يأتي إعلان أسرة الناشط علاء عبد الفتاح، عن حصوله على الجنسية البريطانية. كمحاولة جديدة لإنهاء أزمة احتجازه. حيث يقضي الناشط الحقوقي البالغ من العمر 40 عامًا. والمسجون منذ سبتمبر/أيلول 2019، حكمًا بالسجن 5 سنوات. صدر عن محكمة جنح أمن الدولة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. بعد إدانته بتهمة نشر أخبار كاذبة. بعدما أعاد نشر تغريدة تتحدث عن موت سجين تحت التعذيب في أحد السجون.
علاء يطلب تدخل السلطات البريطانية
وفق بيان الأسرة، كانوا قد تقدموا بطلب إلى السلطات البريطانية للحصول على الجنسية في عام 2019 كون والدتهم “ولدت في لندن عام 1956 أثناء رحلة عمل أكاديمي لوالدتها”. ليُطالب علاء -الذي بدأ إضرابًا عن الطعام في الثاني من أبريل/نيسان الجاري مع بداية شهر رمضان- بتمكينه من تلقي مساعدة من السلطات البريطانية. لإنهاء إضرابه عن الطعام.
جاء في البيان -الذي نشرته شقيقته منى سيف على مواقع التواصل الاجتماعي- أن علاء وشقيقتيه منى وسناء سيف. حصلوا أخيرا على الجنسية البريطانية. وأوضح البيان أن علاء يريد أن يتم السماح له “كمواطن بريطاني بزيارة من القنصلية البريطانية في محبسه. للتداول في المسارات القانونية المتاحة أمامه. وتمكينه من التنسيق مع محامين الأسرة في بريطانيا لاتخاذ الإجراءات القانونية الممكنة أمام القضاء البريطاني. الخاصة بما تعرض له من انتهاكات على مدار سنين حبسه”.
وأضاف البيان: لم نسع من قبل لمحاولة فهم موقفنا القانوني من ناحية الجنسية البريطانية. ولكن في 2019 اضطرتنا الظروف لإطلاق خيالنا ومحاولة التفكير في أي وسيلة قد تبدو مستحيلة للخروج من سجون ترفض إطلاق سراح أسرتنا. وبالأخص سراح علاء. وبالفعل، بعد التواصل وتوكيل محامين متخصصين في إنجلترا. تأكد لنا طبقا للقانون البريطاني حقنا في الجنسية البريطانية. وأتممنا جميع الأوراق الرسمية اللازمة.
التنازل عن الجنسية.. كيف نحل المشكلة بطريقة لائقة بمصر؟
يقول المحامي نجاد البرعي، الحقوقي والباحث القانوني، إن القانون يسمح للأفراد الحاصلين على جنسية أجنبية، ويقضون عقوبة بالحبس، أن يقضوا باقي فترة الحبس في الدولة التي ينتمون إلى جنسيتها. لكن ذلك حال التنازل عن الجنسية المصرية. ولهم أن يتقدموا بطلب إلى السلطة للتمتع بهذا الحق. وهو حق غير إلزامي للسلطات التنفيذية الموافقة عليه.
إلا أن البرعي يدعو ألا يستخدم هذا الحق الاختياري للمحبوسين في قضاء باقي فترة العقوبة في الدولة التي ينتمون إليها كعائق، فتتعنت الدولة بعدم تنفيذه. فيما ناشد -عبر موقع “مصر 360”- الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يصدر عفوًا رئاسيًا عن علاء عبد الفتاح. ذلك حتى لا يضطر للتنازل عن جنسيته للخروج من السجن. خاصة وأنه قضى فترة طويلة في السجن.
يقول البرعي إن القنصلية البريطانية تقدمت بطلب رسمي لزيارة علاء عبد الفتاح في محبسه. حيث يقضي عقوبة من محكمة أمن الدولة طوارئ مدته 4 سنوات. وهو إن يرى في ذلك انفراجة مشروطة في قضية علاء عبد الفتاح. لكنه يستصعب أمر التنازل عن الجنسية مقابل الحرية. ذلك لأن الجنسية المصرية عزيزة على المصريين. وهو يطالب الحكومة بإنهاء هذه المشكلة بطريقة لائقة بمكانة لمصر.
ويضر التنازل عن الجنسية في سبيل نيل الحرية بالبلاد كما هو يمثل ضررًا للمتخلي عن مصريته في سبيل التحرر من قيود الحبس. ذلك لأنه يظهر الدولة وكأنها ترى في تجريد بعض مواطنيها من جنسيتهم أمر هين. وهو ما يظهر مصر بشكل غير لائق بمكانتها الدولية.
وفي حال خروج عبدالفتاح إلى بريطانيا سيتم الإفراج عنه هناك. حيث لا تعترف بريطانيا بإحكام محاكم أمن الدولة المصرية.
اقرأ أيضا: 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة
كيف وصل علاء إلى “العقرب”؟
بدأ علاء عبد الفتاح مشواره السياسي في 20 مارس/آذار 2004. عندما أطلق مع زوجته مدونة تحت عنوان “دلو مليء بالمعلومات” أو “دلو معلومات منال وعلاء”، لتغطية الأخبار كدعم للصحافة الشعبية، والتي فازت بجائزة منظمة “مراسلون بلا حدود”. بعد ذلك بعامين، كان الاعتقال الأول في 7 مايو/أيار 2006 أثناء وقفة احتجاجية من أجل استقلال القضاء المصري. ثم انتقل علاء مع زوجته للعيش في جنوب أفريقيا عام 2008.
مع اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ظهر علاء كأحد رموز شباب الثورة. وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول قررت النيابة العسكرية حبسه على خلفية اتهامه بالتحريض والاشتراك في التعدي على أفراد القوات المسلحة وإتلاف معدات عسكرية والتظاهر والتجمهر وتكدير الأمن والسلم العام في “أحداث ماسبيرو”. ثم حُوِّل لاحقًا إلى نيابة أمن الدولة العلي. ليولد ابنه الأول “خالد” أثناء استمرار سجنه على ذمة التحقيق.
ورغم تأييده المرشح الإخواني محمد مرسي في مواجهة الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية 2012. لكنه عارض مرسي في عدد من القضايا كما انضم إلى التظاهرات التي طالبت بسقوط نظامه. وفي25 مارس/آذار 2013 أمرت النيابة العامة بمنعه من السفر بتهمة “التحريض على أحداث عنف”. وبعد إسقاط نظام الإخوان في3 يوليو/تموز 2013. اعتقل علاء في 28 نوفمبر/تشرين الثاني بتهمة التحريض على التظاهر ضد الدستور الجديد أمام مجلس الشورى. وأعيد اعتقاله مرة أخرى عام 2014 مع شقيقته سناء أثناء مشاركتهما في إحدى التظاهرات.
وفي 23 فبراير/شباط 2015 صدر حكم على علاء بالسجن لمدة 5 سنوات بتهم التظاهر دون تصريح. فيما حكم على شقيقته سناء بالحبس عام ونصف العام. بتهمة نشر معلومات كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وإهانة ضابط شرطة أثناء أداء مهامه. ليخرج في مارس/آذار 2019 شريطة أن يوضع تحت المراقبة – 12 ساعة حرا و12 أخرى في قسم الشرطة- لمدة 5 سنوات أخرى. لكن في 29 سبتمبر/أيلول، أعيد اعتقاله مرة أخرى ضمن حملة اعتقالات واسعة. واتهم بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية.
رحلة معاناة وحل أخير
يرى الحقوقي خالد داوود في خطوة علاء عبد الفتاح الأخيرة شكل من إشكال الاعتراض، اضطرت إليه أسرته بعد رحلة معاناة منذ أكثر من عشر سنوات. ذلك لفتح مسار آخر قد يكون ممكنًا لإنهاء حالة حبسه، الذي قضى فيه مدة أكثر من 8 سنوات، لمجرد نشره بعض التعليقات أو الآراء عبر صفحته الشخصية بأحد مواقع التواصل.
يقول داوود، لـ “مصر 360″، من حق المحبوس القانوني أن يخطر القنصلية التي يتبعها لمتابعة حالته داخل المحبس. ومن ثم تلقي المساعدة القانونية المتاحة. بينما يتوقع ألا يكون في حصول علاء عبد الفتاح على الجنسية الأجنبية سببًا في الحصول على بعض الحقوق الإنسانية المنقوصة أو تحسين أوضاعه بالسجن. مشيرًا إلى وجود العديد من الحالات المشابهة من مزدوجي الجنسية الذين لا يتمتعون بأي امتيازات داخل السجون.
ويستبعد داوود أيضًا أن لا يترتب على هذه الجنسية أي استجابة سريعة من السلطات، لتنفيذ الطلب، حال لجوء علاء إليها كورقة ضغط للإفراج عنه خلال الأيام المقبلة.
التهديد بالانتحار
بقي علاء في “سجن طرة 2 شديد الحراسة” -المعروف باسم سجن العقرب 2- وهناك، وفق ما كتبت شقيقتيه أكثر من مرة. وجّه ضباط السجن له تهديدات وشتائم، وعصبوا عينيه وتم تجريده من ملابسه وانهالوا عليه ضربا وركلا عدة مرات. بحسب تقرير منظمة العفو الدولية. وفي أبريل/نيسان 2020 دخل في إضراب عن الطعام احتجاجًا على طول مدة حبسه احتياطيا وحرمانه من الزيارات. في 19 نوفمبر/تشرين الثاني أدرجته محكمة جنايات القاهرة مع آخرين في قوائم الكيانات الإرهابية لمدة 5 سنوات.
في 13 سبتمبر/أيلول 2021 التقى علاء مع دفاعه المحامي خالد علي في جلسة تجديد حبسه. ونقل عنه شكواه من سوء الأوضاع داخل السجن وحرمانه من كل حقوقه. مهددا بالانتحار في حالة عدم الاستجابة لمطالبه. وقدّم الدفاع في 15 سبتمبر/أيلول إنذار على يد محضر لمساعد وزير الداخلية رئيس مصلحة السجون لنقل علاء من سجن طرة 2 شديد الحراسة إلى سجن آخر. لوجود خصومة قضائية وبلاغات سابقة من علاء ضد إدارة السجن”.
مسار إجباري
ترى دكتورة عايدة سيف الدولة، مدير مؤسسة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، أن الدولة “تعصف بأبناها حتى تضطرهم إلى التخلي عن جنسيتهم الأصلية وموطنهم مقابل الحصو على الحرية: وكأن مصر سجن كبير”، على حد وصفها.
تقول سيف الدولة، لـ”مصر 360” أن أسرة علاء عبد الفتاح لم يتبق لها مسار بعد كل ما رأته من تضييق طيلة عشر سنوات قضاها علاء في محبسه سوى هذا الطريق. وهو مسار إجباري اضطروا إليه، على حد قولها، لإنقاذ ما تبقي من عمر علاء الذي عاش داخل السجن أكثر من خارجه.
وفق سيف الدولة، فإن علاء بصفته مواطنًا مصريًا من حقه انتداب قاضي تحقيقات للتحقيق في جميع الشكاوى والبلاغات المتعلقة بكل الانتهاكات التي قال إنه تعرض لها خلال فترة حبسه. ثم أنه بصفته مواطنًا بريطانيًا له الحق في حصوله على زيارة من القنصلية البريطانية في محبسه للتداول في المسارات القانونية المتاحة أمامه. ومن ثم تحويل باقي فترة الحبس إلى الدولة التي ينتمي إليها.
اقرا أيضا: 7 توصيات لإجراء “التقاضي عن بعد” دون الإخلال بحقوق الإنسان.. ورقة جديدة لـ”دفاع” و”دام”
القانون 140 لعام 2014
في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون 140 لعام 2014. الذي يسمح بتسليم المحكوم عليهم في قضايا داخل الأراضي المصرية، ويحملون جنسية أخرى أو جنسية مزدوجة. إلى دولهم خارج مصر، شرط التنازل عن الجنسية المصرية أولاً. ارتبط صدور القانون بالقضية المعروفة إعلاميا بـ “خلية الماريوت” والتي قبض فيها على صحفيين عملا لصالح شبكة الجزيرة الإنجليزية. بتهمة “مساعدة الإخوان”، في 29 يناير/ كانون الأول 2013.
لم يكن علاء هو الأول الذي اختار طريق التجنس من أجل الحصول على حريته. فقد سبقه طالب الطب الأمريكي من أصول مصرية محمد عماشة. الذي أفرجت السلطات عنه، في يوليو/ تموز2020، بعد 486 يومًا من الاحتجاز على خلفية احتجاجه في ميدان التحرير وحمله لافتة كتب عليها “الحرية لجميع السجناء”. بعد أن تم اتهامه بـ “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومساعدة جماعة إرهابية”. بعد خروجه، غادر عماشة إلى مطار دالاس في الولايات المتحدة.
قبل علاء.. آخرون تنازلوا عن الجنسية من أجل الحرية
قبلها، أوقفت السلطات الأمنية الناشط رامي شعث. في 5 تموز/يوليو 2019، مع ترحيل زوجته الفرنسية سيلين لوبران إلى باريس. وأُدرج اسم شعث على هو الآخر قائمة “الكيانات الإرهابية” في نيسان/أبريل 2020. وعقب العديد من المناشدات، وتدخل السلطات الفرنسية التي يحمل رامي جنسيتها. تم الإفراج عنه في 3 كانون الثاني/يناير 2021، وترحيله إلى باريس. بعد أن تم إجباره على التنازل عن الجنسية المصرية.
كذلك، استخدم القانون نفسه في 2015. للإفراج عن محمد سلطان، نجل القيادي الإخواني عصام سلطان. والذي يحمل الجنسية الأمريكية. مقابل التنازل عن الجنسية المصرية، استجابة لطلب للحكومة الأمريكية. وذلك بعد صدور حكم ضده بالسجن المؤبد في القضية المعروفة إعلاميا بـ “غرفة عمليات اعتصام رابعة”.
وبينما استطاع هؤلاء الخروج من السجن. لم يحالف الحظ البعض مثل شعث وسلطان وعماشة، الذين يتمسك علاء بأمل الخروج من السجن أسوة بهم. فالقدر لم يمهل مصطفى قاسم الأمريكي الجنسية الفرصة لنيل حريته رغم تقدمه بطلب للتنازل عن الجنسية المصرية مع الاحتفاظ بالجنسية الأمريكية. ففي مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، توفي قاسم بعد إضرابه عن الطعام بشكل متكرر لإطلاق سراحه منذ سبتمبر/ أيلول .2018 بعد صدور الحكم عليه، فيما عرف بقضية “فض اعتصام رابعة”.
القانون ملزم للدولة
وفق جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإنه بموجب القانون الأمر ليس اختياريًا للدولة في أن تفرج عن المحبوسين الأجانب. بل هو واجب التنفيذ، حال تقدم المحبوس بطلب استكمال فترة حبسه في الدولة التي ينتمي إليها.
وطالب عيد النائب العام بأن يتخذ الإجراءات اللازمة للإفراج عن عبد الفتاح، كما تم ذلك من قبل مع المتهمين في قناة الجزيرة. لافتًا إلى أن الناشط محمد سلطان خرج من محبسه أيضًا وفقا لهذا القانون.
وأكد عيد أنه في حال أن يكون المحبوس مدة حبس متبقية يتم استكمالها في الدولة الأجنبية شريطة أن تكون إجراءات محاكمة هذا المحبوس كانت عادلة. ويرى عيد أن إجراءات محاكمة علاء عبد الفتاح “لم تكن عادلة”، مطالبًا بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.
كتب – أحمد صوان وألفت كامل