وسط أزمة عالمية في مجال الغذاء والمخاوف من حدوث المجاعات. تضاعف الولايات المتحدة الأزمة عبر زيادة كمية إنتاج البنزين عالي الإيثانول الناتج من معالجة محصول الذرة. لغرض واحد فقط وهو خفض أسعار الوقود وامتصاص التضخم.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي زار محطة الإيثانول “بويت” بولاية أيوا أعلى ولاية إنتاجاً للذرة في الولايات المتحدة. في خطة هدفها السماح بمبيعات أكبر من البنزين عالي الإيثانول، رغم تسببه في زيادة حرارة الطقس في المناطق ذات الضباب الكثيف.
لإنتاج وقود الميثانول، يتم طحن الذرة في حبيبات وإضافة ماء ورفع درجة الحرارة إلى 170 درجة (فهرنهايت). بما يعادل 30 جالونًا ( 3.78لتر) من المياه لكل بوشل من الذرة 20.4)كيلوجرام)، مع إنزيم ألفا الأميليز. وترك الخليط في درجة حرارة 85 درجة لمدة 48 إلى 72 ساعة لإكمال عملية التخمير للوصول في النهاية إلى إيثانول.
تأتي الخطوة مع استمرار ارتفاع الأسعار واقتراب موعد الانتخابات النصفية ورغبة بايدن في أي خطوات للحد من التضخم للأمريكيين المنهكين من الإنفاق. على أمل أن تمنح تلك الخطوة بعض السائقين خيار وقود أرخص. لكن حرق المزيد من الوقود الحيوي القائم على الذرة قد يكون له تكلفة على البيئة.
قال جيف كوفمان، رئيس الحزب الجمهوري في ولاية أيوا: “ربما تكون رحلة العودة إلى ولاية أيوا هي بالضبط ما يحتاجه جو بايدن لفهم ما يفعله إنفاقه المتهور وسياسات الحكومة الكبيرة ببلدنا”.
مكافحة التضخم الأولوية الأولى لبايدن
تتضمن الخطة رفع الحظر الصيفي على مبيعات مزيج الإيثانول العالي من البنزين، المعروف باسم “إي 15”. وتسمح الخطوة التي اتخذها مدير وكالة حماية البيئة مايكل ريجان بمبيعات على مدار العام من البنزين الذي يحتوي على 15% من الإيثانول. الذي يأتي غالبيته من الذرة والمواد النباتية الأخرى.
يحظى مزج الإيثانول في البنزين بشعبية لدى المزارعين بالغرب الأوسط لكن ينتقده دعاة حماية البيئة وشركات النفط بشكل عام. ويقول بايدن إن سياسته هدفها خفض التكاليف بالنسبة للعائلات الأمريكية ووضع المناطق الريفية في قلب سياسات الحكومة لبناء مستقبل يتم صنعه في أمريكا.
خطاب بايدن جاء بعد ساعات فقط من إعلان مكتب إحصاءات العمل عن زيادة بنسبة 8.5% في الأسعار خلال أبريل/نيسان مقارنة بالعام الماضي. مدفوعًا جزئيًا بارتفاع تكاليف الطاقة، وبالنسبة للسائقين، فإن شراء البنزين بمزيد من الإيثانول المختلط يمكن أن يوفر للأسرة 10 سنتات للجالون في المتوسط. حسب تقدير مسؤولي بايدن، مع توفر خصومات أكبر في بعض المتاجر.
يقول بافيل مولشانوف، محلل الطاقة لدى ريموند جيمس، إن إضافة الإيثانول يوفر نحو 5 سنتات للجالون. وهو مبلغ ليس كبيرًا لكن كل القليل يساعد، لكن ذلك النوع من الوقود متواجد فقط في حوالي 2300 محطة عبر 30 ولاية. كما أن السيارات القديمة، التي غالبًا ما تكون أكبر مستهلكة للوقود لا يمكنها استخدامه، إذ يعتمد فقط على المركبات المصنوعة خلال العقدين الماضيين.
علاوة على ذلك، فإن تلك الخطوة لا تعالج السبب الكامن وراء نقص المعروض من النفط وارتفاع أسعار الوقود. فاضطراب النفط القادم من روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، فضلاً عن الآثار المستمرة لوباء فيروس كورونا. تسببا في ارتفاع متوسط سعر جالون البنزين 4.10 دولار بزيادة قدرها 43% عن العام الماضي.
مخاطر صحية متوقعة للتوسع في “إي 15”
قال إد أفول، الأستاذ وخبير تلوث الهواء بجامعة جنوب كاليفورنيا، إن التحول إلى الإيثانول يقلل من تلوث أول أكسيد الكربون. لكنه يؤدي إلى مستويات أعلى من الأمراض خاصة المرتبطة بالجهاز التنفسي كالربو، مطالبا بإزالته من البنزين.
تشير دراسة حديثة إلى أن الإيثانول المستخرج من الذرة رغم كونه وقود متجدد، قد لا يكون حلاً لارتفاع درجات الحرارة العالمية. إذ تسبب في ارتفاع كثافة الكربون بنسبة 24% على الأقل من البنزين العادي. بجانب تحول كميات كبيرة من الأراضي إلى حقول ذرة منذ تفويض من الكونجرس عام 2005 بخلط الإيثانول في إمدادات البنزين في البلاد.
مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني، كشف استطلاع للراي أن الناخبين ينظرون إلى التضخم كواحد من أهم اهتماماتهم. وستسمح خطوة ببيع “إي 15” على نطاق واسع في الفترة من أول يونيو/حزيران حتى 15 سبتمبر/أيلول الأمريكيين في تقليل التكاليف. حينما ينطلقون على الطرق في إجازات صيفية.
يقول مونتي شو، المدير التنفيذي لجمعية الوقود المتجدد في ولاية أيوا، إن خطوة الرئيس “بشرى سارة للمزارعين ومنتجي الإيثانول”. مضيفاً أن مبيعات صيف العام الجاري يمكن أن تصل إلى حوالي 250 مليون غالون من “إي 15”. ويرى أن التأثير يتجاوز مبيعات الصيف في عام 2022، أي أن تجار التجزئة لن يكونوا مجبرين على التخلي عنه.
التوسع الأمريكي في استخدام الذرة لإنتاج الوقود
التوسع الأمريكي في استخدام الذرة لإنتاج الوقود تزامن مع ارتفاع العقود المستقبلية للذرة في شيكاغو إلى 8 دولارات للبوشل لأول مرة منذ عقد تقريباً. متجهة نحو تحقيق مستوى قياسي مرتفع في ظل تهديد الحرب للإمدادات العالمية، مما عزز الطلب على الحبوب الأمريكية.
يأتي ذلك مع تسبب حرب روسيا في عرقلة صادرات أوكرانيا المسؤولة عن 20% من صادرات الحبوب تقريباً. بجانب ارتفاع أسعار الأسمدة التي تؤثر على زراعات في الولايات المتحدة، وهي أكبر دولة لشحنات الحبوب على مستوى العالم.
قبل عقدين، اتهم البنك الدولي إنتاج الوقود الحيوي بالتسبب بدرجة كبيرة في الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية. التي بلغت 83% خلال الفترة من 2005: 2008 إبان الأزمة المالية العالمية، وقال البنك حينها إن الأسعار لم تنخفض بسبب تلك السياسيات حتى عام 2015.
في تلك الفترة أيضًا، كانت أسعار النفط تسجل مستوياتها القصوى حيث قاربت حاجز الـ 150 دولارًا للبرميل عام 2008. وهو ما زاد من الاهتمام بشكل أكبر بالطاقة الحيوية التي تعد المواد الزراعية الموجهة كغذاء أساسية في صناعتها كبديل لمصادر الطاقة التقليدية. وبشكل أخص الوقود الحيوي المستعمل في عملية النقل.
التاريخ يعيد نفسه مجددًا، فمديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا تقول إن “الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في أفريقيا”. بينما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من “إعصار من المجاعات” يمكن أن يضرب عدداً من البلدان الضعيفة في الأصل. وأمريكا كل ما يهمها حاليًا هو التضخم وأصوات الناخبين.