آثار قرار هيئة الرقابة على الصادرات بوقف استيراد بعض السلع ووقف قيد نحو 800 شركة من الشركات والمصانع في سجل المستوردين جدلا بالسوق المحلية وتأويلات حول مدى ارتباط تلك الخطوة بتقليل الضغط على الاحتياطي النقدي أو إحكام رقابي على جودة السلع.
وزارة التجارة بررت قرارها بمخالفة الشركات تعديلات القرار رقم 43 لسنة 2016. والخاص بإنشاء سجل للمصانع والشركات مالكة العلامات التجارية المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى مصر. والذي لا يجيز الإفراج عن البضائع بقصد الاتجار إلا إذا كانت من إنتاج المصانع المسجلة أو المستوردة من الشركات مالكة العلامات أو مراكز توزيعها موجودة في سجل الهيئة.
وأصدرت وزيرة التجارة والصناعة المصرية قرارًا في مارس الماضي بتعديل القواعد المنظمة لتسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها لمصر. وذلك بهدف تيسير الإجراءات على الشركات ووضع توقيتات زمنية محددة للتسجيل.
نص التعديل على أنه يتعين على الشركات الراغبة في التصدير إلى مصر أن تقوم بتجديد المستندات التي لها تاريخ صلاحية خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من تاريخ انتهاء الصلاحية.
وتتضمن الشركات الموقوفة عن التصدير للسوق المحلية لحين توفيق أوضاعها أسماء شهيرة مثل: يونيليفر العالمية ولونا و”إن آند أوت” للأثاث. فضلا عن موباكو للملابس والمراعي ونادك السعودية وماكرو للمستحضرات الطبية وباجاج الهندية. بينما يتم تداول منتجاتها محلية الصنع كالمعتاد.
ضوابط للسوق المحلية
القرار الذي سبب الجدل كان هدفه تخلي وزير التجارة الخارجية عن إصدار قرارات السماح بالاستيراد ومنح ذلك الدور لهيئة الرقابة على الصادرات والواردات وإلغاء الاسثناءات ووضع ضوابط للسوق المحلية. خاصة أن غالبية تلك الشركات لديها منتج محلي ويتم استيراد شبيه له من الخارج.
واشترط التسجيل في سجل الرقابة على الواردات أن يقدم الطلب من الممثل القانوني للمصنع أو من يفوضه أو وكيله مؤيدًا بمستندات تتضمن شهادة بالكيان القانوني للمصنع والترخيص الصادر له. وبيان بالأصناف التي ينتهجها وعلاماتها التجارية بموجب ترخيص من الجهة المالكة لها.
كما تتضمن اشتراطات التسجيل شهادة بأن المصنع مُطبق به نظام للرقابة على الجودة صادرة من جهة معترف بها من الاتحاد الدولي للاعتماد. أو المنتدى الدولي للاعتماد أو من جهة حكومية مصرية أو أجنبية يوافق علها الوزير المختص.
إحكام لجودة السلع أم تضييق على الاستيراد
بموجب القرار فإنه يتعين على الشركات الراغبة في التصدير لمصر أن تجدد المستندات التي لها تاريخ صلاحية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ انتهائها. ويتم التسجيل بمجرد تقديم المستندات مستوفاة في مدة لا تتجاوز 15 يومًا. كما يمكن تقديم المستندات الخاصة بالتسجيل عبر سفارات وقنصليات حكومات الدول المعنية.
يقول الدكتور وليد جاب الله -أستاذ التشريعات الاقتصادية- إن القرار هدفه إحكام الرقابة على الواردات والتأكد من جودتها فقط. وهو أمر معروف في العالم كله. وأضاف: “الصادرات المصرية تعرضت له أكثر من مرة حينما كان المستوردون يطلبون اشتراطات معينة تتعلق بالجودة والتصنيع”. فيما أوضح أن القرار إجرائي بحت هدفه في المقام الأول تسجيل المصانع التي تصنع الواردات التي تدخل للسوق المحلية. فضلا عن مراعاة الاشتراطات البيئية. ويقتصر فقط على جزء بسيط من المنتجات لأن غالبية الشركات الموجودة في القرار لها تصنيع محلي في مصر دون أي مشكلات.
يؤكد “جاب الله” أن اللغط الذي حدث يرجع إلى تأويلات غير صحيحة تربط القرار بوجود أزمة دولارية أو نقص في العملة الصعبة. فمصر ملتزمة باتفاقيات التجارة الخارجية. والاقتصاد المحلي قادر بشهادة المؤسسات الدولية على تجاوز تداعيات الحرب الأوكرانية.
لا تأثيرات على السلع
مع تصدر شركة يونيليفر مشرق للصناعة والتجارة قائمة المنتجات المتداولة بمنع الاستيراد أصدرت بيانا قالت فيه إن أنشطتها الصناعية والتجارية سواء تصديرا أو استيرادا تسير بشكل طبيعي ومنتظم وفق القوانين والقرارات المعمول بها داخل مصر.
“يونيفلر” مشرق هي وحدة تابعة للشركة العالمية الأم في مصر. وتنتج غالبية منتجاتها من المنظفات والعناية الشخصية في السوق المحلية. وبالتالى لا يتضمن القرار تأثيرا عليها إلا فيما يتعلق بشريحة المنتجات التي تستوردها من الخارج. والأمر ذاته ينطبق على “المراعي” السعودية.
وقالت يونيليفر إنه سبق لها التقدم للهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بطلب إلغاء قرار تسجيل فرعي خاص بأحد منتجاتها وتم استبداله بقرار آخر سارٍ لذات المنتج منذ أغسطس 2021 دون باقي المنتجات. والتي لها قرارات وزارية أخرى منفصلة وسارية.
الشركة العالمية اشتكت مما أسمته “مغالطات تثير البلبلة على وسائل التواصل الاجتماعي”. خاصة فيما يتعلق بسلع استراتيجية مثل الشاي والمنتجات الخاصة بالوقاية من كورونا. في ظل الظروف الحالية والتي يجب أن تتعاون فيها جميع الأطراف المعنية لاستقرار السوق بتوفير السلع والمنتجات للمستهلك المصري.
وتؤكد الشركة أن القوائم المتداولة عن وقف استيراد منتجات غير صحيحة. فشاي ليبتون غير مطلوب تسجيله وباقي المنتجات يتم تصنيعها بالكامل في مصانع الشركة بمصر وتقوم بتصدير جزء منها إلى أكثر من 45 دولة عربية وأفريقية وأوروبية.
شطب 218 شركة
بحسب تجار بالسوق فإن إلغاء القرار القديم الذي يمنح الوزير المختص إعفاء للمستوردين من شروط التسجيل يعني إيقاف كل الشركات والمستوردين الذين كان يشملهم قرار الإعفاء. وذلك لأنهم أصبحوا مخالفين. كما أن التطبيق أظهر وجود شركات تحتاج إلى تجديد تسجيلها.
لكن في التوقيت ذاته شطبت الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات 45 مصنعًا وشركة مالكة للعلامات التجارية المستوفاة لقواعد تسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها إلى مصر. ليصل إجمالي الشركات المشطوبة إلى 218 شركة خلال العام الجاري 2022.
من أبرز تلك الشركات المشطوبة شركة “شو رووم” للأحذية وشركتي بيلادونا ورد تاج للملابس. ومشروب الطاقة ريد بول. مع منح تلك الشركات فرصة تقديم تظلمات خلال 60 يومًا من إخطار صاحب المنشأة إلى قطاع الاتفاقيات والتجارة الخارجية لعرضه على لجنة التظلمات التي تم تشكيلها وفق تعديلات القانون التي تمت في مارس الماضي.
وبحسب لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية فإن القرار كان واحدا من حزمة إجراءات تتخذها الدولة لضغط الاستيراد. والاتجاه نحو التصنيع المحلي. وبالتالي تقليل الطلب على الدولار. إذ تم إيقاف أكثر من 200 شركة ومصنع مصدر إلى مصر. ودخول ما يزيد على 131 سلعة للتحول إلى التصنيع المحلي.
يقول متى بشاي -رئيس اللجنة- إن القرار تنظيميا للمصانع المصدرة لمصر. إذ تم منح المصانع المصدرة لمصر 3 أشهر لتوفيق أوضاعها والتسجيل في الهيئة العامة للصادرات والواردات. ثم العودة إلى التصدير. لكنه يتضمن أيضًا اتجاهًا للصناعة المحلية وتشجيعها. فالسلع المستوردة تضبط ميزان السوق المحلية. وما دامت هناك منافسة بين المستورد والمنتج المصري سيتحسن المحلي.
تعميق للمنتج المحلي وحماية الاحتياطي النقدي
أشرف غراب -الخبير الاقتصادي- يؤيد الرأي السابق معتبرًا أن شطب 221 شركة جاء في التوقيت المناسب ليسهم في تعميق المنتج المحلي وتعظيم الصناعة الوطنية. إذ يعمل على تقليل الضغط على الميزان التجاري وتقليل الطلب على العملة الصعبة.
وأكد أن القرار يسهم أيضا في ضبط عمليات ومنظومة الاستيراد بشكل عام لمنع استيراد سلع غير مطابقة للمواصفات وكلها ترتبط بمنتجات لها بدائل في السوق المحلية. مثل الأغذية والملابس الجاهزة والمنسوجات والصناعات المعدنية. وبالتالي فإن واردات تلك الشركات الأجنبية لمصر يضر بالمنتج المحلي.
“غراب” طالب في التوقيت ذاته بتشديد الرقابة على المصانع المصرية لتطبيق معايير الجودة على المنتج المحلي لإنتاج منتج عالي الجودة ينافس المنتج العالمي. بجانب تشديد الرقابة على الأسواق لضبط الأسعار حتى لا تستغل الشركات المحلية والتجار منع استيراد بعض المنتجات وتقوم برفع أسعارها.
وبحسب “غراب” فإن مركز تحديث الصناعة بوزارة التجارة والصناعة أعد قائمة تتضمن 131 منتجا مستوردا لتصنيعها محليا عبر مصانع القطاع الخاص بمصر تتخطى 14 مليار دولار سنويا لخفض قيمة الواردات. وأيضا تعظيم الصناعة الوطنية والاعتماد على المنتج المحلي للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.