يصعب جدا على الساسة، خاصة في الدول الحاضنة للاجئين. أن يظهر أحدهم إعلاميًا، ويدلي بتصريحات رنانة، دون علم أو دراية بحال الشارع والمواطنين. ودون أن يعرف هل سيلاقي هذا التصريح استحسان أم استهجان. ولكن، لكل قاعدة زلات، وعادة ما تكون تلك الزلات سببا في استهجان واسع النطاق.

في منتصف الشهر الماضي، نشر الرئيس الأمريكي جون بايدن تغريدة. قال فيها إنه زار اللاجئين الأوكرانيين في بولندا و “لا تحتاج لأن تتكلم نفس لغتهم لتعرف ما يشعرون به”، ورغم هذا سبقه ترامب الذي تحدث في خطابات سابقة حول أن اللاجئين “لا يستخدمون نفس اللغة مثل الأمريكيين”. بل وامتد الأمر إلى أسقاط الصورة النمطية على اللاجئين. فوصف الرئيس الأمريكي السابق المهاجرين المكسيكيين بأنهم “مجرمين”.

هل حقًا اللغة عائق؟ هل يُشّكِل حاجز اللغة أزمة حقيقة؟ هذا هو السؤال الذي نحاول الإجابة عليه اليوم.

لا يمكن لعاقل إنكار أهمية اللسان في التواصل. بل إن العلم يقول لنا إن التواصل يواجه عدة حواجز. منها المادة، الإدراك، العاطفة، الثقافة، اللغة. وبالطبع، الحواجز بين الجنسين، والحواجز الشخصية. حتى الأشخاص الذين يتحدثون لغات أصلية في مناطق مختلفة من نفس البلد يواجهون مشكلة اللهجات. وهي مثال آخر على حاجز اللغة، حيث يمكن للناس من الناحية الفنية التحدث بنفس اللغة، لكنهم ما زالوا يواجهون سوء الفهم، وثغرات في التواصل بسبب الاختلافات الجدلية.

اقرأ أيضا: أغيار أوروبا.. الحرب الأوكرانية تكشف أزمة العنصرية في الغرب

الحواجز اللغوية

تحدث الحواجز اللغوية عادة عندما لا يستطيع شخصان يتحدثان لغات مختلفة فهم بعضهما البعض. وهناك انهيار في اللغة والتواصل، والحاجز اللغوي هو “أي قيود لغوية تخلق الارتباك أو تمنع الفهم”. يمكن أن يشير الحاجز إلى اللغات الوطنية والثقافية، ولكنه قد يشمل أيضا المعرفة المتخصصة أو ضعف النطق.

مهما كان مصدر المشكلة، فمن الأهمية بمكان تحديد الحواجز اللغوية وإدارتها. فعندما لا يشترك الناس في لغة مشتركة، يجب عليهم تطوير تقنيات لتوضيح أفكارهم. وضمان وجود الآخرين على نفس الناحية من القصد.

صعوبة المعيشة قد تبدو أمرا سهلا ولكنه -بشكل تراكمي- قد يجعل اللاجئ يصاب بأزمات نفسية خطيرة نتيجة الإحباط اليومي المتكرر. وهو تأثير آخر الحواجز اللغوية. مثلا، قد يتسبب طلب وجبة بلغة أجنبية في مغادرة المكان عندما لا يفهم النادل الطلب، قد يسأل النادل في أمريكا، “كيف تُفضّل بيضك؟”. تخيل أن المطعم به الكثير من السياح -وليس حتى اللاجئين- الذين ربما لا يعرفون الطرق المختلفة التي يمكن بها طهي البيض. قد يتعين على النادل شرح ذلك أكثر من عشر مرات في اليوم.

في بعض الأحيان، يمكن أن يكون لعدم فهم خلفيات اللغة تأثير كبير على الناس أيضا. مثلًا، لابد من استخدام تعبيرات شرفية للغة اليابانية عند التحدث إلى عميل، ولكنها ليست هي نفسها بالنسبة للغة الإنجليزية. بهذه الطريقة، سيشعر المتحدثون غير الأصليين بالغضب أو الانزعاج من معاملتهم بموقف سلبي.

افتقاد الفهم والقدرة على التواصل

في عام 2007، حذرت المفوضية الأوروبية من أن الآلاف من الشركات الاوروبية قد تخسر أعمالا وتخطئ في حساب عائدات. بسبب ضعف اتقان موظفيها للغات الاجنبية. وأظهرت دراسة للمفوضية أن 11% من الشركات الاوروبية الصغيرة وذات الحجم المتوسط تخسر كل منها نحو 325 ألف يورو على مدار ثلاث سنوات بسبب حواجز وعراقيل الاتصال.

وقال ليونارد أوربان المفوض الاوروبي للتعددية اللغوية -آنذاك- إنه بعيدا من كونها تكلفة غير مرحب بها في الاعمال التجارية. إلا أن الاستثمار في المهارات اللغوية من شأنه تحسين فرص الشركات بشكل كبير. وأضاف إنه مع وجود 23 مليون شركة صغيرة ومتوسطة الحجم في الاتحاد الأوروبي. تضم نحو 50% من العمالة في دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة. فإن زيادة صادراتها قد تمثل تأثيرا مهما على الاقتصاد الاوروبي.

تحد الحواجز اللغوية أيضا من معرفة الأفراد، لأنهم يفتقرون إلى الفهم والقدرة على التواصل. يمنع التدفق الحر للمعلومات، ويمكن أن يؤدي كسر الحواجز اللغوية إلى زيادة الإنتاجية، خاصة في العمل. من الواضح أن الحواجز اللغوية تؤثر على العديد من الشركات. استنادا إلى مقال نشرته مجلة Forbes. وفيه تم التأكيد على أن الحاجز اللغوي يؤدي إلى أضرار اقتصادية.

جمعت منظمة BRYCS في فبراير/شباط. 25 شابا لاجئا في واشنطن العاصمة. لتحديد ومناقشة أكبر الحواجز التي يواجهونها للتكيف مع الحياة في أمريكا. كان الحاجز الأول الذي تم تحديده هو تعلم اللغة الإنجليزية. جاءت جميع هذه الحواجز والأسباب والآثار والحلول من الشباب اللاجئين أنفسهم، وتشكل الحواجز اللغوية تحديا خطيرا يواجه العديد من اللاجئين. لأنها غالبا ما تخلق سوء فهم ويمكن أن تجعل اللاجئين يشعرون بالعزلة.

اقرأ أيضا: أزمات ترحيل الإريتريين في مصر.. مخاوف حقوقية واعتبارات أمنية

صعوبة استخدام اللغة الجديدة

توصل اللاجئين إلى أن أحد الأسباب الرئيسية هو تعليم اللغة الإنجليزية أو عدمه. في كثير من الأحيان، لا يتم منح اللاجئين ما يكفي من الوقت -أو الفرصة- لتعلم اللغة الإنجليزية قبل مجيئهم إلى الولايات المتحدة. إذا كانت هناك دروس في اللغة الإنجليزية في مخيمات اللاجئين، فإنها لا تركز على اللاجئين الشباب. وهناك القليل جدا من الدعم أو المتابعة مع هذه الفصول.

سبب آخر برز خلال المناقشات، هو عدم وجود فرصة لممارسة اللغة الإنجليزية في منطقة آمنة وخالية من الأحكام. غالبا ما يتعرض اللاجئون للترهيب والخوف من استخدام اللغة الإنجليزية. أبلغ العديد من اللاجئين الشباب عن السخرية منهم عندما يكافحون مع اللغة. مما يعطلهم بعد ذلك عن الممارسة. لا يمكنهم في كثير من الأحيان ممارسة اللغة الإنجليزية بخصوصية في منازلهم، لأن أفراد أسرهم لا يتحدثونها أيضا.

هكذا، يمكن أن تجعل الحواجز اللغوية اللاجئين يشعرون بالعزلة واليأس ومعادة للمجتمع. ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الاكتئاب. كما أن النضال من أجل التحدث والفهم، يجعل من الصعب على اللاجئين تكوين صداقات مع أقرانهم الأمريكيين. ويمكن أن يجعلهم -للأسف- هدفا للتنمر. كما يؤدي إلى انعدام الثقة، مما يمنع الكثيرين من التحدث والمشاركة في الفصل. ويضيع في نهاية المطاف فرص العمل والتعليم.

بالطبع، يتأثر اللاجئون الشباب بالحاجز اللغوي لوالديهم أيضا. إذا كان آباؤهم يكافحون مع اللغة الإنجليزية، فغالبا ما يتعين على الأطفال العمل كمترجمين فوريين. وتحمل المزيد من المسؤولية في المنزل.

كيف يُمكن التغلب على الحواجز؟

يعرف كل مهاجر أن مفتاح الاندماج هو تعلم لغة بلده الجديد. بالنسبة للكثيرين، فإن اللغة التي أحضروها معهم هي ببساطة بقايا حياتهم السابقة.

يمكن للمدارس وضع برنامج توجيه للاجئين، حيث تتعاون مع طالب أمريكي لممارسة اللغة الإنجليزية. يمكنهم أيضا استخدام المدرسة الصيفية كوقت لتدريس اللغة الإنجليزية وزيادة الكفاءة. يمكن للمدارس أيضا جعل فصول اللغة الإنجليزية كلغة ثانية أكثر اعتمادا على النشاط وتقديمها أكثر من مرة في اليوم.

أيضا، يمكن لوكالات اللاجئين التي تدير المخيمات بدء دروس اللغة الإنجليزية في سن مبكرة، والحصول على دروس في اللغة الإنجليزية تركز على تعليم الشباب، وضمان تدريس النطق في هذه الفصول. يمكنهم أيضا مساعدة اللاجئين في العثور على دروس اللغة الإنجليزية أثناء انتظار إعادة التوطين.

أما عن دور المجتمعات ووكالات إعادة توطين اللاجئين. فتستطيع تنظيم أحداث خاصة للتواصل وتعزيز الاندماج. يمكنهم أيضا تشجيع الشباب على الانضمام إلى فرق كرة القدم. وغيرها من الأنشطة التي من شأنها أن تسمح للشباب بممارسة اللغة الإنجليزية في بيئة خالية من الضغط.

كمثال، في إسبانيا، وتحديدا في برشلونة. أخذ بعض الشباب الموضوع على عاتقهم بشكل أكبر. حيث قاموا منذ عام 2020 بمشروع pro-llengua materna، من أجل القادمين من شمال وغرب أفريقيا. لتشجيعهم على اكتساب الثقة من خلال مساعدتهم على تعليم لغتهم الأم. اللغات البربرية، أو الأمازيغية، أو اللغات المحلية الخاصة بسكان القبائل الأفريقية.

يقع المشروع في “ناو بوستيك”، وهو مصنع غراء سابق يضم الآن مجموعة من المبادرات الثقافية والمجتمعية. مفتوح للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و23 عاما، والعاطلين عن العمل، والمعرضين لخطر الاستبعاد الاجتماعي. حوالي الثلثين هم مهاجرون غير شرعيون وأكثر من 80% ليس لديهم دخل. يخضع المرشحون الناجحون لدورة تدريبية لمدة أربعة أشهر ليصبحوا معلمين. وبعد التدرب على المتطوعين، يبدأ هؤلاء في أخذ دروس من خمسة طلاب يدفعون رسوما رمزية تمنح المعلمين دخلا، إلى جانب بعض الإعانة العامة.