أول ما يخيل لمن يسمع كلمة رواندا هو لون بحيرة فيكتوريا الأحمر جراء الحرب الأهلية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي عام 1994. وهي الحرب الأهلية الأشهر في أفريقيا نهايات القرن الماضي.

هذا التخيل الذي يحدث في الذهن تلقائيا هو ما يسمى العلامة التجارية. إذ يقول الكاتب ريتشارد برانسون: “لا تنتظر حتى تصبح كبيرًا لتبدأ بناء علامتك التجارية”. والعلامة التجارية المقصودة هنا هي سمعة الشركة. وهو مثال يمكن أن يضرب أيضا على الدول. فللدول سمعة كذلك. فإن قلت لأجنبي كلمة مصر فإن أول ما يخيل له هو الأهرامات.

لكن رواندا استطاعت خلق علامتها التجارية من جديد بمحو القديمة وتغيير الصورة النمطية على مدار السنوات المنصرمة. حتى أصبحت أول دولة في العالم تستخدم الطائرات دون طيار في نقل الدم بين القرى.

يقولون إن حلول المشكلات يجب أن تأتي من أصحابها. كونهم الأكثر دراية بالمشكلة. وقد كانت رواندا تواجه أزمة في نقل الدم للقرى نظرا لأن معظم القرى تقع في مناطق يصعب الوصول إليها. بسبب ضعف شبكة الطرق الرواندية. ولكن هذا لم يمنع وزارة الصحة ووزيرها “دانيال نغاميج” في إيصال الدم اللازم عبر حل أذكى وأسرع اعتمادا على التكنولوجيا.

رحلات نقل الأدوية بالدرونز
رحلات نقل الأدوية بالدرونز

الطائرات دون طيار

بدأ استخدام الطائرات دون طيار في منتصف القرن العشرين بشكل بدائي في مهام مثل التصوير في المجال الحربي. ومع مرور الزمن تفرعت استخداماتها في مجالات مثل السينما والمراقبة وتطور شكلها وحجمها وسرعتها كذلك.

يساعد نظام المنجنيق في إيصال سرعة الطائرة إلى 100 كم/ساعة. ويمكن أن تطير ليلاً ونهارًا وفي أي ظرف من الظروف. ويمكن لوحدة التحكم إيقاف الرحلة حال حدوث مشكلات فنية مع مظلة ورقية مدمجة تسمح بالهبوط السهل.

تضاريس رواندا صعبة. فقد تصل طائرة دون طيار إلى مستشفى ريفي في 20 دقيقة بينما تستغرق أربع ساعات بالسفر بالبر.

الدرونز تخدم 21 مستشفى

اليوم تمتلك رواندا ١٠ طائرات دون طيار بمركز “كايونزا”. وهي تخدم 21 مستشفى في غرب رواندا. ونجحت في تسليم حتى الآن أكثر من 20000 وحدة دم. ويشغل الوحدة كل من “بروسبر أوروفوغوندي” و”إليان نيريري”.

لقد أصبحت الدولة الواقعة في شرق أفريقيا أول دولة في العالم تستخدم الطائرات دون طيار لتوصيل الدم والأدوية الأساسية إلى المستشفيات الريفية.

جاء هذا بعد اتفاق بين الحكومة وشركة Zipline الأمريكية المصنعة -حسبما ذكرت صحيفة الجارديان عبر موقعها صباح اليوم. وتلك الطائرات تحمل ما يصل إلى 1.5 كجم من البضائع في المرة الواحدة. سواء تلك البضائع حساسة كالدماء أو أقل حساسية كالأدوية.

وتطير كل واحدة من الطائرات دون طيار لأكثر من 14 مرة في اليوم لتوصيل الدم والأدوية إلى خمسة مستشفيات ريفية وثلاثة مراكز صحية. وكان لتلك الطائرة يد في إنقاذ المصابين بالملاريا من سكان القرى البعيدة. بعدما كان وصول الأدوية إليهم أمرا صعبا للغاية بسبب الأمطار الغزيرة أن تجعل الطرق غادرة وموحلة في رواندا. ما يجعل طائرات التوصيل دون طيار بديلاً قيماً.

كيف حدث هذا؟

الحرب الأهلية في رواندا
الحرب الأهلية في رواندا

لقد دمرت الإبادة الجماعية في عام 1994 سكان رواندا واقتصادها. كما أدت إلى تفاقم عدد من قيود التنمية التي كانت موجودة قبل عام 1994. فقد تم تدمير البنية التحتية الإنتاجية الضعيفة أصلا. بما في ذلك معظم المرافق الصحية. وخسرت الأمة جيلا من المهنيين المدربين في مجالات رئيسية مثل الصحة والتعليم.

وتفاقم النقص في العاملين الصحيين بسبب عدم كفاية تدريب طاقم جديد منهم. فضلا عن التوزيع غير المتكافئ للموظفين وضعف الأداء بسبب عدم كفاية المعرفة العلمية وانخفاض الحافز.

واستجابت الحكومة بين عامي 2005 و2008 لطلبات الشعب لزيادة عدد مقدمي الرعاية الصحية المدربين في الخدمة العامة. ومعظمهم في المناطق الريفية. بما في ذلك الممرضات والقابلات والأطباء العموم.

من عام 2000 إلى عام 2010 نفذت رواندا إصلاحات شاملة في قطاع الصحة لتعزيز نظام الصحة العامة بهدف الحد من وفيات الأمهات والمواليد الجدد. بما يتماشى مع الأهداف الخمسة من الأهداف الإنمائية للألفية. وذلك بين العديد من التحسينات الأخرى في الصحة الوطنية. استنادًا إلى مراجعة منهجية للأدبيات ووثائق السياسة الوطنية وثلاثة استقصاءات ديمغرافية وصحية (2000 و2005 و2010) غطت كذلك الدولة أربع خدمات رئيسية لصحة المرأة. وحدث التقدم في الفترة 2000-2005 وأصبح أكثر سرعة بعد عام 2006. ومعظمه في المناطق الريفية عندما تم توسيع سياسة الولادة القائمة على المرافق الوطنية والتمويل القائم على الأداء والتأمين الصحي المجتمعي.

رواندا والقفز داخل قائمة الأفضل

بين عامي 2006 و2010 حدثت الزيادات التالية في التغطية مقارنة بفترة 2000-2005. لا سيما في المناطق الريفية. حيث تعيش معظم النساء الفقيرات: الولادات (77٪ زيادة مقابل 26٪) والولادة المؤسسية (146٪ زيادة) مقابل 8٪. وانتشار موانع الحمل (351٪ زيادة مقابل 150٪).

كانت العوامل الأساسية في هذه التحسينات هي الزيادات في القوى العاملة الصحية ومهاراتهم. فضلا عن التمويل القائم على الأداء والتأمين الصحي المجتمعي. وتحسين القيادة والحوكمة. لكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد تأثير هذه التغييرات على النتائج الصحية لدى النساء والأطفال.

حتى عام 2005 كان معظم النساء الحوامل في رواندا يلدن أطفالهن في المنزل بمساعدة القابلات التقليديات.

وفي عام 2006 تم إطلاق سياسة التوليد القائمة على المرافق بهدف تزويد جميع النساء الحوامل بمجموعة كاملة من الرعاية قبل الولادة وبعدها. فضلا عن الرعاية الأساسية لحديثي الولادة والوقاية من انتقال العدوى من الأم للطفل. خاصة مع انتشار فيروس نقص المناعة المكتسب “إيدز”. حيث يتم تقديم الخدمات الوقائية والعلاجية لصحة الأم في رواندا عبر شبكة من 395 مركزًا صحيًا و40 مستشفى محليًا وثلاثة مستشفيات إحالة لعبت دورًا رئيسيًا في تقليل الحواجز الجغرافية أمام الخدمات الصحية.

بموجب هذه الترتيبات في نظام الصحة العامة بالكامل تقريبًا تتولى المراكز الصحية (تغطي خدمة 20000-25000 نسمة) تنظيم الأسرة ورعاية ما قبل الولادة والولادة الطبيعية ورعاية ما بعد الولادة. فضلا عن رعاية التوليد الأساسية في حالات الطوارئ.

وتقدم مستشفيات المقاطعات (التي تخدم 150.000-250.000 شخص) رعاية التوليد الشاملة في حالات الطوارئ. وكذلك رعاية ما بعد الإجهاض. كما أنها مسؤولة عن نظام الإحالة.

واليوم بعد هذا العناء أصبحت رواندا في الـ100 دولة الأوائل عالميا بعدما كانت متذيلة قائمة الرعاية الصحية.