كشفت الحرب على أوكرانيا وجهًا أوروبيًا مغايرًا لشعارات الحرية والمساواة التي لطالما حملت القارة العجوز لواءها. وجه يشكله التمييز والعنصرية ضد غير أصحاب البشرة البيضاء. وقد وثقته العديد من التقارير التي تناولت أوضاع الملونين اللاجئين الفارين من الحرب إلى القارة الأوروبية.

وقد انتقد رئيس منظمة الصحة العالمية (WHO) الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس هذا الشهر تركيز المجتمع الدولي على الحرب في أوكرانيا. وقال إن هناك أزمات في أماكن أخرى. ويقصد بما في ذلك وطنه إثيوبيا. “لا يتم أخذها في الاعتبار على قدم المساواة، ربما لأن المتضررين ليسوا من البيض”؛ يقول غيبريسوس، وتنقل عنه جريدة “الجارديان” البريطانية.

تساءل الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس عما إذا كان “العالم يولي اهتمامًا متساويًا لحياة السود والبيض على حد سواء”. وقد طالب بالنظر إلى حالات الطوارئ المستمرة في إثيوبيا واليمن وأفغانستان وسوريا، التي لم تحظ سوى بـ”جزء ضئيل” من الاهتمام، مقارنة بأوكرانيا.

في الشهر الماضي، قال تيدروس إنه “لا يوجد مكان على وجه الأرض حيث تكون صحة الملايين من الناس تحت التهديد” أكثر من منطقة تيغراي الإثيوبية.

إن الوقائع التمييزية تجاه الملونين التي كشفتها الحرب الأوكرانية مؤخرًا تروي كيف أن العنصرية لم تنته من عالمنا. بل هي متأصلة في شعوب العالم الأول تجاه دول العالم الفقير. وقد بدت ملامحها جلية في التناول الإعلامي الأوروبي لمأساة الشعب الأوكراني. وكذلك في تدوينات ومقاطع مصورة لعرب وأفارقة وهنود وغيرهم يقولون إنهم منعوا من عبور الحدود فرارًا من الحرب. وقد قيل لهم إن “الأولوية للأوكرانيين”.

إلغاء العبودية لا يعن نهاية العنصرية

في ديسمبر 2019، نشر موقع Hatewatch التابع لمركز قانون الحاجة الجنوبي أكثر من 900 رسالة بريد إلكتروني أرسلها ستيفن ميلر المستشار الرئاسي الأمريكي إلى جهات اتصاله في Breitbart News قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وقد كشفت هذه الرسائل حقيقة صادمة كان الرجل يخفيها.

في رسائله الإلكترونية، دعا ميلر، وكان وقتها مستشار حملة ترامب، إلى عودة مفاهيم مثل التفوق للجنس الأبيض. ذلك بما يشمل نظرية “الاستبدال العظيم”، والمخاوف من الإبادة الفكرية الجماعية لأفكار البيض من خلال الهجرة المستمرة للأرض الأمريكية. كما تناول علم العرق، وكذلك علم تحسين النسل. وربط المهاجرين بالجريمة كما فعل ترامب وروج. وكذلك مجد الكونفدرالية، وروج لكتاب الإبادة الجماعية، معسكر القديسين، باعتباره خارطة طريق لسياسة الولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا: أغيار أوروبا.. الحرب الأوكرانية تكشف أزمة العنصرية في الغرب

والحقيقية إن إلغاء العبودية لم يعن أبدًا نهاية العنصرية. كما أن التطور و”التحضر” لم يمنع أصحابه من أن يكونوا عنصريين. فقط قد لا تكون عنصرية صريحة وقحة. بل دفينة في اللاوعي تخرج للعلن “عن غير قصد”. لكنها في النهاية عنصرية. ولهذا وجدنا في الإعلام الغربي من لا يصدق مشاهد الحرب في أوكرانيا ويتحدث عن منطقيتها في بلاد العرب وأفغانستان. وكأن هناك من يعتبر موته وتهجيره “أمرًا عاديًا” وآخر لا يعقل أن يحدث له المثل.

إن الوثائق المسربة لمستشار ترامب وما تبدى في إعلام الغرب بعد حرب أوكرانيا إنما يستدعي إلى الذاكرة سيرة كو كلوكس كلان الجماعة الأشهر التي وجهت إرهابها تجاه الأفارقة. إلا أن اليوم ليس الأفارقة الأمريكان وحدهم المستهدفين. بل تشمل القائمة المسلمين والمهاجرين واللاتين والآسيويين، وكل من هو ليس أبيضًا مسيحيًا.

الأفكار المتطرفة لا تنمو بغير مناخ داعم

يقول المثل الإنجليزي “التفاح لا يسقط بعيدًا عن الشجرة”. وبالطبع لا يمكن للأفكار المتطرفة أن تنمو إلا عندما يكون حولها عالميًا مناخ داعم. والدعم عادة لا يكون عبر تقديم التسهيلات. بل عادة ما يكون عن طريق غض البصر عن الجرائم التي تحدث وكأنها لم تكن.

جنوب أفريقيا بيضاء:

إن جنوب أفريقيا التي شهدت للمرة الأولى في تاريخها وصول أول رئيس أسود إلى حكمها هو نيلسون مانديلا عام 1994 هي ذاتها التي شهدت في العام 1985 مطالب بالحفاظ على نقاء العرق الأبيض وتراث الثقافة الأوروبية داخل جنوب أفريقيا. وقتها كان القوميون يستهدفون “إبقاء جنوب أفريقيا بيضاء” ليس فقط لأنفسهم ولكن أيضًا لأحفادهم.

صحيح أن تلك المطالب خفتت بمرور الزمن. ولكن لا يمكن نكران وجودها بدليل ما نشره موقع “بي بي سي” قبل أقل من عقد وجاء فيه “الجميع هنا ، بغض النظر عن لونهم، يعرفون أن الأشخاص البيض ما زالوا يتقدمون عالياً، يديرون الاقتصاد. لديهم قدر غير متناسب من التأثير في السياسة والإعلام. لا يزال لديهم أفضل المنازل ومعظم أفضل الوظائف”.

وقد لفت موقع The Conversation إلى العنصرية في مجال التعليم داخل جنوب أفريقيا. حيث “تم إنشاء المدارس الخاصة من قبل البيض ومن أجلهم – وهذا ينعكس في قواعد وعادات المدارس تلك، والتي ينظر إليها على أنها مراكز لجودة التعليم. بينما السود الذين لا يستطيعون تحمل تكاليفها يبقى أطفالهم بلا تعليم جيد”.

أرشيفية
أرشيفية

الإيبولا سوداء:

“بينما لم يلق الإيبولا الاهتمام الذي يستحقه، لاقت الكورونا الاهتمام الأكبر. ذلك لأن الإيبولا عادة ما تصيب أصحاب البشرة السوداء بطبيعتها الجغرافية. بينما الكورونا أصابت الرجل الأبيض وانتشرت في أراضيه فلاقت الاهتمام الذي تستحق”. هكذا ترى هانا جيورجيس من صحيفة The Guardian. وهي تقول إن مثل هذه الأمثلة تلقي الضوء على الطريقة التي ينظر بها العديد من الغربيين إلى تفشي المرض، على سبيل المثال. يُعامل مرض الإيبولا الآن في الخطاب الشعبي باعتباره مرضًا خاصًا بالأفارقة، ولهذا لا يتم النظر إليه باهتمام.

أفضلية العلاج:

تناول موقع منظمة commonwealthfund دور التحيز الضمني والعنصرية البنيوية في خلق وإدامة الفوارق الصحية العرقية. يشير التحيز الضمني إلى القوالب النمطية والأفكار المسبقة المكتسبة التي تعمل تلقائيًا وبلا وعي، بينما تأخذ العنصرية الهيكلية في الاعتبار الطرق العديدة التي تعزز بها المجتمعات التمييز العنصري من خلال الإسكان والتعليم والتوظيف والإعلام والرعاية الصحية والعدالة الجنائية والأنظمة الأخرى، وذكر أن العوامل أكثر من مجرد العنصرية الفردية، أو المشاعر السلبية أو التحيزات التي تحدث بين الأفراد، بل قدم أمثلة على الأنظمة الصحية التي تبذل جهودًا مدروسة لتحديد كيف يلعب التحيز الضمني والعنصرية الهيكلية دورًا في عملهم، وتتعلق معظم الأمثلة بالتفاوتات الصحية بين المرضى السود وأقرناهم من البيض الذي يسكونون في نفس النطاق الجغرافي والذي مازل مستمرًا حتى في آخر 5 سنوات من تاريخ العالم.