كثر الحديث عن التعليم وعزوف الشباب عنه، أو توجه الشباب إلى مجالات لا يتطلبها سوق العمل، في هذا المقال أطرح على القارئ الواقع والمستقبل، أن الحديث عن المستقبل لغالبية ساحقة من الشباب في ظل عدم كفاءة المرحلة التأسيسية لهم أي أول 9 سنوات من التعليم، هو حديث يذهب إلى المستحيل، كما أن الحديث عن المستقبل في بلد لا يعتبر التعليم أول أولوياته المطلقة هو حديث عن مستقبل مملوء بالأوهام، ولنضرب مثلا يدلل حتى على الهوة بين جامعاتنا خاصة وعامة وبين العالم، هو الداء الجيل الجديد منه يعتمد على الدواء الرقمي: هل سمعتم عنه في مصر، والدواء الذي يعتمد علي تقنيات البيو!، والقدم يجمع بينهما، والأهم أنك لن تذهب إلى الصيدلية لكي تحصل على علبة دواء مصنعة مسبقا، بل إلى صيدلية بها معمل يركب الدواء حسب احتياجات جسمك منه فعليا، بل بجرعات مختلفة مع مدد تناوله، في ظل رقابه رقمية لأداء جسمك دقيقة دقيقة، أليس هذا يعني أن العلم يتغير، فكيف يتعامل العالم مع هذه المتغيرات، سآخذكم إلى تجربة الهند بلد المليار و300 مليون نسمة:

مهندس عبقري أنقذ مليار شخص في الهند

كانت الهند تعانى من الفقر والأمراض والجهل، وكان حلم كل الشباب فيها هو الهجرة إلى الدول الأجنبية..

“الدكتور المهندس باليغا Baliga”

كان يعمل رئيسا لمؤسسة تطوير الإلكترونيات الحكومية في الهند

قال: لماذا نجعل أولادنا يهاجرون إلى الشركات الأجنبية؟ ولماذا لا نجعل الشركات الأجنبية هي التى تهاجر إلينا؟

● خطط لإنشاء مدينة إلكترونية لصناعة تقنيات المعلومات على مدى 10 سنوات لتعليم وتأهيل مليون طالب لتكنولوجيا المعلومات.. ● الحكومة الهندية وثقت به وأعطته صلاحيات كاملة وخصصوا له منطقة كبيرة فى جنوب مدينة بنغالور الفقيرة لتنفيذ “مجمع المدينة”.. ● قام بإنشاء 7 معاهد تكنولوجية متطورة .. ● ألحق بها 50 ألف طالب متفوق فى أول سنة.. ● أعطى لكل طالب لابتوب وخط إنترنت مجاني.. ● أرسل 2400 طالب في بعثات لكي يتعلموا فى أمريكا وإنجلترا وألمانيا، بعضهم الآن يرأس كبريات شركات تكنولوجيا المعلومات.. ● الذين رجعوا منهم علموا الباقيين.. ● والذين استقروا فى الخارج استمروا في زيارة مجمع المدينة كل عام لمدة شهر لنقل خبراتهم.. ● ولكي يشجع الشركات الأجنبية للاستثمار في الهند منحهم الأرض مجانا وأعفاهم من الضرائب إذا تم تشغيل ألف هندي فى كل شركة.. ● زار بنفسه كل الشركات العالمية الكبرى وعرض عليهم كل هذه التسهيلات.. ● نجح المشروع وانتقلت له أكبر 103 شركة تكنولوجية عالمية مثل (فيربو، هيوليت باكرد، موتورولا، إنفوسيس، سيمنز، آي تي، ساتيم).. ● وبعد أن تعلموا الهنود منهم أنشأوا حوالي 1500 شركة هندية خالصة لعمل البرامج والكوول سنتر.. ● قررت الحكومة الهندية إنشاء ثلاث مدن إلكترونية فى مدن هندية أخرى.. الآن مدينة بنغالور وحدها تصدر برامج وخدمات تكنولوجية ب 33 مليار دولار، مع أن عدد السكان فى مدينة بنغالور تضاعف 4 مرات فى آخر 20 سنة من 3 مليون إلى 11 مليون نسمة إلا أن متوسط دخل الفرد زاد 11 مرة واأصبحت بنجالور مدينة عصرية حديثة جدا.. لم يقف طموح الهند عند هذا الحد، فهى الآن تدرب نحو 4 ملايين طالب في 1832 مؤسسة تعليمية متخصصة في التكنولوجيا الحديثة من تقنيات البلازما والنانو والخلايا الجذعية وأشباه الموصلات وكل المجالات الحديثة فى العالم لتلحق بركب التطور.

لا يوجد طريق آخر لنهوض الدول سوى التعليم وهو الذي قامت به كل من: ألمانيا واليابان فى الخمسينات.. سنغافورة في الستينات.. الصين فى السبعينات.. النمور الآسيوية فى الثمانيات.. الهند في التسعينات.. تركيا والبرازيل في سنة 2000.. إيوبيا ورواندا في سنة 2010 وكل هذه الدول نهضت فى أقل من 10 سنوات بعد إصلاح التعليم .

إن سوق العمل في المستقبل له متطلباته وبدون التعليم الجاد ستصبح البطالة متفاقمة في أي بلد فما هي إذا متطلبات سوق العمل في المستقبل :

كشف “صندوق النقد العربي” في العدد (33) من سلسلة الكُتيبات التعريفية “التَّخطيط لِوظائِف المُستقبل”، عن أهم 16 مجال عمل ستكون مطلوبة في المستقبل، مقدما ما يحتاجه الأشخاص ليكونوا مؤهلين.

ويؤكد كتيب “التَّخطيط لِوظائِف المُستقبل” للعام 2022، على أهمية التحوط من المخاطر في رسم مستقبل الوظائف، ويدعو الشباب إلى العمل على تعزيز مهاراتهم بما يتوافق مع تغييرات سوق العمل وأهدافهم المستقبلية، مشيرا إلى أنه “كلما كان هناك توازن بين مسار التأهيل ومسار الطلب على العمل في المستقبل، انخفضت تأثيرات المخاطر الكامنة المتأصلة في أي خيار نتخذه”.

وشملت مجالات العمل والمواد التأهيلية التي سيطرت على أغلبها الرقمنة والتقنية، بحسب الصندوق:

– علوم البيانات: يمكن أن يعمل في هذا المجال حاملي شهادات الإحصاء والتحليل ولغات البرمجة.

– الحوسبة السحابية: المواد التي تؤهل للعمل في هذا المجال برمجة جافا وهندسة أمن الفضاء الإلكتروني وعلوم تصميم النظم وعلوم البيانات.

– الذكاء الاصطناعي: المواد المؤهلة هي هندسة تعلم الآلة ومفاهيم وأدوات الذكاء الاصطناعي وبناء نظم الذكاء الاصطناعي ولغات البرمجة المتقدمة.

– إنترنت الأشياء: الشهادات المؤهلة هي هندسة الشبكات، وهندسة الإلكترونيات، وھندسة المیكانیكا المدمجة.

– أمن الفضاء الإلكتروني: المواد التي تؤهل للعمل في هذا المجال: الھندسة الرقمیة، وھندسة أمن الفضاء الإلكتروني، ولغات البرمجة المتقدمة.

– تقنية السجلات الموزعة من بينها تقنية البلوك تشين: الشهادات المؤهلة هي تقنیة سلسلة الكتل، ولغات برمجة سجلات الأصول الموزعة، وھندسة الإلكترونیات، وتصميم النظم وأمن المعلومات.

– الطاقة المتجددة: المواد التي تؤهل للعمل في هذا المجال: علوم الفیزیاء والریاضیات، وھندسة التصنیع، وھندسة الكھرباء والإلكترومیكانیك.

– الإنسان الآلي: المواد المؤهلة هي برمجة مسارات الآلة، والھندسة المدمجة للمیكانیكا والإلكترونیات، ولغات البرمجة المتقدمة، وعلوم البصريات الآلية، وعلوم الذكاء الاصطناعي.

– المسيّرات: المواد التي تؤهل للعمل في هذا المجال: علوم المسیرات، علوم الھندسة المدمجة للطیران، والإلكترونيات، ولغات البرمجة والذكاء الاصطناعي.

لكن المدهش عزيزي القارئ أن العديد من الدول العربية ستفرض قيودا على التعليم الذي يتوافق مع سوق العمل في المستقبل طبقا لما سبق ذكره، وأحيانا لن يتوفر هذا النوع من التعليم إلا لطبقة محدده تمتلك الأموال ليظل الفقراء فقراء بل أكثر فقرا، ثم يجري الحديث عن البطالة والإرهاب والأحقاد الاجتماعية، الحق في التعليم الجيد الكفء حق لكل طفل فقير أو غني لكي نعطي له الأمل في المستقبل، احذروا الأذكياء إذا سددتم أمامهم الأمل.