“مصر في حاجة إلى حوار سياسي يتناسب مع بناء الجمهورية الجديدة” عبارة جديدة لم يعتادها المصريون في خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي. لكنه طرحها أمس خلال تفقده حصاد القمح في منطقة توشكى. ذلك وسط جمع من الصحافيين والإعلاميين ـ دون المزيد من الإيضاحات. وقد ترك إعلان التفاصيل المتعلقة برؤيته إلى إفطار الأسرة المصرية الذي يجري تنظيمه بشكل سنوي خلال شهر رمضان. 

الرئيس وتساؤلات عن الحوار السياسي

تأتي مبادرة الرئيس في وقت حساس للغاية من عمر الدولة المصرية. لاسيما أن تغييب الحوار السياسي على مدار السنوات الماضية كان يشكل عقبة رئيسية أمام فتح المجال العام للدولة، وتطوير مجتمع مدني فعال ونشط، قادر على ضخ الحيوية في أوردة المجتمع المصري، على المستوى السياسي والاجتماعي والحقوقي. 

لكن في الوقت نفسه، تطرح مبادرة الرئيس عن الحوار السياسي المنتظر العديد من التساؤلات الصعبة حول طبيعة هذا الحوار الذي يقصده. وهل سيحمل طبيعة تقدمية تناسب المفاهيم الحديثة لإدارة الأزمات في العالم المتقدم؟ أم سيكون للدولة إزاء هذا الحوار تعريف خاص بها؟ ذلك على غرار تبينها لمفاهيم وأولويات مختلفة لحقوق الإنسان وتسويقها في المحافل العالمية خلال الفترات الماضية. بما يشكل عقبة أمام الوصول إلى توافق مع القوى السياسية المعارضة.

من هذا المنطلق، يناقش “مصر 360” الإجراءت المفترض اتخاذها أولًا. ذلك حتى يشكل الحوار بداية حقيقية لتغيير وجه السياسة في القاهرة. وبما يتماشى مع دعوات القوى الوطنية المدنية التي طالبت بالحوار منذ سنوات. وكان في الطليعة منهم كتاب “مصر 360”.

نعيش أزمة تقتضي الحوار

فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، رحب بدعوة الرئيس. وقد استبقها بتوجيه دعوة للحوار السياسي منذ بضعة أشهر في دوائر سياسية. ثم نشر هذه الدعوة بكل تفاصيلها عبر “مصر 360 ما كان لها ردود طيبة، على حد قوله. 

يرى زهران أن البلاد تشهد أزمة اقتصادية وسياسية تقتضى حوارًا. لافتا إلى أن الوضع الراهن في مصر تسبب فيه ممارسات اقتصادية معيبة وخاطئة، وأسباب آخرى تتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.

ويشدد رئيس الديمقراطي الاجتماعي على أهمية إعادة النظر في الكثير من السياسات الاقصادية. وكذا طريقة الإدارة السياسية. ويحدد زهران طريقين لإدارة المرحلة المقبلة خلال المنعطف الحاد الذي نحياه.

كيف يجب إدارة المرحلة المقبلة؟

الأول يستسهله بعض أنصار النظام السياسي، عبر الدعوة إلى المزيد من التضييق وتشديد القبضة الأمنية للسيطرة على الأزمة الاقتصادية والاحتقان السياسي درءًا لمخاطر اضطرابات اجتماعية أو مطلبية قد تؤدي إلى انفجارات تتسبب في انهيار الأمن والاستقرار. وهو حل ينقل البلاد من حال سيء إلى أسوأ. وكذا من أزمة إلى مزيد من الأزمات، على حد تعبيره.

أما الحل الذي يمثل زهران، فتح حوار وطني سياسي واسع بين كل أطراف المشهد السياسي الراغبين في الاستقرار والعمل السياسي ضمن الدستور والقانون والرافضين للعنف والإرهاب والتطرف.

كيف يجب أن تكون ملامح الحوار؟

ويحدد رئيس المصري الديمقراطي ملامح الحوار بأن يكون ديمقراطيًا مفتوحًا بلا سقف أو محظورات وخطوط حمراء. ذلك بغرض الوصول لحلول مناسبة بين مختلف الأحزاب السياسية.

يستكمل: هناك عدة آليات لفتح حوار مناسب، على رأسها أن لا يكون لسبب عارض، ثم نعود لما كنا عليه، مردفا: يجب أن يكون ضربة بداية لانفراجة سياسية ديمقراطية، وهذه الانفراجة لها خطوات تبدأ بالإفراج عن المحبوسين في قضايا الرأي وفك حظر المواقع الإلكترونية المحجوبة، وإتاحة الفرصة للأصوات المعارضة للظهور في الإعلام والعمل السياسي في الشارع.

يختتم رئيس المصري الديمقراطي مؤكدا أن هذه الإجراءات حال اتخاذها سيعني أن هناك حوارًا بالفعل، ورغبة في تخفيف حدة الاحتقان السياسي وبدء خطوات للانفراج الديمقراطي، على حد قوله .

قبل الحوار.. إجراءات عملية أولًا

خالد داوود الكاتب والصحفي ورئيس حزب الدستور السابق، يرى أن البلاد في حاجة للحوار السياسي. لكن هناك إجراءات عملية تحتاجها القوى السياسية، على رأسها اطلاق سراح المحبوسين احتياطيًا منذ فترات طويلة. ذلك بسبب مخالفات من وجهة نظر السلطات تتعلق بحرية الرأي والتعبير والنشر. وكذا فتح المجال العام بما يؤكد جدية النظام في فتح حوار سياسي حقيقي.

يوضح داوود أهمية فتح المجال للنقاش المفتوح على وسائل الإعلام المصرية، حتى لا تعرض وجهة نظر واحدة. وهو ما يجب أن يتزامن مع رفع الحجب عن المواقع الإلكترونية. وأيضًا السماح بقدر أكبر من الحريات الإعلامية. وهي جملة المطالب المعروفة والتي ترفعها القوى السياسية منذ سنوات.

أرض الواقع لا يعكس التصريحات الإيجابية

يؤكد داوود أن القوى السياسية أصبحت معتادة على إطلاق تصريحات سياسية إيجابية. إذ سبق دعوة الرئيس للحوار إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي رفعت سقف التوقعات. لكن على أرض الواقع لم يتغير شيء.

ويوضح رئيس حزب الدستور السابق، أهمية وقف عمليات إلقاء القبض على المواطنين لمجرد التعبير عن وجهات نظرهم على مواقع التواصل، وخلق أجواء تسمح بحوار سياسي حقيقي، وفتح المجال أمام مناقشة القضايا التي تهم المواطن المصري بشكل صريح.

وعن أطراف الحوار السياسي، يرى داوود أن الرئيس السيسي مع صعوده للسلطة عام 2014، عقد اجتماعات مع الأحزاب السياسية، ومن وقتها وحتى الآن لم تتكرر هذه اللقاءات. وربما ذلك باستتثناء بعض الأحزاب المؤيدة للنظام.

ويلفت داوود إلى أن كل أحزاب المعارضة المدنية لها أعضاء داخل السجون مع أنهم كانوا شركاء للنظام في 30/6 ضد الإخوان. ويتم اتهامهم بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها مع العلم بأغراضها. ومن الذين وجه لهم هذا الاتهام خالد داوود نفسه.

يختتم داوود مؤكدًا استعدادهم للحوار. لكنه يشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عملية تحقق مطالب القوى السياسية على مدار السنوات الماضية.

الحوار أجندة وطنية واستجابة جيدة

على جانب آخر، قال محمد أنور السادات عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والبرلماني السابق، إن فكرة طرح حوار سياسي تبناها الكثيرون خلال الفترة الماضية. وأُرسلت كثير من الرسائل للرئيس وكل مؤسسات الدولة مفادها أن هناك حاجة. بل وآن الآوان لإطلاق حوار وطني، مردفًا: خيرًا فعل الرئيس بهذا الطرح.

لكن السادات يوضح أهمية أن يشمل الحوار كل الأحزاب السياسية وبعض المفكرين والمثقفين المعنيين والمهمومين بقضايا الوطن والمواطن. بالإضافة إلى إيجاد ترتيبات من خلال أجندة وطنية يتم الاتفاق عليها والتحضير لها جيدًا. حتى يخرج الحوار بنتائج تشعر الجميع أنه طرف مشارك في الأولويات والسياسات والقرارات المتعلقة بمصير البلاد.

هل ينعكس الحوار على أوضاع السجون؟

وإن كان الحوار السياسي ينعكس على أوضاع السجون، يتفاءل السادات بقرب حدوث انفراجة لعدد كبير من المحتجزين على ذمة قصايا والمحبوسين احتياطيًا. وهو يرى أن قرار الإفراج عنهم، لن يستغرق أكثر من أيام في ضوء الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي تبحث في قضايا محددة. ويلفت إلى أن الحوار السياسي مكمل لها ويتوافق مع روح هذه الاستراتيجية، على حد قوله. 

كي تنجح فكرة الحوار

أما الكاتب الصحفي جمال الجمل، فيرى أن تصريح الرئيس لا ينبغي المرور عليه سريعًا، لأنه يلبي مطلبًا ألح عليه كثير من السياسيين والفئات الشعبية. وقد طرح الجمل استفسارات وقدم نصائح وتنويهات لكي تنجح الفكرة المهمة، حسب وصفه.

يقول الجمل: نحن على أبواب عيد الفطر والإفراج عن السياسيين في قضايا الرأي والتظاهر ضرورة تسبق طرح فكرة الحوار. مضيفًا إلى ضرورة أن تدعو الرئاسة إلى مؤتمر سياسي موسع على غرار مؤتمرات الشباب تحضره قوى المعارضة بكل أطيافها. مع فتح المجال العام والتعهد باحترام حرية الراي ومنع حجب المواقع والكتاب المعارضين.

اقرأ أيضًا:

أشار الجمل كذلك إلى ضرورة إنشاء آلية لحوار مجتمعي موسع لتنظيم الرأي الشعبي في مسار مفيد للوطن والمواطنين، وللحد من انفراط الآراء على السوشيال ميديا. مضيفًا: الناس إذا وجدت قنوات جادة للتعبير لن تهدر وقتها وطاقتها في الفضفضة وتعبيرات الغضب الناتجة عن تغييبهم وعدم تفاؤلهم بوجود حلول لمشاكلهم.

وأكد الكاتب الصحفي أن فكرة الحوار السياسي الجاد ضرورة، يجب التمهيد لها بقرار كريم ومؤثر في موضوع السجناء. ذلك لأنه يمس آلاف البيوت في مصر وملايين المتابعين. ولاشك أنه سيقدم أرضية من التفاؤل تسمح بإمكانية لم شمل الوطن وإنجاح الحوار الذي تحتاجه مصر بشدة لمواجهة تحديات تدري بها الدولة أكثر من المواطن.

ووجه الجمل خطابًا مباشر إلى الرئيس قائلًا: “السيد الرئيس، لقدر تضررت من سياساتكم بشكل شخصي ومهني وسياسي. لكنني لا أحمل كراهية لأي شخص، وأتجاوز عن كل أذى حدث لي إذا كانت هناك مصلحة لبلدي وأهلى. لذلك فأنا أؤيد فكرة الحوار، وأدعو الله أن تكون فاتحة خير على البلد، وليست مجرد حديث عابر لتسكين أزمة، أو مجرد كلام غير مقصود في مجلس لا يتلوه فعل صادق”، على حد قوله.

مصداقية الحوار الوطني

من ناحيته، قال جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن تصريح الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة وجود حوار سياسي يتناسب مع الجمهورية الجديدة، يعد نقطة هامة وأمر غير تقليدي من الرئيس الذي ظهر أنه لا يعنيه الجانب السياسي. ولذلك عندما يتحدث عن هذا الأمر فهذا يدعو للتفاؤل. داعيًا إلى اتخاذ خطوات تنفيذية لترجمة كلام الرئيس لواقع على الأرض حتى نتحرك للأمام والعمل على أن يكون هذا الحوار فاعلاً وليس شكليًا.

وأكد إسحاق أن حالة التفاؤل سوف تزيد مع تنفيذ ما تردد في الفترة الأخيرة عن وجود قوائم بالإفراج عن عدد من المسجونين في قضايا رأي. وهو ما يمكن البناء عليه في المرحلة المقبلة لأنه يخلق روح تفاءل ويزيد من مصداقية الحوار الوطني المقترح. ذلك لأنه يبرهن على الجدية وأن هناك قناعة لدى السلطة السياسية بأهمية الحوار الوطني والعمل على ترسيخ  حالة الانفتاح في الفترة المقبلة.

من جانبه، أشار النائب البرلماني ضياء الدين داود إلى أهمية البناء على كلام الرئيس واتخاذ خطوات جادة نحو تدشين الحوار الوطني. ذلك على أن يتم رعايته بأي شكل من الأشكال من قبل مؤسسة الرئاسة حتى يخلق حوارًا جديًا. موضحًا أن الاستجابة من قبل السلطة السياسية لنداء أصوات من المعارضة الوطنية للحوار أمر محمود، لأنه يرسخ لمفهوم أن الرئيس رئيسًا لكل المصريين.

ويرى ضياء الدين داود ضرورة إلى أن يدعى للحوار كافة الفصائل والأفكار والتوجهات السياسية، ويستثنى من ذلك كل من تورط في الإرهاب وحمل السلاح في وجهة الدولة، مضيفاً أن نجاح الحوار مرتهن بتحقيق أعلى مصداقية، وهو لن يتحقق إلا بنوعية المشاركين فيه وأصحاب الرأي المختلف، كذلك القضايا التي يطرحها الحوار وهل تتعلق بقضايا تهم الوطن وتتعامل مع معاناة وأزمات المواطنين وتطرح بكل جرأة ، أم أنها قضايا شكلية وتسير في ركب المؤتمرات السابقة.

 وعن شكل الحوار المقترح، أوضح داود أنه الأصل في الموضوع هو جوهر الحوار، وليس الشكل مجدداً مطالبته والتي تحدث خلال حوار سابق مع  “مصر 360” أن يكون الحوار تحت رعاية رئاسية، متمنياً أن يحضر الرئيس الحوار حتى لو بشكل رمزي، لأن ذلك يفيد من مصداقية  الحوار أمام الرأي العام  من الشعب الداخلي، مضيفاً: من المفيد أن يجد الشارع المصري الرئيس يستمع إلى أراء مختلفة ولها وجهات نظر  ولكن كانت مهمشة في الفترة الأخيرة.

أعد التقرير: عبد الحفيظ سعد ـ أحمد فوزي