يقول الشاعر بيرم التونسي، وهو يتعرض لأهمية حرية التعبير وممارسة حق النقد، ولولا النقاد لهلك الناس، وطغى الباطل على الحق، ولا امتطى الأراذل ظهر الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال.

يٌعد الحق في النقد من أهم صور حرية الرأي والتعبير حال ممارسته بشكل جيد ومتسق مع أحكامه وقواعده الموضوعية، والنقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به والحط من كرامته، ولما كان لحرية الرأي والتعبير قيمة عليا في حياة الناس، وهي من مصادر الخلق والإبداع وتنمية الخيال الأدبي والفني في كل الاتجاهات الممكنة، فضلاً عن انها تعطي الأمل والثقة للناس في قيام نظام اجتماعي وسياسي سليم يحترم الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبي. وتعطي حرية التعبير للإنسان قدرة المشاركة بإخلاص وفعالية في الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة في دفع التقدم الاجتماعي إلى الأمام مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعي وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة القائمة على المصالح الشخصية البحتة التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات.

وحيث إنه من المقرر كذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة عليه نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها، بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها -وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ، فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزماً ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبا · فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير.

وقد تطرقت محكمة النقض المصرية منذ زمن بعيد إلى تعريف حق النقد بشكل عام، وذلك في حمها بتاريخ 10 يناير لسنة 1938 ، فقالت بأنه ” إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته، فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكونا لجريمة سب أو إهانة أو قذف حسب الأحوال”.

وأهم الاشتراطات اللازمة والواجب توافرها لممارسة حق النقد هي: أن يستعمل الناقد في نقده العبارة الملائمة التي لا تمتد إلى شخص صاحب العمل، فتمس شرفه واعتباره دون مقتضى لذلك من تقييم العمل ذاته، وهو ما أطلقت عنه محكمة النقض قولها: إن نقد الرجال العموميين نفسه لا يباح فيه الخروج على ممارسة القانون باستعمال السب والشتائم، وأنه إذا كان للإنسان أن يشتد في نقد أخصامه السياسيين، فإن ذلك يجب ألا يتعدى حق النقد المباح.

وكما تقتضي المصلحة العامة كشف حقيقة الشخصيات العامة غير المؤهلة للقيام بالعمل العام أو تمثيل الجمهور. وممارسة الحق في نقد القائمين على العمل العام من هذه الشخصيات هو نوع من الرقابة الشعبية، وقد أعلت محكمتنا الدستورية من قيمته بقولها في القضية رقم 42 لسنة 16 قضائية أنه “ومن غير المحتمل أن يكون انتقاد الأوضاع المتصلة بالعمل العام تبصيرا بنواحي التقصير فيه، مؤديا إلى الأضرار بأية مصلحة مشروعة. وليس جائزا بالتالي أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة. أو مواطن الخلل في أداء واجباتها. ذلك أن ما يميز الوثيقة الدستورية، ويحدد ملامحها الرئيسية، هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها، ولا يفرضها إلا الناخبون. وكلما نكل القائمون بالعمل العام – تخاذلا أو انحرافا – عن حقيقة واجباتهم مهدرين الثقة العامة المودعة فيهم، كان تقويم اعوجاجهم حقا وواجبا مرتبطا ارتباطا عميقا بالمباشرة الفعالة للحقوق التي ترتكز في أساسها على المفهوم الديمقراطي لنظام الحكم، ويندرج تحتها محاسبة الحكومة ومساءلتها، وإلزامها مراعاة الحدود والخضوع للضوابط التي فرضها الدستور عليها”.

إذن فلابد من أن تكون سهام النقد المباح المفيد للمصلحة العامة تقف عند حد التعرض فقط لأعمال الوظيفة، ولا تتطرق إلى الحياة الخاصة للمواطنين بما يمس سمعتهم أو شرفهم، وهو ما يعتبر من قبيل ممارسة حرية الرأي والتعبير، إذ أن لحرية الرأي والتعبير قيمة عليا في حياة الناس، وهي من مصادر الخلق والإبداع وتنمية الخيال الأدبي والفني في كل الاتجاهات الممكنة، فضلاً عن انها تعطي الأمل والثقة للناس في قيام نظام اجتماعي وسياسي سليم يحترم الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبي. وتعطي حرية التعبير للإنسان قدرة المشاركة بإخلاص وفعالية في الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة في دفع التقدم الاجتماعي إلى الأمام مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعي وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة القائمة على المصالح الشخصية البحتة التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات. أما إذا بحثنا عن العلة المفترضة في إباحة النقد بشكل عام نجد أنها تكمن في كون الحق في نقد الشخصيات العامة والقائمين بالعمل العام قد يتم عن طريق الصحافة، ويمكن أن يقع هذا النقد في أثناء اجتماع أو محفل عام أو خلال برنامج بالإذاعة أو التلفزيون. هذه الوسائل الإعلامية تهتم بصفة أساسية بإعلام الجمهور وتعميق الوعي لديه بالشؤون العامة. والشخصيات العامة يوليها الجمهور أهمية خاصة تجعل من حقه أن يعرف عنها أكثر مما يعرف عن الشخص العادي. فإذا كانت الحياة الخاصة للفرد العادي تحاط بسياج قانوني محكم، فإن الحق في حياة الشخصيات العامة وخاصة السياسيين ليس له نفس القوة والإطلاق. وقد أدرك القضاء ما يتميز به نقد الشخصيات العامة بوجه عام والخصوم السياسيين على وجه الخصوص من خصائص تميزه وتجعل هامش التسامح مع هذا النوع من النقد أكثر اتساعا عن نقد الأشخاص العاديين، وإذا كان مجال نقد الشخصيات العامة يتسع عما هو مقرر بالنسبة لنقد الأشخاص العاديين، فإن ذلك يجرى في حدود الغاية وهي تحقيق المصلحة العامة وفي حدود الوسيلة وهي اختيار العبارات التي تتناسب مع تطبيق الغاية المنشودة. فقد صدرت أحكام للقضاء المصري تقاوم فكرة أن يكون للصحافي حرية أوسع في النقد مما يمتلكه المواطن العادي. فقد قضى بأن «حرية الصحافي لا تعدو حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص. ومؤدى هذه الأحكام أن حرية الصحافي غير مطلقة وإن كانت تتسع في بعض الأحيان، فإنها تضيق في البعض الآخر وذلك وفقا لاعتبارات تحقيق المصلحة العامة وحسن النية ومدى اختيار أسلوب المعالجة..