مع تصاعد الرغبة في إقامة حوار بين القوى السياسية في مصر وإقرار الدولة بأهميته في بناء الجمهورية الجديدة، قدم محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية تصوره لهذا الحوار المقترح. بينما تحدث لـ “مصر 360” عن ضرورة أن تتكامل الإنجازات التي تحققها الدولة على الأرض في مشروعات البنى التحتية، مع مجموعة من الإصلاحات تتعلق بالحقوق والحريات والممارسة السياسية.

وقال السادات إن الحوار الذي دعا إليه الرئيس وسبق إليه المجتمع المدني والسياسيون هو فرصة جيدة لإزالة الريبة والشك بين المكونات الوطنية المصرية. بينما انعقاده يعزز الجبهة الداخلية ويمنحها قوة لمواجهة التحديات والمخاطر الخارجية. مثمنًا تبني “مصر 360” لهذا الحوار، ليكون قاعدة يبنى عليها، تنطلق منها مؤسسات الدولة، ولتكن مبادرته بمثابة ضربة البداية، لنخرج بتوصيات نتحرك من خلال ما جاء فيها من آراء لنبني عليها.

هل الظروف الحالية مواتية للشروع في حوار وطني؟

لطالما كان الحوار الوطني مطلبًا للسياسيين والحزبيين في مصر منذ سنوات. وأجد أن الوقت حان الآن لأن نبدأ بشكل جدي في هذا الحوار. خاصة بعد تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة، ودعوته لإقامة حوار يتناسب مع بناء الجمهورية الجديدة.

وكنت قد تقدمت باقتراح حول هذا الحوار لمجلس الشيوخ باعتبار أن فكرة الحوار الوطني من أحد مهامه واختصاصاته. وطالبت المجلس بأن يدعو الأحزاب وبعض السياسيين لتبادل الآراء في كل ما يتعلق بالعملية السياسية. وأيضًا مناقشة دور الأحزاب وتحفيز الجماهير للانخراط في الأحزاب، والتشجيع على التطوع في العمل الحزبي. ثم جاءت بعد ذلك الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وبها جزء يتحدث عن العملية السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

أرى أن الوقت قد حان للبدء في الحوار حتى نحقق استقرارًا حقيقيًا، لن يأتي إلا في وجود أطراف سياسية فاعلة تتواجد على الأرض. فلابد للإنجازات التي تتحقق على الأرض في البنى التحتية والمشروعات القومية أن تتكامل مع مجموعة من الإصلاحات تتعلق بالحقوق والحريات والممارسة السياسية. وهذا يحتاج إلى حوار وطني مختلف مع الأحزاب وكل منظمات المجتمع المدني التي لابد أن يأخذ برأيها فيما يخص شؤونها وقضايا الوطن.

أنا لا أرى سببًا مقنعًا أن تعطل الدولة ومؤسساتها هذا الحوار. ولا يوجد شيء يجعلنا نأخر هذا الأمر. فرئيس الجمهورية لم يجتمع منذ انتخابه رئيسًا ألا مرة واحدة مع شخصيات حزبية وعامة. هناك ضرورة ملحة أن نفعّل هذه الدعوة الآن. وأنا أدعو الجميع كل من على أرضية وطنية للحوار. فهذه الخطوة بلا شك ستغلق الباب أمام كل من يدعو للفتن أو يصدر الأزمات.

تجربة “الاستراتيجية الوطنية” وتجميدها دون تطبيق حقيقي لبنودها يفرض تساؤلًا عن الحوار السياسي ومدى تطبيق مخرجاته على الأرض؟

المعني بتنفيذ ما ورد في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان من التزامات هو الأمانة الفنية أو اللجنة الدائمة. وهي لجنة تابعة لوزارة الخارجية، تضع خطة للتكليفات التي وردت في الوثيقة للوزرات والهيئات مثل وزارة العدل فيما يتعلق بالتشريعات الجديدة، ووزارة الثقافة فيما يتعلق برفع الوعي والأمور والثقافية، وهكذا في كل وزارة. والمفترض أن البرلمان يراقب هذا الأداء وما تحقق. بينما يتلخص دور المجلس القومي لحقوق الإنسان في المشاركة بالتدريب ومراقبة تنفيذ ما ورد بالاستراتيجية.

وعلينا أن نعترف أن هناك أمورًا تعطل تفعيل استراتيجية حقوق الإنسان. ومن هذه الأمور للأسف الحديث النمطي عن منظمات حقوق الإنسان. وأيضًا الخطاب الذي يتعلق بالتخوين والعمالة، والذي يسيطر على عقول الكثيرين. هذه أمور تصعب تفعيل الاستراتيجية على الأرض. لذا فإننا بحاجة إلى جهد كبير حتى نثبت للعالم الذي يراقبنا وينتظر ما تحقق وما سيتحقق. ومن هنا تبرز أهمية الحوار الوطني. فمن خلاله يمكن أن نفتح القضايا المؤجلة، ومنها تفعيل ما ورد في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

اقرأ أيضًا: تصريحات الرئيس والحوار.. هل آن آوان تغيير وجه السياسة في القاهرة؟ 

هل ترى ضرورة اقتصار الحوار الوطني على قضايا مثل الحريات والأوضاع السياسية أم يتسع للحديث عن مدنية الدولة ومكافحة الإرهاب؟

لا نريد حججًا وشماعات.. إذا كان فيه إرهاب في فترة ما، الآن الحمد لله انحسر وهو إلى شبه زوال. أما الأوضاع الخارجية والتحديات الدولية والإقليمية، فعلينا أن نعترف أنها لن تنتهي وستظل. ومواجهاتها لن تكون إلا بتقوية الجبهة الداخلية. لذلك أعتقد أن الأهم فيما يتعلق بالحوار الوطني هو تقوية الجبهة الداخلية وبناء حصانة لهذه الدولة من أي مشاكل قد تهددها من الداخل. وهذا يتطلب حياة سياسية قوية.

عندما ندعو للحوار الوطني، لا نريد أن تتشعب منا الأمور. بل يجب أن نركز كيف نبني حياة مدنية ونضع ضوابطًا للتحرك وأسسًا لحياة مدنية وديمقراطية. نريد أن نبني نظامًا سياسيًا يستوعب كل المصريين. خاصة أولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية والوطن يشغلهم. وهذا هو الأساس للحصانة ضد أي عوامل خارجية سواء ضغوط أو حتى تهديدات على الحدود.

ومن هنا، أرى أن نبدأ الحوار من قاعدة شعبية أننا “أخوة” نقعد معًا نتصالح بنية صافية وقلوب مفتوحة، ولنضع حدًا لحالة الريبة بين المكونات السياسية سواء من المولاة أو المعارضة. وأنا أثمن ما يقوم به موقعكم “مصر 360” من تبني هذا الحوار، ليكون مبادرته بمثابة ضربة البداية. ما يمكننا من الخروج بتوصيات ترفع إلى القيادة السياسية. ويمكن أن يكون ذلك بمثابة الفرصة لعودة السُنة الحميدة التي سنها الرئيس في بداية حكمه عندما دعا الأحزاب للجلوس معه. وهذا الجو العام سيكون قادرًا على إزالة كثير من الالتباس، ويمكن أن يحل عددًا من القضايا التي نتحدث عنها الآن، في سقف الحريات وغيرها من القضايا.

أرشيفية
أرشيفية

هناك تخوفات حكومية من استغلال البعض الحوار لخلق حالة تؤدي إلى ما حدث في 2011؟

بالعكس، أنا أرى أن حالة “هات وخد” التي حافظ عليها مبارك هي التي أطالت عمر نظامه. كما أن الشعب تعلم الدرس جيدًا بعد سنوات قاسية جدًا نتيجة ما عشناه وأدى لاستنزاف الدولة ومؤسساتها.. ولابد أن نضع في اعتبارنا أن ما حدث من ثورة على مبارك كان سببه أن هناك ناسا تجهزت منذ عقود للانقضاض على البلد وتسعى لحكمها وما جعلهم ينجحوا في ذلك عدم وجود قوى مدنية سياسية.

ما نتحدث عنه حاليًا هو السعي لخلق قوى مدنية سياسية قادرة على ممارسة العمل السياسي حتى لا نترك البلد لفصيل انتهازي. لأن خلق حياة سياسية هو الضمانة الوحيدة لإيجاد مؤسسات تدافع عن الوطن. خاصةً لو تحدثنا عن مبارك.

صحيح كان فيه الحزب الوطني، ولكنه كان حزبًا قائمًا على المصالح. بمجرد ما قال “بخ” كله جري وتبخر في الهواء. ولذلك ما نسمع الآن من فكرة للحوار هو أن يتم بناء مؤسسات حزبية وطنية قادرة على التعامل والتفاعل مع مصالح الجماهير.

لكن، هل هناك كيان سياسي حزبي في مصر له قاعدة شعبية؟

عندنا أحزاب موجودة في الحياة العامة وتمثل تيارات سياسية مختلفة، بعضها ممثل في البرلمان وأخرى غير ممثلة في البرلمان. نريد أن نمكن هذه الأحزاب وأن يكون لها تواجد في الشارع لنخلق حالة جماهيرية وتنافس في الانتخابات على قاعدة وطنية في الشارع.

يوجد 25 حزبًا تقريبًا في مصر، نستطيع أن نقول إن لها أفكار ولديها أرضية يمكن البناء عليها. لابد أن نعطي هذه الأحزاب مساحة في الشارع. بل ويجب أن نوفر لها إمكانات مالية للحركة.

كنا في السابق نعطى الأحزاب دعمًا ماليًا إذا كان لها تمثيل برلماني أو على الأقل نجد سُبل التمويل الشرعية تحت رقابة الدولة. نريد أن نعطي هذه الأحزاب فرصة حتى نقطع الطريق على التيارات الانتهازية مثل الإخوان وغيرهم.

اقرأ أيضًا:

ماذا لدى المعارضة والقوى السياسية من أجل إقناع السلطة بإقامة الحوار واستمراره؟

في الحقيقة، ليس لدى قوى المعارضة ما تقدمه. إلا أن الحوار فرصتنا الوحيدة ليكون لنا وجود ونشتغل، ونتوصل لاتفاق محترم، يجعلنا نعمل. لا نملك سوى إطار الشرعية الدستورية.

من ترى أن يكون مدعوًا للحوار من الأحزاب؟

كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، بالإضافة لأحزاب لها مصداقية مثل الكرامة والتحالف الشعبي والدستور وعيش وحرية والمحافظين.. كل يأتي للحوار في حدود 25 كيانًا حزبيًا، سواء داخل البرلمان أو خارجه. كما يجب أن تكون قاعدة الحوار أن هناك مسؤولية للسلطة. وهناك في المقابل مسؤولية للمشاركين في الحوار. يجب أن يكون لدى الأحزاب حس وطني يعلي من المصلحة العامة للوطن.

هناك قوى عليها علامات استفهام في التيار الديني هل يمكن أن تشارك؟

ما نتكلم عنه من أحزاب يمارس السياسية من خلال الدستور والقانون وله تمثيل شرعي. وفيما يخص التيار الديني لا يوجد سوى حزب النور الذي له كيان شرعي. أما باقي الأحزاب منها تقريبًا إما تم حظره أو تجمد عمله.

لا نقدر أن نتجاهل حزبًا مثل النور. أرى أن يتم وضعهم على أجندة واضحة للمشاركة في الحوار.

هذا بالنسبة للأحزاب. فماذا عن دور مؤسسات المجتمع المدني الأخرى من نقابات وهيئات وغيره؟

علينا أن نساهم في رفع سقف حريتها في الفترة المقبلة. وكذلك السماح بتأسيس الجمعيات. بل وتنظيم الحق في التظاهر. نحتاج إلى حرية في الإعلام وأن نفتح مجالات ومساحات أخرى للصحافة. ولابد أن نتشارك في وضع حلول للمشاكل والأزمات التي نعاني منها.

هل هناك تفاؤل بشأن الحوار ومقترحاته وكيف ينجح؟

طبعًا، لدي تفاؤل كبير في نجاحه. ذلك لأننا بالفعل نحتاج إلى جمهورية جديدة. وأعتقد أن نجاح ذلك رهن كسر حاجز الخوف لدى مؤسساتنا من التجربة القاسية التي مرت بها البلاد في 2011.

نعذر مؤسسات الدولة لأن ما حدث كان قاسيًا وهدد وجود البلد. لكن كفاية، ولابد أن ننظر إلى ما يكتب في الداخل والخارج عن أي حادثة تحدث لدينا. دائمًا حالة شك وريبة فيما تقوله الحكومة. لكي نزيل حالة الشك، لابد أن نغير الأوضاع ونسمح بمؤسسات المجتمع المدني أن تعمل وتتصدى للمشهد. حتى لو كان هناك مخاطر. لابد أن نتحرك لأن الثابت لن يفيد في شيء والأوضاع من الصعب أن تستمر هكذا كثيرًا. علينا أن نشرع في بناء وتأسيس المستقبل للأجيال القادمة سويًا.

أعتقد أن هناك توجه وحرص من الدولة لإنجاح الحوار. لكن هذا التوجه قد يصطدم ببعض العراقيل خاصة البيروقراطية منها والإجرائي وأمور أخرى تتعلق بتخوفات بعض الأجهزة. إلا أنه في جميع الأحوال أرى أن الفرصة مواتية، وهناك استعداد من الرئيس عبّر عنه في تصريحه الأخيرة.

الرغبة قد تعطلها أمور على الأرض، مثل الهواجس الاقتصادية في ظل تقديرات الموقف تتحدث عن ظروف معيشية صعبة. وأعتقد أن علينا الاستمرار طالما الطريق مفتوحًا. علينا أن نسعى سويا للجلوس على مائدة واحدة، ووقتها سنجد سبيلًا للحل.

هل تعني أن الحوار أحد الأدوات المهمة للحكومة للرد على الانتقادات الضغوط الخارجية؟

لا شك أن صوت الحكومة الرسمي غير مسموع في الخارج. لأنه معلوم بماذا ستبرر. ومن هنا نجد أن صوت المجتمع المدني والأحزاب المعارضة وحتى الصحافة الوطنية التي تقدم رؤى مختلف هو الصوت المسموع. أنت كدولة سواء أخطأت أو تصرفت بحق لن يسمع منك. بينما المنظمات هي التي تدافع وتقدم الحقيقة لأن لديها رصيد.

نرى وما زالنا أن تأثير المؤسسات البحثية ومراكز الرأي والصحف أقوى على صانع القرار. وكذلك تأثير البرلمانات المنتخبة بطريقة حقيقية. ونحن نطرح أسئلة عن جدوى إلقاء القبض على عدد من الشباب وتحويلهم إلى أيقونات، دون أن يمثلوا أي خطورة. لماذا هم محتجزون إلى الآن؟ هي أمور بدأت مؤسسات الدولة تستجيب لها حاليًا بعد رجوح منطق العقل والحكمة. وهو ما أدى للإفراج عن عدد منهم ونتمنى أن يغلق هذا الملف قريبًا.