في فبراير/شباط 2022 ، التقى وفد من مجلس التعاون الخليجي مع ممثلي طالبان في قطر لأول مرة. وقتها، وصف عبد العزيز العويشق، مساعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والمفاوضات. اللقاء بأنه “لا ينطوي على اعتراف سياسي بالنظام الجديد”. بدلاً من ذلك، قال إن تلبية الاحتياجات الإنسانية ومكافحة الإرهاب هي أمور “ذات أهمية قصوى” بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي.

أبرز اللقاء ارتباط الاهتمام الخليجي بأفغانستان بمخاوف الأمن الإقليمي. والخوف من الآثار العرضية التي يفرضها حكم طالبان على الحركات الإسلامية المتطرفة. وانعكاس ذلك على دول الخليج العربي، والتي تعمل للحفاظ على مصالحها الأمنية. في وقت فشلت فيه الولايات المتحدة في إدارة عواقب انسحابها المتسرع من كابول في أغسطس/آب 2021.

الفراغ الملحوظ، والفوضى التي خلفها الانسحاب الأمريكي، أجبرا دول الخليج على إعادة التفكير في علاقتها مع أمريكا. التي كانت تعتبرها ضامن أمني طويل الأمد. ومع رفاهية الإدراك المتأخر -التي وفرتها أيضًا الأحداث التي حدثت في الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة- بدا من الواضح أن العلاقات الأمريكية- الخليجية مرحلة متزعزعة. نظرًا لإدراك دول النفط أن واشنطن صارت أقل استثمارًا في شؤون الشرق الأوسط.

لذلك، بدأت دول الخليج بالتحوط في رهاناتها على شركاء خارجيين مختلفين. وتتجه نحو المنافسين، وتستفيد من دورهم في أمن الطاقة العالمي.

اقرأ أيضا: استراتيجية جديدة وأزمة ملء الفراغ.. تداعيات الخروج الأمريكي من المنطقة

دور الخليج في أفغانستان بعد 11 سبتمبر/أيلول

تتمتع العديد من دول الشرق الأوسط بعلاقات تاريخية عميقة مع أفغانستان. وقد تطورت بعض أهم الروابط السياسية والشخصية خلال الاحتلال السوفييتي، حيث انضم مقاتلون من جميع أنحاء العالم العربي إلى المقاومة المسلحة الأفغانية. ومع الانسحاب السوفييتي من أفغانستان عام 1988، تدهورت الأوضاع في البلاد إلى حرب أهلية بين الفصائل المتنافسة.

انطلاقًا من هذه الفوضى، انبثقت حركة طالبان المسلحة من المعاهد الدينية في شمال باكستان وجنوب أفغانستان. وبحلول عام 1998، كانت طالبان تسيطر على 90% من أفغانستان. وقتها، حصل نظام طالبان على اعتراف دبلوماسيٍ من السعودية. ومع الإطاحة بنظام طالبان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. نشأ نظام سياسي أدى إلى تغيير طبيعة مشاركة الشرق الأوسط مع أفغانستان.

أرسلت الإمارات فرقة عسكرية تحت رعاية بعثة حلف الناتو التابعة للقوة الدولية للمساعدة الأمنية في عام 2003. وشاركت في مهام التدريب والدعم، وفي بعض الأحيان وجدت نفسها في مواجهة مسلحة مع متمردي طالبان، إلى أن انتهت مهمة القوة الدولية للمساعدة الأمنية في ديسمبر/كانون الأول 2014. ثم عززت وجودها بمدربين عسكريين في عام 2018.

أيضا، كان لدول الخليج سجل ثابت وملحوظ في توسيع نطاق المساعدات الإنسانية لأفغانستان. رغم موجات المد والجزر للسياسة المتشرذمة في البلاد. وظهرت الدبلوماسية النقدية، التي أعقبت الإطاحة بحكومة طالبان الأولى في أعقاب الغزو الأمريكي. كإظهار لدعم الانتقال السياسي الذي تقوده الولايات المتحدة. فقد التزمت الإمارات بنسبة 14% من إجمالي مساعداتها الخارجية في عام 2009. بينما تملك السعودية تاريخ حافل في حشد المانحين لأفغانستان، من المشاركة في رئاسة مؤتمر 2002 في طوكيو. إلى حث أعضاء منظمة التعاون الإسلامي/ OICمؤخرًا على إنشاء صندوق ائتماني إنساني للبلاد.

كذلك، لم تدخر قطر والكويت أي جهد في تقديم المساعدة. فالدوحة كانت ثابتة في شحن المساعدات الغذائية والطبية. بالإضافة إلى مساهمات مالية بقيمة 50 مليون دولار أمريكي. في حين أصدرت الكويت قروضًا وصرفت الأموال من أجل الأمن الغذائي.

مساعدة أمريكا على خروج آمن

خلال الانسحاب من أفغانستان، تمكنت الولايات المتحدة من استخدام قواعدها ومنشآتها العسكرية في جميع أنحاء الخليج. بما في ذلك قاعدة العديد الجوية في قطر، والقوات البحرية الأمريكية في البحرين، ومعسكر عريفجان في الكويت. لضمان المرور الآمن لمواطنيها من أفغانستان.

يشير بلال صعب، الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن. إلى أنه على الرغم من الانتقادات الموجهة لدول الخليج بسبب “مساهماتها العسكرية الضئيلة”. في حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة، والموجهة إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. فإن الأنظمة الملكية “تستحق الكثير من الثناء” لحمايتها.

في الوقت نفسه، يلفت كيرستن فونتينروز من المجلس الأطلسي إلى “المصالح الجماعية” التي دفعت الإمارات لنقل 39000 شخصًا جواً. بينما فوجئت بمدى سوء أداء الانسحاب الأمريكي. والشعور بأن أبوظبي “سئمت التنظيف بعد الأخطاء من الآخرين”. يلفت إلى أن الإدارة السيئة -التي نتج عنها وضع اللاجئين الحالي- لن تؤدي إلا إلى تعقيد العلاقات بين الولايات المتحدة والخليج.

بدا هذا في الأفق عندما احتج مئات الأفغان في منشأة إماراتية في فبراير/ شباط على عملية إعادة التوطين المطولة. والذين كان من المفترض أن تنقلهم إلى أمريكا. وفقًا للنتائج التي توصلت إليها منظمة Rise to Peace، غير الحكومية. فإن الظروف داخل مدينة الإمارات للخدمات الإنسانية -حيث يسكن المهاجرون الأفغان- هي “أقل من كافية”.

في حين أعادت إدارة بايدن برنامج قبول اللاجئين -الذي تم تفكيكه في ظل إدارة ترامب- جاء الحد الأقصى للقبول البالغ 125000 لاجئ الذي تم الإعلان عنه في أكتوبر/تشرين الأول 2021. تم استبداله الآن ببيانها الأخير الذي تعهد بقبول ما يصل إلى 100000 لاجئ أوكراني. وصف ديفيد فيتزجيرالد في كتابه “ملاذ بعيد المدى/ Refuge Beyond Reach”، استقبال اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنه “هندسة النفور”. في استعارة لمنع الغرب اللاجئين من الوصول إلى أراضيه. الآن، إذا تم التعجيل بعملية إعادة توطين الأوكرانيين. فلن يؤدي ذلك إلى زيادة فضح التحيز الغربي فحسب، بل أيضًا إلى خلق توترات مع دول الخليج التي تستضيف الأفغان على أساس مؤقت.

اقرأ أيضا: الدور التركي في الاعتراف بـ “إمارة طالبان الإسلامية”

 صراع النفوذ الخليجي-الإيراني

في ورقة بحثية أعدها كليمنس تشاي زميل باحث في معهد الشرق الأوسط، جامعة سنغافورة الوطنية. يلفت إلى أن الاستقرار الإقليمي يظل مصدر قلق رئيسي لدول الخليج. يُفهم الاستقرار هنا على أنه ينطوي على عنصرين متداخلين في الوضع الداخلي لأفغانستان. حيث تظل دول الخليج حذرة من كيفية تطور الحكم في ظل حكم طالبان. وما إذا كانت البلاد ستنزلق إلى قائمة الدول الفاشلة.

يقول تشاي: مع استسلام سوريا ولبنان وليبيا واليمن لعدم الاستقرار. وحيث تشارك دول الخليج الفردية -في مرحلة ما- في حروب أو منافسات بالوكالة. ستكون الأنظمة الملكية حذرة بشأن تخصيص موارد إضافية لصراع إقليمي آخر. إن التهديد الذي تتعرض له هذه الدول من أفغانستان، يلقي بظلاله على التهديد من العراق. سواء في قرب الأخيرة من دول الخليج، أو في درجة النفوذ الذي تمارسه إيران هناك.

يُضيف: تتمتع إيران وطالبان بعلاقة عمل، نظرًا لاهتمامهما بإدارة مصادر التوتر الثنائي. بما في ذلك السياسات المائية، والتهديدات المشتركة، ولا سيما تهديد داعش -حيث تنظيم ولاية داعش في خراسان التي تشمل شمال أفغانستان وشمال شرق إيران- لكن النفوذ الإيراني – الشاغل الرئيسي لدول الخليج والولايات المتحدة- أعمق نسبيًا في العراق.

في الوقت نفسه، لا يزال تهديد تنظيم القاعدة، وولادة أفغانستان من جديد كملاذ آمن للإرهابيين. من الاعتبارات المهمة في التعاون الأمريكي- الخليجي. حيث أن احتمال إعادة تجميع تنظيم القاعدة سيكون بمثابة علامة تنذر بالسوء بالنسبة لدول الخليج. وفقًا للتقديرات، يُجمع كبار مسؤولي البنتاجون أن القاعدة يمكن أن “تعيد تشكيلها في غضون عامين”.

في كتابه “الحرب الأمريكية في أفغانستان”، ذكر كارتر ملكاسيان -الذي كان مستشارًا سياسيًا سابقًا للقوات الأمريكية في أفغانستان- أنه، كجزء من الوفد المفاوض على اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير/شباط 2020. تلقى سلسلة من الأسئلة “المثيرة للقلق عن غير قصد” من ممثل طالبان -كما وصفها-. مشيرة إلى “مدى قرب طالبان وقيادتها من القاعدة”.

ما هي فرص دول الخليج في المشهد؟

يلفت تشاي إلى أن مدى استعداد دول الخليج لتقديم مزيد من الدعم للولايات المتحدة في مرحلة ما بعد أفغانستان. سيعتمد على مصالحها وأولوياتها الوطنية. حيث ستظل الرياض -على وجه الخصوص- حذرة بشأن التورط في أفغانستان. ومن المرجح أن تبقي على مسافة من طالبان.

يُمثّل الموقف السعودي الحالي تناقضًا ملحوظًا مع دوره التاريخي في رعاية المقاومة الإسلامية للاحتلال السوفيتي لأفغانستان. ودعم الرياض اللاحق لطالبان، حتى اكتوائها بنار القاعدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ما جعل الرياض حذرة من ارتباط طالبان بالجماعة الإرهابية. اليوم، مع التغييرات التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. سوف تجد المملكة الارتباط بحكومة طالبان أمرًا بعيدًا.

أحد السيناريوهات التي قد تحفز الرياض على القيام بدور أكثر نشاطًا في أفغانستان هو “إشراك إيران في الصيد في المياه العكرة” -وفق تعبير تشاي- وفي مثل هذا الاحتمال، يمكن أن يشمل التدخل السعودي استغلال قيادتها السياسية والدينية. للمساعدة في تحقيق المصالحة بين الفصائل الأفغانية المتنافسة، بما في ذلك داخل طالبان نفسها. بهدف استقرار الوضع السياسي واستعادة بعض النفوذ في البلاد. مثلما حدث في عامي 2008 و2009. عندما توسطت الرياض في جولتين من المحادثات السرية بين طالبان وحكومة كرزاي.

ويُعّد تقزيم مشاركة السعودية في أفغانستان اليوم، هو الدور الذي لعبته قطر كمحاور بين الولايات المتحدة وطالبان منذ إنشاء المكتب السياسي لطالبان في الدوحة عام 2013. إلى جانب رعاية المحادثات على مر السنين، بما في ذلك تلك التي أدت إلى اتفاق الولايات المتحدة وطالبان خلال إدارة ترامب.

الدوحة وأبوظبي.. الوساطة والملاذ

صارت الدوحة قناة هامة لنقل الرسائل بين الطرفين. قال مساعد وزير الخارجية القطري، لولوة الخاطر لشبكة CNN. أثناء عمله كوسيط خلال المراحل الأخيرة من الإخلاء في كابول، إن القطريين “يقدمون الخبرة الفنية لتنسيق عمليات الطيران داخل وخارج المطار. كما أنهى وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني زيارة رفيعة المستوى إلى كابول. في محاولة لـ “حث جميع الأطراف الأفغانية على التعاون في المصالحة الوطنية”.

كتب مهران كامرافا مشيرًا إلى أن مشاريع الدوحة في مجال الوساطة هي جزء لا يتجزأ من “دبلوماسيتها المفرطة النشاط”. والتي تشمل العمل كوسيط بين إيران والولايات المتحدة. وقد تم الاعتراف بجهود قطر من خلال تصنيفها مؤخرًا كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج الناتو. مما أدى بشكل فعال إلى الارتقاء بالشراكة بين الدوحة وواشنطن، في حين أقر المتحدث باسم طالبان بفوائد التواصل مع المجتمع الدولي من خلال مكتبها في الدوحة.

لكن، المخاطر على الدوحة تظل كبيرة إذا انهارت المفاوضات وانزلقت طالبان إلى العنف. فقد ألغت الولايات المتحدة بالفعل محادثات مقررة في الدوحة مع طالبان. بعد أن تراجعت في وقت لاحق عن قرارها بالسماح للفتيات بالالتحاق بالمدرسة الثانوية.

أما الإمارات، فقد وفرت ملاذًا للرئيس الأفغاني المخلوع أشرف غني. ولا تزال على اتصال جيد بمسؤولين سابقين في الحكومة الأفغانية. وكثير منهم يمتلك استثمارات عقارية مربحة في دبي. وقد حث رجال الأعمال الأفغان في الإمارات حركة طالبان على السماح بأن تتولى الإمارات عمليات إدارة المطارات في أفغانستان. وسط محادثات مستمرة تجريها المجموعة مع قطر وتركيا. وبعيدًا عن هذه العلاقات التجارية، فإن أفغانستان -في الواقع- ليس لها أهمية استراتيجية تذكر لأبو ظبي.