ربة منزل.. البعض يقول إن هذه الصفة لم يعد يُعترف بها في السياقات الرسمية، والبعض الآخر ينظر لها من جانب التعالي فكثير ما تأتي هذه الصفة محملة بماضيها من انتزاع الخبرة والخنوع، وحياة خاوية إلا من البيت والزوج والعائلة. ونحن الذين لا نحفظ التاريخ نستخدمه بشكل وظائفي، نستدعي الصور التي تليق بحالتنا وبما نرغب أن يكون مكملًا للصورة التي نصممها في لحظة المناقشة.
في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير أطلق البعض على غير المشاركين في الأحداث مصطلح حزب الكنبة، في مزاوجة بين غير المشاركين في الشأن العام وبين ربات البيوت نازعين عن ربات المنازل أية صفات أخرى وأي احتمالية مشاركة. وهو وصم يحمل بباطنه السخرية أكثر ما يُشير إلى فئة. ذلك لأنهم قد استخدموا مرجعية الكنبة كمكان للراحة ومتابعة المسلسلات الطويلة، والابتعاد عن الشارع بما يؤججه من مشكلات. وهي مواصفات عالقة في الذهن بربات البيوت. وكان لوقع كلمة “حزب الكنبة” سحرًا فانتشر، البعض ينسب نفسه له، والبعض يمحي أي شيء يمكن أن يُصنفه في هذه المكانة. وفجأة لم يعد حزب الكنبة معني بكل من لا يشغله عبء السياسة والشأن العام، وإنما كان يحمل تلميح ساخر يُشير إلى ربات البيوت.
بين أمينة وروءة تسكن ربة المنزل
تأتي شخصية أمينة التي قدمتها على الشاشة الفنانة آمال زايد في ثلاثية أفلام نجيب محفوظ (بين القصرين – السكرية – قصر الشوق) كنموذج مثالي للمرأة الخانعة، الخاضعة كلية لسطوة وسيطرة رب الأسرة. هذا النموذج الذي يحلم به النرجسيون والراغبون في تابع وليس شريك، الراغبين في شخص يلعب دور الدُمية، منزوع الإرادة وغير المسؤول عن قرار، امرأة للاستخدام فقط.
وعلى الصعيد المقابل تظهر “روءة” التي قدمتها الفنانة نورا في فيلم العار، كنموذج يحصر المرأة في دور الجارية المستلهمة من قصص ألف ليلة وليلة. امرأة تجيد تقديم المتعة خالصة، خالية من النكد، تحفظ السر، تدعم بشكل مطلق أيًا كان ما يفعله الشريك. وهي الوجه الفرفوش من الست أمينة. وهذا النموذج أيضًا لا يصلح ليلعب دور الشريكة.
فقد سجنت الذهنية العامة النساء في نموذجي أمينة وروءة. ذلك على الرغم أن هناك عشرات النماذج السينمائية إذا قررنا أن تكون السينما هي المرجعية الأولى في تصنيف النساء. لكنه وبمنطق برجماتي ذكوري، فيتم حصر النساء في دوري المتعة والخنوع.
ربة المنزل المختفية
في التعريفات سواء اللغوية أو الاصطلاحية كلمة رب تعني المسؤول والمخطط. ومن ثم فربة هي أيضًا المسؤولة والمخططة والمنظمة لشؤون البيت. وعبر أزمنة طويلة صلحت البيوت واستمرت العائلات. لأن ربة المنزل قامت بدورها كما ينبغي. ولم تكن التسميات يستتبعها وصم اجتماعي، وفي فترة تحولات اجتماعية صاحبتها دعوات لخروج المرأة للعمل صارت “ربة منزل” محل وصم وتقليل. فالتغيرات الاجتماعية حملت الكثير من مفاهيم تحرر المرأة ومشاركتها. وكأن المرأة لم تكن تُشارك من قبل!
إذ أن دعوات خروج المرأة للعمل جاء على تشويه دور ربة المنزل. وقد عملت النساء قبل الرجال على تسخيف وتقليل دور ربة المنزل، في محاولة لتجميل وتعظيم دور المرأة العاملة. وهي الأمور التي ارتدت مجددًا على النساء الراغبات في الإبقاء على حالتهن كربة منزل، إذا صار الأمر بمثابة عار لدى البعض.
إن هؤلاء الذين سعوا لجعل صفة ربة منزل بمقام السُبة والتقليل، هم أول من قللوا من المرأة. قد يكون نموذج الست أمينة جاذب ومغذي للأطماع. خاصة هؤلاء الراغبين في شيطنة الرجل بشكل مُطلق. لكنه أيضًا على مدار التاريخ كانت هناك نماذج نسائية قائدة وسجلت سيرتها لتكون فخرًا.
فالمرأة ذات دور فاعل عبر التاريخ. وقد اعتمدت العديد من المجتمعات على دور المرأة بشكل أساسي ويفوق دور الرجل. لكنه في تلك الفترة ربما لم يكن هناك من هو مشغول بتوصيف دور المرأة من المنزل. ومن ثم جعله سببًا للتصنيف وتقييم الدور وفق المكان الذي تؤدي منه المرأة دورها.
فاتخاذ البيت كموضع انتقاص من قيمة المرأة هو أمر بالغ السوء. وفى الوقت نفس هو ليس موضع ترفيه لها ونزع المسؤولية والأهلية عنها. فالمرأة ليست قطة يقتنيها أحدهم لتأكل ويقوم بتدليلها في أوقات فراغه. وربة المنزل شريك أساسي في الحياة، ودورها في المنزل لا يقل عن أي امرأة عاملة. ومن ثم فكلمة ربة منزل هي مجرد صفة لا ينبغي أن يستتبعها تقليل أو انتقاص.