منتصف الأسبوع الماضي، باعت الحكومة المصرية جزءًا من حصصها السوقية في 5 شركات كبرى، لصندوق سيادي مملوك للحكومة الإماراتية. ورغم أن الأصل هو تشجع الاستثمار الأجنبي. إلا أن ذلك الاستحواذ كان باعثًا على القلق.
إذ ثارت التساؤلات من جانب بعض المُحللين والمُتابعين للشأن الاقتصادي المصري، بشأن تحقيق المشتري “صندوق أبوظبي السيادي” مكاسب على حساب البائع “البنوك المملوكة للحكومة المصرية”. ذلك بسبب استغلاله الظرف الاقتصادي الذي تُعاني منه مصر، بسبب نقص العملة الأجنبية، وزيادة عجز الموازنة العامة.
وعانت مصر من أزمة دولارية. إذ كشفت بيانات البنك المركزي، عن تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية، إلى سالب 7.1 مليار دولار، بنهاية نوفمبر الماضي. ما تسبب في وجود ضغوط على النقد الأجنبي.
ويعدّ ذلك البيع إحدى طرق الخصخصة التي اتبعتها الحكومة لحل أزمة النقد الأجنبي. وهي طريقة بدأتها الحكومة المصرية أوائل تسعينيات القرن الماضي. ولم تُؤتي ثمارها إلى الآن.
والطريقة الأخرى لتوفير السيولة المالية وتحجيم التضخم وارتفاع الأسعار، طرحت الحكومة شهادات بفائدة 18% أمام المواطنين داخل مصر في بنكي مصر والأهلي الحكوميين. لكن السؤال الذي نريد الإجابة عليه: لماذا لم تطرح الحكومة أسهم تلك الشركات أمام المواطنين المصريين سواء في الداخل أو الخارج؟
ويُجيب الدكتور على الإدريسي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع. فيقول: “إن عامل الوقت لم يكن في صالح الحكومة. لأنه تحتاج شهريًا إلى نحو 6 مليار دولار، تستخدمها لاستيراد المواد الغذائية”.
ويُضيف في تصريح لـ”مصر 360″، أن جلب المستثمر الأجنبي قضية مهمة للاقتصاد المصري الذي يُعاني من نقص الاستثمارات الأجنبية الحقيقية. فبعيدًا عن الاستثمارات النقدية “شراء السندات وأذون الخزانة”، تراجع حجم الاستثمار الأجنبي في المجالات الصناعية والتجارية خلال السنوات الأخيرة.
اقرأ أيضًا: بعد استحواذ الإمارات على حصة في أكبر مصنع للأسمدة: هل باعت الحكومة المصرية الفلاح؟
ويُشير الإدريسي إلى أن إدخال المستثمر الأجنبي كشريك في تلك الشركات الرابحة القصد منها زيادة رأسمال الشركات والعمل على جذب المزيد من الاستثمارات، معتبرًا أن قيمة شراء أسهم الشركات الخمسة “1.9 مليار دولار”، لن يحل أزمة نقص الدولار بمصر.
ويُتابع، أن هناك إمكانية لطرح أسهم تلك الشركات أمام المواطنين سواء بالداخل أو الخارج وبالعملة الأجنبية، لكن في حال لم تكن الأمور ضاغطة على الحكومة، مؤكدًا على أن الاستحواذ على حصص الحكومة في تلك الشركات كان آخر حل أمام الحكومة.
ومثَّلت قيمة استحواذ صندوق أبوظبي نسبة 12% فقط من إجمالي قيمة تحويلات المصريين بالخارج خلال أول 6 أشهر من العام المالي الجاري 2021/ 2022 والبالغة 15.6 مليار دولار.
ويُوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن طرح الشهادات بفائدة 18% كانت وسيلة حكومية للحفاظ على مدخرات المواطنين أمام التضخم وارتفاع الأسعار فقط، لكن كانت هناك إمكانية أيضًا لطرح أسهم تلك الشركات أمام المواطنين.
وبلغت حصيلة قيمة شهادات الـ18% نحو 556 مليار جنيه، وذلك خلال 28 يومًا من طرحها، وعلى ذلك سوف تتحمل الحكومة قرابة الـ100 مليار و800 مليون جنيه فائدة على تلك الشهادات بنهاية مارس المقبل 2023.
وذلك يعني أن قيمة تلك الفائدة فقط وبعد تحويلها للدولار ستبلغ نحو 5.4 مليار دولار على أساس سعر الصرف 18.5 جنيهًا، ستبلغ مرتين ونصف حجم المبلغ الذي دفعه صندوق الدولة الخليجية للاستحواذ على الشركات المصرية المُباعة.
طرق الخصخصة المصرية
من جهته، يُفسر الباحث الاقتصادي محمد عبد الوهاب لجوء الدولة للخصخصة، بأنه يأتي مع زيادة عجز الموازنة العامة، وزيادة تدخل الحكومة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي عجز مواردها العامة عن مواجهة التكاليف.
ويُضيف في دراسة صادرة عن المركز المصري للسياسات العامة صادرة عام 2018، أن الاقتصاد المصري كان قائم بالأساس على القطاع العام، لكن مطلع تسعينات القرن الماضي بدأت سياسة الخصخصة، حتى تم تجميدها عام 2008؛ لكن مع بدء تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي عام 2016، أعادت الدولة إحياء الخصخصة مرة أخرى.
اقرأ أيضًا: ورقة “دام”| المال العام وصندوق مصر السيادي.. الباب الخلفي للخصخصة
ويُحدد، ثلاث طرق اتبعتها الحكومة المصرية لتنفيذ الخصخصة، أولها البيع العام لأسهم الشركات الحكومية عبر طرحها في البورصة، والطريقة الثانية فهي طرح أسهم الشركة في اكتتاب خاص، ويُقصد بطرح الأسهم لمستثمر واحد فقط أو مجموعة مختارة من المستثمرين مثلما حدث في طرح بعض أسهم الشركة الشرقية للدخان.
والطريقة الثالثة، فهي تتم عن طريق البيع الجزئي لأسهم الشركات والاحتفاظ بباقي أسهم المنشأة ملكاً للدولة، وتصبح المنشأة في هذه الحالة مختلطة، أي ملك “للحكومة والقطاع الخاص”، وهو الأسلوب الذي اتبعته الحكومة في عملية البنك التجاري الدولي وشركات فوري والإسكندرية للحاويات وأبوقير للأسمدة وموبكو.
التجربة البريطانية في الخصخصة
إلى ذلك، تُشير الباحثة الاقتصادية، نحمده ثابت، أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة بنها، إلى التجربة البريطانية في الخصخصة، والتي اعتمدت على توسيع قاعدة الملكية، وتشجيع العاملين والمواطنين البريطانيين على شراء الأسهم في الشركات المطروحة للخصخصة.
وتُضيف في دراسة صادرة عنها أمام المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي في 2018، أن تجربة الخصخصة البريطانية اعتمدت أيضًا على وضع قيود على المستثمرين الأجانب، وألا تزيد حصة المستثمر الأجنبي على 15% من إجمالي أسهم الشركة المطروحة.
فضلاً عن عدم مشاركة المستثمر الأجنبي في مجلس إدارة الشركة واحتفاظ الحكومة بسهم خاص يسمى “السهم الذهبي Golden Share” لحضور جلسات الجمعية العمومية والتصويت، ويُتيح لها الاعتراض على القرارات في بعض الحالات الطارئة، وفقًا للباحثة الاقتصادية.
التجربة الماليزية
كما تلفت ثابت في دراستها لـ”تجربة ماليزيا في الخصخصة”، إلى أن البلاد تبنت سياسة الخصخصة بعد العام 1984، حيث بلغ عدد الشركات المخصصة 110 شركة، من إجمالي 900 شركة مملوكة للحكومة، وشملت قائمة الخصخصة “الخطوط الجوية الماليزية، والاتصالات، والكهرباء، والنقل، والبريد والمواصلات، والصرف الصحي”.
وتُوضح، أن ماليزيا اتبعت نظام رقابي صارم عن طريق إصدار التراخيص لمدة زمنية محددة لإدارة الخدمات العامة، وبعد أن تنتهي يتم تعديل شروطها وفق المتغيرات المستحدثة، لزيادة نطاق المنافسة، ومراجعة آلية الأسعار، إضافة لمنح عقود امتياز طويلة لإدارة المرافق العامة متضمنة شروط تغيير بعض بنود العقد حسبما تراه الدولة ضروريًا.
كما منحت الحكومة العاملين في الشركات المخصصة فرصة تخصيص 5% من رأسمال الشركة تمكّنهم من شراء نسبة من أسهم الشركة بشروط ميسرة.