حين نشاهد عملا من أعمال الدراما نتمنى أن تصبح إحدى الشخصيات حقيقية ونقابلها أو ندخل برأسنا في الشاشة ونشاركهم الأحداث. بطل وسيم جدع. أب حنون لا يفرق بين ولد أو بنت. صديقة عُمر لا تتغير. حبيب يحارب ويؤمن بأفكار حبيبته. نتمنى ونبحث وتُرضينا الأفلام والمسلسلات وتُقدم لنا هذه الأماني.
في مسلسلات رمضان هذا العام تمنيت أن أقابل في حياتي اُنسي وشكيب. وأن يعوضني الله بشخص كشفيع. وأن يمنحني القدر صديقا مثل يحيى. وأن يبعد عني أمثال سيف.
أُنسي.. أحلام سعيدة
زوج مثالي وأب متفهم. في بداية حلقات المسلسل لا أفهم لماذا أنسي يتبادل الأدوار مع زوجته نيفين؟!. وكيف يراعي البيت والأولاد ويتلقى ملاحظات وانتقاد نيفين بكل هدوء.
فيما بعد أُدرك أن أُنسي كان يعمل وزوجته تعمل ولكن في السنوات الأخيرة تم الاستغناء عنه وتم فصله من عمله.
بحث كثيرا عن عمل آخر وترك سيرته الذاتية في العديد من أماكن العمل. وأثناء انتظاره أخذ يرعى البيت. يُنظف ويطهو ويذاكر للأبناء ويتابع معهم دروسهم ويذهب بهم للتمارين ويشتري الطلبات ويرتب الغسيل.
الجميل في أنسي أنه كان يفعل ذلك بكل حب ورضا. ليس لأنه يريد التسلية وتضييع الوقت. ولا لأنه مجبر على هذا الوضع. ولكن لأنه أحب هذا الدور في البيت. وكذلك هو لم يستسلم وظل يبحث عن عمل.
والأجمل في أُنسي أنه كان يتقبل انتقادات نيفين في حين أن وضعه الجديد بعد تركه عمله لم يجعل منه زوجا غاضبا أو عصبيا. فقد جعل نيفين زوجة تنتقد زوجها. تنفعل عليه أمام الأبناء. ومع الوقت بدأت “تعايره” بأنها هي التي تنفق وهي التي تُعول البيت. وتدفعه دفعا للقبول بأي عمل حتى وإن كان لا يتناسب مع خبراته السابقة ولا اهتماماته.
يجلس أُنسي على سفرة الطعام بجانب نيفين التي تقرر أن تجلس هي على رأس الطاولة بين ضيوفهم. فلا يُنكر أنه هو من طبخ الأكل كله ويفتخر بين أبنائه وضيوفه بوقوفه في المطبخ وشطارته في الطهي. يغضب من جلوس نيفين مكانه ولكنه يؤجل العتاب. مجرد عتاب لا زعيق ولا عصبية. وحين يتمرد عليها يتمرد بلطف وبشكل راق. فيطنش مهام البيت و”يستعبط” على نيفين. لا يصطدم معها ولكن يبعث لها برسالة بالمحسوس أنه فاض به.
نبحث عن هذا الأُنسي ليؤنسنا كرجل وكأب متفهم يساوي بين ابنه وابنته في المعاملة. وكزوج متعاون لا يعاني عقدة نقص.
شفيع.. فاتن أمل حربي
الأب البديل. الحنان بلا مقابل. العوض والرزق من الله في صورة شخص. الطبيب البيطري الحالم. صاحب محلات الجزارة ورئيس جمعية محبي المطرب محمد فوزي. يضم فاتن تحت جناحه ويشملها برعايته. فيما يتصدى لسيف ويدفع أتعاب المحامي. يُقيم الحفلات في حديقته للبنات حتى يدعمهم معنويا. ابن الناس الذي نكتشف أنه كان نزيل إحدى المصحات النفسية وكان زميلا لوالد فاتن التي ظنت أنه تخلى عنها صغيرة وأنه مات. بدافع من ولائه لصديقه في المصحة وبدافع من إنسانيته يمنح فاتن حبه الأبوي بلا شرط ولا حدود.
يُقدم لها شقة وقت أن كانت شريدة ببناتها في الشارع وفي دار ضيافة تابعة لوزارة التضامن فيما بعد. يقدم لها بيتا ودعما قانونيا وأمنا وحبا كأب طبيعي نرجوه جميعا من الله. ولكن لا يحظى به الكثير. قليلون فقط هم المحظوظون بأب موجود لجوارهم دائما مثل شفيع.
شكيب.. فاتن أمل حربي
محامي اليويتوب. الباحث عن اللايكات والشهرة والتريند. يبدو للوهلة الأولى أنه مادي فقط. ولكن مع الوقت نكتشف أنه محام أمين. نعم يُريد أن يأخذ أتعابه ولكنه يصبر على فاتن. يتعاطف معها ولا يفكر في أن “يبيعها” للخصم كما يفعل كثير من المحامين. خفة ظله ودعاباته وقفشاته تُعطي صورة الرجل التافه. فقد شاع أن أي شخص يحب الهزار ويُلقي الدعابات هو بالتأكيد شخص خاوٍ وليس لديه ما يقدمه. بينما في الحقيقة أن إلقاء الدعابات وتوقيت رمي الإفيه دليل على الذكاء والثقافة وسرعة البديهة. وهذا هو شكيب. يبدو خفيفا ولكنه في الأصل محام ذكي لا يخون موكله ويحاول التعلم والترقي ولا ينكر حاجته إلى المساعدة حين لجأ لمستشار قانوني سابق في المحكمة الدستورية ليُحسن من مذكرة الدعوى في قضية فاتن.
قليلون فقط من يجدون مثيل شكيب في طريقهم في محكمة. سواء محام يقف بجوارهم أو حتى وهو محام لخصمهم.
يحيى.. أحلام سعيدة
صديق الطفولة وعشرة السنين. زميل التختة والبلاوي والأسرار. يقع يحيى في مكان بين الصديق الحميم والحبيب الذي لم تكتمل قصته. يتخبط بين فريدة وصالح أخيها وصديقه أيضا. فهو صديق للأسرة منذ الصغر. يمتاز يحيى بأنه قريب مكانا ومكانة. فكلما طلبته فريدة على الهاتف “سيري.. كول يحيى” فيأتي يحيى فورا. لا أستطيع أن أجزم أنه دائما جوارها لأنه يحبها أو لأنه صديق وفي متعاطف معها في محنتها. ولكن حتى لو أنه فقط صديق مقرب فهذا يكفي لفريدة في هذه المرحلة المرتبكة في حياتها.
كلنا نريد هذا الـ”يحيى” الذي يلبي النداء سواء فجرا أو ليلا. يهرول معنا إلى القسم لو حصلت مشكلة. ويستمع لنا ويُنصت ويمتص غضبنا. هنيئا لمن لديها هذا الصديق.
عرفات.. دراما جزيرة غمام
ربما زُهده ميزة تخصه هو. تنعكس في تعاملاته بالطبع. ولكن ما يخصني ويجذبني في عرفات هو حبه للجمال والسكينة التي تتجلى على وجهه وفي كلماته. عرفات يحب البحر والموسيقى والعمل اليدوي. فيما لا يحب أن يخاطبه أحد بالشيخ ولا يتكسب من وراء الدروس الدينية. هو فقط يمنح السلام الذي بداخله للآخرين. يُعلم الأطفال المحبة والتسامح.
يكشف لي أن حب الحياة هو حب الله. ويؤكد لي أفكاري بأن حب الطبيعة والناس وتقبل الموت هو جزء من العبادة. فالدين ليس عبارات نرددها ولا صلاة وصوم بل أفعال حسنة تدعمها. ربما هو شخصية خيالية غير موجودة –ربما لأن به العديد من صفات السيد المسيح عليه السلام- ولكن أتمنى أن يكون هناك في هذه الحياة القاسية عرفات واحد على الأقل فأطمئن أن هناك من يحاول في هذه “المخروبة”.
جابر.. دراما راجعين يا هوى
مدرس الفلسفة الذي ظل طوال حياته بعيدا عن الناس و”قافل على نفسه” هربا من الناس ومشاكلهم. ولكن المشاكل جاءته بعودة بليغ لمصر.
بدأت أزمة بليغ وأبناء إخوته فوجد عم جابر نفسه فجأة وسط هذه المشاكل. حبه للفلسفة دفعه للابتعاد أيضا عن الزواج والحب والارتباط. رافضا محاولات صفية تلميذته الهائمة في حبه منذ أن كان أستاذها. ولكنه فضل “روقان دماغه” عن الوقوع في التزام ومشاركة حياة.
هو رجل طيب ولو كان تزوج لكان أبا طيبا حنونا سهل المعشر. ليس لديه طلبات كثيرة سوى أن تعد له الكركديه الأسواني الذي لا يشرب سواه. فيما زهده يمنحه علامة مميزة بين الناس المشتبكة في الحياة. ابتعاده عن التفاعل والاكتفاء بالمراقبة يجعله يرى جيدا ويجد الوقت ليفكر ويعرف. ويكون نظريات جديرة بالأخذ في الاعتبار. فيُصبح وجوده في دائرة معارفك أمرا مُطمئنا.