منذ تأسيس الجمهورية العربية اليمنية على أنقاض المملكة المتوكلية في 26 سبتمبر عام 1962، تشكلت في اليمن 7 مجالس رئاسية، لم يفلح أيا منها في فرض الاستقرار ووضع أسس النمو والتقدم في الدولة التي أنهكتها الصراعات السياسية والمناطقية والقبلية والمذهبية.

في تاريخها الحديث ظل مستقبل الدولة اليمنية رهينة لنزاعات أو توافقات القوى الإقليمية، فخلال العقود الستة الأخيرة تحولت اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات بين جيرانه، فيما صارت العديد من المكونات اليمنية سياسية كانت أم عسكرية وكلاء لأطراف خارجية لا يهمها سوى تحقيق مصالحها وفرض نفوذها وهيمنتها، وليذهب اليمن السعيد وشعبه الطيب إلى الجحيم.

تتبُع صيغة المجالس الرئاسية التي مرت على اليمن، يؤكد أنها فشلت جميعا في تسوية  الصراعات بين الفرقاء الوكلاء، فبعد وقت قصير تسعى الأطراف الأقوى في تلك المجالس إلى فرض سيطرتها على القرار السياسي، ثم تعمل على إزاحة المنافسين بأي وسيلة، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع تنتهي بحل هش، وهكذا لا تتوقف المتاهة التي ابتُليت بها البلاد.

اقرأ أيضًا: فرص التسوية في اليمن بين “الهدنة” و”حوار الرياض”: هل الحل النهائي ممكن؟

في 7 أبريل الجاري أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن نقل صلاحياته وسلطاته بالكامل إلى مجلس قيادة رئاسي يقوده مستشاره السابق رشاد العليمي، وبعضوية 7 قيادة سياسية وعسكرية يمنية، وعهد إليه بـ«إدارة الدولة سياسيا وعسكرية وأمنيا، وتيسير ممارسة الحكومة لاختصاصها بكامل صلاحيتها».

إعلان هادي عن تشكيل المجلس الرئاسي جاء في ختام مشاورات القوى اليمنية في الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي، في غياب المتمردين الحوثيين الذين رفضوا إجرا مباحثات مع باقي المكونات اليمنية في السعودية بدعوى تورطها في الصراع (اليمني – اليمني) منذ عام 2015.

هادي أكد في بيان متلفز أذيع فجر الخميس الماضي أن المجلس الجديد مكلّف بـ«التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي».

الحوثيون من جهتهم أعلنوا رفضهم تشكيل المجلس الرئاسي، واعتبر ما يسمى المجلس السياسي الأعلى للحوثيين إن الإجراءات التي أعلنها هادي «غير شرعية»، متهما التحالف العربي بالانقلاب على الشرعية التي “أدعاها واتخذها يافطة لتدمير اليمن” على حد قوله.

منذ أن تم انتخابه عام 2012 وحتى تسليمه السلطة إلى المجلس الرئاسي الأسبوع الماضي، فشل هادي في فرض سلطته على اليمن، وفي السنوات السبع الأخيرة باشر الرئيس اليمني سلطته “الصورية” من العاصمة السعودية الرياض، فلم يعد الرجل إلى بلاده وعاصمتها المؤقتة عدن سوى مرات قليلة رغم حديثه أن حكومته تسيطر على النسبة الأكبر من البلاد.

وكما أُزيح الرئيس أُطيح بنائبه الفريق الركن علي محسن الأحمر ممثل حزب التجمع اليمني للإصلاح وفق تفاهمات جرت بين الرياض وأبو ظبي والمكونات اليمنية، فيما تسلم رئاسة المجلس الجديد اللواء رشاد العليمي وزير الداخلية السابق في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، ومستشار هادي المقرب من السعودية.

أرشيفية
أرشيفية

تشكيل المجلس الرئاسي الجديد لم يعكس فقط الأوزان الحقيقة للقوى السياسية والعسكرية المشاركة في الحرب ضد ميلشيا الحوثي، بل عكس أيضا التفاهامات السعودية الإماراتية، حيث ضم في عضويته العميد طارق محمد عبدالله صالح، رئيس المجلس السياسي للمقاومة الوطنية، والمدعوم من الإمارات، والذي طالما طالب بأن يتم تمثيل مجلسه في الهياكل السياسية للشرعية، إلى جانب عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم أيضا من الإمارات، والذي تُمثل مشاركته في السلطة تجميدا لمطالبه الانفصالية ولو بشكل مؤقت، كما ضم المجلس عبدالله العليمي باوزير، مدير مكتب الرئيس سابقا، والمنتمي لحزب الإصلاح، إضافة إلى فرج سالمين البحسني، محافظ حضرموت القوي والذي تربطه علاقات متوازنة مع الإمارات والسعودية، ويضم أيضا عبد الرحمن أبو زرعة القيادي السلفي الموالي للإمارات، فضلا عن القيادي في حزب المؤتمر عثمان حسين مجلي، إضافة إلى محافظ مأرب، الشيخ سلطان علي العرادة المحسوب على “الإصلاح” والذي يخوض حرب شرسة للدفاع عن المحافظة التي فشلت ميلشيا الحوثي في إسقاطها رغم محاولاتها العديدة.

وبالرغم من تكليف هادي للمجلس الجديد بالتفاوض مع الحوثيين للتوصل إلى حل سياسي نهائي، وقبول الأطراف المتصارعة بالهدنة، إلا أن تشكيلة المجلس دفعت المراقبين إلى اعتباره “مجلس حرب”، فالتركيبة العسكرية الأمنية لمعظم أعضائه غالبة على الجانب السياسي، وهو ما يعني أن التحالف العربي أراد أن يوظف الوكلاء الفاعلين على الأرض ويجمعهم في كيان واحد قادر على حسم المعركة في حال رفض الحوثيون الجلوس على مائد تفاوض، بتحريض من أصحاب القرار الأصلاء في طهران.

أدركت السعودية ومن خلفها الإمارت أن استمرار هادي الضعيف رهان خاسر، فما لم يفلح فيه خلال السنوات السبع الماضية، لن يتمكن من حسمه بعد أن اعتلت صحته ولاحقه خصومة بتهم فساد وتربح وتحويل مؤسسة الرئاسة إلى مشروع عائلي يديره الأبناء والأقارب والمحاسيب.

«لم يكن للرئيس اليمني أي دور في تشكيل المجلس الرئاسي الجديد، سوى أنه وقع وقرأ بيان نقل السلطة بناء على ضغط سعودي شديد»، يقول أحد المصادر الذين تابعوا سير المشاورات في الرياض، مؤكدا أن هادي “رفض كل مطالب إصلاح هيكل الشرعية وإنهاء سيطرة عناصر حزب الإصلاح التي زرعها نائبه علي محسن الأحمر على كل مفاصل الدولة، بل ترك أبناءه يعيثون فسادا في كل شيء”.

وعن ضرورة تصديق البرلمان اليمني على قرار تشكيل المجلس الرئاسي بوصفه الشرعية الدستورية القائمة حتى الآن يضيف المصدر: «حتى الآن لا يوجد تفسير قانوني جازم بحاجة مصادقة البرلمان على القرار، خاصة أن رئيس المحكمة العليا أصدر بيانا بارك فيه الخطوة وأكد أنها لا تتعارض مع الدستور»، فيما يرى عبد الستار الشيمري الصحفي والمحلل السياسي اليمني أنه لابد من طرح الأمر على البرلمان لإضفاء شرعية على قرارت المجلس وتحقيق توافق وطني على كل الإجراءات التي تم اتخاذها.

ويشير الشميري إلى أن تشكيل المجلس الرئاسي تم بإخراج سعودي إمارتي بامتياز، في محاولة أخيرة لفتح أفق لتسوية سياسية بإعادة تشكيل مؤسسة الرئاسة “العاجزة من ساساها إلى رأسها”.

وهو ما أكده المصدر المتابع لسير المشاورات، لافتا إلى أنه لولا الضغوط السعودية الإماراتية لأفشل هادي ونائبه الأحمر عملية نقل السلطة، «قاوم هادي كل الدعوات المطالبة بإجراء إصلاحات على هيكل الشرعية، ورفض الدعوات التي وجهت إليه ليكف يد أبنائه عن التدخل في إدارة الدولة وأموالها، واعترض على مقترحات لتغيير نائبه أو تعيين نواب آخرين، وقدم اقتراحا بديلا بتوسعة هيئة المستشارين فقط، بل أن القائم بأعمال أمينه العام أقسم ألا تمر هذه المقترحات، لكن تدخل القيادة السعودية بعد كل ذلك هو الذي مرر الأمر بدون أي تبعات».

وكشف المصدر عن خلافات حادة أثناء المباحثات، “تكتلت أغلب القوى باتجاه المطالبة بإصلاح هياكل الشرعية بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح والحزبين الاشتراكي والناصري، فيما وقف حزب الإصلاح ومعه عدد بسيط من حلفائه في الاتجاه الأخر”.

وتوقع المصدر أن يتم تشكيل حكومة جديدة خلال الفترة المقبلة “المناصب الأولى في الدولة الأن (الرئيس، ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي) جميعهم من محافظة تعز، وفي اليمن الانتماء المناطقي مشكلة وسوف يثير حفيظة الكثيرين أن تكون كل مناصب الدولة الكبرى من تعز، لذا فمن المرجح أن يعاد تشكيل الحكومة حتى لا تُثار أي نعرات مناطقية”.

ويعتقد المصدر أيضا أن هناك ضرورة لإزحة وزيرا الدفاع والداخلية نظرا لأنهما مقربان من حزب الإصلاح وتلاحقهما اتهامات فساد، متوقعا أن يتم تمثيل تكتل المقاومة الوطنية برئاسة طارق صالح لأنه الوحيد غير ممثل في الحكومة.

اقرأ أيضًا: مع دخولها العام الثامن.. البحث عن 5 محددات لفتح الباب أمام تسوية للأزمة اليمنية

فيما يرى الصحفي والمحلل السياسي اليمني عبد الستار الشيمري أن الحكومة الحالية التي يقودها معين عبد الملك هي حكومة توافق وطني وأنها قد تشهد تعديلات طفيفة مع حركة المحافظين المنتظرة.

ويتجنب حزب الإصلاح – إخوان اليمن- الدخول في صراع مع المجلس الرئاسي الجديد، فمن ناحية يدرك الحزب أن المواجهة مع التحالف العربي صاحب قرار تشكيل المجلس ليست في صالحه، ويرى الشميري أنه رغم إزحة الأحمر من هيكل الشرعية إلا أن الإخوان لايزالوا ممثلين في المجلس الجديد من خلال عبد الله العليمي والعرادة كما أنه موجودين في كل جسد الدولة الإداري والعسكري ولا تزال مآرب وتعز تحت سيطرتهم.

وعن مستقبل التسوية السياسية في ظل الوضع الجديد، أشار المصدر إلى أن المجلس الرئاسي يمثل القوى العسكرية الفاعلة على الأرض، والرياض من جانبها تريد حلا سياسيا ينهي الأزمات والضربات التي تلاحق المملكة، “إذا ساعدها الحوثيين أعتقد أن المجلس هو القادر على إنجاح أي اتفاق  لوقف القتال، لكن إذا أصر الحوثيين على شروطهم التعجيزية ورفضوا الذهاب إلى محادثات سلام، فإن القوة العسكرية الموحدة  الأن ستكون لها القدرة على حسم المعارك”.

وأوضح المصدر أن “المجلس الجديد وحد القوى الفاعلة، وتلك القوى ستكون قادرة على خوض معركة مأرب بما يعيد الحوثيين إلى أطراف صنعاء، وتجبرهم على إسقاط الخيار العسكري، كما أن لدى هذه القوة خيار آخر وهو التقدم عبر شرق  محافظة إب ومن ثم قطع امتدادات الحوثين في تعز وإب ولحج”.

وفقا للسوابق لا يُبشر تشكيل المجلس الرئاسي اليمني الجديد بأعادة الاستقرار والهدوء إلى اليمن، كما أن تركيبته تجعله أقرب إلى مجلس حرب وليس سلطة تسعى إلى البدء في مفاوضات تسوية مع الطرف الآخر من الصراع.

التسوية السياسية في اليمن ليست مرهونة للأسف بتوافق المكونات اليمنية بقدر ما هي مرهونة بتفاهامات وتوافقات الأطراف الإقليمية، السعودية ومن خلفها الإمارات من جهة وفي الجهة الأخرى إيران والتي لن تمنح الإذن لوكيلها المحلي «الحوثيين» بالتفاوض إلا بعد الوصول إلى اتفاق نووي يرضيها مع أمريكا والغرب.