خلال قيامه بإنقاذ حليفه على ساحل المتوسط. يتفاخر الجيش الروسي بأن انتشاره في سوريا هو “المثال النموذجي للحرب المستقبلية”. حيث قام بنشر سريع لقواته وسط حرب مختلطة قائمة على التحالفات. ففي مواجهة بشار الأسد، تقف العديد من الميليشيات المدعومة من الغرب. على رأسها قوات “سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة. في هذه الحرب، تعلمت القوات الروسية دروسًا لا تقدر بثمن، حاولت استغلالها في غزو أوكرانيا.
تستشهد هيئة الأركان العامة الروسية بسوريا على أنها تسلط الضوء على حاجة روسيا لتطوير قدرة عسكرية جديدة. وهي نشر قوات استكشافية مرنة لتنفيذ “إجراءات محدودة” في الخارج. حيث إدارة تحالف خاص، وقوات بالوكالة في سوريا لإبلاغ الاستعدادات لتنسيق التحالفات الرسمية في الحروب المستقبلية.
يعرّف الكرملين سوريا على أنها “عملية ناجحة للغاية وقابلة للتكرار”. ويتصور عمليات الانتشار الاستكشافية كإضافة جديدة لمجموعة أدوات سياسة الكرملين. كذلك، يسعى الكرملين إلى وضع شروط لضمان أن “العمل المحدود” القادم على أساس سوريا يمكنه من الاستفادة من القوات غير الروسية. كما قال رئيس الأركان العامة الروسية فاليري جيراسيموف في خطابه عام 2019 في الأكاديمية العسكرية. بالفعل، شملت استعدادات الكرملين في هذا الصدد ممارسة التدريبات مع الحلفاء. وتوسيع العلاقات العسكرية الدولية لروسيا.
وفق دراسة أجراها معهد دراسات الحرب. كان الدرس الرئيسي للجيش الروسي من التواجد في سوريا هو “الحاجة إلى كسب تفوق الإدارة” في النزاعات المستقبلية. يعرّف الروس “تفوق الإدارة” بأنه اتخاذ قرارات أفضل بشكل أسرع من الخصم. وإرغام الخصم على العمل ضمن إطار قرار روسي. ويؤكدون أن الحصول على تفوق الإدارة سيكون التركيز الرئيسي للقادة في النزاعات السريعة والمعقدة بشكل متزايد.
اقرأ أيضا: ما هي نظرة سيد الكرملين للعالم؟
سد الفجوة في قدرات الكفاءة والسيطرة
يقدر الجيش الروسي أن -كفاءة القيادة والسيطرة أو كما يطلق عليها العسكريون C2– هي المؤشر الرئيسي للنجاح في العمليات الحديثة والمستقبلية. في الواقع، يستفيد الجيش الروسي بشكل فعال من التعلم من سوريا. لسد الفجوة في قدرات الكفاءة والسيطرة مع الجيوش الغربية. حيث عزز الكرملين انتشاره في سوريا لغرس الخبرة القتالية في جميع أنحاء الجيش الروسي.
اعتبر جيراسيموف أن الحرب الأهلية السورية هي المصدر الرئيسي للجيش الروسي. للتعلم من أجل مستقبل الحرب، وعمليات الانتشار الروسية المُحسَّنة. لضمان اكتساب أكبر عدد ممكن من الضباط خبرة للمساهمة في جهود التعلم هذه. الآن، يمتلك الكثير من كبار الضباط الروس الخبرة اللازمة للمساهمة في عملية تطوير التكيف مع الدروس المستفادة في سوريا.
هنا، يشير باحثو معهد دراسات الحرب إلى أن التدريبات العسكرية الروسية منذ عام 2015. أدت إلى إضفاء الطابع المؤسسي وصقل عمليات التكيف مع الدروس المستفادة من سوريا. تطورت المناقشات الروسية حول التعلم من سوريا بسرعة من 2015 إلى 2020. كما أشار الخبراء إلى احتمالية دمج العديد من الدروس المستفادة -بما في ذلك خطة الدفاع الوطني الروسية السرية للفترة 2021-2025- في العقيدة العسكرية.
أيضا، قد يحول الكادر الجديد للجيش الروسي -من الضباط ذوي الخبرة القتالية السورية- التفكير العسكري الروسي وفعاليته. كل قائد منطقة عسكرية روسية وكل الضباط تقريبًا فوق مستوى الفوج واللواء يمتلكون الآن خبرة من سوريا. وقد ضمنت ممارسة الجيش الروسي المتمثلة في نقل طاقم روسي كامل إلى سوريا تماسك الوحدات المتطورة للقوات الروسية أثناء المهام الإرشادية.
تشكل هذه التعديلات التي تعلمها الجيش الروسي لتعلمه من سوريا عدة تحديات للجيوش الغربية. فلا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل أن جهود التحديث المستمرة ستواجه بالمصادفة قدرات الجيش الروسي المتغيرة. في القيادة والسيطرة، والحرب الاستكشافية، وحرب التحالفات.
مفاهيم وتقنيات حربية جديدة
خطاب جيراسيموف في الأكاديمية العسكرية، أوضح أن العملية الروسية في سوريا كانت “جديدة”. من حيث أنها مكنت روسيا من تنفيذ “المهام للدفاع عن المصالح الوطنية وتعزيزها خارج حدود الأراضي الروسية “. أشار إلى أن روسيا الاستراتيجية في سوريا كانت “استراتيجية العمل المحدود”. في أن القوات الجوية ساهمت بأكبر قدر حصة من المهام لحل المهام الموكلة.
شملت العمليات المتمركزة في مجال الطيران تطوير دفاعات متعددة الطبقات ضد طائرات معادية بدون طيار. واستخدام الضربات الدقيقة ضد الأهداف. وقد أثبتت التجربة “استدعاء أساليب هجوم محدثة ضد الإرهابيين في مناطق بعيدة عن الوطن الأم. ولتعزيز المصالح الوطنية الروسية”.
في دراسته الصادرة عام 2020 عن معهد التكنولوجيا والأمن القومي، أوضح تيموثي توماس أن روسيا كان لها حرية التصرف في تقرير كيفية إجراء العمليات. مع ذلك، كان على الروس أن يتعلموا العمل بشكل وثيق مع حلفاء يختلفون 180 درجة عن حلف وارسو -حلفاء حقبة الحرب الباردة- فهناك قوة محلية هي سوريا. وأقوى قوة إقليمية وهي إيران. مع دمج جماعة حزب الله وآخرين.
في الوقت نفسه، اضطرت روسيا للعمل مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بعدم تضارب العمليات الجوية والخاصة. مع ظهور قدرات وقائية روسية وطرق جديدة لردع الخصوم. أشار خطاب جيراسيموف إلى أن “استراتيجية روسيا الشاملة للنشاط الدفاع عبارة عن مجموعة من الإجراءات الوقائية تحييد التهديدات لأمن الدولة”. لافتًا إلى أن الخصوم المحتملين في المنطقة، قد يشملوا لبنان وإسرائيل.
سمح القتال في سوريا لروسيا باختبار مجموعة من الأسلحة الجديدة والمفاهيم الجديدة. وتدريب عدد من القادة في حرب خارج حدودها، تجعلها كثيرا تختلف عن القتال السابق -الأكثر محلية- في الشيشان. كذلك استخدام الروبوتات والمركبات غير المأهولة في العمليات داخل المدن. واستخدام المعدات الإلكترونية وتقنيات تشوش إشارات العدو، والدفاع عن القواعد من هجمات الطائرات بدون طيار. مع إيجاد طرق جديدة لتوظيف القوات واستخدام الشركات العسكرية الخاصة. مع التركيز على حرب المدن وصعوبة إخراج مقاتلي العدو من المباني.
اقرأ أيضا: روسيا والناتو.. محددات الأزمة ومستقبل صراع الأقطاب
تقويض التفوق العسكري الغربي
في الوقت الحالي، تعلم الجيش الروسي من سوريا يقود جهود التحديث الروسية. إن قيام الجيش الروسي بإعطاء الأولوية لأنظمة القيادة الشبكية -إذا تحقق- سيقوض إحدى المزايا التكنولوجية الرئيسية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ستكون جهود الكرملين المستمرة لتحديث أنظمة القيادة والتحكم عملية مكلفة. لكن الجيش الروسي يحرز بالفعل تقدمًا سريعًا، حيث اختبر في عام 2020 أنظمة كانت نظرية حتى عام 2018.
ويدعم الجيش الروسي التحديث التكنولوجي لأنظمة القيادة بحملة لإصلاح ثقافة القيادة الروسية. كما أن هيئة الأركان العامة الروسية تشرع في جهد صعب لإدخال المبادرة والإبداع في الجيل الجديد من الضباط الروس. ومن المرجح أن يُظهر الضباط الروس المستقبليون قدرًا أكبر من الإبداع والمرونة من أسلافهم. أيضا، يطور الجيش الروسي نظريات لدعم قدرات الضربات الدقيقة المتزايدة. لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب المزيد من الاستثمار التكنولوجي المكلف.
ومن المرجح بالطبع أن يطور الجيش الروسي قدراته لتحدي استخدام الطائرات بدون طيار UAVs. هنا، يجب على الغرب الاستعداد لتشغيل طائرات بدون طيار في مجال جوي متزايد الخطورة. وأن تأخذ جهود التحديث في الحسبان التطور المتزايد لقدرات الطائرات بدون طيار الروسية وقدرات مكافحة هذه الطائرات.
إذا ما أرادت استمرار التفوق، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها -بشكل خاص- اتخاذ خطوات لتقوية الأصول اللوجستية والقيادة. للتخفيف من تركيز الجيش الروسي على تطوير القدرات. لاستهداف المناطق الخلفية كعنصر أساسي لاكتساب تفوق الإدارة. وبالطبع الحفاظ على ضغط العقوبات، لحرمان الكرملين من الموارد اللازمة لتنفيذ برامج الاستحواذ المكلفة. وكذلك تجنب التقييمات التي عفا عليها الزمن بشكل متزايد لثقافة القيادة الروسية المتجذرة في الحقبة السوفيتية.
يجب أن تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها لمواجهة جيش روسي متزايد الفاعلية. مصمم على زيادة تطوير القدرات الاستكشافية واستخدامها في بيئات التحالف. لا تزال روسيا منخرطة في الصراع في سوريا وما زالت تتعلم منه. ومن المرجح أن تؤدي المناقشات والاختبارات الروسية الإضافية للأفكار -ناهيك عن المزيد من الخبرة القتالية- إلى تحسين العديد من التعديلات. التي لا يزال الجيش الروسي يطورها من الدروس المستفادة في سوريا.
مهام الحفاظ على التفوق الغربي
لا يقتصر التهديد العسكري الروسي على أوروبا، ولا يمكن مواجهته بالانتشار التقليدي وحده. لذلك يرى الخبراء أنه يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للطعن في الجهود الروسية لضمان تفوق الإدارة. لا تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى نسخ هذا المفهوم. لكن، يتعين عليهم تطوير فهم ما يعتبره الجيش الروسي “المجموعة الرئيسية” في مهام ضباطها: زيادة سرعة اتخاذ القرار، وتقليل قدرات القيادة والسيطرة لخصومهم.
بالنسبة لأمريكا لازالت الفرصة سانحة للمراقبة والتطور. فلا يزال الجيش الروسي يتطلب استثمارات كبيرة ووقتًا لتطبيق الدروس المستفادة من سوريا. لكن، إذا لم تتخذ الولايات المتحدة إجراءات لمواجهة هذه التطورات في السنوات المقبلة، فإن مجموعة الأدوات الجديدة للقدرات الروسية المستمدة من سوريا. ستغلق العديد من الثغرات في القدرات والتكنولوجيا أمام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
أيضا، يجب على الولايات المتحدة ألا تقلل من نية الكرملين في إجراء عمليات انتشار سريع على غرار تدخلها في سوريا. بل يجب أن تحافظ على قوة عالمية ومرنة لمواجهة الجيش الروسي. بالطبع لا تحتاج الولايات المتحدة إلى نشر قواتها العسكرية في كل مكان قد يقوم فيه الكرملين بعمليات استكشافية. ولكن يجب عليها إيجاد وتطوير قوات عسكرية حليفة وشريكة لمواجهة التهديد الروسي.
من المرجح أن يستفيد الكرملين من شركاء التحالف بشكل أكثر فعالية في العمليات القتالية المستقبلية. لذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات لتعزيز التعاون مع الناتو وتوسيع نطاق التواصل مع الدول الأخرى للتخفيف من قدرة الكرملين على تنمية شبكة العلاقات العسكرية الخاصة به. يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أيضًا تطوير أساليب لتعطيل “تحالفات الأعداء” -أي روسيا والصين وحلفاؤهما- وهي مهمة لم يكن على الولايات المتحدة القيام بها في الحروب الأخيرة.