في إطار محددات التعاون لا التنافر يجري “مصر 360” حوارات مع شخصيات مصرية تهتم بفكرة الحوار الوطني. نبدؤها بجورج إسحاق -عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان.

وتهدف هذه الحوارات إلى محاولة إيجاد أرضية مشتركة بين القوى السياسية والسلطة القائمة. وذلك من أجل مرحلة بناء جديدة والعمل على إعادة الثقة بين الأطراف كافة في ظل وضع مصري ينعدم فيه الحوار بين إدارة الحكم وقوى المعارضة المدنية. لذا صارت هناك ضرورة لإجراء حوار وطني شامل حول مختلف القضايا السياسية الداخلية. بداية من قضايا الحريات ومستقبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. كذلك الحالة الاقتصادية التي تعاني على هامش معاناة العالم كله من الحرب الأوكرانية التي جاءت بعد أزمة كورونا التي طالت. يضاف إلى ذلك الأوضاع الدولية المعقدة وظروف الاستقطاب الذي تعيشه الكرة الأرضية حاليا.

كل هذه تجتمع معها مخاطر الإرهاب والتطرف والتي ما زالت تمثل أزمة على مدنية الدولة المصرية.

“مصر 360” التقى الناشط والسياسي البارز جورج إسحاق. والذي يطرح من خلاله تصوره لشكل الحوار الوطني والمحددات التي يجب أن يقوم عليها. معتبرا أن فكرة الحوار في حد ذاتها ضرورة في ظل الظروف الحالية سواء داخليا أو خارجيا.

 

وإلى نص الحوار..

جورج إسحاق يحمي المصلين في ثورة يناير
جورج إسحاق يحمي المصلين في ثورة يناير

هل هناك فرصة حقيقية لإقامة حوار وطنيا في الفترة المقبلة؟

كنا نواجه مشكلة خلال السنوات الماضية أنه عند الحديث عن أي إصلاح كان يبرز الحديث عن خطورة الإرهاب. وهو ما يؤجل الكلام عن الإصلاح السياسي. ولكن عندما صدرت الاستراتيجية الخاصة بحقوق الإنسان في سبتمبر الماضي ظهرت حالة تفاؤل. خاصة في ظل حالة الاستقرار الذي تمتعنا به في الفترة الأخيرة وندرة مخاطر الإرهاب.

قلنا وقتها إن الوضع ممهد لإقامة حوار وطني. فنجاح استراتيجية حقوق الإنسان جزء من حراك جديد. خاصة أن الاستراتيجية الخاصة بحقوق الإنسان كانت فيها بوادر تشير إلى ذلك. لكن مر أكثر من نصف عام لإطلاق هذه الاستراتيجية وإلى وقتنا هذا لا يوجد أي كلام. ولا أحد يعلم عنها شيئا. ولا من المسؤول عنها أصلا سواء أشخاص أو هيئات.

نحن في المجلس القومي لحقوق الإنسان نسعى لعقد لقاء مع منظمات المجتمع المدني. وعملنا لقاءات مع الأحزاب لنفتح الموضوع ونضع أسس ماذا سنفعل. لكن الموقف الراهن يحتاج إلى انفتاح ضروري لأنه في تقديري هناك عالم جديد يتشكل سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي. ولم يعد استمرار عملية كتم الأنفاس في المرحلة الحالية مفيدا بل ستؤدي إلى نتائج كارثية.

ما حدود الانفتاح فيما يتعرض الوطن لإرهاب قام بتطوير عناصره؟

السيسي والإعلام
السيسي والإعلام

بالتأكيد عند الحديث عن أي انفتاح نضع في اعتبارنا خطورة الإرهاب واستخدام العنف. لكن لا يعني ذلك أننا نخاف ولا نتحرك للأمام. لأن ذلك يعني أن خطط من يقف وراء الإرهاب تنجح. في كل الأحوال لا بد أن نتجاوز مرحلة مواجهة الإرهاب للعمل على بناء الوطن سواء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

كنا في التجمع الديمقراطي المدني بحثنا المسائل الاقتصادية والاجتماعية. وتقابلنا مع خبراء وجمعنا الذي حدث في كتيب. وقمنا بإرساله لرئاسة الجمهورية وللأسف لم نتلق أي اهتمام وأعتقد أنه لم ينظر إليه أحد.

وهناك دعوات للحوار التي تحدث عنها من قبل أحزاب مثل المصري الديمقراطي أو غيره. لكن لا جديد يقدم ولذلك عندما نتحدث عن الحوار نريد تفاعلا من السلطة معه.

وهل عدم الاستجابة يعني التوقف عن الحوار؟

نعرف أن السياسة فن المحاولات المستمرة. ونحن نحاول ونفشل حتى نتمكن من توصيل الرسالة. وندرك أيضا أن صاحب القرار أو من يسيطر على الأمور طبيعي أنه لا يقبل تغيير المعادلة القائمة ما دامت تحقق له استقرارا. ولكن التنبيه المستمر بوجود خطورة ضروري لأننا نريد من النظام أن ينظر للأمر ويتفاعل مع القوى الوطنية ولا يترك الفرصة لأحد أن يملي رأينا علينا من الخارج. فرسالتنا تسعى لتصحيح بعض الأوضاع لكن لا أحد يجيب أو حتى يهتم بالنقاش.

لماذا لا يطرح “القومي لحقوق الإنسان” مثل هذه القضايا؟

طبعا كل الحوارات والتوصيات التي تصدر من المجلس حول تفعيل الحوار السياسي نقوم بإرسالها لجهات في الدولة. باعتبار أن المجلس جهة مستقلة. لكن لا نتلقى ردا واحدا.

ولماذا لا يشارك المجلس الأحزاب في خططه ونقاشاته؟

عملنا وقمنا بدعوة مختلف الأحزاب وعقدنا جلسات حوار وسوف نجري جلسات أخرى لكن للأسف فيه انزعاج من بعض الدوائر.

 هل الكل منزعج من إقامة حوار؟

مجلس حقوق الإنسان مجلس مستقل. وسوف نستمر ولن نتوقف لأن الأمر ليس مطلبا شخصيا. بل هو مطلب وطني يعبر عن محاولة تجاوز المخاطر التي يتعرض لها الوطن.

ماذا ستقدم المعارضة المدنية لتفعيل الحوار إذا لم تتخذ السلطة خطوات إيجابية؟

كان لدينا مطلب بسيط يتعلق بتعديل بعض مواد قانون العقوبات الخاص بعقوبة الحبس الاحتياطي وقانون الانتخابات وقانون الأحزاب. لكن لم يستجب أحد. وفكرة القائمة لم تعد تحقق أي تعدد سياسي لأن كل القائمة المطلقة تنجح.

لكن القائمة كانت 50% فقط والنسبة الأخرى فردي

البرلمان المصري
البرلمان المصري

أعتقد أن في النظام الانتخابي خللاً ما. وهنا أتساءل لماذا تشكل البرلمان بهذا الشكل ولا يوجد فيه أي تعدد وتمثيل للأطياف السياسية؟

لا بد من البحث عن حلول تضمن رفع الدولة وأجهزتها يدها مطلقا عن تشكيل البرلمان. وهناك آليات يمكن أن توضع لمنع تسرب وعودة أعضاء في تنظيمات إرهابية للمشهد عبر دخولهم في قوائم بعض الأحزاب إذا كان هناك تخوف من ذلك.

يضاف لذلك أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالانتخابات. وهي الإشراف القضائي على الانتخابات والذي سينتهي في 2024 طبقا للدستور الحالي. وهو ما يمثل خطورة على نزاهة الانتخابات ومصداقيتها. فلماذا لا يتم مناقشة الأمر من الآن لنضع حلولا لذلك؟.

أعتقد أن أموراً كثيرة تحتاج إلى حوار ونقاش موسع. فنحن في المجلس القومي لحقوق الإنسان قمنا عقب الانتخابات بتقييم العملية. وكانت هناك عدة ملاحظات أبرزها أن هناك أمورا جرت منعت القوى السياسية “المحترمة” أن تدخل الانتخابات أو تعبر للبرلمان.

هل يقتصر تعبيرك “القوى المحترمة” على من لديهم توجهات ليبيرالية أو قومية أو يسارية؟

لا أحد يتحدث بهذه اللغة. لكننا نحتاج إلى تنوع داخل المجالس المنتخبة. ولا نأمل في سيطرة لون واحد عليها. صحيح البرلمان الحالي فيه تمثيل للنساء والأقليات. لكن نحتاج أن نفتح المجال لإجراء انتخابات حقيقة لأن التجربة الأخيرة للانتخابات كان فيها الانتخابات كانت عملية اختيار أو تعيين شخصيات بعينها.

هل يمكن توسيع الحوار ليضم كل القوى المؤيدة للنظام والمعارضة؟

بالفعل في آخر ندوة للمجلس القومي لحقوق الإنسان حرصنا على تمثيل مختلف القوى. فدعونا حزب النور السلفي وكذلك حضر حزب مستقبل وطن. لأن الحوار الحقيقي يُدعى له الجميع ما ماد يعمل تحت ظل الدستور والقانون وغير متورط في عنف أو إرهاب.

حزب مستقبل وطن
حزب مستقبل وطن

هناك رأي بأن فتح المجال العام سيصنع سيولة ينتج عنها ما حدث في حكم مبارك وما جاء بعد ثورة يناير.. فما تعليقك؟

ليس معنى أن في فترة ما تعرض مريض لانتكاسة بسبب إجراء عملية أن نتوقف عن إجراء العمليات. وهذا في السياسة أيضا. فليس معنى الفشل في مرحلة أننا لا نحاول ونسعى لعلاج الأخطاء. خاصة أن الشعب المصري حالياً عنده وعي بدرجة كبيرة ليختار ويفرق الغث من السمين. وله تجربة سابقة حيث اختار الإخوان ولفظهم. ماذا سيحدث لو تركنا للشعب حرية الاختيار؟ هل سيأتي بالسلفيين مثلا؟! أعتقد لا.

كما أننا لا نريد أكثر من أن تفتح الأمور بشكل عام عبر خطوات مدروسة لمحاولة الوصول إلى بناء نظام سياسي تعددي يسمع فيه كل صوت. يمكن أن نبدأ بفتح المجال للإعلام الوطني. يُمنح مساحة أوسع يتحدث في القضايا المختلفة. والإعلام بوضعه الحالي لا يفرح عدوا ولا حبيبا. وأعتقد أن فتح المجال العام أمام الإعلام ليتحرك في الفترة المقبلة ليناقش القضايا مع الجماهير بشكل حقيقي ولا يكون مجرد صوت واحد أمر شديد الأهمية ولا يضر أحدا في الدولة.

لكن الطرف الآخر ربما لديه تخوفات من الانفتاح الإعلامي والسياسي

العملية معقدة. ليس معنى وجود تخوفات أننا لا نتحرك لأننا في أزمة حقيقية. فهل مسموح للأحزاب الشرعية أن تعقد مؤتمرا وتناقش فيها قضايا؟! بالطبع لا. وهذا وضع خطأ لأننا نحتاج إلى تقوية الأحزاب لتلتقي بالجماهير وتثقفها. ويجب أن نجرب أن نعطي حريات. نبدؤها بالإعلام والإفراج عن المسجونين في قضايا رأي. أنظر في نشرات الأخبار إلى علاء عبدالفتاح يحصل على الجنسية البريطانية. فهل هذا كلام يسعد أحدا؟! هل يكون الإفراج مقابل التنازل على الجنسية المصرية؟!.

علاء عبدالفتاح
علاء عبدالفتاح

قوى المعارضة تتحدث عن مطالب فقط دون مناقشة المخاطر. فما الذي تقدمه لتقنع السلطة بأهمية الحوار؟  

في كل الأحوال الخطر موجود نتيجة الأوضاع السيئة. ولا بد أن نتحدث مع الناس ونشعرهم أن صوتهم يصل وأن هناك محاولات للبحث عن حلول لمشاكلهم. ولكن لو تركنا الأمور هكذا سوف تتعقد أكثر. ونخشى أن تصل إلى مدى لا يمكن السيطرة عليه. لأن الأمور لو تفاقمت أكثر نخشى على سلامة الوطن. الناس “جعانة” والإعلام يوجه خطابا بعيدا عن حاجة الناس. هناك خطاب يتحدث أن خطوات الإصلاح ضرورية والصرف على البنية التحتية وتغيير شكل البلد وإقامة مشروعات ضرورة للأجيال القادمة. لكن ذلك ليس له صدى على حياة الناس ووضعهم المعيشي. بل يتم بيع مؤسسات اقتصادية لسد عجز الدين. أعتقد أننا نريد صيغة ما لتزيد الإنتاج والعمل على فتح المجال للناس أن تعمل وتنتج.

 ما الذي يمكن أن تطرحه القوى المدنية لحل المشكلات الاقتصادية؟

هناك أفكار عديدة مطروحة من شخصيات اقتصادية لها ثقل مثل أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق. وأفكار للدكتور جودة عبد الخالق. وكذلك زياد بهاء الدين. كلهم يتحدثون عن حلول لمواجهة الأزمات الحالية بشكل علمي.

بعض هذه الشخصيات كانت في موقع السلطة ولم نخرج من أزماتنا.. وهذا يرسخ فكرة أن “الكلام سهل” لكن التنفيذ شيء آخر

الواقع يتغير. اقتصاد مبارك وما بعد 2011 كان غير هذا تماماً. لأن الوضع الحالي الأوضاع الاقتصادية تتفاقم. نحتاج إلى رأي خبراء في الاقتصاد لنعرف منهم الحل. وليس منطقيا أن نتحدث بأن هناك شح موارد ونحن لا نستغل ما تحت أيدينا. فهل معقول شح موارد أن نبيع الشركات المنتجة والمؤسسات الاقتصادية المربحة مثل “الأسمدة”؟!. هناك أخطاء كثيرة دون الدخول في التفاصيل.

ما الذي يمكن طرحه للمواءمة بين الحريات والأمن القومي؟

أتفق مع أن هناك أزمات وضغوط وقضايا معقدة جدا مسؤول عنها الخارج والأوضاع الدولية. من أجل هذا لا بد أن نلتفت للداخل بتقوية الجبهة الداخلية ضد أي مخاطر خارجية. وهنا لا بد من الاعتراف بقوى المعارضة على أنهم شركاء في الوطن. والنظام الذكي هو من يسعى أن تكون المعارضة جزءا منه وشريكا له. لكن الوضع الحالي يتم التعامل مع المعارضة فيه بدون أي وزن. وأرى أنه من العقل أن يتم دعوتهم كشركاء في الوطن يسمع منهم. وهو ما يحقق قوة للنظام السياسي وليس العكس.

بعد الاعتراف بالقوى السياسية المدنية نقوم بعد ذلك بفتح حوار يشمل كل القوى الموجودة على الأرض باستثناء من استخدم العنف ورفع السلاح في وجه الدولة. فالكل -دولة ومعارضة- يجب أن يعمل تحت مظلة الدستور والقانون وفي أجواء من الحرية بالتوازي مع ذلك.