انكب المسلمون على العبادة في أواخر الشهر الفضيل. بينما كثّف المسيحيون صلواتهم في أسبوع الآلام الذي يسبق عيد القيامة المجيد. ووسط تلك المناسبات الدينية التي صبغت الحياة في مصر، فإن البهائيين يحتفلون بـ “عيد الرضوان”، الذي بدأ أمس ويستمر أثنى عشر يومًا. يتذكر فيهم مواطنون “بشِرطة نظير خانة الديانة”، مثلما تلقبهم الأوراق الثبوتية المصرية. بعيد دعوة بهاء الله “المربي الإلهي”، مثلما يطلق عليه حاتم الهادي، أحد البهائيين المصريين.

عيد الرضوان عند البهائيين.. ذكرى تأسيس دعوة بهاء الله

عيد “الرضوان”، هو ذكرى إعلان دعوة بهاء الله، بحسب الاعتقاد البهائى. واستمد هذا العيد اسمه من حديقة بالاسم نفسه فى بغداد، والتى بدأ فيها “بهاء الله” دعوته خلال أثنى عشر يوماً. بداية من يوم 21 أبريل/نيسان، وحتى 2 مايو/أذار، ثم غادرها منفياً إلى إسطنبول عام 1863.

تذكر الآية البهائية هذا العيد بالقول: قل إن العيد الأعظم لسلطان الأعياد اذكروا يا قوم نعمة الله عليكم. إذ كنتم رقداء أيقظكم من نسمات الوحي وعرفكم سبيله المستقيم”

يوضح الهادي في تصريحات خاصة لـ “مصر 360″، معنى لقب المربي الإلهي الذي يطلقه على “حضرة بهاء الله”. قائلًا: نؤمن أن الله خلق الإنسان من العدم. وعقد بينه وبين الانسان ميثاق أبدي، فالله لن يترك الانسان بدون تربية. ومن ثم فنحن نؤمن بكل الرسل موسى، وعيسى، ومحمد. وبحضرة بهاء الله كمبعوثين من الله ومربيين إلهيين. فالرعاية الإلهية تستمر متي استمرت الإنسانية. وكل فترة يرسل الله لنا مربي، فهم جميعًا شمس الحقيقة التي تشرق مع كل يوم جديد”.

وعن الاحتفال بعيد الرضوان، يشير الهادي إلى إن البهائيين يجتمعون في مكان عام. دون الإشارة لهويتهم. أو في منزل أحد البهائيين، لقراءة الآيات، وبعض النصوص التاريخية التي تذكر بدعوة حضرة بهاء الله. ثم الضيافة وتناول الطعام”.

البهائيون في مصر.. تاريخ طويل وحضور في الحقبة الليبرالية

يؤكد الهادي أن مصر من أقدم الدول التي عرفت وجود البهائيين. وهو الأمر الذي يرده إلى تاريخ حضرة بهاء الله ودعوته. ففي عام 1868 توقفت في ميناء الإسكندرية السفينة التي كانت تقل حضرة بهاء الله إلى منفاه الأخير في مدينة عكا. ومنذ ذلك الحين بدأ المصريون في اعتناق الدين البهائي. وبعد وفاته، واصل نجله حضرة عبد البهاء عباس أفندي زياراته لمصر.

وفقا لموقع بهائي ـ فقد كانت زيارته الأولى لمصر في سبتمبر/أيلول 1910. حيث زار مدينة بورسعيد، و أقام فيها شهراً عزم بعده على الإبحار من بورسعيد إلى أوروبا. إلا أن توعك صحته اضطره لتأجيل رحلته، فتوقف في الإسكندرية، وأقام فيها عاماً كاملاً. ثم عاد حضرة عبد البهاء إلى مصر مرة أخرى في ديسمبر/تشرين الأول 1911. و قضى فصل الشتاء في الإسكندرية، ثم غادرها إلى نيويورك في مارس/أذار 1912. و بعد جولته في أوروبا وصل إلى بورسعيد مرة أخرى في يونيو/حزيران 1913. حيث انتقل بعدها إلى الإسكندرية، و بقي في ضاحية الرملة حتى الثاني من ديسمبر/تشرين الأول 1913.

يعقب الهادي على ذلك قائلا: أقام في مصر حوالي عام ونصف بشكل متقطع. بين أعوام ١٩١١ و١٩١٣. وكانت الصحافة المصرية تجري معه لقاءات، وتحتفي بوجوده. كذلك، قابل مفكرين مصريين وشخصيات عامة، أبرزها الإمام محمد عبده.

ووفقا للهادي، فإن عام ١٩٢١ قد شهد وفاة حضرة عبد البهاء، وانتقلت الدعوة لنجله شوقي أفندي. ووقتها كان المجتمع البهائي قويا جدًا في مصر إبان الحقبة الليبرالية. حتى إنهم أسسوا عدة محافل بهائية في القاهرة والإسكندرية. فتأسس المحفل الروحاني المحلي للبهائيين في الإسكندرية عام ١٩٢٤. وتم تشكيل المحفل الروحاني المركزي لمصر و السودان عام ١٩٢٨. وتم الاعتراف به من قبل الحكومة المصرية في عام ١٩٣٤.

كذلك فإن العام ١٩٢٥ قد شهد حكما قضائيا صدر عن محكمة مصرية توثق فيه استقلال الدين البهائي قانونيا كعقيدة مختلفة عن اليهودية والمسيحية والإسلام الأمر الذي تبعه صدور مرسوم ملكي عام ١٩٣٤ يخصص مقابر لما يسمى “أحرار العقيدة” أي غير المسلمين والمسيحيين واليهود وقد كان البهائيون من بينهم.

“تحول درامي لأوضاع البهائيين في مصر قد صاحب تغيير نظام الحكم بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ حتى إذا ما جاءت الستينات بدأت مصادرة أراضي البهائيين من قبل دولة يوليو”، مثلما يؤكد الهادي “وبدأت أوضاعهم القانونية والاجتماعية تسوء”.

أبرز هذه التغيرات التي أشار إليها الهادي، هي “غلق المحفل البهائي الذي كان له مقرا في القاهرة. ثم مصادرة أراضي البهائيين في القاهرة والإسماعيلية، وصدور قرار بحظر الأنشطة البهائية”.

البهائيون المعاصرون.. مواطن بشرطِة

عام 2009، صدر حكمًا قضائيًا اعتبره البهائيون نقلة في أوضاعهم القانونية. حيث قضت محكمة مصرية بالسماح لهم بكتابة شرطَة. نظير خانة الديانة في بطاقات الرقم القومي، وما يترتب عليها من أوراق. إذ كان البهائيون قبل ذلك يسجلون كمسلمين أو مسيحيين. مما يترتب عليه مسارات أخرى في الزواج والطلاق والمواريث.

الحكم القضائي تبعه صدور قرار وزاري من حبيب العادلي -وزير الداخلية آنذاك- وقد نشرت الجريدة الرسمية في عددها الصادر في 14 إبريل/نيسان 2009. نص القرار، الذي وقعه وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي في 19 مارس/أذار. وقد أصدر الوزير القرار بعد ثلاثة أيام من صدور حكم المحكمة الإدارية العليا. بتأييد حق أعضاء الأقلية البهائية في مصر في استخراج الوثائق الرسمية، كبطاقات الهوية وشهادات الميلاد. دون الكشف عن معتقداتهم الدينية، أو الاضطرار إلى ادعاء أنهم مسلمون أو مسيحيون.

صدور هذا القرار لم يوقف المسارات القضائية التي يتبعها البهائيون لاستخراج أوراقهم الثبوتية.

يقول الهادي: “حتى الآن لا تعترف الجهات الحكومية المصرية بعقود الزواج البهائي. رغم إننا نشترط موافقة وتوقيع الزوج والزوجة ووالديهما واثنين من الشهود. ولكن لا تقبل الجهات الحكومية توثيق هذا العقد، فأنا متزوج منذ 27 عاما، وما زلت أعزب في بطاقة الرقم القومي”.

وأضاف: نلجأ لمسار قانوني لتوثيق العقد. فتحرر الزوجة دعوى قضائية ضد الزوج. ثم تصدر المحكمة حكما إن الزواج قائم. ولكن هذا الأمر لا يحدث في جميع الحالات. فبعض المحاكم ترفض التوثيق، ومن ثم يترتب على ذلك عدم وجود أوراق ثبوتية للأولاد من هذه الزيجة. وما يترتب عليها من حقوق المواريث”.

أما التطور الجديد في قضايا البهائيين المصريين، فقد وقع في ديسمبر عام 2021، حين أصدرت محكمة مصرية قرارا يرفض تخصيص مدافن للمواطنين من “ذوي الشرطة قرين خانة الديانة”. أي البهائيين، وفقا لما يقول الهادي.

ويشير إلى إن البهائيين لا يستطيعون دفن موتاهم بأي من مدافن المسلمين أو المسحيين. فلا يحتكمون إلا على مدفن واحد فقط في القاهرة قد ازدحم بالموتى للبهائيين من كافة المحافظات. مما اضطر بهائيو الإسكندرية لتقديم طلبات متعددة للمحافظة لشراء أو تخصيص أرض مدافن. فلم يتلقوا أي رد، فلجأوا للقضاء، مضيفا: “نرغب في العيش بسلام دون عراقيل ولا نبحث عن خصومات قضائية مع أحد، وحاليا ننتظر حكم محكمة الاستئناف”.

تلفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى أن فترة الستينيات في القرن الماضي شهدت بداية اضمحلال نوع من المدافن تسمى “مدافن أحرار الفكر والعقيدة”. كانت تضم أطيافا متنوعة من العقائد والديانات، إلى جانب الملحدين واللادينيين.

وأوصت المبادرة في تقرير صدر لها حول تلك المدافن بـ”ضرورة إصلاح سياسات الاعتراف بالتنوع الديني. والسعي لإقرار سياسات تضمن المساواة. وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين”.