القاهرة 2005/ حينها كانت البلاد مشغولة بإجراء أول انتخابات رئاسية تعددية منذ عام 1952. وبينما توجهت كل الأعين إلى ذلك الحدث، شهدت شوارع مصر مركبة جديدة قادمة من الهند أُطلق عليها اسم “التوك توك”.

هذه المركبة الصغيرة ذات العجلات الثلاث، كانت ظاهرة حينها. لكن بعد نحو 17 عامًا باتت تقليد راسخ في شوارع المحافظات المصرية. ورغم مرور كل السنوات، إلا أن أغلبها ظل بلا تراخيص سواء للمركبة أو السائق. وباتت أحد أوجه الاقتصاد الطفيلي أو غير الرسمي المُنتشر في مصر.

يُشكل الاقتصاد غير الرسمي جزءًا كبيرًا من الناتج القومي للبلاد. ووفقًا للتقديرات الحكومية يصل إلى نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي. ذلك بما يُعادل نحو 2.6 تريليون جنيه، وفقًا للموقع الإلكتروني لمجلس الوزراء.

التسرب من الحرف اليدوية

وبحسب محللين وخبراء تحدث إليهم “مصر 360″، تسبب التوك توك في عملية تسرب للشباب من قطاع الحرف اليدوية بشكل كبير جدًا. وربما كان سببًا مباشرًا في تراجع الحرف اليدوية واندثارها.

ويتراوح العائد الاقتصادي للتوك توك بين نصف مليار إلى مليار جنيه سنويًا. وذلك بحساب أن متوسط العائد اليومي للتوك توك يتراوح بين 250 إلى 400 جنيه حسب المنطقة التي يعمل بها.

“التوك توك مركبة لا تخضع للتأمينات أو الضرائب أو رسوم من أي نوع. وبالتالي اقتنائه ليس مكلفًا، وأرباحه لايُخصم منها ضرائب أو رسوم، قياسًا بالعامل في المصنع أو في الورش العادية الذي تطلب منه الدولة تأمين اجتماعي، إضافة لرسوم وخصم ضرائب”، يقول محمد جنيدي، رئيس النقابة العامة للمستثمرين الصناعيين.

ويُضيف لمصر 360، أن عدم وجود ضوابط لعملية استيراد وسير التوك توك في شوارع مصر هو ما تسبب في الأزمة التي استفحلت الآن. متابعًا أن العامل بالمصنع أو الورشة يخضع لالتزامات معينة سواء بمواعيد العمل أو الإجازات قياسًا بالتوك توك العشوائي.

فضلًا عن ضرورة اكتساب مهارة معينة للعمل الحرفي أو الصناعي، والذي غالبًا لا يتم توفيره في التعليم الفني المصري الذي يحتاج إلى التطوير وإعادة النظر فيه مرة أخرى. وذلك قياسًا بالتوك توك الذي لا يتطلب أي مهارة أو التزام، وفقًا لرئيس النقابة العامة للمستثمرين الصناعيين.

إجمالي خريجي التعليم الفني 2019/2020
إجمالي خريجي التعليم الفني 2019/2020

ضرورة ضبط منظومة عمل التوك توك

ويقول: “الشاب العامل على توك توك يقوم الساعة 4 العصر، يقعد على القهوة ساعتين، وبعدين يشتغل 4 أو 5 ساعات يعمل 150 جنيهًا، في حين العامل في المصنع تتراوح يوميته بين 120 إلى 150 جنيهًا، ويلتزم بعدد ساعات عمل معينة تصل إلى 8 أو أكثر، إضافة لالتزام بمواعيد العمل الرسمية”.

ويرى جنيدي، أن الحل هو ضبط منظومة عمل هذه المركبات، وإدخالها ضمن النظام الاقتصادي المصري، عن طريق فرض ضرائب ورسوم عليه، مثل كل القطاعات الاقتصادية الأخرى. وهو يطالب بضرورة إجراء تخطيط اقتصادي كامل لعملية قيادة هذه المركبة. إضافة إلى ضرورة إدخال التكنولوجيا في المدارس الفنية لإكساب العامل مهارات فنية قبل خروجه لسوق العمل.

ويُضيف، أنه يجب أيضًا على أصحاب المصانع أو الورش تغيير معاملة العاملين وتوفير جو صحي للعمل، والنص على وجود محفزات في العمل. ذلك مثل الحوافز أو البدلات، أو تنظيم حفلات لهم أو مسابقات لأفضل عامل أو غيره من المحفزات لتكون بيئة العمل الفني جاذبة وليست طاردة.

من جهتها، تقول نجلاء سامي رئيس رابطة التوك توك، إن عدد سائقي هذه المركبات حوالي 5 مليون. وتتساءل عن الأرقام التي أعلنها مجلس الوزراء بأن عدد المركبات من هذا النوع 2.5 مليون فقط.

وتُضيف في تصريح لمصر 360، أنه تماشيًا مع حديث مجلس الوزراء بأن عدد هذه المركبات 2.5 مليون، فإن ذلك يعني وجود نحو 7.5 مليون أسرة رأسمالها كله يتمحور حول التوك توك. ذلك بحساب أن هذه المركبة تعمل وردتين “واحدة بالنهار، وأخرى بالليل” إضافة لصاحب المركبة نفسه.

"أعداد

رئيس رابطة التوك توك: خطة الإحلال لن تؤتي ثمارها

وتُتابع سامي، أن العشوائية هي الصورة الأبرز المترسخة عن التوك توك، وهذا بسبب عدم تقنين أوضاعهذه المركبة سواء بعمل تراخيص لها، وإعطاء رخصة قيادة لسائقها، لمنع قيادته من جانب البلطجية أو الأطفال، إضافة لعمل خط سير محدد لهذه المركبات.

وتعتقد رئيس رابطة التوك توك، أن خطة الحكومة التي تهدف لإحلال سيارات الميني فان بديلاً للتوك توك لن تُؤتي ثمارها أو لن تتحقق. ذلك بسبب ارتفاع أسعار الميني فان (نحو 148 ألف جنيه)، قياسًا بالتوك توك (نحو 40 ألف جنيهًا). فضلًا عن إمكانية تسبب الميني فان في تكدس مروري. خاصة في الشوارع الضيقة الموجودة بحواري المناطق العشوائية أو الريفية، وفقًا لسامي.

اقرأ أيضًا: بين لندن وعشوائيتنا: التوك توك.. الراعي الرسمي لعمالة الأطفال

أزمة القطاع الصناعي في مصر كبيرة

كذلك، يُوضح مسعد عمران، رئيس غرفة الحرف اليدوية السابق باتحاد الصناعات المصرية، أن أكثر عنصر جاذب للقطاع الصناعي يتمثل في منح أجور أكبر للقضاء على ظاهرة التسرب للتوك توك أو غيره. لكن أزمة القطاع الصناعي في مصر كبيرة وتحتاج إلى إعادة هيكلة، على حد قوله.

ويقول لمصر 360، إن يومية الصنايعي حاليًا تصل إلى 200 جنيه، يُخصم منها ضريبة مكسب عمل، إضافة للتأمينات. وهو يشير إلى أن صاحب العمل لا يستطيع تطبيق الزيادات لعماله بسبب محدودية القطاع الصناعي وعدم تحمله أي زيادات سعرية.

ويرى عمران أنه من السهل إلقاء العبء على الشباب الذي يُفضل قيادة هذه المركبة الصغيرة عن العمل بالحرف اليدوية أو بالقطاع الصناعي. لكن حل الأزمة يكمن في إعادة إحياء القطاع الصناعي عبر إصدار قوانين ولوائح منظمة تساعد على جذب استثمارات مالية كبيرة. فضلًا عن الاهتمام بالقطاع الصناعي متناهي الصغر. “أساس أي قطاع صناعي في أي دولة هو الشركات والمصانع متناهية الصغر”.

كل حرفي يصدر بقيمة 50 دولارًا سنويًا

يكشف عمران أيضًا عن تضاؤل عدد العاملين بالحرف اليدوية بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي لحقت بالبلاد خلال السنوات العشر الماضية. ويدلل على ذلك بتراجع عدد العاملين بشارع المعز لدين الله الفاطمي وشارع تحت الربع من نحو 300 ألف عامل إلى قرابة 75 ألف عامل فقط.

ويُتابع رئيس غرفة الحرف اليدوية، أن عدد العاملين في الصناعات اليدوية يتراوح بين 3.5 إلى 4 مليون حرفي. فيما تصل قيمة إسهامات القطاع في التصدير نحو 200 مليون دولار. “يعني كل حرفي يصدر نحو 50 دولارًا سنويًا وهذه قيمة متدنية جدًا”.

ويُطالب رئيس غرفة الحرف اليدوية السابق باتحاد الصناعات المصرية بضم حرف مثل “الحلاق والسباك والحلواني وغيرها إلى قطاعات الحرف اليدوية”. وكذا إنشاء مدارس فنية خاصة للنهوض بصناعتهم. وهو يعتقد أنه ربما كانت ثورة 25 يناير كاشفة لتفاوت توزيع الثروة بين المواطنين. ذلك أن مواطنًا يحوز ثروة تُعادل جل ما يملكه أكثر من ربع الشعب.

ويُدلل على ذلك بقوله :”أنا بقالي 40 سنة بشتغل وعندي مصنع. لكن عمري ما سمعت الأرقام التي يملكها رجال مبارك مثلًا إلا لما الثورة كشفت لنا”، معتقدًا أن ذلك كان له تأثير على الشاب الذي شعر بقلة القيلة وتضاؤل حلمه مقارنة برجل الأعمال الذي يمتلك كل شيء تقريباً. ويختم بقوله :”الشباب لازم يكون عنده حافز وحلم يشتغل عشانه، كمان لازم يبقى فيه توزيع عادل للثروة”.

"أكثر