“أوضاع الاقتصاد المصري تتدهور، وهناك عدد كبير من الناس في مصر معرضون لأوضاع معيشية صعبة، وعلينا التأكد من استمرار توفير الحماية الاجتماعية التي تم تخصيصها للوصول إلى هؤلاء الأشخاص” هذه التصريحات أكدتها مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا أمس عن حالة الاقتصاد المصري وعن آفاق المستقبل القريب.
المسئولة الأولى عن صندوق النقد تتوقع أياماً صعبة يعيشها المصريون خلال العام المالي القادم؛ الذي يبدأ في يوليو ٢٠٢٢ مع موازنة العام الجديد.
مصر في أزمة اقتصادية كبرى نتيجة سياسات افتقدت طوال السنوات الماضية للأولويات، وبددت أموالاً طائلة على مشروعات لم تكن ذات أهمية قصوى لشعب يعاني من الفقر والغلاء والبطالة.
استمرت سياسة السلطة الحالية في العمل بدون دراسات جدوى، ولم تقتنع بضرورة وجود مشروعات إنتاجية توفر فرص العمل وتؤمّن فرص التصدير وجلب العملة الصعبة لتفتح آفاقاً لمستقبل أفضل.
في ذروة أزمة اقتصادية شديدة كانت مساحات الاستبداد تتوسع وسجناء الرأي يزيدون عدداً يوماً بعد الآخر؛ ليستمر إهدار الأموال على الأمن السياسي بديلاً عن توفير هذه الأموال في مشروعات أو خدمات يحتاجها المواطن أكثر من أي وقت مضى.
أزمة مصر الكبرى ليست اقتصادية فقط بل هي أزمة سياسية في الأساس، فليس هناك منطق أبداً في هده اللحظة على الأقل في إهدار المليارات على الأمن السياسي والتوسع في بناء السجون رغم وجود ملايين المواطنين تحت خط الفقر، ورغم تراجع الإنفاق طوال السنوات الماضية على الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات التي هي الأصل في بناء أي مجتمع ناهض ومتقدم.
مصر بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة للمرحلة الماضية بالكامل، وفي احتياج شديد لإعادة ترتيب الأولويات والنظر إلى الأزمة الاقتصادية الحالية كجزء من أزمة سياسية أوسع تحاصر المجتمع وقواه الحية، وتختصر البلد ،على تنوعه، في المئات من أهل الولاء بينما الآلاف من أهل الكفاءة خارج المشهد بالكامل.
مصر في حاجة شديدة للخلاص من الحكم الفردي ولدمج المجتمع وقواه في الحكم ولتكن البداية من أربعة أمور فارقة:
أولا: إعادة مراجعة المشروعات الكبرى بالكامل والتوقف ولو مؤقتاً عن استمرار المشروعات التي أنفقت المليارات، على أن يتم توجيه هذه الأموال إلى مشروعات أكثر أهمية وحيوية، مشروعات منتجة تحتاجها البلد بشدة لتساعد في توفير فرص العمل، والتصدير؛ لإنعاش اقتصاد يعيش حالة تردي كبيرة بشهادة المنظمات الدولية ومراكز الأبحاث العالمية.
ثانيا: العودة إلى النص الدستوري الذي يلزم الدولة بالتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم، فهذا هو الاستثمار الحقيقي للمستقبل، ولو أراد البلد أن ينهض فليس عليه أكثر من الإنفاق على مواطن يحصل على تعليم جيد يناسب العصر الذي نعيشه، ومواطن سليم صحياً يستطيع أن يعمل وينتج ولا يخاف من المرض والاحتياج.
ثالثا: التوقف بشكل فوري عن القروض والاستدانة، فحجم الدين الخارجي قد وصل إلى نسب خطيرة تهدد البلد وتلتهم نسبة كبيرة من الموازنة العامة في سداد الديون وفوائدها، والتركيز على التنمية المستقلة التي تستفيد من الموارد المتاحة أقصى استفادة ممكنة؛ بإدارة جيدة تتفهم الأولويات وتحارب كل صور الفساد وتوجه الإنفاق إلى الوجهة المناسبة.
رابعا: إطلاق طاقات المجتمع لتشارك في صناعة القرار عبر إنهاء التسلط والحصار وإطلاق حريات الرأي والتعبير والصحافة والبحث العلمي والأكاديمي، والسماح بدور فاعل للأحزاب والجمعيات والمراكز البحثية، وضمان حق القوى الحية في طرح الرؤى والبرامج والبدائل ليستفيد المجتمع من مؤهلات وتخصصات أبنائه.
هذه هي “روشتة” الإنقاذ التي اتفق عليه كل المتخصصين في هذا الوطن، والتي يؤمن بها كل حريص على مستقبل البلد، وكل مهتم بأن يعيش أبناؤه مستقبلًا أفضل وأرحب يستحقه الشعب المصري بكل تأكيد.