مؤخرا تم الإعلان عن جبهة الإسلام السياسي العريض في السودان، وذلك بعد الإفراج عن رموز كل من حزب المؤتمر الوطني المنحل وبعض رموز نظام البشير من الإسلاميين. الإعلان أسفر عن فزع خليجي وتساؤلات ضخمة عن موقف النظام السياسي المصري المعادي تاريخيا للإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي علي خلفية انتهاجهم العنف وسعيهم إلى سلطة، حصلوا عليها منذ عقد في مصر ولكنهم أهدروها لأسباب تتعلق بموقفهم من الدولة الوطنية، وافتقادهم إلى آليات الحكم المعاصرة.

وربما يكون من المهم في هذه اللحظة إلقاء الضوء على التحالف الإسلامي الجديد في السودان ومحاولة تلمس فرصه في المعادلة السياسية السودانية، هذا إذا استمرت مؤسسة الدولة السودانية ذاتها على المستوى المنظور.

التحالف تم تكوينه من 10 تنظيمات وتيارات إسلامية في السودان من ضمنها السلفيون، ومن أبرزها حركة “الإصلاح الآن” التي يترأسها غازي صلاح الدين، المنشق عن نظام البشير عام 2013 والمنتمي تاريخيا إلى الجبهة القومية الإسلامية، وأحد تلاميذ د. حسن الترابي مؤسس الجبهة في السودان.

الحركة الإسلامية السودانية كانت حاضرة برمزها أمين حسن عمر، الذي شغل عدة مناصب تنفيذية وقيادية في نظام البشير السياسي، وكذلك منبر السلام العادل المسئول جزئيا عن تقسيم السودان والمنسوب إلى مؤسسه الراحل الطيب مصطفى خال البشير، والذي امتلك أكثر الخطابات عنصرية وبذاءة سياسية في التاريخ السوداني الحديث.

أما الإخوان المسلمين فقد مثلهم قيادتان بتنظيمين منفصلين، وقيادات شابة، حيث مثل التنظيم العالمي عادل على الله، بينما مثل جماعة الإخوان المسلمين السودانية عوض الله حسن، وهما جماعتان لكل منهما قيادتها ورؤيتها المنفصلة. كما انضم للتحالف الإسلامي الوليد تحالف العدالة القومي برئاسة التجاني السيسي، وهو من دارفور ولا يملك تأثيرا كبيرا لا في المعادلة السياسية السودانية، ولا في دارفور، وذلك على خلفية تماهيه مع نظام البشير. وإلى جانب هؤلاء جميعا هناك تيار النهضة تحت قيادة محمد مجذوب ومبادرة وحدة الصف وتضم هؤلاء الذين اختاروا عدم الانخراط في تقسيم الجبهة القومية الإسلامية عام 1999 بين البشير والترابي.

السلفيون كانوا حضورا في التحالف الإسلامي الجديد من أكثر فصائلهم تشددا بقيادة محمد علي الجزولي حيث أيدوا في وقت من الأوقات تنظيم الدولة الإسلامية داعش.

أما حزب الترابي المؤتمر الشعبي، والذي تكون بعد المفاصلة الشهيرة بين الترابي والبشير عام 1999، وأكبر التنظيمات المتحالفة قاطبة فقد رفض هذا التحالف الجديد، مستندا -ربما- إلى أنه كان من المشاركين في ثورة ديسمبر ضد البشير، وبالتالي حجز مكانة ما بين القوي الثورية  فلا يعقل أن ينضم لحلفاء البشير التاريخيين بأحمالهم المؤذية من استبداد وفساد، كما أنه ربما يكون الحزب الأكثر خبرة على المستوى السياسي بين حالتي الحكم والمعارضة خلال الثلاثين عاما الماضية بأسباب إخفاقات الإسلام السياسي في السودان على المستويين النظري والعملي، وفي هذا السياق تم تصنيف التحالف الإسلامي الجديد من جانب حزب المؤتمر الشعبي أنه كيان أيديولوجي مغلق، بينما حزب المؤتمر الشعبي يتحرك كحركة سياسية تسعي لجمع جميع أهل السودان.

حزب المؤتمر الوطني المنحل والمحسوب أيضا على الإسلاميين فلم ينضم للتحالف الجديد لسببين الأول أنه يريد عودة الحزب قانونيا عبر القضاء وهو ما سيتيح له الحصول على مقاره في أنحاء السودان وربما أيضا أمواله، وهو مكسب قد لا تكون فرصه مواتيه إذا ما انضم إلى التحالف الإسلامي الجديد، أما السبب الثاني فهو قياس فرص وقوة التحالف الجديد في المرحلة المقبلة.

لماذا يبرز الإسلاميون السودانيون الآن؟

أسباب عدة وراء نشوء التحالف الإسلامي العريض منها إشارات التشجيع التي صدرت عن سلطة الأمر الواقع في السودان خصوصا بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث تم الإفراج عن بعض المنتسبين لنظام البشير وأبرزهم غندور رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل. وعلى عكس التحليل القائل بأن خطوة البرهان متعلقة بالاحتياج إلى حاضنة سياسية بديلة عن حاضنة الحرية والتغيير فإن خطوة البرهان في تقديري مرتبطة بأمرين: الأول تأجيج الصراع بين اليسار والإسلاميين وهو صراع تاريخي يجعل الفريق عبد الفتاح البرهان قادرا دائما على الإدارة بمناهج الأزمة المعروفة فكل من اليسار والإسلاميين ترياق للآخر على الشاكلة التي استخدمها الرئيس الراحل أنور السادات ضد اليسار في مصر مطلع الثمانينيات وكانت وراء تغول الإسلام السياسي في المنطقة لفترة طويلة.

أما السبب الثاني لدى البرهان فهو جني أرباح مكرمة الإفراج عن الإسلاميين في إطار صراعه غير المعلن مع غريمه ونائبه محمد حمدان دقلو، حيث بدأ تراشق بين الإسلاميين وحميدتي، خصوصا بعد أن لجأ أنس عمر القيادي الإسلامي المفرج عنه حديثا ورئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل في الخرطوم إلى التواصل مع موسي هلال عم حميدتي وغريمه والرجل المؤثر في إقليم دارفور.

ولعل من المهم هنا رصد أن فشل قوى الحرية والتغيير في وضع استراتيجية للتعامل مع قوى النظام القديم بخلق تمايز بين الفاسدين ماليا وسياسيا وغيرهم، في مراحل مبكرة بعد خلع عمر البشير جعل الإسلاميين كتلة شبه صلبة ضد الثورة السودانية باستثناء حزب المؤتمر الشعبي الخارج عن التحالف الجديد أصلا، وهو ما يرشحهم أن يقودوا معارك ضد قوى الحرية والتغيير.

على أية فرص التحالف الإسلامي العريض في تحقيق وزن سياسي عبر الانتخابات القادمة في السودان المشروطة باستمرار مؤسسة الدولة ذاتها حتى هذا التوقيت، ربما لن تتجاوز 20% وذلك لعدد من الأسباب منها أن لجوء البرهان للإسلاميين هو مرحلي وتكتيكي وليس استراتيجيا، خصوصا في ضوء المخاوف الإقليمية من صعود إخواني جديد في السودان. ومن الأسباب أيضا أن الفصائل الإسلامية سوف تنافس بعضها البعض في الدوائر الانتخابية، وربما يكون الرابح من بين هؤلاء هم السلفيون الذين قد يحصلون على تمويل خليجي ليس بالضرورة أن يكون بآليات رسمية، ولكن ربما يكون من بوابات شخصية، ومن المرجح أن تقوم قطر بهذا الدور.

ويرتبط الوجود السياسي الهامشي للإسلاميين في المشهد السياسي القادم أن جماهير قوى الحزبين التقليديين الأمة والاتحادي سوف تعوق صعودا صاروخيا للإخوان المسلمين مرة أخرى في السودان رغم وجودهم المؤثر في القوات المسلحة السودانية، خصوصا مع المجهودات الراهنة لهندسة البيئة السياسية السودانية، بحيث تعود لنفس مكوناتها القديمة، وذلك مع السعي المصري لوحدة الحزب الاتحادي، وفي ضوء فرص عبد الرحمن الصادق المهدي أن يسيطر على قيادة حزب الأمة القومي في الفترة القادمة صاعدا على جناح طائفة الأنصار التي تشكل رقما انتخابيا مؤثرا، وذلك على الرغم من كونه كان مشاركا في نظام البشير كمساعد له، وهو ما اعتذر عنه عبد الرحمن بعد سقوط البشير في نهايات عام 2019.

وأخيرا تبقى القاهرة تراقب عن كثب قدرة البرهان على إدارة التوازنات الداخلية بطريقة تمنع صعود الإخوان في السودان، وتجعل البيئة السياسية أكثر قدرة على إنتاج توافق ما قبل الانتخابات، وهو أمر قد لا توجد له مؤشرات واقعية حتى الآن بدليل عدم القدرة على تشكيل الحكومة السودانية رغم تصاعد التوقعات بهذا الشأن خلال الأسبوعين الماضيين، وهو ما يعني استمرار حالة الشلل السياسي في السودان وما يرتبط به من انهيار اقتصادي وسيولة يجعل استمرار مؤسسة الدولة على المحك.