أكد ضياء الدين داوود -النائب بالبرلمان المصري- أن فكرة إقامة حوار وطني تظل من المحاور المهمة التي تعول عليها القوى السياسية لتحريك المياه الراكدة. بالإضافة إلى العمل على ضخ أفكار جديدة على أرضية وطنية مشتركة. في ظل ظروف دولية قد تضغط من أجل مسارات تغيير مختلفة ربما تضرُّ بمصالحنا.
وتحدث “داوود” لـ”مصر 360″ عن رؤيته لإقامة الحوار الوطني بوصفه أحد النواب المحسوبين على المعارضة داخل مجلس النواب. ورأى أن الحوار الوطني أصبح الآن ضرورة يحتاج إليها الموالي قبل المعارض. وذلك للبحث عن حلول لقضايا وطنية عديدة. وأكد أن الجميع يجب أن يشارك في مثل هكذا حوار إلا مَن تورط في العنف ضد المصريين. كما طرح رؤيته لمحددات هذا الحوار والقضايا التي يمكن أن يناقشها باعتباره بداية لعملية تصحيح الأوضاع.
وإلى نص الحوار.
كنائب من نواب الشعب محسوب على المعارضة.. هل هناك فرصة لإقامة حوار وطني؟
المستغرب أننا نتحدث عن الحوار الوطني كإجراء استثنائي خارج التاريخ. ومعنى أننا نستدعي الحوار الوطني ندرك أننا لا نستمع ولا نتحاور مع أنفسنا حول القضايا المشتركة. وننسى أن الحوار الوطني جزء من تبادل الرؤى بين مختلف القوى السياسية في المجتمع. ويمكن أن نتذكر وجود لجان تنسيقة بين الأحزاب السياسية يتم فيها طرح وجهات النظر بين المؤيد والمعارض. من هنا نجد أن الحوار الوطني ليس حالة خارج السياق. هو عملية ضرورة. إنه بداية صحية لشعورنا بأزمة داخلية. و من مصلحتنا جميعا أن نعجّل به حتى لو كان مجرد حديث. فمن المهم أن يستمع كل من يعمل تحت العلم والدستور المصري للآخر.
أما عما يجب أن يتضمنه مثل هذا الحوار فربما تكون أي قضية. سواء خارجية أو تهديد الأمن القومي أو عن الأوضاع الاقتصادية أو الحريات وإجراء الانتخابات ووضع حقوق الإنسان. وغير ذلك من الموضوعات الرئيسية تصلح أن تكون أحد محاور هذا التحاور.
لكن قوى المعارضة تقصر الحوار في جانب واحد كالحريات وأوضاع السجون وتغفل قضايا كالإرهاب والأوضاع الدولية المتردية والمخاطر الخارجية التي يتعرض الوطن
سبب ذلك مرجعه أن يكون الحوار الوطني حالة استثنائية. لكن لو كان الحوار عادة مستمرة سنتلافى مشكلة الانتقائية في قضايانا المطروحة. الاستمرارية تضمن لنا مناقشة كل القضايا. صغيرها وكبيرها. داخليا وخارجيا. بل أرى أن الحوار سيتحول إلى ورقة في يد النظام للرد على أي ضغوط خارجية وسيواجه به أي ضغوط من القوى الاستعمار الجديد والإمبريالية. لأن المعارضة الوطنية لن تقبل أبدا أي شيء ضد مصلحة مصر. فمثلا عندما تكلم رئيس الجمهورية عن الوضع الليبي وحدد الخط الأحمر سرت-الجفرة طالبت في البرلمان بإعطاء تفويض للدولة المصرية للتحرك حتى لو تكون موافقة مجلس النواب عقبة إذا تطورت الأحداث في ليبيا والبرلمان في حالة عدم انعقاد.
ما الذي في أجندة المعارضة استعدادا لمثل هذا الحوار؟
من أول مناقشة الأوضاع الاقتصادية التي تعاني سنتحدث. فهذه أهم قضايانا حسبما أظن لأنها تمس الجميع في معيشته. لذا فكل القوى مدعوة للمشاركة في هذا الملف والنقاش حوله. سواء يسارية أو ليبيرالية أو محافظة. كلٌّ يقدم رؤيته لإمكانية العبور من الأزمة الاقتصادية. بعدها تقدم ورقة عمل للنظام الساسي بعد نهاية الحوار بها خلاصة ما يراه المجتمع.
ألا ترى أن هذه مهمة البرلمان؟
أعتقد أن ذلك لا يتعارض مع وجود البرلمان. ففي أعتى الديمقراطيات تجرى خارج البرلمان حوارات ومناقشات. لأن ذلك يخلق حيوية سياسية بدلا من التصلب وسيطرة اللون الواحد. كما أن حوار المجتمع المدني شيء مختلف تماما وبعيد عن قيود البرلمان. فالحوار الوطني به أريحية أكبر بعيدا عن التزامات البرلمان المنشغل في إقرار القوانين أو الموازنة وغيرها. لكن الحوار الوطني يكون مساحة أوسع لطرح القضايا دون تعقيدات وفخ الندية أو الخلاف بين المعارضة والحكومة.
باختصار الحوار الوطني من أهم الأدوات لكسر حالة التصلب في شرايين السياسة المصرية. ولا بد أن يلقى اهتمام النظام الحاكم -من رئيس الجمهورية إلى أعضاء الحكومة وأجهزة الدولة- لإيجاد حالة سياسية تضخ سيولة في الشرايين المسدودة. فجميعنا يدرك أن بلدنا مستهدف. وعليه نعي أن قوة أي نظام سياسي أمام أي استهداف خارجي هو جبهته الداخلية القوية.
وأتذكر هنا واقعة عقب محاولة اغتيال الفاشلة ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك في إثيوبيا. فقد كان وفد المعارضة في استقبال الرئيس بعد نجاته من محاولة الاغتيال وعلى رأسهم خالد محيي الدين وإبراهيم شكري وضياء الدين داوود. وصارت بعد ذلك لقاءات تعقد مع الرئيس والمعارضة وذات مرة قدم الأستاذ “ضياء” نصيحة لمبارك مفادها أن وجود نظام سياسي به معارضة وطنية قوية سيمثل حائط صد أمام أي تدخلات خارجية.
يوجه دائما انتقاد للمعارضة بأنها “تتحدث فقط ولا تقدم حلولاً أو أفكاراً قابلة للتطبيق”.. فما تعليقك؟
دائما أي مؤيد لنظام الحكم يصب مثل هذه الاتهامات على أي معارضة في أي زمان. ولكن أقول لكم رغم أن المعارضة الحالية داخل البرلمان لا تزيد لى ثلاثة نواب فقد قدمنا مشاريع تهم الدولة كقانون الشهر العقاري والتوثيق. الذي نحاول من خلاله أن نحل مشكلة وجود أكثر من 93% من العقارات غير مسجلة. وخارج البرلمان هناك شخصيات محسوبة على المعارضة مثل د.محمد غنيم ود.محمد أبو الغار طرحت حلولا لأزمة التعليم في مصر عبر مشروع إنشاء هيئة وطنية للتعليم تضع استراتيجية مستمرة لتطوير المنظومة حتى نتلافى العشوائية في القرارات التي تنتج بتغير وزير.
وهناك عشرات الأفكار التي تطرح من المعارضة حول إنقاذ مصانع القطاع العام. لكن للأسف هذه أمور لا يتحدث أحد عنها في الإعلام. من هنأ تأتي أهمية منح مزيد من المساحات للإعلام لإعطاء فرص للمعارضة أن تطرح رؤيتها عبر قنواته.
القضية الأكثر أهمية الآن والواجب طرحها للنقاش العام في رأيك ما هي؟
الناس تستمع إلى ما يهمها. والكل يرى المشهد من شباكه. فمثلا هناك من يهتم بملف قضايا السجناء والحريات. وهناك قطاع كبير من الناس مهتم بالقضايا الاقتصادية. ليس المهم القضية المطروحة. ولكن الأهم هو أن يكون الحوار جادا وليس مجرد ديكور. وأعتقد أن جلوس النظام مع القوى المدنية معا على طاولة واحدة للنقاش أمر شديد الأهمية. فأنا أشدد على ضرورة الاستماع للجميع وأن يتسع صدرنا لكل الآراء مهما كانت ما دامت تستهدف الصالح العام. فلا يجب أن ننتظر أزمة لكي نجلس معا ونتدبر أمورنا -نظام حكم ومعارضة- ولكن لا بد من الاستمرارية وأن يكون الحوار المفتوح وتعدد الآراء نهجا للدولة المصرية وكل من على أرضها. الجميع يريد أن يحس أن هذا فعلا بلده وأن رأيه فيها محل اعتبار. وسبق أن قلت في البرلمان وقت أزمة “الأرجواز اللي اسمه محمد علي اللي عايش في إسبانيا” إن غلق المجال العام سمح لمثل هذه الشخصيات “التافهة” أن تجذب الناس بمجرد أن نتحدث. لذلك عندما فتحنا المجال العام قليلا انتهى تأثير مثل هذه الشخصيات.
هل تنتظر المعارضة خطوة النظام أم ستبادر هي بخطوات منها؟
مسألة الحوار تحتاج إلى رعاية شخصية من السيد رئيس الجمهورية لنسير بفكرة الحوار وسماع الرأي الآخر إلى الأمام. وأعتقد أن الرئيس السيسي لا يختلف على الأمر. ويمكن أن نبني على ما قاله سيادته للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن مفهومه لحقوق الإنسان شامل ولا يقتصر على الحريات أو أوضاع السجون. بل يمتد إلى حصول الناس على الحقوق الاقتصادية وتوفير حياة كريمة في مسكن ومأكل وطرق آمنة وسهلة. بالإضافة لخدمات الكهرباء والمياه الصالحة للشرب. وكنت منتظر أن يأتي الرئيس ويفتح حوارا مع الناس للسعي لمناقشة مختلف الأوضاع. ويدعو النظام لفتح كل القضايا ويتم عقد مؤتمر مثل مؤتمر الشباب أو المؤتمرات الاقتصادية تحت رعايته تتناقش فيه القوى السياسية المختلفة ملفاتنا كلها بشفافية. وأظن أن الرئيس السيسي يمتلك الجرأة الكافية لطرح حلول وأفكار خارج الصندوق.
هل يمكن أن تضع المعارضة تخوفات النظام الحاكم في الاعتبار خاصة ما يتعلق بالملفات الأمنية؟
لن ندعو لحوار وطني كل من عمل ضد مصلحة مصر. لن ندعو كل من رفع السلاح في وجه المصريين. المدعوون للتحاور هم من يعملون تحت مظلة الدستور والعَلم المصري. فليس من حقك كونك معارضاً أن تخترق القانون أو النظام العام أو تخترق الدستور. كما أننا ندرك أن هناك مخاطر خارجية ولاعبين إقليمين يريدون أن ينتقصوا من دور مصر. ندرك ذلك تماما. لذلك نحتاج إلى تقوية جبهتنا الداخلية. فهذا هو الذي يحقق لنما المعادلة الصحيحة.
ما الخطوات التي تقترحها كأجندة للحوار الوطني؟
لو تحدثنا عن قضية مثل الحريات والوضع السياسي لن يلتف حولها حاليا جمهور الشارع. الناس تفضل الكلام عن معيشتها وأزمتها الاقتصادية. لذا وجب علينا أن نضع هذا الأمر على رأس أولوياتنا.
وبالنسبة لملف قضايانا الخارجية أرى أن الغالبية العظمى من المصريين لهم موقف موحد يدعم تحركات الدولة المصرية في القضايا الخارجية. سواء في الوضع الليبي أو قضية سد النهضة وأمن مصر المائي والعلاقة مع السودان. كذلك الموقف من حدودنا البحرية في “المتوسط” ومقتضيات الأمن القومي مع الدول العربية. كلها قضايا ليست محل خلاف بين المكونات الوطنية.
يؤخذ على قوى المعارضة أنها لا تتعاطى مع خطورة مواجهة التطرف والإرهاب.. فما تعليقك؟
هذا غير صحيح. القوى المدنية في المعارضة لا تدخر أي جهد في ذلك. ودعني أتحدث عما يحدث في البرلمان الذي أنا عضو به. فلا يوجد قانون يدعم فكرة الدولة المدنية ومواجهة الإرهاب تأخرنا في إنجازه. بل وافقنا فورا على أي مخصصات مالية لدعم التحركات الأمنية لمكافحة الإرهاب.
وما الذي تراه كمقترح لإصلاح وضع الحريات العامة وحرية الصحافة والإعلام؟
خواطري تقودني للحديث عن قانون الانتخابات. المنقسم إلى 50% فردي ومثلها قائمة. هذا القانون يحتاج إلى إعادة تفكير حتى لا يكون هناك احتكار للبرلمان من قبل قوى معينة. كذلك ملف الإشراف القضائي على الانتخابات حتى بعد 2024 –بحسب دستور 2014- لأننا ما زلنا نحتاج إلى الإشراف القضائي لتحقيق نزاهة الانتخابات. ولا بد أيضا من الحديث عن فاعلية الأحزاب والسماح لها بحرية التحرك في الشارع لتعبر عن أفكارها. ما يسهم في تمثيلها بشكل حقيقي داخل البرلمان.
ومن النقاط الهامة على أجندة الحوار الوطني فتح المجال للإعلام الوطني أن يتحدث في القضايا التي تهم الجماهير. لأن نجاح أي حوار يتطلب أن تكون للصحافة والإعلام مساحة أوسع من الحريات. وهو ما يتطلب تطوير المحتوى الذي تقدمه المنصات الإخبارية المصرية. لأن تنوع مصادر المعلومة وحرية تداول المعلومات وتوسيع مجال مشاركة الصحافة يحقق نوعا من الشفافية ومشاركة المجتمع.
وكيف ترد على من يقول بأن فتح المجال العام ربما يخلق فوضى جديدة في الشارع؟
دعنا نقر أنه لو استمر ترديدنا لما يسمى “فزاعة يناير 2011” سوف نحبس الناس حتى لا ينزلوا من بيوتهم. لا بد من معالجة أزمتنا مع 25 يناير ونحلل ما حدث. أدرك أن هناك رأي يقول إن حجم الحرية التي منحها “مبارك” للشارع السياسي هي التي أوجدت جرأة تسببت في 25 يناير أو أهلت الناس للخروج عليه. ومن هنا يرى هذا الفريق أن كبح جماح أي شيء ممكن أن يمنع مثل هكذا تحرك. بينما توجد مدرسة أخرى ترى أن المضاد الحيوي هو أن تترك متنفسا للناس بدرجة لا يكون فيها الحبل على الغارب. وفي نفس الوقت لا تخنق الأمور لدرجة تؤدي للانفجار أو تكون طريقا للتطرف.
فوجود خطوات للإصلاح السياسي تنقلنا من المربع واحد للثاني وهكذا وفقا لضوابط. لأن أخطر شيء قبل يناير أن نظام مبارك كان يدرك أن هناك جماعة مثل الإخوان لا تأخر عن تدمير الوطن. لكنه فتح لها المجال أن تسيطر على اقتصاد البلد. وتستحوذ على غالبية النقابات المهنية وتعمل تحت الأرض دون أي رادع. ما أعطى لهم فرصة السيطرة على المجتمع من أسفل ليكون لهم فريسة سهلة يصطادونها.
كيف يمكن أن نضمن أن الإخوان لن يعودوا مرة أخرى أو يتسللوا إلى أحزاب المعارضة المدنية؟
نسن قوانين تحظر الانتماء للفكرة مثل تجربة جنوب أفريقيا ومكافحة النازية في ألمانيا. بحيث تحظر هذا الفكر. يضاف لذلك الميزة النسبية التي تحققت من عامي 2012 و2013. والتي كشف فيها الخلايا النائمة للتنظيم الإخواني. بعد أن خرج من الججور. وأصحبت كلها مرصودة من الأجهزة الأمنية.
ربما تريد قوى المعارضة “الإصلاح السريع والتغيير الفوري”.. ألا ترى أن هذا أمر معقد في ظل المرحلة الانتقالية؟
لم نعد في مرحلة انتقالية. لأننا نعمل في ظل الفصل التشريعي الثاني منذ إقرار دستور 2014. كما أن الرئيس نفسه ألغى الطوارئ. ما يعني أن الدولة استقرت. يمكن أن نقول إننا في مرحلة استثنائية تفرضها الأوضاع الخاصة بنا أو الأوضاع الدولية. عندنا أجهزة معلوماتية محترفة تتعامل بعقلانية مع الشارع لأنها موجودة على الأرض وتنبه بخطورة بعض الأوضاع والقرارات.
ورغم ما حدث منذ أكثر من عشر سنوات لكننا ما زلنا دولة. ووقفنا وحققنا إنجازات في ملفات عديدة. مثل البنية التحتية من طرق وكباري ومرافق عامة وعاصمة إدارية. حتى لو كانت لنا تحفظات عليها. لكن لا ننكر أنها نقله نوعية في بناء مصر. وأكيد كل مصري يحب وطنه سعيد بأي إنجازات في المشروعات القومية. لكننا نحتاج إلى تضافر جهود الكل لنحقق تنمية شاملة ترفع مستوى الأحوال المعيشية والاقتصادية لغالبية المصريين.