ينتظر مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الذي أدى اليمين الدستورية أمام رئيس البرلمان سلطان البركاني الأسبوع الماضي. في العاصمة المؤقتة عدن بحضور المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، مجموعة من التحديات. في ظل الجدل الواسع الذي أحاط بالقرار المفاجئ بتشكيله وطريقة نقل صلاحيات الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إليه. في خطوة اقتصر فيها دور الأطراف اليمنية على التنفيذ فقط، للتصور المولود داخل أروقة صناعة القرار السعودي والاماراتي. في مقابل الجبهة الأخرى المتمثلة في جماعة أنصار الله “الحوثيين” والتي تأتي كافة قراراتها ومواقفها من العاصمة الإيرانية طهران.
توافق شكلي
يعد التحدي الأكبر أمام المجلس الجديد رغم التشكيلة التي تبدو توافقية وممثلة لكافة مكونات معسكر الشرعية، هو استقلالية القرار اليمني. واتخاذ قرارات من منظور يمني خالص يراعي في المقام الأول مصالح الدولة اليمنية وهو الأمر الذي يبدو مستحيلا. في ظل تبعية أعضاء المجلس بشكل كامل للسعودية والإمارات، فخطوة تشكيل المجلس نفسها أحاطها الكثير من الجدل. في ظل ما كشفته تقارير دولية عن احتجاز الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادى بمقر إقامته بالرياض من جانب السلطات السعودية. وإجباره على نقل صلاحياته للمجلس الجديد الذي لم يكن يعلم أي شيء بشأنه. وكذلك لم يكن نتاج اجتماع مئات الساسة اليمنيين الذين كانوا يجتمعون للتشاور في العاصمة السعودية.
وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية فإن الرياض دفعت الرئيس اليمني للتنحي واحتجزته في منزله، وقيدت الاتصالات معه. مشيرة أنه تم تهديده بإبراز دليل يثبت فساده إن لم يوقع على مرسوم تنحيه عن الحكم لمصلحة مجلس قيادة. وهو المرسوم الذي تمت صياغته في مكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
بخلاف الولادة المشوهة للمجلس الجديد تمثل ولاءات أعضائه الخارجية والموزعة بين الرياض وأبوظبي. تحدي يصعب معه اتخاذ قرارات من شأنها الوصول لحلول حقيقية للأزمة اليمنية، التي دخلت عامها الثامن. وهو ما ظهر منذ اللحظة الأولى مع أداء اليمين الدستوري بعدما أصر عيدروس الزبيدي. رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي على حذف مفردتي “الوحدة” و”الجمهورية”، من الصيغة الدستورية للقسم.
موقف الزبيدي لم يكن زلة لسان، وإنما جاء تعبيرا عن توجه راسخ. وهو ما أكده محمد الغيثي عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، ورئيس الإدارة الخارجية للمجلس. قائلا: إن “الوحدة مشروع فشل”، وذلك قبل أن يكشف. عضو وحدة شؤون المفاوضات في المجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد الربيزي، عن مفاجأة أخرى. بقوله: إن “اليمين الدستورية التي أداها الزبيدي جاءت منسجمة مع ما ورد في نتائج مشاورات الرياض. التي لم تشر إلى فرض الوحدة على أي طرف من أطراف التشاور”.
مجلس يمني بنكهة سعودية إماراتية
يضم المجلس الجديد ثلاثة أعضاء معروفين بتبعيتهم وولائهم الكامل للإمارات، رغم تضارب أهدافهم ومصالحهم. أولهم عيدروس الزبيدي الذي تعد قضيته الأولى هي انفصال جنوب اليمن عن شماله. فالرجل الذي عينه منصور هادي محافظا للعاصمة المؤقتة عدن قبل أن يقيله، اتجه مع آخرين إلى تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي. بدعم وتمويل من الإمارات، ويقود تشكيلات عسكرية كبيرة أنشأتها أبو ظبي. مثل الحزام الأمني وألوية الدعم والإسناد التي خاضت مواجهات ضد القوات التابعة للحكومة الشرعية لتسيطر في النهاية على عدن وعدد من المحافظات.
أما الشخصية الثانية فهو قائد المقاومة الوطنية طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح. والذي تولى قيادة الحرس الخاص واللواء الثالث حرس جمهوري إبان حكم عمه حتى إقالته في أبريل/نيسان 2012. ومع اندلاع الحرب اصطف إلى جانب الحوثيين وقاتل بضراوة قوات تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والقوات الحكومية الموالية لها. لكن عقب تفكك التحالف بين عمه والحوثيين والذي انتهى بمقتل الرئيس اليمني السابق. على أيديهم أواخر عام 2017 اضطر طارق صالح للفرار وبعد فترة ظهر مجددا. ثم عاد إلى عدن بحماية إماراتية، لينتقل إلى الساحل الغربي، وشكل هناك بدعم إماراتي قوات المقاومة الوطنية.
ثالث الشخصيات اليمنية في المجلس، والموالية للإمارات هو قائد ألوية العمالقة ذات التوجه السلفي عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي. والذي جاء تعيينه قائدا لقوات العمالقة من قبل الإمارات، رغم معارضة عدد من القيادات العسكرية.
حصة سعودية خالصة
أما الأعضاء الأربعة الأخرين في المجلس فهم حصة سعودية خالصة، ويتصدر تلك الشخصيات محافظ مأرب الغنية بالنفط. والتي تعد المعقل الأخير للحكومة شمالي اليمن اللواء سلطان العرادة، إضافة إلى اللواء فرج البحسني. وهو عسكري سابق في جيش دولة جنوب اليمن أعاده الرئيس السابق هادي من السعودية وعينه قائدا للمنطقة العسكرية الثانية عام 2015. قبل أن يضيف له منصب محافظ المحافظة عام 2017.
كما ضم المجلس عثمان مجلي عضو البرلمان عن حزب المؤتمر ووزير الدولة والزراعة السابق. حيث يعرف الرجل المنحدر من محافظة صعدة بقربه من السعودية.
العضو الرابع في المجلس هو عبد الله العليمي، والذي ينحدر من محافظة شبوة، والذي شغل في وقت سابق منصب مدير مكتب الرئيس هادي.
هذا بخلاف رئيس المجلس رشاد العليمي المولود في محافظة تعز عام 1954 والذي سيكون الرئيس الثالث لليمن منذ توحيده عام 1990. بعدما سبقه كل من علي عبد الله صالح وعبد ربه منصور هادي.
وعُين العليمي الذي كان مقربا من صالح، قبل أن ينشق عنه مع بداية عمليات التحالف في اليمن، مستشارا لهادي. وخلال سنوات الحرب ظل مقيما بين العاصمتين السعودية الرياض والمصرية القاهرة.
مخالفة دستورية
قرار هادي بنقل صلاحياته إلى مجلس جديد تشوبه مخالفة دستورية، فوفقا لخبير القانون الدولي والدستوري، محمد على السقاف. فإن الإعلان الرئاسي الصادر بتاريخ 7 أبريل/نيسان 2022 لا علاقة له بالدستور اليمني الذي لم يخول لرئيس الجمهورية أي صلاحيات. للتنازل عن سلطاته لأي طرف آخر إلا بموجب ما هو منصوص عليه في الدستور. الذي يقضي فقط في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية بأن يتولى مهام الرئاسة. لمدة لا تزيد عن ستين يوما وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معًا يتولى الرئاسة مؤقتا.
فعالية مؤسسات الدولة
بعيدا عن الولادة المثيرة للجدل، للمجلس القيادي الجديد يطمح المجلس إلى استثمار حالة التوافق الشكلية الناجمة عن نقل السلطة. ووجود القوى الفاعلة كافة تحت مظلة واحدة، لإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة من داخل العاصمة المؤقتة عدن.
فللمرة الأولى منذ بدء الحرب، سيعقد مجلسا النواب والشورى أولى جلساتهما من داخل عدن. إذ كان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا يرفض ذلك في السابق.
ومع وجود البرلمان في عدن، قدمت الحكومة التي يترأسها معين عبدالملك، للمرة الأولى منذ بدء الحرب. موازنتها وبرنامجها العام إلى مجلس النواب، ونالت بموجبهما الثقة.
وخلافا للمؤسسات التشريعية، يطمح المجلس الرئاسي إلى تفعيل باقي الوزارات السيادية، وعلى رأسها الدفاع والداخلية والمالية. خصوصا في ظل الآمال بعدم منازعة “المجلس الانتقالي” صلاحيات مؤسسات الدولة. حيث ظل يسيطر على القرار الأمني والعسكري داخل عدن طيلة السنوات الماضية، كما قام بتشكيل مؤسسات خاصة كانت تقوم بجبايات غير قانونية.
تشبث بالهدنة وتحويلها لاتفاق دائم
يمثل تحويل الهدنة الإنسانية التي دخلت أسبوعها الثالث، إلى وقف دائم لإطلاق النار وفتح مسار تفاوضي مع “الحوثيين”. تحدي كبير أمام المجلس الجديد.
فالبرغم من الانحسار الكبير للأعمال القتالية خلال الأيام الماضية من الهدنة، إلا أن الجماعة الموالية لإيران. لم تتوقف عن ممارسة التشويش عليها بالخروقات تارة والتصريحات العدائية تارة أخرى.
النهج الحوثي اعتبرته الحكومة اليمنية المعترف بها، “محاولة لإغلاق أي نافذة أمل أمام السلام، تنفيذا للأجندة الإيرانية”.
مع الساعات الأولى من تولي المجلس الجديد مهامه، كان كبير المفاوضين “الحوثيين”، محمد عبدالسلام، يوجه اتهامات للتحالف الذي تقوده السعودية. بمنع وصول أي طائرة إلى مطار صنعاء وعرقلة دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة. بالمخالفة لنصوص اتفاق الهدنة التي تمت برعاية أممية، زاعما أن “الطيران التجسسي” للتحالف شن تسع غارات. فيما شهدت محافظة مأرب ثلاث عمليات زحف برية للقوات الحكومية، وهو ما نفاه مسؤولون بالحكومة. مؤكدين أنه تم إصدار تصاريح بدخول سبع سفن وقود خلال أسبوعين، من أصل 18 سفينة يفترض أن تدخل خلال شهري الهدنة، كما هو متفق عليه.
بالإعلان الرئاسي الخاص بنقل صلاحيات هادي، وجد المجلس الجديد نفسه أمام تحديث صعب للغاية. بعدما اعتبر الحوثيين كبير مفاوضيهم الإجراءات الأخيرة والتي تصدرها تشكيل المجلس. أنها “لا علاقة لها باليمن، ولا بمصالحة ولا تمت للسلام بأي صلة. وإنما تدفع نحو التصعيد من خلال إعادة تجميع ميليشيا متناثرة متصارعة في إطار واحد يخدم مصالح الخارج ودول العدوان”.