شهد اليمن تطورات سياسية متلاحقة هذا الشهر، بدأت بتنحي الرئيس عبد ربه منصور هادي عن منصبه في 7 أبريل/نيسان. ثم تولى المجلس الرئاسي المؤلف من 8 أعضاء، مهامه بعد 12 يومًا من التنحي وفي جلسة برلمانية نادرة بالعاصمة المؤقتة عدن.

ويقود الفترة المقبلة السياسي رشاد العليمي رئيسًا للمجلس المتوقع أن يدير فترة انتقالية تستهدف معالجة القضايا الشائكة. ذلك إلى جانب الخدمات العامة المتداعية وهبوط العملة. وكذا المفاوضات مع الحوثيين المدعومين من إيران.

وقد رحبت السعودية والإمارات بنقل السلطة إلى المجلس الرئاسي. كما وعدتا بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار لدعم البنك المركزي اليمني.

وحاليًا، يتمتع اليمن باتفاقية هدنة لمدة شهرين بوساطة الأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهو ما يمثل أول وقف إطلاق نار منذ ست سنوات. الأمر الذي يرفع الآمال في الحد من العنف وتحسين الأزمة الإنسانية الرهيبة في البلاد، التي تفاقمت بسبب التداعيات العالمية للأزمة المستمرة في أوكرانيا.

ومع ذلك، فإن المدافع لم تصمت أبدًا. حيث استأنف الحوثيون مؤخرًا هجماتهم على مأرب. كما أظهرت الجماعة المتمردة مرارًا وتكرارًا أنها تستطيع مهاجمة البنية التحتية في الأراضي السعودية والإماراتية بطائرات دون طيار وصواريخ باليستية. في حين أن القتال لم يكن شديدًا كما كان من قبل. الأمر الذي يثير تساؤلات حول نوايا المجموعة واحتمال وقف إطلاق النار بشكل دائم في المستقبل القريب، استطلع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) آراء باحثيه الخبراء في سياسات الشرق الأوسط والخليج العربي بشأنها. وكذلك حول الرغبة السعودية والإماراتية في تحديد استراتيجية مشتركة لإنهاء الصراع الذي امتد عبر الخليج وتحول إلى مستنقع.

المجلس الرئاسي في اليمن
المجلس الرئاسي في اليمن

محاولة ضعيفة لتوحيد مناهضي الحوثيين في اليمن

يقول الباحث في الشأن اليمني ريمان الحمداني إن المجلس الرئاسي الذي تم إنشاؤه حديثًا في اليمن محاولة ضعيفة لتوحيد الفصائل المناهضة للحوثيين على أساس الانتماءات الجغرافية والسياسية. بيد أن عيبها الرئيسي هو أنها لا تمثل الجماعات والمناطق السياسية اليمنية تمثيلًا حقيقيًا.

ومع ذلك، لنفترض أن أعضاء هذا المجلس يتحركون بجدية لحل خلافاتهم الكبيرة والعمل معًا لتعزيز شرعية الحكومة المعترف بها دوليًا على الأرض. مثل تعزيز مؤسسات الدولة وتعزيز تقديم الخدمات العامة. في هذه الحالة، قد يكون المجلس قادرًا على التقليل من القضايا الاقتصادية والإنسانية والأمنية.

لكنه ينصح مراقبي اليمن بضرورة أن يكونوا متفائلين بحذر بشأن قدرة المجلس على حل العضلة اليمنية. والأهم من ذلك، أن يتفق المجلس مع الحوثيين على مستقبل اليمن، على حد قوله.

ريمان الحمداني
ريمان الحمداني

انضم ريمان الحمداني إلى مركز السياسة اليمنية كزميل باحث في عام 2019. وكان سابقًا زميلًا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مع التركيز على اليمن. يتجه عمله الأكاديمي والمهني نحو قضايا الأمن والتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

المساعدات لن تحل هشاشة اليمن الاقتصادية

وفق الباحث آدم بارون، فإن حزمة المساعدات البالغة ثلاثة مليارات دولار التي تعهدت بها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية لدعم البنك المركزي اليمني يمكن أن تقطع شوطًا طويلًا في تخفيف الأزمة المستمرة في القطاع النقدي في البلاد. فضلًا عن تعزيز الجهود لمكافحة الأزمة الإنسانية.

لكن تظل خطوة واحدة فقط ولا يزال اليمن بحاجة إلى خطوات أكثر شمولًا لمعالجة القضايا الهيكلية الأكثر منهجية التي تقيد الاقتصاد اليمني. إذ لا تزال الحكومة اليمنية تفتقر إلى الإيرادات الكافية لتجنب الإفلاس النسبي.

وتداعيات الصراع الدائر حاليًا لا تزال تخنق القطاع الخاص اليمني، والتنمية، والاستثمار الأجنبي. ومن المرجح أن تستمر هذه التحديات في التأثير بعمق على الاقتصاد اليمني حتى يتم التوصل إلى تسوية أكثر شمولًا.

آدم بارون
آدم بارون

آدم بارون كاتب ومستشار ومحلل سياسي يركز على الشرق الأوسط مع التركيز على اليمن والخليج. وهو حاليًا زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وزميل برنامج الأمن الدولي في مؤسسة أمريكا الجديدة.

الحديث المتواصل بين السعوديين والحوثيين يضمن بقاء وقف إطلاق النار باليمن

يقول الباحث عبدالغني الإرياني إن حركة أنصار الله (الحوثي) منظمة سرية ومبهمة لا تشجع النقاش العام حول القضايا العامة. لذلك، لا يسعنا إلا تخمين استراتيجيتهم الحقيقية وموقفهم الحقيقي من وقف إطلاق النار.

وبشكل عام، هناك فصيلان في الحركة، الجهاديون والبراجماتيون. أما الجهاديون فلديهم مهمة الألفية أن يقاتلوا حتى يحرروا مكة والمدينة والقدس. بينما يقدر البراجماتيون الحاجة إلى إنهاء الحرب. حيث وصل السكان الخاضعون لسيطرتهم إلى أقصى حدود التحمل.

ويرى الإرياني أن الانتكاسات الأخيرة والخسائر الفادحة في الأرواح خلال حملة الحوثيين العسكرية التي استمرت عامين للسيطرة على مدينة مأرب، قد أدت إلى تقوية البراجماتيين وجعلهم أقرب إلى طاولة السلام. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن المفاوضات السرية الجارية مع المملكة العربية السعودية في مسقط تتجه نحو صفقة. وهو يقول إن وقف إطلاق النار سيستمر طالما يواصل الحوثيون والسعوديون الحديث.

عبد الغني الإرياني
عبد الغني الإرياني

باحث أول بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، يركز على عملية السلام وتحليل الصراع وتحولات الدولة اليمنية. يتمتع الإرياني بأكثر من ثلاثة عقود من الخبرة كمستشار سياسي وتنموي.

قبل انضمامه إلى مركز صنعاء، عمل مع الأمم المتحدة في مكتب المبعوث الخاص للأمين العام لليمن، ومع بعثة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الحديدة، وكذلك مع البنك الدولي على القضايا المتعلقة بالنزاع في اليمن. وقد أجرى أبحاثًا حول الإصلاح الدستوري، ومكافحة الفساد، والحوكمة، وقدرات الحكومة، وبناء الدولة، وإدارة النزاعات وحلها، فضلًا عن التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

الرياض وأبوظبي: أهداف واحتياجات مختلفة

تقول إليونورا أرديماجني، الخبيرة في شؤون اليمن ودول الخليج، إنه بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات، لهذه الهدنة هدفين: وقف تصعيد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار. مع توحيد جبهة يمنية حقيقية مناهضة للحوثيين.

وكلا هذين الهدفين صعب التحقيق، رغم أن الهدنة خطوة مشجعة. فلن يكون لدى المملكة العربية السعودية استراتيجية خروج عسكري قابلة للتطبيق من اليمن طالما استمر الحوثيون في ضرب المملكة والأهداف الاقتصادية في البحر الأحمر. ويظل أمن الحدود هو الهدف الأساسي للرياض.

في العقد الماضي، تقلص النفوذ السعودي في اليمن: يهدف تعيين المجلس الرئاسي أيضًا إلى تعزيز مكانة المملكة في العملية السياسية.

وبالنسبة لدولة الإمارات، فإن الواقع هو عكس ذلك تمامًا: اكتسبت أبو ظبي نفوذًا ملحوظًا في اليمن بسبب الحرب. والإماراتيون مستعدون حاليًا للحفاظ على الإسقاط الجيوستراتيجي الذي حصلوا عليه بسواحل وجزر اليمن.

يتم التأكيد على نفوذ الإمارات أيضًا من خلال وجود العديد من القادة العسكريين المدعومين من الإمارات في مجلس إدارة المجلس الرئاسي. بينما تدخل الهدنة حيز التنفيذ، فإن إطلاق قوة المهام المشتركة 153 بقيادة الولايات المتحدة في البحر الأحمر، باب المندب، خليج عدن، يتناسب مع الاستراتيجيات السعودية والإماراتية في اليمن: وهو (أيضًا) يستهدف تهريب الأسلحة، وبالتالي إرسال رسالة إلى الحوثيين وإيران.

إليونورا أرديماجني
إليونورا أرديماجني

إليونورا أرديماجني زميلة أبحاث مشاركة في ISPI، ومساعد تدريس (“تاريخ آسيا الإسلامية” – “صراعات جديدة”) في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، وهي أستاذ مساعد في شؤون اليمن في ASERI (كلية الدراسات العليا للاقتصاد والعلاقات الدولية).

امتداد الحرب الأوكرانية إلى اليمن

تقول الباحثة ياسمين فاروقي إن اليمن شهد بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم قبل الحرب في أوكرانيا. “عندما زرت البلاد مؤخرًا، رأيت تداعيات الصراع الطويل، والاقتصاد البائد، والنقص في التمويل الإنساني. تعيش العائلات على وجبة واحدة في اليوم. تستخدم الأمهات الدقيق وزيت الطهي فقط لإطعام سبعة أفواه. يقوم الرجال بقطع الأخشاب على جانب الطريق لأنهم لا يستطيعون شراء الوقود”.

ونظرًا لأن اليمن يعتمد على أوكرانيا وجيرانها في 40% من إمدادات القمح، فإن الحرب في أوكرانيا ستخلق مشكلة في الإمداد. لكن الحقيقة هي أن هذه الموارد كانت بالفعل بعيدة المنال بالنسبة لمعظم العائلات اليمنية لأنها لم تكن قادرة على تحمل أسعار السلع المرتفعة.

الآن، ومع ذلك، فإن نقص الإمدادات من المواد الغذائية الأساسية والأسمدة يعني أن الوجبات أصبحت بعيدة المنال، مع مستقبل المحاصيل الزراعية التي لا يمكن التنبؤ بها.

وبشكل عام، سيكون التضامن والدعم لأوكرانيا على حساب اليمن والأزمات الإنسانية الملحة الأخرى في جميع أنحاء العالم، على حد قولها.

ياسمين فاروقي
ياسمين فاروقي

هي كبيرة مستشاري السياسات في Mercy Corps. وهي منظمة غير حكومية دولية تعمل في مجال العمل الإنساني والتنمية وبناء السلام، وتتواجد في أكثر من 40 دولة.

تترأس حاليًا حقيبتي أفغانستان واليمن. وقد عملت سابقًا كأخصائية فحص رئيسية في Mercy Corps للاستجابة الإنسانية داخل سوريا. وقبل انضمامها إلى Mercy Corps، عملت كشريك في WestExec Advisors، وهي شركة استشارية جيوسياسية مقرها في واشنطن العاصمة.