قررت الحكومة المصرية زيادة أسعار البنزين بنحو قارب الـ 10%، اعتبارًا من اليوم الجمعه. ووصلت الزيادة الجديدة للأسعار نحو 25 قرشًا لمختلف أنواع البنزين. فكيف تؤثر هذه الزيادة على الوضع الاقتصادي لمحدودي الدخل؟ ودورها في التأثير على المواطنين وأسعار الأنشطة التجارية وأسعار السلع الاستهلاكية؟.

بمقتضى القرار الجديد، سيصبح سعر لتربنزين 80 نحو 7,50 جنيه، ولتر بنزين 92 نحو  8,75 جنيه، وسعر بنزين 95 نحو 9,75 جنيه للتر، مع تثبيت سعر السولار عند 6.75 جنيه للتر. كما تم زيادة سعر طن المازوت المورد لباقى الصناعات  400 جنيه ليصل سعر طن المازوت إلى 4600 جنيه وثبات أسعار المازوت المورد للصناعات الغذائية والكهرباء .

مصير البنزين مع هيكلة الدعم

في عام 2014/ 2015 بدأت الحكومة ممثلة في وزارة البترول، خطة ترشيد دعم الطاقة. وذلك بتطبيق زيادات متتالية في أسعار الوقود ومنها البنزين. وقد أعلنت حينها عن خطة لإلغاء الدعم وتحرير سعر الطاقة بحلول عام 2021، ومحاسبة المواطن بسعر التكلفة. على أن يتم ربط سعر بيع المنتجات البترولية بالأسعار عالميًا، من خلال لجنة تسعيرة الوقود التلقائي التي شُكلت لهذا الغرض.

قبل اعتماد برنامج رفع الدعم عن الوقود -الفترة من 2010 وحتى 2015- كانت الدولة تعاني من عجز واضح في توفير الوقود، ومنها البنزين والسولار. ومن ثم كان لذلك تأثير على مختلف الأنشطة اليومية للمواطن. ولذا اتجهت الدولة إلى تطوير القطاع وإقامة مشروعات إنتاج وتكرير جديدة لتلبية احتياجات السوق من المنتجات البترولية، يقول مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول السابق.

لكن إلى الآن لم تصل الدولة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية. رغم عمليات البحث والتنقيب المكثفة التي تم السنوات الماضية، كما يوضح يوسف.

إنتاج البنزين

ورغم التوسع في خطط الإنتاج والتكرير إلا أن حجم إنتاج الوقود لايزال غير كاف لسد كامل احتياجات السوق، لذا تعمل مصر على تأمين احتياجاتها من المشتقات النفطية، التي ترهق الموازنة العامة للبلاد بأعباء كثيرة، وسعت إلى زيادة إنتاج البنزين محليًا من نحو 3.9 مليون طن في عام 2014 إلى 6 ملايين طن خلال 2021، بنسبة زيادة 59%.

في الوقت الذي تستهلك فيه الدولة ما يزيد عن 6.7 مليون طن سنويًا من البنزين، أي أن الدولة تلجأ إلى الاستيراد الخارجي لتأمين جانب من احتياجاتها، واستوردت مصر كميات من البنزين في عام 2018، بواقع 1.8 مليار دولار، قبل أن ينخفض إلى 613 مليون دولار في 2020.

وبالتالي لاتزال هناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب. لذا تحاول الدولة سد الفجوة عبر الاستيراد وهو ما يجعلها عرضة للتأثر بتقلبات الأسعار العالمية من النفط الخام. ومن ثم تحريك أسعار الوقود للجمهور المستهلك ومنها البنزين والمازوت.

كيف يؤثر تحريك الأسعار على محدودي الدخل؟

ومع ارتفاع أسعار البنزين والمازوت، فإن الآثار الجانبية السلبية للقرار تؤثر على كافة تفاصيل الحياة اليومية للمواطن. خاصة فئة المواطنين من الطبقات المتوسطة والفقيرة ومحدودي الدخل. باعتبار أن زيادة سعر البنزين تؤثر مباشرة على أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية لتلك الفئات؛ نظرًا لدور ارتفاع البنزين في زيادة تكلفة نقل البضائع والسلع إلى جانب رفع أجرة الركوب.

وليس لدى رمضان أبو العلا الخبير البترولي، أدنى شك في كون تحريك أسعار البنزين يؤثر على شرائح مجتمعية عدة. بما يشمل الأنشطة التجارية، وما يتبع ذلك من ارتفاع بأسعار السلع والمنتجات. إذ أن جميعها مرتبط بالزيادة الجديدة في تكلفة مدخلات التشغيل -النقل والتوزيع- وينفق محدودو الدخل نسبًا كبيرة من دخولهم في توفير الطاقة الأساسية اللازمة لحياتهم اليومية. سواء أسطوانة البوتاجاز أو كهرباء أو وقود. أو بنزين وبالتالي، فإن أي زيادة في أسعار هذه السلع يترتب عليها مزيد من المعاناة لهذه الفئة، يقول أبو العلا.

ويرى أبو العلا أنه لابد للحكومة أن تعمل بشكل رقابي على الحد من التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لقرارات تحريك أسعار البنزين. ومن ثم ضبط ممارسات البعض الاستغلالية برفع زيادات غير مبررة في أسعار السلع.

وعلى سبيل المثال، يؤثر قرار زيادة أسعار البنزين مباشرة على زيادة تعريفة الركوب لسيارات النقل الجماعي والسرفيس والتاكسي بجميع محافظات الجمهورية، وكذلك أسعار المواد الغذائية وتكاليف وسائل انتقال البضائع بين مناطق الإنتاج والاستهلاك، وهي ما يتم تحميلها على المواطن في النهاية -وفق سيف الإسلام عبدالفتاح الخبير البترولي لـ “مصر 360”. الذي يرى أن تأثير زيادة أسعار البنزين سينعكس على معدلات التضخم في شهر أبريل الجاري، ومن ثم التأثير بشكل ليس مرتفعًا على معدلات النمو الاقتصادي.

ويتكون مؤشر التضخم من عدة بنود على سبيل المثال أسعار الطعام والشراب والمسكن والنقل والتعليم، ويستحوذ بند الطعام والشراب على النصيب الأكبر من المؤشر. ويقيس معدل التضخم الشهري والسنوي نسبة زيادة أسعار هذه البنود في فترة محددة مقارنة بفترة مماثلة.

مصر تتأثر بشكل مضاعف

وفي ظل التقلبات العالمية فإن مصر ستتأثر بشكل مباشر ومستمر بارتفاع أسعار البترول من عدة جوانب أهمها أسعار البنزين والمنتجات البترولية الأخرى. والتي تتم مراجعتها كل 3 أشهر بناءً على تطورات أسعار البترول. إلى جانب تأثيرها على بند الإنفاق على دعم المواد البترولية في الموازنة العامة للدولة وبالتالي احتمالية التأثير على عجز الموازنة.

وقال المهندس طارق الملا –وزير البترول– في تصريحات لقناة سكاي نيوز عربية إن اقتصاد مصر “سيتأثر سلبا” بالصعود الكبير لأسعار البترول الناتج عن الحرب الدائرة في أوكرانيا. متابعًا: “تغير الأسعار (البترول) لحظي وكل يوم يحدث تغيير. هذا ليس في صالح مصر”.

وأضاف: “مصر دولة مستوردة للزيت الخام والمشتقات البترولية. وبالتالي هناك تطلع وترقب بصفة مستمرة كي لا تكون هناك زيادة في الأسعار تؤثر على المنظومة”.

وصرحت مصادر مسؤولة بالهيئة العامة للبترول أن الدولة ستتأثر سلبيًا بالارتفاعات المتتالية لأسعار النفط العالمي. ومن ثم احتمالية تحريك الأسعار المحلية للمنتجات البترولية “البنزين وغيره” كل 3 أشهر. وذلك عقب اجتماع لجنة تسعير الوقود الربع سنوي.

أضافت أن الأسعار التي وصل إليها الخام العالمي لم تكن في الحسبان نهائيًا. وأن التوقعات والسيناريوهات التي وضعتها وزارة البترول للعام المالي الجاري لم تتوقع تلك الأسعار. وبالتالي فإن خام برنت يحلق بعيدًا عن السعر المقدر له في الموازنة العامة 2021/2022 بنحو 62 دولارًا للبرميل.

لماذا ارتفعت الأسعار؟

من جانبها شرحت مصادر بالهيئة العامة للبترول، أسباب زيادة أسعار البنزين، موضحة أن أسعار النفط العالمي مستقرة حاليًا عند مستوى حوالي 105 دولارًا للبرميل -منذ الأزمة الروسية الأوكرانية- أي بمعدل أعلى من المقدر في موازنة الدولة بحوالي 45 دولارًا لكل برميل، وهي نسبة لا يمكن للموازنة تحملها في ظل عدم جدوى إجراءات التحوط ضد تقلبات أسعار النفط.

أضافت لـ “مصر 360″، أن رفع سعر الفائدة وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار وزيادة تكاليف الشحن العالمية، رجحت كفة زيادة أسعار الوقود محليًا للربع الأخير من العام المالي الجاري؛ لتقليص حجم الضغط على موازنة الدولة، وبالتالي فإن جميع معطيات السوق تؤثر بشكل مباشر على موازنة الدولة التي لم تعد قادرة على توفير احتياجات المواطنين من الوقود دون زيادة، لعدم نجاح توقعاتها بشأن سعر برميل النفط خلال 2021/2022.

لفت إلى أن ملامح الموازنة الجديدة لعام 2022/2023 قد تشهد تغير على مستوى سعر برميل النفط بعد القفزة الأخيرة عالميًا ووصوله إلى نحو 115 دولارًا للبرميل، في حين المقدر بالموازنة 60 دولارًا، ما يعني أن هناك فارق كبير بين المقدر والفعلي بالسوق، ومن ثم قد يصل سعر البرميل في العام المالي المقبل إلى ما يزيد عن 80 دولارًا.

لماذا لا يعوض تصدير الغاز فجوة الوقود والبنزين؟

تساءل عدد من خبراء الطاقة: لماذا لم يعوض الغاز الطبيعي الفجوة الحالية في أسعار المنتجات البترولية وعلى رأسها البنزين؟ باعتبار أن الدولة تمكنت الفترة الماضية من تصدير كميات من الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج.

هنا، يرى الخبراء أنه من المفترض أن يتم توجيه قيمة الغاز المصدر إلى الخارج لتوفير البنزين والسولار بسعر ملائم للفئات الأقل دخلاً في الداخل. خاصة خلال الفترة الراهنة التي شهدت تحريك أسعار عدد من أنواع الوقود.

ويشهد الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي حالة من الاستقرار. ويتراوح حاليًا بين 6.5 و7 مليارات قدم مكعب يوميًا. بينما تصدر مصر منه نحو 1.6 مليار قدم مكعب يوميًا، من محطتي إسالة الغاز «إدكو ودمياط». وتعول عليه الحكومة كثيرًا في توفير عملة دولارية جيدة للموازنة العامة للدولة خلال الفترة الراهنة.