من واقع مأساوي لقضايا الأحوال الشخصية في مصر نقول إنه إذا كان الانفصال بين زوجين نهاية لأزمتهما. فإنه بداية لأزمة جديدة تفرضها ظروف العلاقة المنتهية على طرف ثالث هم الأبناء.
رحلة عذاب يعيشها أبناء المنفصلين. حالة من الشد والجذب والتراشق. نزاع يمتد لسنوات طويلة داخل ساحات المحاكم حول الحقوق الأم والأطفال كالحضانة والنفقة والمسكن والولاية التعليمة وحق الرؤية.
تحتفظ الأم بحضانة الأبناء غالبًا وهي الأولى به قانونا لأنها الأقدر على رعايتهم. لكن عليها أن تدفع ثمنا غاليا. حيث يضعها ذلك في اختيار صعب بين أن تحتفظ بأبنائها وبين حياتها الخاصة وحقها في الزواج مرة أخرى.
تسقط حضانة الأم إذا تزوجت. وعلى الأبناء في هذه الحالة الانتقال إلى حياة جديدة مع الحاضن “البديل”. وعليهم أن ينفكوا من ارتباطهم وأمنهم بحياتهم السابقة واستقرارهم. وأن يندمجوا مع الوضع المرتبك الجديد. ما يؤثر على ثباتهم النفسي واستقرارهم الاجتماعي بشكل كبير.
سقوط الحضانة عن الأم لعلة الزواج أحد أبرز نقاط الضعف في قانون الأحوال الشخصية. وتمثل نقطة خلاف فقهي كبيرة مثارة على الساحة حاليا بين من يعدها واجبا إعمالا للنص: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي”. وبين من يعدها حقا مدنيا يمكن مراعاة مصلحة الأبناء فيه.
وتنتهي فترة الحضانة وفقا لهذا النص في سن السابعة. حيث يُخيّر الطفل بين الأبوين مع أيهما يفضل أن يعيش. وفي قانون الأحوال الشخصية تمد إلى سن الثانية عشرة للذكور والرابعة عشرة للبنت. بعدها يخيّر الطفل مع من يفضل العيش.
على الجانب الآخر يتضرر بعض الآباء في عملية الرؤية ويعامل معاملة الغرباء. فقد تتعنت الحاضنة وترفض اصطحاب الأب لأبنائه إلى منزله. وتتمسك بالوضع الذي يقره القانون برؤية الأب لأبنائه ثلاث ساعات أسبوعيا بإحدى الساحات العامة. وهو أمر يعتبر مهينا للطفل والأب ولا يخلق أجواء اجتماعية حميمة بين الابن وأقارب أبيه. حيث لا يسمح لهم بالرؤية ويزيد حالة الاحتقان والمكايدة، ويتعنت الزوج في دفع النفقة.
التقاضي في الأحوال الشخصية المرأة
لا تقتصر قضايا النفقة بالمحاكم على حالات الطلاق. فهناك حالات عديدة لسيدات متزوجات يمتنع الأب فيها عن الإنفاق على أبنائه. وتلجأ الزوجة لرفع دعوى نفقة تمتد على الأقل لمدة 6 أشهر للحصول على حكم. غالبا لا تتمكن من تنفيذه على الزوج. ما يدفع هذه الحالات للعيش تحت خط الفقر دون إنفاق. إضافة إلى عدم قدرة العديد من هذه الحالات على تحمل أتعاب المحاماة ونفقات التقاضي.
وطبقا لنظام التقاضي المصري في الأحوال الشخصية فعلى المطلقة أو المتضررة من عدم الإنفاق أن ترفع ما يقرب من 13 قضية للحصول على حقها. وهو ضغط على النظام القضائي واستنزاف مادي للمتضررة وأبنائها.
ووفقا لنوال مصطفى -مدير جمعية رعاية أطفال الغارمات- فإن هناك 100 ألف امرأة معيلة لأسباب الطلاق أو غيرها مهددة بالحبس. وذلك بسبب اضطرارها لتوقيع إيصالات أمانة لتدبير احتياجات أبنائها من مصاريف مدارس ونفقات أخرى. ما دفع الجمعية لتأسيس تحالف وطني لحماية المرأة ومساعدتها قانونيا في قضايا النفقة وخلق مشاريع تستطيع بها الإنفاق وحل مشكلات الدين.
الولاية والنفقة.. تنصل الأب من المسؤولية
عندما يطلق الرجل زوجته يعتقد أنه قد يطلق أبناءه معها فيتنصل من المسؤولية تجاههم حسب ماجدة عبد البديع -رئيس الجمعية المصرية لتمكين المرأة. تقول لـ”مصر 360″ إن القانون التونسي يوفر للمرأة المطلقة خلال أسبوعين فقط من طلاقها نفقة إعاشة حتى لا تحتاج إلى البحث عن عمل للإنفاق على الأبناء وتهمل رعايتهم.
وطالبت بتعديل قانون الأحوال الشخصية بما يجعل إثبات دخل الزوج من اختصاص المحكمة. وذلك لتحديد نفقة مقبولة للأم وأبنائها. حيث إن غالبية الحالات لا تتمكن من إثبات دخل الزوج وتلجأ لبنك ناصر في النهاية يعطيها مبالغ ضئيلة جدا لا تتجاوز 500 جنيه.
وأشارت إلى ضرورة تجميع كل القضايا الخاصة بالمطلقة. نفقة ورؤية وولاية تعليمية وسكن وحضانة وغيرها في قضية واحدة. لأن كل قضية تأخذ وقتا في التقاضي وتستنزف أموالها ووقتها برفع كل دعوى على حدة. في الوقت الذي تتحمل هي مسؤولية الإنفاق على أبنائها من علاج وتعليم ومأكل وملبس.
مشروع قانون
كانت الحكومة طرحت مسودة لتعديل قانون الأحول لشخصية على البرلمان في 2020. وأثار هذا المشروع انتقادات واسعة فاضطرت الحكومة لسحبه للتعديل.
وأعطى مشروع القانون للأب فيما يتعلق بموضوع الرؤية حق الاستضافة للأبناء لمدة ثلاثة أيام. حيث يقصرها القانون الحالي على مرة واحدة في الأسبوع في مكان عام.
ويرى محمد فوزي المحامي بالنقض أن هذا النص لم يضع ضمانات على الأب بعودة الأطفال للحاضنة مرة أخرى. وقال لـ”مصر 360″: هناك حيل كثيرة في حالات المكايدة بين الطرفين. كأن يقوم الزوج بعمل محضر للأم بأنه لم يتسلم الأبناء.
ولفت إلى عدم وجود آلية تلزمه بإرجاع الأطفال مرة أخرى. مطالبا بوضع ضمانات قانونية لعودة الأطفال للحاضنة بعد استضافة الأب.
ومن إيجابيات المشروع الجديد -وفقا للمحامي- هو ربط الرؤية بالنفقة. فإذا ثبت أن الزوج لا يسدد نفقة فمن حق الحاضنة الامتناع عن رؤيته لأبنائه.
تأخر القانون
النائبة سناء السعيد عضو البرلمان والمجلس القومي للمرأة قالت لـ”مصر 360″ إن مسودة القانون أصبحت جاهزة حاليا. وسوف تطرح للمناقشة المجتمعية في فترة قريبة. وأنها ستعالج القصور التشريعي في القانون الحالي. وتضع مصلحة الأطفال في المقدمة لأنهم مستقبل الدولة.
ويتضمن مشروع القانون حسب قولها أيضا نصوصا عادلة وناجزة في حل قضايا النفقة والإقامة والولاية التعليمية بشكل عملي واقعي.
وعن دور “القومي للمرأة” أضافت: ندفع من خلال المجلس للإسراع بخروج القانون بشكل منصف للأم وأطفالها. خاصة بعد حالة الحراك المجتمعي الحالية حول خروج القانون”.
الرؤية وإسقاط الحضانة
تتم الرؤية طبقا لقرار وزير العدل داخل مراكز وساحات الشباب العامة. ما يعرض الطفل لمشاهد صادمة من العنف لبدني والإنساني والنفسي بسبب كثرة المشاجرات والمكايدات في الحالات المحيطة أثناء الرؤية.
كما يعطي القانون الحالي الأب حق الرؤية بغض النظر عن إنفاقه عليهم. ويجبر الأم على تنفيذ ذلك. وإذا امتنعت ولو مرة واحدة لأي سبب عزز ذلك حقه في رفع قضايا تعويض ضدها تصل إلى دفعها 20 ألف جنيه أو حبس الزوجة ورفع دعوة إسقاط حضانة.
ويسمح في حالات كثيرة بالتهرب من النفقة فتضطر الأم لرفع قضية حبس للحصول على المبلغ أو الحصول عليه من بنك ناصر الاجتماعي. وهو مبلغ متدنٍ للغاية.
مها أبو بكر -محامية بالنقض وأمينة المرأة بالحزب الناصري- تطالب بوجود مركز تأهيل تابع لمحاكم الأسرة في حالة النزاع والخلاف. على أن يكون دوره الجمع بين الطرفين ومعرفة أسباب المشكلة وحجم إسهام كل طرف في بيت الزوجية ودخل كل منهما. ومن يستطيع منهم ترك بيت الزوجية حال الطلاق ودراسة مَن أجدر على حضانة الأطفال. وأن يكون الطلاق برعاية المحكمة لمتابعة الآثار المترتبة عليه من التزامات خاصة. وذلك لتوفير الوقت والمجهود الكبيرين في عملية التقاضي ووضع ضوابط رادعة للطرفين الحاضن وغير الحاضن.
وقالت لـ”مصر 360″: “يكون من اختصاص المركز التأهيلي تحديد الاستضافة والحضانة. بمعنى لو كان الانفصال بسبب عنف الأب يبقى لا يصلح الأب للاستضافة. لو كانت الأم مدمنة لا تصلح للحضانة. دراسة الأبوين نفسيا واجتماعيا ووضع محددات تراعي مصلحة الطفل”.
وليكون القانون عادلا وناجزا ومحققا لمصلحة الأسرة أشارت إلى أنه لا بد من تأسيس وحدة شرطة مختصة بقضايا الأسرة. على أن تكون مسؤولة عن تنفيذ الأحكام الخاصة بالأحوال الشخصية. ويكون بينهم مختصون نفسيا واجتماعيا لرفع الضغط عن كاهل جهاز الشرطة العامة. والذي لا يهتم بتنفيذ قضايا الأحوال الشخصية بشكل كبير -حسب قولها.
النفقة في الشريعة
عمرو عبد المنعم -الباحث المتخصص في الشؤون الإسلامية- قال لـ”مصر 360″ إن النفقة واجبة شرعا على الزوج. سواء كانت الزوجة حاضنة أم غير حاضنة. حتى وإن طلقت فلها حق المعاش. ويدخل في ذلك السكن والإقامة والإطعام والعلاج. حتى تصل إلى نظافة المنزل.
كل هذه الأمور كانت محل نقاش عند بعض الفقهاء وأقر حق للمطلقة غير القادرة على الإنفاق. إذا لم تجد من يصرف عليها ممن له حق الولاية مثل الأب العم الأخ الابن. حتى تتزوج بآخر. مبينا أن الشرع ينظر في ذلك إلى مبدأ التماسك الاجتماعي.
وقال إن الخلاف على النفقة بين الزوجين ليس متعلقا بوجوب استحقاقها. إنما بتعنت الطرفين. حيث ترفض الزوجة رؤية الأب لأنه لا ينفق وهو يتعنت ويرفض دفع النفقة وهكذا إلى ما لا نهاية.
يذهب الإمام محمد عبده إلى وجوب إتمام الزواج والطلاق على يد قاض وليس مأذون شرعي. وذلك لضمان الحقوق وثبوتها. لأن الطلاق الشفهي تنتج عنه مشكلات عديدة. أهمها عملية الإنفاق على الزوجة والأبناء بعد الطلاق ومسكن الزوجية.
ووفقا لـ”عمرو” فإن طبيعة المجتمع المصري تتعارف على أن مسكن الزوجية يكون بالمناصفة. سواء العقار أو العفش. ويترتب على ذلك حالات ظلم لأحد الأطراف. سواء الرجل أو المرأة. فأحيانا يظلم الرجل ويطرد من المسكن فيضغط بالنفقة على الزوجة.
ويرى أن هذا الصراع يؤثر على الأجيال الجديدة ويخرج في سلوكيات الأبناء الذين ينتمون لأسر مفككة في شكل تطرف وإرهاب وشذوذ جنسي وتعاطي مخدرات بسب التشوه الاجتماعي والنفسي.
مطالب لإنجاز قضايا الأحوال الشخصية
لإنهاء حالات التقاضي الحالية وإنجازها وضع محمد فوزي المحامي بالنقض 13 مطلبا.
أولا: إدراج أحكام الحبس في قضايا النفقة على قوائم الترقب في المطارات والمواني أسوة بأحكام الحبس الأخرى في القضايا الجنائية والجنح. ثانيا: إنشاء لجان تنفيذ أحكام تحت إشراف القضاء في مدة لا تزيد على شهر مع وضع عقوبات رادعة لعدم التنفيذ. ثالثا: سقوط حق الرؤية للأب الذي يمتنع عن رؤية ابنه. وعدم النظر أو البت نهائيا في أي دعوى رؤية حال عدم ثبوت إنفاق الأب.
رابعا: قضايا الأسرة الواحدة ينظرها نفس القاضي ليرى الصورة صحيحة وكاملة ولتقصير أمد التقاضي. خاصة قضايا النفقة بحيث لا تزيد على 3 أشهر. مع عدم تأجيل قضايا النفقة أو كل ما يتعلق بالماديات لأكثر من شهر. ولثلاثة تأجيلات على الأكثر يكون بعدها الحكم نهائيا واجب النفاذ ولا تقسيط في النفقات.
خامسا: لا يجب أن تضع الدولة على عاتق الأم إثبات دخل الأب. مع المطالبة برفع سرية الحسابات من قضايا الأسرة والأخذ بمدى يسار الأب “الممتلكات وحسابات البنوك” في تحديد النفقات. سادسا: شمول حكم نفقة الصغار أمر القاضي بزيادة سنوية 10٪ – 15٪ دون الحاجة لرفع قضايا أخرى. سابعا: تحصيل قيمة النفقة من بنك ناصر وإضافة دمغات برسوم رمزية للمساعدة في تغطية هذا البند. مع تغريم الأب الذي يصل بأبنائه إلى بنك ناصر للحصول على نفقاتهم.
ثامنا: تفعيل المادة 16 من قانون الأسرة بدفع نفقة مؤقتة للصغار لحين الفصل في قضايا النفقة. تاسعا: حق الولاية على الأبناء للأم بعد الأب مباشرة. لأنها القائمة الفعلية عليهم في عدم وجوده أسوة بالمطالبة بالحضانة للأب بعد الأم. عاشرا: الاستضافة بموافقة الحاضن والمحضون استناداً للفتوى الشرعية رقم 445 لسنة 2012. والتي أصدرها الأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية. وذلك لوضع حل جذري لملف خطف الأطفال من الآباء وعدم تعامل الجهات المعنية مع الأب على أنه خاطف. وتحميل الأم عبء معرفة عنوان الأب الخاطف وعدم وجود أي عقوبة للخطف وما يترتب عليه من رفض قانون الاستضافة لعدم وجود منظومة قادرة على حماية الأطفال. حادي عشر: عدم الاستشهاد بالأطفال في المحاكم. على أن يتم سماع شهادتهم عن طريق انتداب مشرف اجتماعي من قبل المحكمة لسماع أقوالهم بمحل إقامتهم. ثاني عشر: عدم منح الطرف غير الحاضن حق إدراج الأطفال على قوائم الممنوعين من السفر. ثالث عشر: عدم إسقاط الحضانة عن الأم تلقائيا حال زواجها على أن يترك لتقدير القاضي تحديد الطرف الحاضن للطفل وفقا للمصلحة.