار روبية في فترة المراجعة ارتفاعا من 104.39 مليار روبية في نفس الفترة من العام السابق.
سريلانكا ولبنان.. وآمال على صندوق النقد
باتت آمال سيرلانكا حاليا معلقة بصندوق النقد الدولي. مثل الحال في لبنان أيضًا. إذ أعلن صندوق النقد الدولي أنه سوف يجري مناقشات مع كبار صانعي السياسة في سريلانكا خلال “الأيام والأسابيع المقبلة” حول برنامج دعم محتمل لمساعدة الدولة الجزيرة في تجاوز أزمة اقتصادية تفاقمت حتى وصلت إلى اضطراب سياسي.
الدين العالمي وصل إلى 226 تريليون دولار
ما يحدث في لبنان وسيرلانكا ونيبال في الطريق حاليا يتماشى مع تقارير المؤسسات الدولية التي تشير إلى وصول الدين العالمي إلى 226 تريليون دولار. وهو ما قدّره صندوق النقد (قاعدة بيانات الديون العالمية) بما يعادل 256٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
واقترضت الحكومات في جميع أنحاء العالم إجماليًا أكثر بقليل من نصف الزيادة. ما رفع نسبة الدين العام العالمي إلى 99 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما بلغ الدين الخاص للمؤسسات غير المالية والأسر ارتفاعات جديدة خلال نفس الفترة.
ويخوض لبنان حاليا مفاوضات شاقة مع صندوق النقد على برنامج تمويل. وسط اشتراط الصندوق موافقة الحكومة على إصلاحات. أولها تصحيح الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المؤسسات العامة والتصدي بحزم للفساد المستشري.
تونس.. وتآكل الاحتياطي
في تونس لا يختلف الوضع كثيرًا. فتراجع الدينار التونسي يهدد بتآكل احتياطات البلاد من النقد الأجنبي خلال أزمة مالية حادة تواجهها البلاد.
وتأمل تونس هي الأخرى في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد مقابل تنفيذ إصلاحات لا تحظى بشعبية لتجنب انهيار ماليتها العامة.
لكن بنك “مورجان ستانلي” قلل من احتمالية توصل تونس إلى اتفاق على برنامج قرض مع صندوق النقد هذا العام. فالمعارضة السياسية للإصلاحات المالية قد تنذر بمخاطر تخلّف الحكومة في نهاية المطاف عن سداد ديونها.
يقول البنك إنه “مع افتراض مرور تونس في عام 2022 دون حدوث إصلاحات جوهرية فإنَّ هذا يزيد احتمالية تخلّفها عن السداد عام 2023 بسبب احتياجات التمويل المرتفعة. فضلا عن الضغوط المتزايدة. ما سيدفع الحكومة على الأرجح إلى إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد عام 2023. وهو ما قد يعد متأخراً من أجل تجنّب بعض من إعادة هيكلة الديون”.
كما خفضت وكالة التصنيف الائتماني ”فيتش” تصنيف تونس السيادي إلى CCC مع آفاق سلبية. وأتى التصنيف الجديد بعد سبعة أشهر من إسناد تونس تصنيف -B مع آفاق سلبية في يوليو عام 2021. بعد أن عجزت تونس عن الخروج للسوق المالية العالمية للاقتراض لتسديد ديون سابقة. ثم عدم التمكن من حصول تمويل جديد من قبل صندوق النقد الدولي في يونيو 2021.