أسئلة عدة أثارها إعلان الوفاة الغامضة للباحث والخبير الاقتصادي أيمن هدهود. ذلك بعد قرابة الشهرين من إيداعه مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية. حيث كان يخضع لفحص قواه العقلية، في أعقاب القبض عليه، واتهامه بمحاولة اقتحام سكن للغير. وهي واقعة أثارت استغراب مجتمع الحقوقيين. بينما كان السؤال الأكبر يدور حول عدم إعلام أسرته بنبأ الوفاة إلا بعد تاريخها الفعلي (5-3-2022) بقرابة الشهر. الأمر الذي أصدرت النيابة العامة في شأنه بيانًا تناول بعض تفاصيل القضية.
هدهود وقصة عقار الزمالك
جاء في بيان النيابة العامة أنها “تلقت بلاغًا في 6 فبراير الماضي من حارس عقار بحي الزمالك حول اقتحام هدهود العقار الذي يحرسه، ومحاولته فتح إحدى الشقق به”. بينما أشار بيان النيابة إلى أن “هدهود” كان يهذي آنذاك بكلمات غير مفهومة. ذلك قبل أن يمسك به الحارس ويتصل بالشرطة التي تسلمته.
وفي تصريحاته أمس لـ “مصر 360″، شكك حسام بهجت، المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في رواية القبض على هدهود في واقعة اقتحام شقة بالزمالك. وقال إن سلمنا بصحة الواقعة يظل السؤال قائمًا: لماذا تم إخفائه وهو متهم في قضية عادية؛ اقتحام بغرض السرقة.
وأضاف بهجت -في تصريحاته- أن اتهام أيمن هدهود بأنه يعاني اضطرابات نفسية لا يبرر هذه الوفاة الغامضة بعد القبض عليه بأيام. مستغربًا كون شخص لم يتجاوز الخمسين، لم يشتك مرضًا جسديًا، أن يوضع رهن الاحتجاز ثم تعلن وفاته بشكل مفاجئ كما حدث.
وقال إن هناك شبهة جنائية حول أسباب الوفاة حتى لو لم تقدم النيابة أي معلومات أو أدلة عن عملية القبض أو أسباب الوفاة. وإلا لماذا تم إخفاء خبر وفاته لمدة تزيد عن شهر.
النيابة: تعذر استجواب هدهود
أضاف البيان كذلك أن النيابة باشرت التحقيقات. إذ حاولت استجواب المتهم في ذات اليوم، فيما نسب إليه من اتهام الشروع في السرقة. لكن تعذر استجوابه لترديده كلمات غير مفهومة. فتشككت في سلامة قواه العقلية. واستصدرت أمرًا من المحكمة المختصة بإيداعه أحد المستشفيات الحكومية لإعداد تقرير عن حالته النفسية.
ووفق بيان النيابة العامة، فقد أودع “هدهود” مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، لبيان مدى مسؤوليته عن أفعاله وقت ارتكاب الواقعة.
وقد ذهب جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في تصريحات أمس أيضًا سبقت بيان النيابة، إلى أن هناك عديد من المخالفات شابت عملية القبض واحتجاز أيمن هدهود. وأضاف أن بعض هذه المخالفات منسوب إلى النيابة وبعضها إلى الشرطة. ومنها أن النيابة لو كانت أصدرت قرارًا فعليًا بتحويله إلى مستشفى الصحة النفسية، فلماذا لم تسأله وفقًا للدستور بحقه في إبلاغ أسرته أو أحد محاميه. ذلك لحضور التحقيقات والاطلاع على أقواله.
وقد استمعت النيابة لشهادة حارس العقار مقدم البلاغ، وذكرت أنه شهد بضبطه المتهم عقب دلوفه العقار مسرعًا. وأضاف أنه حينما حاول استيقافه سبه وقصد إحدى الشقق بالعقار وشرع في فتحها عنوة. وأكد الحارس أن “هدهود” كان ينادي على اسم سيدة، فلما حاول الحارس ردعه بمعاونة حارس عقار آخر، تعدى عليهما بالضرب، وانتابته حالة هياج شديد، وألقى بنفسه أرضا وأخذ يصيح بكلمات غير مفهومة، فأبلغ الشرطة وألقت القبض عليه. وقد أيد حارس العقار المجاور الرواية ذاتها في التحقيقات.
فيما شهد مُجري التحريات بأن تحرياته لم تتبين إذا ما كان قصد المتهم من فعله السرقة من عدمه.
الوفاة وقعت في 5 مارس.. لماذا لم يسلم جثمانه لأسرته حينها؟
ذكرت النيابة -في بيانها- أن الوفاة سُجلت في 5 من شهر مارس الماضي. وحينها، أخطرت النيابة العامة بوفاة المتهم بالمستشفى المودع به. حيث تبين أن الوفاة نتجت جراء هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب. فناظرت النيابة العامة الجثمان، وتبين خلوه من أي إصابات. كما انتدبت مفتش الصحة لتوقيع الكشف الظاهري فتأكد من عدم وجود شبهة جنائية في الوفاة.
وكانت فاطمة سراج، المحامية بمؤسسة حرية الرأي والتعبير والمتابعة للقضية، أشارت إلى حقيقة أن “أيمن” توفي في 5 مارس الماضي وتم إيداعه مشرحة المستشفى طيلة هذه المدة الزمنية. ذلك حتى أبلغت الأسرة في مكالمة هاتفية من قسم ثاني مدينة نصر مساء السبت الماضي تؤكد وفاته وضرورة التوجه إلى المشرحة لاستلام الجثمان.
ووفقًا لسراج؛ فإن المستشفى رفض أثناء معاينة الجثمان إعطاء أسرته أي تفاصيل أو معلومات عن وفاته أو تاريخ إيداعه أو وفقًا لأي قضية أو بموجب أي أمر نيابة تم احتجازه. وقد رفضت الأسرة استلام الجثمان وطلبت تشريحه. وهو أمر استجابت له النيابة العامة بقرار التشريح لبيان سبب الوفاة.
القومي لحقوق الإنسان: نتابع القضية عن كثب ونطالب بشمول التحقيقات كل ما أثير عن الاختفاء القسري
وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان، برئاسة السفيرة مشيرة خطاب. أصدر بيانًا أمس يؤكد فيه أنه “يتابع عن كثب تحقيقات النيابة العامة بشأن وفاة أيمن هدهود”. وطالب المجلس بـ “ضرورة شمول تحقيقات النيابة العامة لكل ما أثير حول ادعاء تعرض الدكتور أيمن هدهود للاختفاء القسري قبل وفاته”.
كما أضاف البيان أن المجلس قد اطلع علي بيان وزارة الداخلية. وأنه في انتظار نتائج تحقيقات النيابة العامة في ضوء قرار تشريح الجثمان. لاستبيان حقيقة الأسباب التي أدت للوفاة، والتحقق مما إذا كان شبهة جنائية.
واختتمت خطاب تصريحاتها بالتأكيد على أن المجلس “جاء وفقًا لآلية ديمقراطية، ويتمتع بالاستقلالية الكافية. ولديه أجندة عمل واضحة بما يضمن الارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان. ويولي المجلس القضايا المتعلقة بالحقوق المدنية السياسية والحريات العامة وإصلاح النظم العقابية أهمية كبيرة. واعربت عن ثقتها في تعاون كافة الاجهزة المعنية في هذا الشأن”.
جورج إسحاق: ما حدث مع هدهود اختفاء قسري وكل المعلومات مشوهة
وقد نقل موقع “الحرة“، عن عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، أن ما حدث مع هدهود، بمثابة “حالة اختفاء قسري بكل ما في الكلمة من معاني”.
وقال إسحاق، لـ”الحرة” أمس، إن “المعلومات كلها مشوهة، والداخلية نفت أنها قبضت عليه وهذا كلام لا يعقل”. وفي بيان وزارة الداخلية المقتضب، قال مصدر أمني إنه “بتاريخ 6 فبراير الماضي أبلغ حارس أحد العقارات بمنطقة الزمالك بالقاهرة بتواجد المذكور داخل عقار ومحاولته كسر باب إحدى الشقق وإتيانه بتصرفات غير مسؤولة.. وقد تم إتخاذ الإجراءات القانونية فى حينه وإيداعه بإحدى مستشفيات الأمراض النفسية بناءً على قرار النيابة العامة”.
لكن إسحاق قال “كيف لرجل صحفي معروف يتهم بأنه كان يقتحم شقة، الكلام كله لا يعقل”، واصفا ذلك بـ”الأمر المخجل” وأنه “ضد حقوق الإنسان بشكل كامل”. وأضاف “ما حدث مع هدهود مسألة خطيرة، خاصة أنه عضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية الذي أسسه عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والبرلماني السابق محمد أنور السادات”.
اختلاف روايات أشقاء هدهود
ذكر بيان النيابة العامة أيضًا أن تحريات الشرطة أكدت أنه لا توجد شبهة جنائية في الوفاة. مضيفًا أن النيابة من جهتها اتخذت حينها إجراءات النشر والتصوير المتبعة مع المتوفين للوصول إلى ذويهم لتسليمهم الجثمان لدفنه. فحضر اثنان من أشقائه -عادل وأبوبكر- وشهدا في التحقيقات بأنهما لا يشتبهان في وفاة شقيقهما جنائيًا.
كما أوضحا أن ذات تصرفات المتوفي المضطربة تكرر حدوثها منه سلفا مرتين، الأولى منذ شهرين حين عثر عليه بالطريق العام بمنطقة السلام يقوم بأفعال مضطربة ويتحدث إلى نفسه، فانتقلا إليه وتسلماه من الأهالي الذي تحفظوا عليه وقتئذ، والثانية حين افترض الأرض أمام غرف نزلاء أحد الفنادق فانتقلا إليه واصطحباه، وأوضحا بأنهما لم يتمكنا من إيداع شقيقهما المستشفى سابقًا لتلقي العلاج اللازم لتكرار هروبه.
وأكدت النيابة أنها لا تزال تستكمل إجراءات التحقيق في الواقعة. وقد استدعت عمر هدهود شقيق أيمن لسماع شهادته. ذلك بعد أن رصدت وحدة الرصد بإدارة البيان تصريحات متعددة منسوبة إليه بمواقع التواصل، يدعي خلالها وجود شبهة جنائية. ولكنه لم يمتثل لقرار الحضور، وفق ما جاء ببيان النيابة.
اقرأ أيضًا: أيام أيمن هدهود الأخيرة بين الأمن ومستشفى الأمراض النفسية
مسؤولو مستشفى العباسية: اشتبهنا في إصابته بكورونا
وقد ذكرت النيابة أنها استمعت لأقوال مدير وحدة الطب الشرعي النفسي، وطبيبة، وممرض بالمستشفى الحكومي الذي كان مودعا به. وشهدوا أنه كان يعاني اضطرابًا بدرجة الوعي ودوار وعدم اتزان وارتفاع في درجة حرارته. كما أشاروا إلى اشتباه إصابته بفيروس كورونا، فاتخذت معه الإجراءات الطبية المقررة في مثل تلك الحالات. ثم توفي خلال نقله لأحد المستشفيات الحكومية لتلقي العلاج.
وعلى ذلك، انتدبت النيابة العامة مصلحة الطب الشرعي لإجراء الصفة التشريحية وقوفًا على سبب وكيفية حدوث الوفاة. وقد فحصت عينات حشوية من الجثمان لبيان مدى احتوائها آثار مواد مخدرة أو سامة قد تكون سببًا في وفاته.
تقرير اللجنة الثلاثية: “هدهود” كان يعاني الفصام.. وحالته النفسية قد تؤدي للوفاة
كما استمعت النيابة -وفق البيان- إلى أقوال عضوين باللجنة الثلاثية المشكلة وفقًا لقرار النيابة العامة بإعداد تقرير بفحص حالته النفسية والعقلية. وقد شهدا بأن المتهم كان يعاني من اضطراب الفصام وغير مهتد للزمان والمكان والأشخاص وضعيف التركيز والانتباه ويعاني من ضلالات اضطهادية وضلالات عظمة وكان يتحدث بكلام غير مفهوم تخلله إنكاره ارتكابه واقعة الشروع في السرقة محل التحقيق معه.
وأضافت اللجنة أن تدهور حالته النفسية تؤثر في درجة الوعي، ومن الممكن أن تنتهي بالوفاة، وقدما تقريرًا مفصلًا بحالته.
أيمن هدهود
من سيء لأسوأ
وقد انتقد المحامي الحقوقي جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. بيان المجلس. وقال إنه “لا يُنتقد ولا يُثنى عليه”. وأشار عيد لـ “مصر 360” أن بيان القومي حتى الآن “مقتضب” ولا يتضمن موقفًا بعينه من المجلس. مضيفًا: “حتى الآن هم يتابعون التحقيقات. لم يعلنوا انحيازهم لطرف. ربما ينبغي أن ننتظر إلى أين ستؤول الأمور”.
ويصف الحقوقي محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لحقوق الإنسان. ما آل إليه الأداء الحكومي في الملف الحقوقي. فيقول: “الوضع يصير من سيء لأسوأ”. وهو يشير إلى أن ما حدث للباحث أيمن هدهود يتخطى ما حدث مع خالد سعيد وغيره. وهو ما يجعل هناك حالة من الرعب حول مصائر المختفين قسريًا، على حد قوله.
ويشير زارع، في تصريحاته لـ “مصر 360″، إلى أن هناك حالة من الابتزاز المتواصل تحدث لأهالي المحتجزين. فيقول: “في البداية يُنصحون بالصمت أملًا في خروج ابنهم سريعًا أو على الأقل رؤيته. بعدها يستمر الصمت أملًا في أن يصل إلى قاعة محكمة. وحتى إذا علموا بوفاته -كما حدث مع هدهود- قد يصمتون لمجرد رغبتهم في استلام جثته بلا تعقيدات”.
وأشار زارع إلى أن بيان المجلس القومي لحقوق الإنسان، والذي اكتفى بالتأكيد على متابعة تحقيقات النيابة. لا يجب أن يصدر عن جهة المفترض بها أن تتقصى أوضاع حقوق الإنسان في مصر. ويضيف: كان من المفترض أن يعلن المجلس تشكيل لجنة تقصي حقائق لمتابعة الأمر. والتوصل إلى مكمن التلاعب. أما الاكتفاء بالمتابعة فهو أمر يخص الصحفيين القائمين على تغطية الأحداث، وليس جهة لها القدرة على التقصي.