قصب السكر واحد من أهم المحاصيل التعاقدية الاستراتجية التي تعتمد عليها صناعة السكر. ويرتبط به العديد من الصناعات الأخرى. ويوجد في مصر 8 مصانع لإنتاج سكر القصب بالوجه القبلي في “كوم أمبو-إدفو-أرمنت-قوص-دشنا-جرجا-أبو قرقاص-نجع حمادي-قفط”. ويعمل بها ملايين الأيدي العاملة.
وتبلغ المساحة المزروعة بالقصب 330 ألف فدان. ويبدأ موسم توريد قصب السكر في 25 ديسمبر حتي مايو من كل عام. ويصل إنتاج السكر المصري من القضب إلى 2.3 مليون طن. في حين أن حجم الاستهلاك 3.25 مليون طن. أي إن نسبة الاكتفاء الذاتي تصل إلى نحو 70.2%.
وقد انخفض متوسط إنتاج الفدان من القصب خلال السنوات الأخيرة إلى 30 و35 طنا للفدان. وهناك تخوف من تراجع الإنتاجية خلال السنوات القادمة لأكثر من ذلك. خاصة بعد ارتفاع أسعار الأسمدة والمحروقات والتغيرات المناخية.
ويعصف هذا الوضع المتردي بالمزارع الصغير. كما يهدد ملايين الأيدي العاملة والأسر التي تعيش على العمل والإنتاج في هذا القطاع الزراعي الحيوي.
أسباب انخفاض إنتاج القصب
المزارعون أرجعوا انخفاض الإنتاجية إلى ضعف الأصناف المزروعة. وأكثرها شيوعا “سي 54 /9”. والتي يعتمدون عليها منذ 35 عاما. ما أدى إلى ضعفها بشكل كبير وإصابتها بالأمراض التي تؤثر على نسبة السكر في النبات وتقليل جودته وبالتالي انخفاض سعره.
بينما يلقي خبراء الزراعة بالمسؤولية على المزارعين الذين لا يلتزمون الإرشادات الزراعية أثناء عملية الري وزراعة الأصناف الأخرى الأكثر إنتاجية. مؤكدين أن محصول القصب من أكثر المحاصيل تحملاَ للتغيرات المناخية وسوء الأحوال الجوية. لكن لا بد من الاهتمام بالتسميد وعدد مرات الري المحددة والفطام وفقا للدكتور أحمد زكي -رئيس البحوث الزراعية بمعهد المحاصيل السكرية.
القصب اقتصاديا
يعد محصول القصب من المحاصيل الاستراتجية لارتباطه بآلاف الأيدي العاملة به واعتماد العديد من الصناعات عليه.
يقول الدكتور أحمد زكي إن محصول القصب مربح اقتصاديا لكن ذلك يتوقف على ممارسات المزارعين. حيث يتحمل المحصول المعاملات السيئة مثل التغريق والحرق للتخلص من الأوراق الجافة ومع ذلك مستمر ومربح ماديا.
وأشار إلى أنه يمكن استغلال الأوراق الخضراء” القالوح” عالية القيمة الغذائية -أعلى من البرسيم- وسفيره الجاف أيضا أعلى من سفير القمح. ويمكن استخدامه لإنتاج سيلاج أعلاف للمواشي بدلا من حرقة وتلويث البيئة.
وذكر أن جهاز شؤون البيئة وفر فرامات بالجمعيات الزراعية لعمل الأعلاف. لكن لأن الجمعيات تعاني عجزا في الجهاز الوظيفي لم يتم تنفيذ المشروع. لافتا إلى أن سعر سفير قصب السكر يباع بقيمة 2500 جنيه للفدان. ويتم إضافة اليوريا والسولاج إليه وتحويله لأعلاف.
وتابع أن الزراعة حلقة إنتاجية مرتبطة يبعضها لا بد من ممارستها كاملة لتحقيق مكاسب. إذ يتم الاستفادة من مخلفات المحاصيل والحشائش التي تظهر به أثناء النمو في تربية الحيوانات لتغذية المواشي التي تنتج اللبن واللحوم وتربية الطيور لتكون مربحة. ووصف زكي الفلاحين الآن بأنهم “أشباه مزارعين لا يخلصون لمهنتهم”.
ورصد معهد المحاصيل السكرية انخفاض إنتاجية محصول القصب بنسبة 50%. أرجعها “زكي” إلى قلة الكثافة النباتية -عدد العيدان المنبثقة- جراء الممارسات الخاطئة من المزارعين. وذلك نتيجة عملية تغريق المحصول بالمياه التي تتم في شهور يونيو ويوليو وأغسطس أو التعطيش قبل الحصاد. والتي تؤدي لموت العديد من الجور والنباتات وتؤثر على عدد العيدان وطولها وقطرها.
التسوس وتقليل نسبة السكر
وأكد أن فترة الفطام لا بد أن تكون كافية قبل الحصاد للحصول على نسبة سكر عالية ولا يقل سعر المحصول بالمصنع. وهذه الفترة تتراوح بين 15 و30 يوما. لكنها تصل مع بعض المزارعين إلى ثلاث أشهر -نحو 25% من عمر النبات عطشان- ما يؤدي إلى موت عدد كبير من الجور ويقلل الإنتاجية.
ومن بين الأسباب التي ذكرها “زكي” وتقف وراء انخفاض الإنتاجية “التسوس”. ذلك الذي يقلل نسبة السكر في المحصول بسبب “الثاقبات” نتيجة الإفراط في المياه. ما يرفع نسبة الرطوبة في الأرض ويؤدي لانتشار نوعين منها الثاقبة الكبرى الثاقبة الصغري -الدوارة. وقال: السيطرة عليها تتم بالمقاومة البيولوجية بطفيل “السيكوجرامة” وهو ينتج بمعامل شركة السكر التي تصرفه للمزارعين الذين لا يهتمون بالذهاب للشركة للحصول عليه فيتم توزيعه على الموجودين وهم قلة. وترجع كميات كبيرة منه للشركة لعدم الاهتمام بطرق المكافحة.
وأوضح أن كل كارت من “السيكوجرامة” عليه 5 آلاف طفيل. وهي بحجم تذكرة القطار وتوضع بمسافة 30 مترا بين كل كارت وآخر. وبعد 48 ساعة تفقس الطفيل الذي يبحث عن الثاقبات “السوس” ويتغذى عليها. كما نبه إلى أن زراعة الذرة محملة على القصب وتزويدها بالأسمدة الأزوتية تساعد على انتشار الثاقبات.
تراجع دور الإرشاد الزراعي
وقال “زكي” إن وزارة الزراعة ليست السبب الوحيد في تراجع دور الإرشاد الزراعي. ملقيا بالمسؤولية أيضا على المزارعين في عدم حضورهم لقاءات الإرشاد الزراعي بالمدارس الحقلية كل شهر بالجمعيات الزراعية. مؤكدا أنه يتم عمل لقاءات شهرية لكنهم لا يحضرون. مشيرا إلى التحول في حياة المزارعين فأغلبهم أصبحوا موظفين وأصحاب أعمال أخرى. فالزراعة ليست محل اهتمامهم ومصدر رزقهم الأوحد.
ولفت إلى أن الإرشاد لم يتم بالوسائل التقليدية فقط. إنما المعلومات متاحة من خلال القناة الزراعية المتخصصة ووسائل التواصل الاجتماعي تقدم فيها خدمات الإنذار المناخي المبكر وماذا يجب على المزارع أن يفعل خلال موجات الحرارة وفترات الصقيع إضافة إلى الصحف المتخصصة.
استهلاك القصب للمياه
يرى “زكي” أن المزارع المصري في ثقافته الإروائية يقوم بغمر الأرض بالمياه بارتفاع 10 سنتميتر. لذلك يحتاج القصب في ثلاث محافظات فقط “أسوان-قنا-الأقصر” حيث أعلى درجات حرارة إلى 6500 متر مكعب مياه. وفي سوهاج يحتاج إلى 6 آلاف وفي شمال مصر 5 آلاف.
وأوضح: “الري بالتنقيط يعطي إنتاجية أعلى بنسبة من 120 إلى 130%. لذلك تقدم الدولة حاليا عدة حلول للتحول للري بالتنقيط للحفاظ على المياه والتوسع الزراعي. أيضا تقوم بتوفير قروض بفائدة 5% وهناك توجه لتقديم القروض دون فوائد لم يتم البدء فيها”.
شروط مجحفة
كما يعاني مزارعو قصب السكر بالوجه القبلي مشكلات أخرى في توريد المحصول. منها فرض شروط مجحفة من جانب شركات تصنيع السكر. التي لا تلتزم بنقل المحصول من الأرض. في حين أن العقد بين الطرفين ينص على أن يلتزم المصنع بتجهيز الأرض وتمهيدها للزراعة على نفقة الشركة. ولا يتم تنفيذ هذا البند ويتحمل الفلاح تكاليف تجهيز الأرض للزراعة بتكلفة تتجاوز 700 جنيه للفدان الواحد. في الوقت الذي لا يتجاوز سعر طن قصب السكر في أعلى جودة له 750 جنيها فقط.
وندد المزارعون بقيام شركات تصنيع السكر بفرز ووزن المحصول دون وجود ممثل عن المزارعين لمعرفة حجم إنتاج المزارع. ويلجأ الفلاحون إلى دفاتر الشركة لمعرفة ما قام بتوريده ويفاجأ بخصم نسبة كبيرة من حجم المحصول. حيث يقوم أصحاب مكاتب توريد القصب الوسيطة بترك المحصول على الطرقات والكباري في الشمس حتى تتعفن نسبة كبيرة منه ويتحمل المزارع الخسائر وحده.
كما تقوم بعض الشركات بجدولة السلف التي تمنح للمزارعين ويتم تعطيلها ولا تصرف حتى حصاد المحصول وتسليمه. بينما يتم احتساب فرق الفائدة التي تتضاعف على المزارع من 5.5% إلى 13% خلال السنوات الماضية.
يقول اللواء مختار فكار -رئيس رابطة مزارعي قصب السكر بقنا: قصب السكر من الصناعات الأساسية الداعمة للاقتصاد المصري. وتبلغ المساحة المنزرعة منه ١١٧ ألف فدان على مستوى قنا. وما يتم توريده للمصانع نحو ٢ مليون و١٠٢ ألف و٩٦٠ طنا لثلاث مصانع.
وأكد أن مشكلات مزارعي القصب ما زالت قائمة دون حلول. ما يتسبب في خسائر كبيرة هذا العام خاصة بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة. حيث وصل سعر شيكارة السماد بالسوق السوداء إلى 500 جنيه مؤخرا. مع ارتفاع تكاليف الإنتاج من عمالة وري ونقل. حيث يتكلف الفدان 30 ألف جنيه في المتوسط. وتابع أن معاناة الفلاحين مستمرة بعد قيام الشركة بإلغاء خطوط النقل التابعة لها. حيث يتحمل المزارع وحده حاليا نفقات نقل المحصول.
تراكم الديون
وأشار عبد الرحيم كمال الدين -مزارع- إلى المشكلات التي يعانيها مزارعو القصب منذ سنوات دون حلول زيادة الديون المتراكمة على بعض المزارعين ببنك التنمية الزراعي. وذلك بسبب القروض وارتفاع نسبة الفائدة.
ويذكر أبو كبيرة محمد عثمان -مزارع- أن مشكلة الري أيضا من أهم المشكلات التي تواجه زراعة القصب في قنا. مشيراً إلى تضرر عشرات الأفدنة المزروعة لعدم وصول المياه إليها. مطالبا بإعفاء الميكنة الزراعية وأدواتها من الجمارك أسوة بالمستثمرين الذين يتم إعفاء معظمهم من الجمارك على أشياء غير مهمة بالنسبة للمستهلك. كما طالب بضرورة دعم الفلاح في مكافحة الآفات وتفعيل دور الإرشاد الزراعى سواء في المتابعة أو التوعية.
وطالب سعد إبراهيم -مزارع- بإيجاد حلول مناسبة لمشكلات مزراع القصب. منها زيادة سعر طن القصب بما يتناسب مع الجهد والتكلفة. منبها إلى أن ارتفاع التكاليف يؤدي إلى عزوف الفلاحين عن زراعته.
وأكد أدهم جابر -عضو مجلس إدارة شركة سكر نجع حمادي- أن شركات السكر تقوم بوضع خطة لكسر القصب مع بداية شهر نوفمبر وتقسمها على مراحل. حيث تبدأ المرحلة الأولى من بداية شهر يناير. مشيراً إلى أنه حال حدوث إصابة للمحصول بالصقيع وفي غير مرحلته يتم استثناؤه بعد الكشف عليه وكسره حفاظاً على المحصول وعدم إتلافه.
وقال المهندس حسام نور -بمعهد البحوث الزراعية: “انخفاض الإنتاجية هذا العام بسبب تراجع المساحة المنزرعة بالقصب. إضافة إلى عدم مقاومة الأمراض وضعف الصنف المنزرع منذ عقود طويلة”.
كما يقول المهندس محمد السيد -من العاملين بمصنع السكر بجرجا- إن تقلص مساحات زراعة القصب وعدم الاهتمام بها هو السبب في ضعف الإنتاجية. وأضاف: أصبح ما يورد لنا 500 ألف طن قصب فقط سنويا للعصير. ما أدى إلى انخفاض الإنتاج وتم تقليص عدد العمال بالمصنع من 2000 إلى النصف واتخاذ مجلس الإدارة قرارا بعدم تعيين أي شخص منذ سنوات بديلا للذين يخرجون معاش سنويا بسبب انخفاض الإنتاج.
أصناف ضعيفة
تقوم زراعة القصب حاليا على زراعة صنف “سي 54/9”. والذي يعتقد المزارعون أن تراجع الإنتاج جاء بسبب استهلاك هذا النوع منذ سنوات. لكن مدير البحوث أكد جودة الصنف. لافتا إلى أنه ينتج من 50 إلى 60 طنا في الفدان. لكن المشكلة في إدارة المحصول نفسه وعمليات الخدمة التي لا تؤدى بالشكل الجيد وتتسبب في قلة عدد النباتات.
وذكر عدة أصناف أخرى مثل “جيزا” 84/7 وجيزا 3 و7 و5. مؤكدا أن عقلية المزارع متمسكة بصنف جيزا 9: “كان لدينا قبل ذلك صنف اسمه ناتالكمباتور 310 المعروف بالخشابي. لكن ظل المزارعون يزرعونه حتى ضعف وقل إنتاجه فقد أصيب بالتفحم واضطرت الوزارة إلى تعميم صنف آخر إجباريا بقرار وزاري سنة 1980 هو جيزا تيون 94”.
أصناف جديدة
وأكد “زكي” وجود تعزيز ودعم لزراعة القصب من الدولة حاليا. واعتبرها ثورة جديدة في تطوير زراعة القصب. وقال إن هناك محطتين لإنتاج الشتلات في مركز كوم أمبو والثانية في الصعايدة بمدينة إدفو لإنتاج 100 مليون شتلة في السنة لزراعتها تفيد في ضبط الكثافة النباتية. فكل واحدة تنتج 6 نباتات تستهدف الوصول إلى إنتاجية تصل إلى 100 طن للفدان في المتوسط.
كما تستهدف الشتلات الجديدة توفير المياه لأن مدة زراعة الشتلات في المشتل تستمر لمدة 3 أشهر قبل زراعتها بالحقول. حيث توفر من 5 إلى 6 ريذات. كما ستوفر الوقت الكافي للمزارعين لزراعة محصول القمح خلال الموسم الربيعي. حتي لا يلجأ المزارع لحصاد المحصول في يناير مبكرا مما يضر بنسبة الإنتاج.
وأشار “زكي” إلى ضرورة توحيد الحيازات الحقلية لتوحيد المحاصيل. وذلك “بتقليل تكلفة الخدمة توحيد أعمال الزراعة لتقليل تكلفة الري وتوصيل البنية التحتية لشبكة الري عن طريق تشكيل فريق عمل من المزارعين عن طريق الدفع الذاتي. وضم كل 10 أفدنة أو 100 فدان”. مبينا أن 90% من المزارعين حيازاتهم أقل من فدان مما يعوق عمل شبكة مفردة. لذا لا بد من تجميع الحيازات.
حفاظا على النسيج الاجتماعي
وأكد الدكتور سعد نصار -أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة القاهرة- إنه لا يمكن الاستغناء عن زراعة محصول القصب واستبداله بمحاصيل أخرى في وجه قبلي. وذلك حفاظا على النسيج الاجتماعي والألفة من الأيدي العاملة التي تعمل به. كما أن البدئل الأخرى من محاصيل مثل الأرز والقطن لا تناسب طبيعة المناخ بالوجه القبلي.
وقال إنه على الدولة تقديم بدائل مشجعة لتحفيز المزارع على الاستمرار في زراعته بزيادة معدل الإنتاجية من 38 إلى 40 طنا للفدان إلى 50 و60 طنا للفدان. وذلك من خلال استخدام تقاوي وحيدة الأجنة بدل تقاوي متعددة الأجنة التي لا تزرع إلا في الأراضي المستصلحة ولا تناسب الأراضي القديمة. كذلك القضاء على مشكلات الغرس باستخدام العروة الواحدة لسنوات متعددة أكثر من عامين. ما يؤدي إلى إجهادها وانخفاض الإنتاجية مع تسوية الأرض بالليزر والري بالتنقيط.
وأشار “نصار” إلى أن هناك 16 صناعة أخرى قائمة على زراعة القصب لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها بمحاصيل أخرى في الوجه القبلي. فيما قال “زكي” لـ”مصر 360″ إن الدولة أولت اهتماما كبيرا بمحصول القصب في الفترة الأخيرة. وذلك بتقديم الدعم الفني وإنشاء حقول إرشادية بالصعيد تكون نماذج على أرض الواقع لزراعة المحصول بالشتلات. بالإضافة إلى خلق وعي لدى المزارعين من أجل سرعة نشر التقنية الحديثة في الزراعة خلال وقت قصير.