قبل التعويم الأسبق للجنيه في عام 2016، استمعت إلى أحد الإعلاميين يقول غاضبا، إنه يتمنى أن يستيقظ صباحا ليجد الدولار قد هبط إلى سعر خمسة جنيهات فقط -كان سعره قد لامس العشرين جنيهًا في السوق السوداء- حتى يخسر المضاربون بالعملة الصعبة أموالهم.

وبعيدا عن رغبة الإعلامي الصادقة والوطنية في الانتقام من المضاربين بالدولار، فإن ما لفتني آنذاك هو تصوّره أن العملة قد تنخفض أو ترتفع فجأة بمستويات كبيرة وفقا للتمنيات أو الدعاء، كأنها تذكرة يانصيب أو شيء سحري من خارج هذا العالم المادي، وليس بسبب أسباب موضوعية تتعلق بقوة الاقتصاد والميزان التجاري وحجم التضخم إلى آخر ما يحدد سعر صرف العملات النقدية، وبهذا يمكن له أن يحلم بأن يصحو فجأة ليجد أن الجنيه قد أصبح بخمسة دولارات أو أن الدولار أصبح بخمسة جنيهات.

هذه مقدمة بعيدة ولا شك عن عنوان المقال، لكنك تعرف تعقد مسارات العقل الباطن، فقد قفزت تلك الذكرى إلى ذهني حين عرفت بقرار تعيين المدرب إيهاب جلال بدلا من البرتغالي كارلوس كيروش مدربا للمنتخب الوطني لكرة القدم، وتابعت -بذهول- مناقشات “رياضية” كانت أطرافها تفضّل تعيين حسام حسن بدلا من جلال، وأخرى تعتقد أن حسام البدري، المدرب الأسبق، قد تعرض للظلم في التقييم، بينما اكتفى آخرون بتمنى التوفيق لإيهاب جلال، مع جو عام امتلأ بالغضب من كيروش و”أسلوبه الدفاعي” و”فشله” في تحقيق الأهداف التي تم التعاقد معه من أجلها.

وسبب الذهول الذي انتابني خلال متابعة هذه النقاشات هو افتقارها إلى الحد الأدنى من المنطق البسيط والتفكير  العلمي، ولا أقصد التفكير العلمي الذي يجيده الباحثون في المختبرات العلمية ومراكز الأبحاث، بل أقصد التفكير في مستواه الفطري البسيط الذي تجيده ربة منزل تحاول الاقتصاد في تدبير شؤون منزلها، والاختيار بين سلعة وأخرى لتلبية الغرض المطلوب، والموازنة بين سعر هذه السلعة وإمكاناتها، فهي تعرف -بالفطرة أو بالتجربة- أن سلعة ذات سعر منخفض قد تؤدي إلى خسائر أكبر من فارق الثمن الذي قامت بتوفيره، أما المستحيل، فهو أن تشتري ربة المنزل تلك سلعة منخفضة الجودة بسعر يقارب السلعة “المستوردة”.

على المنوال نفسه، فإن هذا المنطق يقضي بأنك إذا قررت استبدال مدرب بآخر، فإن عليك أن تختار مدربا في المستوى نفسه أو أفضل، أما إن اخترت مدربا من مستوى أقل بكثير، ويفتقر إلى أي سابقة نجاح ذات معنى، فإن كل قرش ستدفعه له (سيتقاضى جلال حوالي مليون جنيه شهريا) لن يكون سوى خسارة مؤكدة، لا تختلف كثيرا عن إلقاء المال في الأرض مباشرة، لقد أدى اختيار حسام البدري من قبل، إلى وجود مصر في المستوى الثاني أفريقيا عند إجراء قرعة تصفيات كأس العالم، ما أدى في النهاية إلى الخروج من التصفيات، وضياع مبلغ حوالي 12 مليون دولار كان سيحصل عليها الاتحاد المصري لكرة القدم لمجرد المشاركة في المونديال، في المقابل، استطاع كارلوس كيروش -لأنه مدرب حقيقي- خلال ستة أشهر فقط من توليه مهمة المدير الفني، أن يكسب أربعة ملايين دولار قيمة مكافأتي التأهل إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية وقبل نهائي كأس العرب، وهو ما يساوي أكثر من ثمانية أضعاف أجر المدرب خلال الفترة نفسها، وقد أدت نتائجه خلال تلك الفترة المحدودة، إلى تحقيق منتخب مصر أكبر قفزة في ترتيب الفيفا، من المركز 48 إلى المركز 32، ومن المستوى الثاني أفريقيا إلى المستوى الأول. ويعني ذلك أن التخلي عن كيروش، لمجرد الخلاف حول مدة العقد، والتعاقد مع مدرب ذي أداء متوسط محليا، وأداء ضعيف أفريقيا كإيهاب جلال، هو مسار لا شك فيه نحو خسارة مؤكدة، سواء على مستوى النتائج أو على المستوى المادي. بالطبع، لا أحد يقرأ الغيب، ويمكن لنا أن نأمل ونتمنى وندعو أن يحقق المنتخب كل النجاحات مع إيهاب جلال، لكننا لن نختلف كثيرا عن دعاء ذلك الإعلامي بأن “ينسخط” الدولار ليصبح بخمسة جنيهات.