أعلنت وزارة قطاع الأعمال العام عن خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج وهيكلة الشركات وتطوير المحالج. وتحديث البنية التحتية للمصانع، وتدريب وتأهيل العمالة. على أن يتم البدء في تشغيل مجموعة من المصانع المطورة في الربع الأخير من العام الحالي بتكلفة إجمالية 21 مليار جنيه.

وتعتمد عملية التطوير في تمويلها على دمج العديد من الشركات وبيع بعض الأصول المملوكة لهذه الشركات. والأراضي والمحالج للاستفادة من العائد في تمويل عملية التطوير، الذي يهدف إلى إنشاء مجمعات صناعية متكاملة بالمحافظات. بداية من عملية غزل ونسج القطن وتحضير وتركيب الصبغات، وتصنيع الأقمشة انتهاءَ بالملابس الجاهزة.

وتعد اتفاقية “الكويز” التي وقعت عليها مصر والأردن مع إسرائيل وأمريكا في عام 2004 للتكامل الاقتصادي والتجاري. حجر عثرة في طريق نجاح منظومة التطوير الجديدة.

وتنص الاتفاقية على فتح 7 مناطق صناعية مؤهلة للتجارة الحرة تكون نسبة المكون المحلي المصري من الإنتاج أقل من 35%. فيما تفرض أن يكون نسبة المكون الإسرائيلي 11,7% من المواد الخام. مقابل إعفاء الصادرات المصرية من المنسوجات إلى أمريكية من الجمارك.

وهي الخطوة التي اعتبرها خبراء الاقتصاد وقتها ضربة جديدة لصناعة الغزل والنسيج. فلم تكن إسرائيل تمتلك مكونات طبيعية لإدخالها في الصناعة باستثناء القطن. والذي تم إهمال زراعة الأصناف المصرية الجيدة طويلة التيلة لصالح القطن الإسرائيلي قصير التيلة وتم تعديل خطوط الإنتاج المصرية لتتوافق مع المدخل الجديد. ودخل القطن المصري وصناعة الغزل في أزمة طاحنة وتراجعت نسبة الصادرات المصرية لأمريكا بنسبة 22%.

كما مثلت اتفاقية الكويز عبئاَ على الشركات المصرية في المراحل المتقدمة للاتفاقية، بما دفع الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عام 2011. للمطالبة بضرورة إجراء تعديلاً جديداً يتيح توسيع نطاق الاتفاقية عبر إضافة مناطق جديدة لها. وعمل تخفيض جديد بنسب المكون الإسرائيلي، بحيث لا يزيد عن 8% مثل دولة الأردن ولم تنجح في الوصول إليه حتى ألان.

الكويز وتأثيرها علي التطوير الحالي

اضطرت الحكومة منذ تلك الفترة، للتخلي عن امتيازاتها ضمن البروتوكول وتزوير شهادات المكون المحلي الإسرائيلي. مما زاد من التعنت الإسرائيلي تجاه المطالب المصرية بخفض نسب المكون. ولم تتجاوز قيمة الصادرات المصرية للولايات المتحدة حد الـ مليار دولار بنهاية عام 2018.

النائب أحمد بلال عضو البرلمان المصري عن مدينة المحلة الكبرى أكد استمرار خطة الهيكلة والتطوير في قطاع الغزل والنسيج. مع العمل باتفاقية الكويز والتي لم تلغيها، وتوقع أن يكون تأثيرها طفيف لأنها مرتبطة بالتصدير إلى السوق الأمريكية. كما أنها لم تحدث تأثير قوي لأن القطاع يحقق خسائر منذ سنوات ولم يكن التصدير ذات أهمية له.

وقال بلال لـ360 إن تأثير “الكويز” إذا نجحت الهيكلة الجديدة في إعادة فتح أسواق أخرى أكثر منافسة. تستطيع مصر أن تخرج من إطار الالتزام بنسب المكون التصنيعي لهذه الاتفاقية عن طريق البيع في أسواق أخرى لا تلزمها بهذا الاتفاق.

لكن الدكتور شريف فياض أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، يري أن اتفاقية الكويز على الرغم من أنها تدفع بالقدرة التنافسية وتحسين الإنتاج للتصدير. لكن الالتزام بها يدفعنا إلى تهميش أسواق أخرى أكثر تنافسية مثل السوق الأوربية، وجنوب شرق أسيا، والسوق العربي أو الروسي. ووصف هذه الأسواق بأنها قوية وجاذبة، ويدفعنا الالتزام بالاتفاقية إلى لتركيز على الأسواق الأمريكية في الصادرات.

 مستقبل المشروعات الصغيرة

وقال فياض لـ 360 إن الاتفاقية تقلص نسبة المكون المصري إلى 35%، بالتالي تؤثر على مستقبل المشروعات الصغيرة. في مجال صناعة الغزل والنسيج مثل “إحلال واردات” أو مدخلات الصناعات الحلقات الوسيطة. التي قد تحد من حجم المستورد منها مثل بعض المعدات والآلات البسيط المستخدمة في صناعة الغزل.

وأكد فياض أن الالتزام بالاتفاقية يجعل الصناعة المصرية أقل مرونة، وتجعلنا مستوردين للتضخم الخارجي. وتأصل التبعية الاقتصادية وبالتالي أي مشكلة اقتصادية عالمية تنعكس على مصر. وطالب الحكومة المصرية بإعادة النظر فيها.

خسائر قطاع الغزل والنسيج

يصل رأس مال صناعة الغزل إلى 50 مليارات جنيه وتساهم في الناتج الإجمالي بنحو 3%. بلغت خسائر الشركة القابضة للغزل والنسج نحو 2.7 مليار جنيه في عام 2018.

هذه القلاع أخذت في التدهور، مع اتجاه الدولة لتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي في السبعينات صدر القانون رقم 13 لسنة 1974 المعروف بقانون الاستثمار. ومع الحاجة الملحة لهيكلة وتطوير الصناعة لجأت العديد من الشركات للاقتراض من البنوك. لتمويل عمليات الإحلال والتجديد مما أدى في النهاية إلى انهيار كثير منها. بالإضافة إلى مشكلة التهريب التي كانت سبباً في تكبد الشركات المصرية خسائر فادحة على مدار الأعوام الماضية. ومع تحرير سعر الصرف زادت المشكلات نتيجة لارتفاع أسعار الغزول المستوردة وعدم توافرها. وهو ما أدى إلى توقف العديد من المصانع عن العمل.

أرجع شعبان عبد الكريم رئيس اللجنة النقابية بشركة الإسكندرية للغزل والنسيج سابقا الخسائر إلى إهمال إحلال وتجديد الآلات والمعدات. وترهل النظام الإداري، وارتفاع تكلفة مستلزمات الإنتاج والعجز عن تسويق المنتجات مما تسبب في تراكم المديونات على الشركات.

تابع شعبان أن أزمة السيولة وتهالك المعدات دفع العديد من هذه الشركات إلى الاقتراض من البنوك بفائدة وصلت إلى ٢٠٪ في بعض الفترات. أدخلتها في مشاكل طاحنة وأدى ذلك في النهاية إلى انهيار كثير منها.

كما ساهمت أزمة عدم توافر الغزول خاصة بعد تحرير سعر الصرف في توقف العديد من المصانع عن العمل. بالإضافة إلى مشكلة التهريب التي كانت سبباً في تكبد الشركات المصرية خسائر فادحة على مدار الأعوام الماضية.

الفرائض الغائبة

النائب أحمد بلال أرجع أسباب خسائر القطاع إلى غياب بعض “الفرائض” على حد وصفه. والتركيز على تطوير القطاع العام دون إصلاح بعض الجوانب التي لها علاقة مباشرة بالصناعة في القطاع الخاص مثل الإجراءات الجمركية وفرض الضرائب. على كل مرحلة من مراحل التصنيع فالقطاع الخاص مكبل بالضرائب من وجهة نظره مما يؤدي للتهرب الضريبي وضرب فواتير.

وقال بلال إن صناعة الغزل والنسيج تعتمد على قطبين أحدهما تابع لوزارة الصناعة والأخر تابع لقطاع الأعمال العام. لافتا إلى غياب التنسيق والتكامل بينهم، فهناك مصانع خاصة لديها أزمة في الغزل ومصانع القطاع العام ترفض التوريد.

وطالب بلال بإنشاء هيئة مستقلة تكون مسؤولة عن عملية الغزل والنسيج تشترك فيها كل الهيئات والوزارات ذات الصلة بالقطاع. بداية من الزراعة وتحديد الأصناف والكميات التي تحتاجها التصنيع.

وذكر أن الهند عندما استحدثت وزارة للغزل والنسيج استطاعت أن تغزو العالم بمنتجاتها وتشغيل أيدي عاملة وتقليل نسب البطالة.

دمج الشركات

قامت وزارة قطاع الأعمال بدمج 22 شركة غزل ونسيج في 9 شركات، ودمج 9 شركات تجارة وحليج أقطان في شركة واحدة. والإبقاء على 7 محالج وتطويرها من ضمن 15 محلجا على مستوى الجمهورية، يعود تاريخ إنشاؤها إلى القرن الـ19. وتحديداَ إلى 1880، فيما تم افتتاح 4 محالج تم تطويرها بمحافظة الفيوم وأخر بمدينة الزقازيق، وكفر الدوار وكفر الزيات.

محمد عبد السلام رئيس غرفة صناعة الملابس والمنسوجات باتحاد الصناعات، يرى أن عملية الدمج بداية مبشرة ومفيد لتوحيد الإدارات. وتسهيل عملية المراقبة والاستفادة، من خبرات خارج القطاع الحكومي لان المعضلة من وجهة نظره كانت في الإدارة التي تفتقد إلى الكفاءة.

وقال عبد السلام لـ360 إن الوزير هشام توفيق استعان بخبرات إدارية عاملة في شركات “انترناشونال” في هيكلة القطاع لديها خبرات دولية. كما ربط الوزير وفقا لعبد السلام بين قيمة الأجر وحجم الإنتاج. إضافة لشراء المعدات الحديثة وتدريب الكوادر للعمل عليها.

بُعد اجتماعي

وتعرف صناعة الغزل والنسيج بأنها صناعة وطنية خالصة من مساهمة أموال المصريين في بنك مصر الذي أنشأه طلعت حرب. وأسس من رأس ماله مجموعة من الشركات لتصنيع القطن المصري طويل التيلة. الذي كان يتم تصديره إلى مصانع النسيج في انجلترا وتسخير الأيدي العاملة المصرية في عملية الزراعة فقط.

كانت أهم شركة أنشأها طلعت حرب هي شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى. ثم تتبع ذلك إنشاء العديد من الشركات بعد ثورة 1952 وأصبحت هناك قلاع لصناعة الغزل والنسيج في الإسكندرية. وكفر الدوار وشبين الكوم، وشبرا الخيمة، وحلوان وغيرها.

تبدأ صناعة المنسوجات بعملية تسلسل بداية من حلج القطن وكبسه ثم مرحلة الغزل ثم النسج والتجهيز. مما يجعلها أحد أهم الصناعات في استيعاب الأيدي العاملة.

يذكر محمد سند رئيس اللجنة النقابية بشركة غزل المحلة أن صناعة الغزل والنسيج في مصر كانت تستوعب ما يقرب من مليون و200 ألف عامل. وانخفض هذا الرقم للنصف تقريبا، لذلك جاء توجيه رئاسي بإنشاء كيانات متكاملة لصناعة الغزل والنسيج بالمحافظات. تبدأ من زراعة القطن وتنتهي بتصنيعه وعلى رأسها شركات غزل المحلة وغزل شبين الكوم لما يمكنها المساهمة في حل مشكلة البطالة. بالإضافة إلى دورها في إنقاذ الاقتصاد المصري من عثرته.

وقال سند لـ360 إن طاقة العمل في شركة غزل المحلة وحدها كانت 43 ألف في الثمانينيات. ووصلت الآن إلى 13 ألف حيث توقفت الشركة عن إدخال عناصر جديدة مع التوسع في سياسة التسريح عن طريق المعاش المبكر.

إلى أي محطة وصل قطار التطوير

يرى سند أن عملية التطوير تبدأ من زراعة القطن التي أُهملت خلال السنوات الأخيرة وأحدثت أزمة في المصانع المصرية لغياب المواد الخام. وكانت تعتمد على الاستيراد من الخارج لأصناف تتفق مع خطوط الإنتاج. لافتا إلى ضرورة أن تتسق عملية الزراعة في الأصناف والكميات مع احتياجات السوق المصري.

وذكر أنه تم إنشاء مصنع جديد بالمحلة، على مساحة 1600 فدان. ويتم تدريب العمال حاليا على المنظومة الجديدة داخل مدرسة التدريب التابعة للشركة للعمل في المصنع الجديد عند افتتاحه بالنصف الأول من 2023. كما تم تطوير مصنع غزل 4 و6 للعمل بنفس كفاءة المصنع الجديد. ووفقا لسند تم رفع الطاقة الإنتاجية بمدينة متكاملة من أول مصنع الثلج اللازم للمواد الكيمائية الخاصة بالأصباغ انتهاء بإنتاج الأقمشة والملابس.

وأشار سند أن الأمور لم تستقر بالشكل المطلوب في الشركة فهناك مصنع 1،2،3،5 ومصنع الملابس والصوف والتجهيزات يحتاجون إلى تطوير. متوقعا أن يتم إدراك النواقص بعد استكمال عملية التطوير، وأضاف أن الوزير يقوم بدفع الكوادر الشبابية في الإدارة.

وقال عبد الكريم لـ360 أن خطة التطوير تتم عن طريق بيع جزء من الاراضي والأصول التابعة للشركات. وقرض بضمان وزارة المالية يبلغ قيمته 21 مليار لتطوير القطاع بالكامل.

وأضاف النائب أحمد بلال أن عملية التطوير تتم من خلال دمج الشركات بحيث لا تكون منافسة لبعضها البعض. على أن تتخصص كل شركة في نوع من الغزول والمصنوعات مختلفة عن الآخر في عملية تكاملية.

وأشار إلى تأسيس شركة باسم “نت” إله النسيج في مصر الفرعونية تختص بوضع علامة تجارية لتسويق المنتج المصري بالخارج.