للطلاق في مجتمعنا تبعات مادية عديدة، أغلبها يقع على الطرف الأضعف في علاقة الزواج. ذلك لأن قوانين الأحوال الشخصية في مصر لطالما شابها العوار وغابت عنها المبادئ الأساسية الحافظة لحقوق المرأة وأطفالها. ولعل هذا ما أدركته بعض المجتمعات الأخرى بفرض قوانين منظمة لتقسيم الأصول والأموال الزوجية في حال الانفصال بين الزوجين.

“تقسيم الثروة الزوجية في مصر: التحديات والحلول” ورقة سياسات جديدة صادرة عن مركز التنمية والدعم والاعلام (دام). يناقش الباحث ماريو ميخائيل، فيها الآثار المترتبة على غياب مبدأ تقسيم الأصول الزوجية عقب إنهاء الزواج في مصر. كما يتطرق إلى أشكال القانون في مختلف دول العالم. ذلك بهدف الوصول إلى بديل مناسب لمصر.

للاطلاع على ورقة السياسات كاملة.. اضغط هنا

لماذا للمرأة حق التوزيع العادل للثروة الزوجية؟

يشير الباحث في ورقة دام، إلى أهمية سن تشريع لتقسيم الثروة الزوجية. ومن ثم الحفاظ على حقوق النساء الطرف الأضعف في نيل الحقوق بعد إعلان الانفصال. إذ أن قرار الطلاق في الأغلب يكون قرار الرجل والقوانين تسمح له بالمراوغة والتسويف وإهدار حقوق طليقته. ذلك بما يشمل الولاية التعليمية على الأطفال مرورًا بتوفير النفقات اللازمة للمطلقة وأطفالها، وصولًا بإهدار حقها في الثروة التي كونها الزوج أثناء علاقة الزواج مستفيدًا بمعاونة وخدمة المرأة لبيتها، دون توزيع عادل للثروة في حال الطلاق.

اقرأ أيضًا: الحضانة والنفقة والولاية.. كيف يظلم قانون الأحوال الشخصية المرأة وأطفالها؟

هذا إذا ما كانت المرأة لا تعمل. أما إذا كانت من العاملات، فإن مشاركتها الرجل في بناء الأسرة وتكوين الأسرة أمر لا شك فيه، وفق الباحث. بل قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى أن يكون دخل الزوجة مساو لدخل الزوج أو أعلى.

نظام النفقة في القانون الحالي هادر لحقوق المرأة

يقول الباحث إن نظام النفقة في القانون الحالي وحده لا يوفر الحماية الكافية لحقوق المرأة في هذا الشأن. وتتعدد الشهادات في هذا السياق. إذ بعد الطلاق يترك الرجال زوجاتهم بلا مصدر للكسب أو مأوى. وقد يحصلن على نفقة هزيلة أو يصبحن مضطرات للاعتماد على مساعدات من الدولة.

أيضًا، يتطلب الحصول على النفقة وقت طويل قضائيًا. في ظل أوضاع قانونية مائعة تسمح للزوج بالتلاعب تهربًا من سداد التزاماته تجاه مطلقته وأطفاله. وهو أمر أيضًا يفرض ضرورة اقتسام الثروة. ذلك لأن النفقة وحدها لا تكفي في أغلب الأحوال لضمان حقوق المرأة.

ويرى الباحث في تقسيم الأصول الزوجية عاملًا مساعدًا في الحد من نسب العنف ضد النساء. إذ أن العديد من النساء في مصر يكن مضطرات إلى تحمل العنف الزوجي إن كان جسديًا أو معنويًا بسبب الخوف من طلب الطلاق. فالانفصال سيؤدي إلى فقدانهم أموال الزوج أو المنزل مما يجبرهن على احتمال العنف.

للاطلاع على ورقة السياسات كاملة.. اضغط هنا

آثار تقسيم الثروة الزوجية على الاقتصاد والمجتمع

يقول الباحث إنه إذا ضمن القانون حصول النساء على الأموال الكافية لعيش حياة مناسبة، سينخفض بالضرورة الخوف الاقتصادي عند هؤلاء اللاتي تجبرهن الحاجة المادية على الصمت وتحمل العنف.

وهو يشير (الباحث) إلى الآثار الإيجابية المتوقعة للاقتصاد والمجتمع في حال سن قانون تقسيم الثروة الزوجية. فإن إعطاء النساء حقوقهن من الثروة الزوجية عقب إنهاء الزواج سيخفف الحمل عن برامج الحماية الاجتماعية الذي تعتمد عليها بعض النساء عقب الطلاق. ما سيوفر فرصة لتلك البرامج لدعم مواطنين آخرين.

كما أن مبدأ تقسيم الثروة سيجعل الزواج أكثر استقرارًا وقراره أكثر جدية لتبعاته المادية، وسيقلل من معدلات الطلاق. ذلك لأن قرار الطلاق ستصبح له عواقب مادية جادة. وهي كلها أمور إيجابية قد تمتد إلى التأثير في الحد من الزيادة السكانية على المدى الطويل.

التوزيع بالنصف والتوزيع العادل للثروة الزوجية

يناقش الباحث في ورقة دام البدائل المطروحة بشأن تقسيم الثروة الزوجية في مصر. وكذا المشاكل المرتبطة بتلك الاقتراحات. كما يتطرق إلى أشكال قوانين تقسيم الأصول الزوجية في تونس والجزائر والمغرب والولايات المتحدة ونيوزيلندا وبلدان أخرى.

ويبحث أشكال تطبيق هذا القانون في عدة دول. وكذا النظريتين الأساسيتين في تقسيم الأصول الزوجية وعيوب ومميزات كل منها.

اقرأ أيضًا: في “أحلام سعيدة” و”أمل حربي”: حب الأصدقاء خير وأبقى

يقول الباحث إنه عند المقارنة بين نظامي التوزيع العادل والتوزيع بالنصف، يتضح أن التوزيع بالنصف أفضل وأكثر عدلًا. ذلك لأن التقسيم بالنصف يضمن حقوق وإسهامات المرأة، ولا تدخل التحيزات الشخصية التي قد تكون معادية للنساء ومتحيزة للرجال في تطبيقه، على عكس نظام التوزيع العادل. وهذا ما أثبته تطبيق القانون في عدة دول.

كما نبه الباحث في الورقة إلى الآثار السلبية المرتبطة باتفاق ما قبل الزواج على حقوق المرأة. ذلك بسبب تجاهل مبدأ “اتفاق ما قبل الزواج” علاقات القوة غير المتكافئة بين الطرفين التي تكون المرأة الطرف الأضعف فيها. وأيضًا الظروف والحاجة المادية. وكذا تأثير الزواج على مستقبل وفرص المرأة. فضلًا عن الحالة العاطفية وقتها. ما يجعل هذا المبدأ يفترض أوهامًا مبسطة حول الموافقة والرضا دون النظر إلى السياق وعلاقات القوة. الأمر الذي سيؤدي إلى إهدار حقوق المرأة عقب إنهاء الزواج.

للاطلاع على ورقة السياسات كاملة.. اضغط هنا

توصيات

الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية في مصر تؤكد على الأهمية القصوى لتشريع مواد لتقسيم الثروة الزوجية عقب إنهاء الزواج في قانون الأحوال الشخصية. كما أن استمرار غياب هذا القانون سيؤدي إلى الاستمرار في إهدار حقوق النساء وتجاهل مساهمات النساء المادية وغير المادية.

كذلك فإن سن هذا القانون ستكون له آثار إيجابية عديدة على الوضع الاقتصادي العام واستقرار المجتمع.

لكن، تشريع هذا القانون ليس بالأمر السهل. فهناك العديد من العوامل المتشابكة التي ستؤثر على تشريع القانون وتطبيقه. وفي سبيل تشريع قانون عادل للطرفين ولضمان حقوق المرأة عقب الانفصال في الثروة الزوجية، وتطبيق القانون بشكل عادل أوصى الباحث في ورقة دام بالآتي:

  • أن يحقق القانون التوازن اللازم بين الصرامة الكافية في ضبط المصطلحات القانونية لضمان حقوق المرأة والابتعاد عن الأهواء والتحيزات الشخصية في تطبيق القانون. مع الحفاظ في نفس الوقت على مستوى نسبي من المرونة لضمان العدالة.
  • يفضل أن يكون المبدأ والأصل في القانون هو المقاسمة بالنصف بين الطرفين بنسبة 50-50 بعد مرور فترة معينة من الزواج. ويجب ألا تتم إطالة تلك الفترة. كما يمكن الاقتضاء بالقانون النيوزيلندي بفترة 3 سنوات. أما الزيجات التي تكون أقل من تلك الفترة توزع على حسب المساهمات مع اعتبار معايير وشروط ومبادئ لضمان حقوق المرأة.
  • ومن الممكن أن يسمح القانون ببعض الاستثناءات. ولكن يكون الأصل هو المقاسمة بالنصف. وتكون تلك الاستثناءات شديدة الندرة. مع اعتبار المبادئ والمعايير والشروط الآتية: قدرة الطرفان على الحفاظ على نفس مستوى المعيشة عقب الطلاق-الفرص المستقبلية لكل طرف مع المراعاة بأن النساء تكون فرصهن أقل في سوق العمل ومستوى الدخل يكون اقل (الفجوة في الأجور بين الجنسين)-المساواة في احتساب قيمة المساهمة بين قيمة الأعمال غير مدفوعة الأجر مثل الأعمال المنزلية والأعمال ذات الأجر-وضع مستوى الدخل عقب الطلاق والاصول التي يملكها الطرفان قبل الزواج في الاعتبار لتحقيق التوازن في المستوى المعيشي عقب الطلاق ولضمان حقوق الطرف الأضعف.

  • أن يلزم القانون كل طرف في علاقة الزواج بإعلام الطرف الآخر بكل مصادر الدخل والملكيات التي تم التحصل عليها وجميع الأصول التي يتم جنيها أو شرائها خلال فترة الزواج. وفي حال حدوث خلاف عند إنهاء الزواج يتوجب التحري عن تلك الأصول.
  • أن يطبق هذا التشريع في جميع حالات إنهاء الزواج وفي ظل قانون أحوال شخصية مدني موحد يطبق على جميع المواطنون والمواطنات.
  • الابتعاد عن إدراج فكرة العقد الاختياري قبل الزواج في القانون، وتجنب بشكل كامل وضع اتفاقات اختيارية بشأن تقسيم الثروة قبل الزواج عند تشريع القانون، بسبب اضراره المحتملة على حقوق النساء عقب إنهاء الزواج.
  • تدريب القضاة حول الحساسية الجندرية عند تطبيق القانون لمراعاة حقوق النساء ولإجتناب أي تحيزات ضد المرأة قد تحدث مستقبلا في إصدار الأحكام، والتوسع في تعيين قاضيات في محاكم الأسرة المختصة بتلك القضايا.
  • توعية الازواج والمقبلين على الزواج عن طريق الإعلام ومواقع التوصل الاجتماعي – في حال تشريع القانون –  بشأن الحماية القانونية والحقوق المرتبطة بالانفصال بالنسبة للطرفين، مع التركيز على عمل حملات توعية موجهة للنساء وبشكل خاص للفئات الأكثر تهميشا منهن.

للاطلاع على ورقة السياسات كاملة.. اضغط هنا