ضربت تداعيات الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا تفاصيل الحياة اليومية للألمان بقوة. مع ارتفاع الأسعار والتضخم لمستويات قياسية، وندرة السلع الأساسية وفي مقدمتها الزيوت. ومخاوف من شح الطاقة وصلت لنصائح رسمية للمواطنين بعدم الاستحمام يوميًا والتجمع للتدفئة داخل غرفة واحدة.
رئيس الشبكة الاتحادية الألمانية كلاوس مولر، وهي هيئة مسؤولة عن تنظيم الغاز والكهرباء في البلاد. قال إن مواطني بلاده سيتعين عليهم إعادة التفكير في الاستحمام شكل يومي. قائلاً: “أي شيء يوفر مترًا مكعبًا من الغاز هو شيء جيد حتى التدفئة المنزلية.. في غرفة الأطفال أو مع كبار السن يجب أن يكون الجو أكثر دفئًا بالطبع لكن في بقية المنزل يمكن التفكير في 17، 18، 19 درجة”.
يضيف أن العديد من مرافق التخزين الكبيرة لديها مشاكل، وحال فرض حظر غاز محتمل على روسيا أو وقف عمليات التسليم التي يفرضها الكرملين. فإن ألمانيا ستكون قادرة على شراء الغاز الطبيعي المسال فقط حتى نهاية الصيف أو بداية الخريف، لكن بعد ذلك ستكون المتاجر فارغة من السلع.
وفقًا لرئيس وكالة الشبكة، لا توجد حاليًا مؤشرات على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقلص الغاز وروسيا تفي بالتزاماتها بالتسليم لكنها لا تفعل المزيد أيضًاـ فالتعاقدات في السوق الفورية حيث يتم تداول الغاز المتاح في وقت قصير يمكن من التحكم في العرض. لكن في حالة الطوارئ، ستكلف وكالة الشبكة الفيدرالية بمهمة اتخاذ قرار بشأن تخصيص الغاز الشحيح.
ما يقصده مولر هو المرحلة الثالثة من “خطة طوارئ الغاز” التي تعني أن المستهلكين أو المستشفيات أو دور رعاية المسنين. سيكونون بعد ذلك آخر المتضررين من تقنين الغاز لكن بالنسبة للصناعة. سيتم إعطاء الأفضلية للشركات في قطاعي الإمداد الغذائي والأدوية.
قبل أن تبدأ موسكو حربها في أوكرانيا، كان ثلث واردات ألمانيا من النفط، و45% من مشترياتها من الفحم. و55% من واردات الغاز من روسيا، وشرعت الدولة في فطام نفسها عن واردات الطاقة الروسية. وتسريع الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة وبناء محطات الغاز الطبيعي المسال لتنويع إمداداتها.
أزمة الغاز تتعقد مع دعاوى الحظر
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك حذر بشدة من وقف استيراد الغاز الروسي، مؤكدًا أنه سيعرض السلام الاجتماعي في ألمانيا للخطر. وطالب الحكومة بأن تتصرف بحكمة وتعد الخطوات بعناية وأن تكون قادرة على المثابرة إذا أرادت إضرار بوتين.
وقال إن الأمر قد يستغرق سنوات للكشف عن استخراجات جديدة للغاز والحصول على التصاريح. موضحا أن مجالات استخراج الغاز التقليدية في ألمانيا “استنفدت إلى حد كبير”، ونتيجة للحرب في أوكرانيا وللارتفاع القياسي في أسعار الطاقة. سجل معدل التضخم بألمانيا خلال الشهر الجاري معدلات هي الأعلى منذ نحو 40 عامًا.
قالت مونيكا شنيتشر، عضو مجلس “حكماء الاقتصاد” الذي يقدم النصح للحكومة الألمانية فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية. إنه يتعين على المواطنين الآن خفض استهلاكهم واللجوء إلى الاستخدام المشترك للسيارات والقيادة بسرعة أبطأ واستخدام وسائل النقل العام قدر الإمكان. منتقدة الإجراءات التي تعتزم الحكومة الألمانية اتخاذها، والمتعلقة بإبقاء سعر البنزين أقل مما هو عليه فعليا.
وقالت فيرونيكا جريم، عضو مجلس “حكماء الاقتصاد”، إنه من المهم إرسال إشارات تبين احتمال وجود وضع متفجر حال توقف إمدادات الطاقة الروسية. موضحة أن مثل هذه الإشارات من الممكن أن تكون على سبيل المثال تطبيق حد عام للسرعة على الطرق السريعة.
بحسب دراسة ألمانية فإن الوقف الفوري للغاز الروسي سيكلف ألمانيا 0.5-2.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي. يُعد هذا انخفاضًا كبيرًا في النمو، لكنه ليس كارثيًا بأي حال من الأحوال. حتى في أسوأ السيناريوهات سيكون الانكماش أقل حدة من تداعيات جائحة كورونا عام 2020، عندما انخفض الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 4.6٪.
تتباين تقديرات خسارة الإنتاج المقدرة بشكل كبير اعتمادًا على مدى قدرة الاقتصاد الألماني على إعادة تخصيص الموارد لقطاعات أخرى وإيجاد بدائل للغاز. إذ تفترض الدراسة أن “مرونة الاستبدال” صغيرة جدً ولكنها ليست صفرية، مما يعني أنه في حين يصعب استبدال الغاز الروسي. لا يزال بإمكان الأسر والشركات الألمانية التحول إلى مدخلات طاقة أخرى واستيراد المزيد من الغاز من هولندا أو النرويج في المدى القصير.
تقليل استهلاك اللحوم لتحرير أراضي الأعلاف
دعت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية المواطنين إلى تعديل نظامهم الغذائي واستهلاك كميات أقل من اللحوم. وقالت إن جزءًا كبيرًا من إنتاج الحبوب في جميع أنحاء العالم بما في ذلك إنتاج البلدان النامية والناشئة ينتهي به المطاف في علف الحيوانات. وتقليل استهلاك اللحوم في ألمانيا سيساعد بالتالي على تحرير المزيد من الأراضي الزراعية محليًا.
وأضافت: “إذا كنا سنستهلك حوالي 30٪ أقل من لحم الخنزير في ألمانيا، فسيؤدي ذلك إلى تحرير حوالي مليون هكتار من الأراضي الزراعية. والتي يمكن استخدامها بعد ذلك في زراعة الحبوب بالطبع”.
ارتفاع غير مسبوق للأسعار
يأتي ذلك وسط ارتفاع أسعار السلع الغذائية كالزبدة التي ارتفع سعرها منذ مطلع العام الجاري وحتى شهر مارس/آذار بواقع 17.6% على الأقل. لتكسر في المحال التقليدية عتبة الـ2 يورو مقابل قطعة وزنها 250 غراما ويتراوح في المحالات باهظة الثمن بين 2.5 و3 يورو.
كما ارتفع سعر الخبز بواقع 7.1% خلال الفترة المذكورة، والزيت النباتي بنحو 30%، وأصبح سلعة نادرة في بعض المحالات التجارية. بحسب صحيفة فرانكفورتر التي كشفت عن ارتفاع حاد في الأسعار المحددة من قبل منتجي السلع الزراعية. حيث ارتفعت أسعار محاصيل الحبوب منذ فبراير/شباط العام الماضي بقدر 33%. والبطاطس بقدر 88% والسلجم (نبات يستخدم في إنتاج الزيوت) بقدر 52% والحليب بقدر 30%.
كما أكدت الصحيفة وقوع قفزة ملموسة في أسعار الجملة خلال الأشهر الـ12 الماضية. وخصوصا المنتجات النفطية (70%) والوقود الصلب (62%) والمعادن والخام (55.8%). ومحاصيل الحبوب والتبغ الشائع وعلف الحيوانات والخشب الخام (نحو 43%).