منذ سنوات، تواجه مصر وإسرائيل المعضلة نفسها في غزة. وهي كيفية احتواء حماس، وفي الوقت نفسه تجنب انهيار الوضع الإنساني. في السابق، كان لدى إسرائيل خمسة معابر حدودية عاملة مع غزة، بقيت مفتوحة حتى بعد سيطرة حماس على القطاع. لكن، بحلول عام 2011، أدت الهجمات المستمرة على المعابر وتقلّص الحاجة إلى نقاط عبور متعددة إلى إغلاق جميع المعابر باستثناء معبر بيت حانون للمشاة ومعبر كرم أبو سالم للحركة التجارية.

كان معبر بيت حانون يُتيح الدخول إلى غزة والخروج منها. رغم أنه يتطلب من الفلسطينيين الحصول على تصاريح دخول إلى إسرائيل تقتصر عادةً على الأغراض الإنسانية أو الطبية أو التجارية. ويعتبر أيضاً بوابة لدخول المسؤولين الأجانب والصحفيين والفلسطينيين من إسرائيل والضفة الغربية. أما معبر كرم أبو سالم، فهو شريان الحياة التجارية للقطاع، حيث يتم استيراد الوقود والسلع الأخرى من إسرائيل إلى غزة. في حين تمر صادرات القطاع من هذا المعبر في طريقها إلى إسرائيل والضفة الغربية وإلى الأسواق الخارجية.

يلفت الصحفي الإسرائيلي نيري زيلبر، وهو محلل سياسي وثقافي متخصص في الشرق الأوسط. إلى أنه حتى 2018. كانت نقطة الدخول الوحيدة لمصر إلى غزة هي معبر رفح. وهو المعبر الوحيد الذي لا تسيطر عليه إسرائيل مباشرة. ويتم استخدامه بشكل أساسي لعبور الأشخاص، على الرغم من أن القاهرة سمحت عن طريقه بتسليم كميات صغيرة من البضائع والمساعدات الإنسانية في الماضي.

بالفعل، تغيرت سياسة مصر تجاه المعبر على نحو واسع. فقد تم إغلاقه فعلياً لعدة سنوات، لكن القاهرة بدأت بتخفيف القيود هناك في أيار/مايو 2018، وفقاً للأرقام الصادرة عن منظمة “چيشاه-  مسلك” الإسرائيلية غير الحكومية.

اقرأ أيضا: غزة بعد الهدنة.. مخلفات الحرب تهدد حياة سكان القطاع “المذعور والمصدوم”

المعابر.. ورقة تفاوض لا تنتهي

نظرًا لمكانة القاهرة بين طرفي الصراع في غزة -إسرائيل وحماس- ينصح رامي عزيز، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد دراسة معاداة السامية والسياسات العالمية. ساسة الولايات المتحدة باستمرار تعزيز دور القاهرة. نظرًا لأن مصر تسيطر على معبر رفح الحدودي في غزة. وكذلك بوابة صلاح الدين. لأنها تلعب دورًا مهمًا في وصول القطاع إلى التجارة.

ففي إطار التعاون الأمني، تم فتح بوابة صلاح الدين في فبراير/شباط 2018. كجزء من اتفاق يهدف إلى وقف تعاون حماس مع “ولاية سيناء” التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. وهي صفقة مدفوعة بتصعيد هجمات داعش في شبه الجزيرة العربية. في ذلك الوقت، كانت حماس تستخدم عددًا كبيرًا من الأنفاق الحدودية -التي تسيطر عليها- لمساعدة داعش في سيناء على تهريب الأسلحة من إيران وليبيا عبر شبه الجزيرة إلى غزة. في المقابل، حصل فرع داعش على حصة من الأسلحة المتطورة، من بينها صواريخ كورنيت التي استخدمت ضد السفن البحرية المصرية قبالة سواحل العريش. والمدرعات في شمال سيناء، مما أعطى التنظيم ميزة استراتيجية.

فشل اتفاق 2018 في وقف تهريب الأسلحة. ما دفع مصر إلى تدمير البنية التحتية لأنفاق حماس بشكل جماعي، وتشديد الحصار على غزة. من أجل كبح حركة الأسلحة والوقود والسلع الأخرى والإرهابيين. نتيجة لهذه الجهود، لم يعد يبدو أن حماس وداعش في سيناء يتعاونان بشكل منظم وواسع النطاق. وفي مايو/أيار 2020، أعلن الجيش المصري عن هدم أكثر من 3000 نفق. وكذلك إنشاء جدار. وهو الوضع الذي جعل المعابر فوق الأرض ورقة مساومة رئيسية للقاهرة.

حاليا، بوابة صلاح الدين -المفتوحة ثلاثة أيام في الأسبوع- تستخدم لجلب السلع الأساسية. مثل الوقود والأسمنت والطعام والسجائر، وهي مصدر مهم للضرائب. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة هآرتس في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني. فإن 17% من البضائع التي تصل غزة تسافر عبر هذه البوابة، بقيمة تقريبية تبلغ 55 مليون دولار شهريًا.

وبشكل عام، ارتفع حجم التجارة بين غزة ومصر بنسبة 16% منذ بدء الصراع بين حماس وإسرائيل في مايو/أيار 2021.

استمرار المصالح مع القاهرة

تجني حماس نحو 14 مليون دولار شهريا من الرسوم والجمارك من حركة المرور عبر صلاح الدين. لذلك، تلزم سيطرة مصر على المعابر الحركة الإسلامية بالحفاظ على علاقات عمل سلسة مع القاهرة. كما أكد زعيم حماس إسماعيل هنية في مقابلة مع قناة الجزيرة في وقت سابق من هذا العام.

في الوقت نفسه، تعرض مرور البضائع عبر صلاح الدين لانتقادات من إسرائيل والسلطة الفلسطينية وأهالي غزة. تشعر السلطات الإسرائيلية بالقلق بشأن المواد ذات الاستخدام المزدوج مثل الأسمنت -والتي تم تحويلها في بعض الأحيان لتعزيز أنفاق حماس- وعلى عكس معبر رفح، لا تخضع السلع المستوردة عبر صلاح الدين لإشراف الأمم المتحدة عبر آلية إعادة إعمار غزة.

يرى رامي عزيز أنه يمكن حل هذا القلق من خلال جعل “الإشراف الشخصي على البضائع عالميًا”. ما يعني إما إغلاق بوابة صلاح الدين وأي نقاط دخول أخرى غير خاضعة لمراقبة الأمم المتحدة. أو وضعها تحت آلية إعادة إعمار غزة. لكن، عارضت مصر تمديد آلية إعادة إعمار غزة إلى صلاح الدين -جزئياً- لأن القاهرة ترى في هذه البوابة ورقة مساومة مفيدة مع حماس.

من جانبهم، يشعر مسؤولو السلطة الفلسطينية بالقلق من سيطرة حماس على المعابر مع مصر. لأن زيادة الواردات عبر تلك الطرق تقلل من القوة الاقتصادية النسبية للسلطة. على الرغم من أن حماس هي حكومة الأمر الواقع في غزة، إلا أن المجتمع الدولي لا يزال يعامل السلطة الفلسطينية باعتبارها الكيان المسؤول عن إعادة الإعمار. ومنح حماس إيرادات كبيرة من المعابر يمكن أن يقوض هذا الدور بطرق متعددة.

في الوقت الحالي يشعر العديد من سكان غزة بالإحباط من هذه الترتيبات. لأن حماس تفرض أسعارًا مرتفعة بشكل غير معقول للبضائع المستوردة عبر بوابة صلاح الدين، مما تسبب في معاناة كبيرة. ويسيطر على المعبر تجار مرتبطون بحماس، مما يجعل من الصعب على الشركات المحلية الصغيرة المنافسة.